يرى محللون أن الخطوات المحدودة التي اتخذتها إيران لإبطاء زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب لدرجة قريبة من المعدل اللازم لصنع أسلحة نووية، ربما تساعد في تخفيف التوتر مع الولايات المتحدة، لكنها "لا تعني إمكانية تحقيق تقدم باتجاه اتفاق نووي أوسع"، قبل إجراء الانتخابات الأميركية المقررة في 2024.
وأفادت تقارير أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة لهيئة الأمم المتحدة واطلعت عليها "رويترز" بأن إيران خفضت معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60% القريبة من درجة 90% التي تستخدم في صنع الأسلحة، كما أنها خففت كمية طفيفة من مخزونها المخصب بنسبة 60%.
لكن هذا المخزون مستمر في النمو، إذ تمتلك إيران حالياً كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تكفي تقريباً إذا تم تخصيبها لدرجة أعلى لصنع 3 قنابل نووية وفقاً للتقدير النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستويات أقل لصنع المزيد من القنابل.
وأخفقت إيران في الوقت نفسه في التعامل مع مخاوف الوكالة بشأن آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في موقعين غير معلنين، أو إحراز تقدم في إعادة تركيب كاميرات مراقبة على الرغم من الضغوط المستمرة منذ فترة طويلة من جانب الوكالة وقوى غربية لتحقيق ذلك.
ويقول محللون متخصصون في منع الانتشار النووي إن التباطؤ النووي الإيراني قد يكون كافياً للولايات المتحدة وإيران لـ"مواصلة استكشاف" ما يصفونه بـ"التفاهمات" التي لم تعترف بها واشنطن أبداً لخفض التوتر بشأن القضايا النووية وغيرها.
واعتبر المحللون، أن ذلك لا يعني بالضرورة وضع أي قيود فعلية على البرنامج النووي الإيراني قبل الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر 2024، لكنه قد يساعد الرئيس الأميركي جو بايدن على تجنب أزمة مدمرة سياسياً مع إيران بينما يسعى لإعادة انتخابه.
وقال هنري روم من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن "إبطاء الزيادة في مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60% هو مؤشر واضح على أن طهران منفتحة على المضي قدماً في تفاهمات عدم التصعيد مع واشنطن".
واعتبر روم، أن التباطؤ والتوقعات بشأن تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، يمهدان الطريق أمام "المزيد من الدبلوماسية هذا الخريف بشأن البرنامج النووي، وإن كان ذلك دون هدف التوصل إلى اتفاق جديد قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية".
وأضاف: "بالنسبة لواشنطن، ربما يكون هناك حد منخفض لما يتعين على إيران القيام به لأغراض خفض التصعيد"، مشيراً إلى أنه "من المرجح أن تكون إيران قد تجاوزت هذا الحد".
الضغط على المكابح
يبدو أن الهدف الرئيسي لبايدن، هو إبقاء التوتر تحت السيطرة، بداية من برنامج طهران النووي، إلى هجمات المليشيات المدعومة منها على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ورداً على سؤال بشأن خطوات إيران الأخيرة، قال المحلل إيريك بروير من مبادرة التهديد النووي: "إيران رفعت قدمها عن الوقود في بعض المجالات لكنها لا تضغط على المكابح في ما يتعلق بالبرنامج النووي"، واصفاً الخطوات بأنها "خفض تصعيد مخفف".
وأضاف أن "قيمة الخطوات التي اتخذتها إيران فيما يتعلق بمنع الانتشار النووي صغيرة نسبياً، لكن الهدف من سياسة خفض التصعيد (الأميركية) ليس حل البرنامج النووي على الفور وإنما بناء حماية سياسية وتجنب اندلاع أزمة".
وقال إليوت أبرامز الممثل الخاص للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لشؤون إيران ويعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية: "حتى انتخابات العام المقبل، يبدو أن الإدارة ترغب في الهدوء ومستعدة لدفع الثمن في صورة دعم واسع النطاق للنظام الإيراني".
كان أبرامز يلمح إلى ارتفاع صادرات النفط الإيرانية على الرغم من العقوبات الأميركية وتحويل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى قطر في إطار اتفاق لتبادل سجناء.
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن تقول إن الأموال تنتقل من حساب يخضع لقيود إلى آخر ولا يمكن السحب منها إلا لأغراض إنسانية، فإنه يبدو من الواضح أن إيران ستكون قادرة على الوصول لها في قطر بصورة أكبر مما كان عليه الوضع في كوريا الجنوبية.
وتتجنب الخارجية الأميركية، الخوض في ما إذا كانت توصلت إلى أي تفاهمات مع إيران، لأسباب من بينها أن أي اعتراف بإبرام اتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني ربما يؤدي بموجب القانون إلى مراجعة من الكونجرس الأميركي.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية، الثلاثاء، إنه ليس لديه ما يضيفه بخلاف التصريحات التي صدرت في منتصف أغسطس الماضي، ونفت فيها الوزارة وجود أي اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، دون استبعاد إمكانية التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة.
فشل مباحثات فيينا
وحاول بايدن بعد توليه منصبه في يناير 2021 إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي التزمت إيران بموجبه بقيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وانسحب الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب من الاتفاق في 2018 بحجة أنه كان سخياً للغاية مع طهران، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية أميركية واسعة النطاق على طهران.
وبدا أن الجهود المبذولة لإعادة إحياء الاتفاق والتي شملت إجراء جولات عدة من المباحثات في النمسا عرفت باسم "محادثات فيينا"، باءت بالفشل قبل عام تقريباً، عندما قال دبلوماسيون إن إيران رفضت ما وصفه وسطاء الاتحاد الأوروبي بعرضهم النهائي.
ويعتبر دبلوماسيون أن التوصل إلى اتفاق أمر بعيد المنال بسبب التقدم الذي حققته إيران لا سيما في تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي لديها قدرة إنتاجية أكبر بكثير، إلا أن محللين يرون أنه ربما يكون هناك مجال لإجراء محادثات نووية أكثر جدية بعد الانتخابات الأميركية.
ورداً على سؤال بشأن سبب إبطاء إيران برنامجها النووي، قال دبلوماسي غربي: "أعتقد أن هذا جزء من المناقشات التي يجرونها مع الولايات المتحدة وجزء من الاتفاق الأوسع، اتفاق عدم الاتفاق".
وأضاف: "إنه أفضل من لا شيء، لكنني لا يمكن أن أعتبره بمثابة تقدم هائل".
اقرأ أيضاً: