وسط تضارب روسي أوكراني.. ماذا يعني الانتصار في معركة باخموت؟

صورة جوية غير مؤرخة لمدينة باخموت وسط تصاعد للدخان جراء القصف الروسي - REUTERS
صورة جوية غير مؤرخة لمدينة باخموت وسط تصاعد للدخان جراء القصف الروسي - REUTERS
دبي- الشرق

تضاربت التصريحات الروسية والأوكرانية بشأن السيطرة على مدينة باخموت في شرق أوكرانيا، فرغم إعلان مجموعة فاجنر شبه العسكرية الروسية سيطرتها على المدينة ورفع العلم الروسي على مبنى بلديتها، قالت كييف إن باخموت "لا تزال أوكرانية".

ومنذ أشهر، تحاول مجموعة فاجنر والجيش الروسي السيطرة على باخموت وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية محدودة لكنها اكتسبت أهمية رمزية كبيرة بسبب طول مدة المعارك حولها.

وأعلن يفجيني بريجوجن رئيس مجموعة فاجنر  الأحد، أن قواته رفعت العلم الروسي فوق مبنى الإدارة، إلا أن الرئاسة الأوكرانية قالت إنه لا صحة على الإطلاق "لادعاءات" سيطرة روسيا على باخموت، وأن المدينة "لا تزال أوكرانية".

وذكر المتحدث باسم القيادة العسكرية الأوكرانية الشرقية سيرجي تشيريفاتي لـ"رويترز" أن المكان الذي رفعت فيه القوات الروسية علمها ليس معروفاً، وأنها زعمت زوراً الاستيلاء على المدينة. وأضاف "لقد رفعوا العلم على مراحيض. رفعوه في مكان مجهول، علقوا قطعة قماش وقالوا إنهم استولوا على المدينة. حسناً، فلندَعهم يعتقدون أنهم استولوا عليها".

وأحرزت روسيا، التي تقول إنها ضمت ما يقرب من 20% من أراضي أوكرانيا، تقدماً في الأسابيع الأخيرة قرب باخموت، لكن هجومها الشتوي لم يسفر حتى الآن عن السيطرة الكاملة على المدينة.

وتقول روسيا إن الاستيلاء على باخموت سيكون خطوة نحو الاستيلاء على منطقة دونباس الصناعية المكوّنة من دونيتسك ولوغانسك. فيما تقول دول غربية إن القيمة الاستراتيجية لباخموت ضئيلة.

فما أهمية السيطرة على باخموت؟ وماذا إذا سقطت تحت السيطرة الروسية؟

ما أهمية المعركة؟

رغم أن أهميتها الاستراتيجية موضع تباين، باتت المدينة رمزاً للصراع بين موسكو وكييف للسيطرة على هذه المنطقة الصناعية في شرق البلاد.

ومدينة باخموت التي كان عدد سكانها 70 ألف نسمة قبل الحرب، دمرت إلى حد كبير خلال القتال الذي خلف أيضاً خسائر بشرية فادحة لدى الجانبين، بحسب "فرانس برس".

وبحسب السلطات، فقد دُمّر أكثر من نصف مباني باخموت. كما أنّ الجسر الذي يمرّ فوق النهر الصغير الذي يعبر المدينة لم يعد أكثر من مجموعة متشابكة من الألواح الخشبية والإطارات والمنصّات النقّالة.

وقال مستشار وزارة الدفاع الأوكرانية يوري ساك لشبكة "سي إن بي سي" في مارس، إن "باخموت لم تعد مدينة كبيرة، بل تحولت إلى أطلال، وتم تدمير كل مرافقها. هناك بضعة آلاف من الأشخاص يعيشون في ملاجئ تحت الأرض، لكنها تبقى مدينة مهجورة. لذلك، لا أعتقد أن هناك أي قيمة للمدينة من الناحية الاستراتيجية حتى بعد سقوطها في يد القوات الروسية".

وبحسب "سي إن بي سي"، فإن السيطرة على باخموت أصبح تحدياً مهماً بالنسبة لمجموعة فاجنر، التي تريد أن تثبت كفاءتها للكرملين ووزارة الدفاع الروسية في هذه المعركة التي استمرت لأشهر.

وتتصدر مجموعة "فاجنر" الخاصة للمرتزقة منذ أشهر الهجوم على باخموت متكبدة خسائر فادحة وجندت العديد من عناصرها في السجون الروسية لإرسالهم إلى القتال في أوكرانيا.

وقدرت تقارير غربية أن مجموعة فاجنر جندت خلال الأشهر الماضية نحو 50 ألف مقاتل، وأرسلتهم جميعاً إلى ساحة المعركة في باخموت، بحسب إذاعة أوروبا الحرة، في خطوة تبرز أهمية السيطرة على المدينة بالنسبة للمجموعة الروسية.

لماذا ترفض أوكرانيا التراجع؟

منذ بدء الهجوم الروسي على مدينة باخموت، قاومت القوات الروسية باستماتة، بالرغم من تكبدها خسائر مادية وبشرية كبيرة، وذلك مخافة أن تحدد خسارة المدينة مسار الحرب.

ورفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الانسحاب من المدينة بعد التقدم الروسي في الأشهر الأخيرة. كما أمر باستدعاء المزيد من القوات للدفاع عن باخموت.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية  في تقييم استخباراتي، إن الدفاع الأوكراني عن باخموت تسبب في إضعاف القوات الروسية، وتعميق الخلافات بين مجموعة فاجنر ووزارة الدفاع الروسية حول تخصيص الذخائر.

وأكدت أوكرانيا أن انهاك الجيش الروسي الآن سيسهل عليها هجومها المضاد في وقت لاحق هذا العام، مشيرةً إلى أن الخسائر التي تكبّدتها روسيا هناك يمكن أن تحدد مسار الحرب مستقبلاً، مع توقع معارك حاسمة في وقت لاحق هذا العام عندما يكون الطقس أفضل ومع تلقي أوكرانيا المزيد من المساعدات العسكرية، بما في ذلك دبابات قتال ثقيلة، بحسب "رويترز".

ومع بدء وصول الدبابات الغربية لأوكرانيا قبل هجوم مضاد متوقع، نقلت وكالات إعلام روسية، في مارس الماضي، عن مصدر لم تُسمه، قوله إن موسكو أرسلت مئات الدبابات الجديدة وأخرى تم تجديدها إلى منطقة الصراع.

تحفظ غربي بشأن باخموت

غير أن الدفاع عن باخموت تسبب في "تصدعات" في علاقات واشنطن بكييف، بحسب فادت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، التي أفادت بأن واشنطن عبرت عن قلقها من أن تخسر أوكرانيا الكثير من الأرواح والذخيرة في باخموت بشكل قد يؤدي لاستنزاف قدرتها على شن هجوم مضاد كبير في الربيع.

وفي مارس الماضي، صرح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن،  أن مدينة باخموت "لها قيمة رمزية أكثر من كونها استراتيجية أو عملياتية" مشيراً إلى أن سقوطها "لن يغير مسار الحرب".

وأضاف: "لا يمكن توقع توقيت سقوط المدينة في أيدي القوات الروسية، وحدوث ذلك لا يعني بالضرورة تغيير مسار الحرب".

بالتزامن مع تصريحات أوستن، قلل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرج مطلع مارس، من الأهمية الاستراتيجية لباخموت. 

وقال ستولتنبرج إن سقوط باخموت "لا يعكس بالضرورة أي نقطة تحول في الحرب ...لكنه يشير إلى أننا يجب ألا نقلل من شأن روسيا. ينبغي أن نواصل دعم أوكرانيا".

وكان قائد مجموعة "فاجنر" يفجيني بريجوجين توقع السيطرة على باخموت في "مارس أو أبريل".

وقال بريجوجين في مقطع فيديو نشر في فبراير الماضي، على تليجرام "أعتقد أن (ذلك سيتم) في مارس أو أبريل. من أجل السيطرة على باخموت، يجب قطع كل طرق الإمدادات".

وفي فيديو آخر نشر على موقع جهازه الإعلامي على تليجرام، أعرب بريجوجين عن اعتقاده "أننا كنا سيطرنا على باخموت لولا تلك البيروقراطية العسكرية الرهيبة، ولو لم يكونوا يضعون عقبات على طريقنا كل يوم".

وفي 30 مارس، أقرّ بريجوجن، بأن المعركة من أجل السيطرة على مدينة باخموت  ألحقت ضرراً بالغاً داخل قواته، وكذلك بالجانب الأوكراني. وقال بريجوجن في رسالة صوتية إن "المعركة من أجل باخموت دمرت عملياً الجيش الأوكراني، وللأسف ألحقت أيضاً ضرراً بالغاً بفاجنر".

ماذا بعد إذا سقطت باخموت؟

تعتبر روسيا أن السيطرة على باخموت ستمنحها نقطة انطلاق للزحف نحو مدينتين أكبر هما كراماتورسك وسلوفيانسك اللتين تقعان أبعد باتجاه الغرب في دونيتسك، مما سيعيد إليها الزخم مع دخول الغزو في عامه الثاني. 

وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في مارس الماضي، إن السيطرة على مدينة باخموت شرق أوكرانيا "أساسية"، لشن مزيد من الهجمات في منطقة دونيتسك.

وأضاف: "تشكل هذه المدينة مركزاً دفاعياً مهماً للقوات الأوكرانية في منطقة دونباس. السيطرة عليها ستسمح بهجمات إضافية في عمق خطوط دفاع القوات المسلحة الأوكرانية".

وحذر الرئيس الأوكراني في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية في فبراير الماضي، من أنه إذا استولى الروس على مدينة باخموت، فإنّهم سيحصلون على "أفضلية" وسيرغبون في "الذهاب أبعد من ذلك".

وقال زيلينسكي "بالطبع، من وجهة نظر استراتيجية، ليس لباخموت أهمية لأنّ الروس دمّروا المدينة بشكل كامل بمدفعيّتهم. لكن إذا استولوا على باخموت، سيرغبون في الذهاب أبعد من ذلك. وسيمنحهم ذلك أفضلية"، مضيفاً "السؤال، ماذا يحدث بعد باخموت؟".

وأشار إلى أنه "يجب علينا الصمود إلى حين الحصول على الأسلحة".

"طريق مفتوح" نحو مدن أكثر أهمية

وبحسب "سي إن بي سي"، فإن روسيا تعتزم استخدام باخموت بعد السيطرة عليها كمركز لوجستي، تنقل من خلاله الإمدادات إلى قواتها في المنطقة، ما سيساعدها على دفع خط المواجهة نحو عمق أوكرانيا.

وأضافت المحطة أن أوكرانيا تدرك أن روسيا تعتزم استخدام باخموت كنقطة إمدادات للتقدم أكثر نحو مدن أخرى في شرق أوكرانيا، وفرض السيطرة الكاملة على دونيتسك.

وأقر الرئيس الأوكراني في مارس الماضي أن القوات الروسية ستحصل على  "طريق مفتوح" نحو المدن الرئيسية في شرق أوكرانيا إذا سيطرت على باخموت.

قال زيلينسكي لشبكة "CNN" الأميركية إن الدفاع عن المدينة "هدف تكتيكي بالنسبة لنا"، مشيراً إلى أن القيادة العسكرية في كييف توافقه الرأي بشأن الدفاع عن المدينة لأطول مدة ممكنة.

وأضاف: "نحن نفهم أنه بعد باخموت، يمكن للقوات الروسية الذهاب إلى أبعد من ذلك. يمكنهم الذهاب إلى كراماتورسك ، يمكنهم الذهاب إلى سلوفيانسك، سيكون أمامهم طريق مفتوح بعد باخموت إلى مدن أخرى في أوكرانيا ، في اتجاه دونيتسك. لهذا السبب يقف رجالنا هناك".

مخاوف أوكرانيا من أن يؤدي الاستيلاء على باخموت إلى السماح للروس بالتقدم أكثر لم يتم تقاسمها عالمياً. ويقول محللون إن روسيا استنفدت الكثير من القوى البشرية خلال معركة باخموت.

لاحظ الخبراء في معهد دراسات الحرب (ISW)،  أن باخموت ليست "مهمة جوهرياً من الناحية اللوجستية  أو الاستراتيجية"، وأشاروا إلى أن الاستيلاء على باخموت "ضروري ولكنه غير كافٍ للتقدم" في منطقة دونيتسك.

وجاء في تحليل للمعهد نقلته محطة "سي إن بي سي" أن "القوات الروسية تكبدت بالفعل خسائر فادحة في القتال من أجل السيطرة على المدينة. وبالتالي، فإن خسارة باخموت ليست مصدر قلق عملياتي أو استراتيجي كبير لأوكرانيا، كما لاحظ الوزير أوستن ومسؤولون غربيون آخرون".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات