الهجوم يثير تساؤلات حول قوة الاستخبارات الإسرائيلية

مستوطنة وهمية وخطة من 4 أجزاء.. كيف خدعت "حماس" إسرائيل؟

صورة نشرتها الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تضم حركة حماس تظهر ما تقول إنه تدريب في مكان مجهول على "غارة خلف خطوط العدو". 28 ديسمبر 2022 - Reuters
صورة نشرتها الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تضم حركة حماس تظهر ما تقول إنه تدريب في مكان مجهول على "غارة خلف خطوط العدو". 28 ديسمبر 2022 - Reuters
دبي-الشرقوكالات

تمكنت حركة "حماس" الفلسطينية من خداع إسرائيل، ونجح هجومها الذي بدأته السبت، من خلال دفعها للاعتقاد بأنها "غير مستعدة للقتال"، وأنها مهتمة بضمان حصول العمال في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني، على فرص عمل عبر الحدود.

وقال مصدر وصفته "رويترز" بأنه مقرب من "حماس" إن مقاتلي الحركة "كانوا غالباً ما يتدربون على مرأى الجميع، بينما كان يتم دفع إسرائيل إلى الاعتقاد بأنها تلجم الحركة التي أنهكتها الحرب من خلال تقديم الحوافز الاقتصادية إلى العمال في قطاع غزة". 

وأضاف المصدر: "الحركة أعطت إسرائيل انطباعاً بأنها غير مستعدة للقتال"، مُشيراً إلى خطط الهجوم الأكثر مباغتة منذ حرب أكتوبر قبل 50 عاماً، عندما فاجأت مصر وسوريا الجيش الإسرائيلي.

وتابع: "حماس استخدمت تكتيكاً استخباراتياً غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع بأنها ليست على استعداد لخوض قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة".

وأشار المصدر إلى أن إسرائيل ومنذ وقت طويل كانت تتفاخر بقدرتها على اختراق الفصائل ومراقبتها، ولذلك كان تجنب التسريبات جزءاً حاسماً من خطة "حماس"، لافتاً إلى أن العديد من القادة لم يدركوا الخطط، وأن المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم، والبالغ عددهم ألف مقاتل، لم يكونوا على دراية بالغرض من التدريبات أثناء إجرائها. 

خطة من 4 أجزاء

وأشار المصدر إلى أن العملية تم تقسيمها إلى 4 أجزاء، موضحاً أن الخطوة الأولى تمثلت في إطلاق 3000 صاروخ من غزة بالتزامن مع عمليات توغل نفذها مقاتلون باستخدام طائرات شراعية معلقة عبر الحدود. 

وأضاف: "بمجرد هبوطهم بالطائرات الشراعية المعلقة، عمل المقاتلون على تأمين المناطق لتتمكن قوات الكوماندوز من اقتحام الجدار الخرساني المحصن إلكترونياً، والذي يفصل غزة عن المستوطنات، وبنته إسرائيل لمنع عمليات التسلل، وبعد ذلك استخدم المقاتلون متفجرات لاختراق الحواجز، ثم عبروها مسرعين على دراجات نارية، فيما عملت الجرافات على توسيع الفجوات في الجدار ليتمكن المزيد من المقاتلين من الدخول بسيارات رباعية الدفع"، وفقاً لمشاهد وصفها شهود. 

وقال المصدر إن وحدة كوماندوز هاجمت مقر الجيش الإسرائيلي في جنوب غزة، وشوشت اتصالاته، ومنعت الأفراد من الاتصال بالقادة أو ببعضهم البعض، مشيراً إلى أن الجزء الأخير من العملية تضمن نقل الرهائن إلى غزة، وتحقق ذلك في وقت مبكر من الهجوم.

وامتنعت "حماس" عن شن عمليات عسكرية ضد إسرائيل في العامين الماضيين، حتى عندما شنت حركة "الجهاد الإسلامي" سلسلة من الهجمات، كجزء من حيلتها، بحسب المصدر. 

مستوطنة وهمية 

وقال ممثل الحركة في لبنان أسامة حمدان، لـ"رويترز"، إن الهجوم "أظهر أن الفلسطينيين لديهم الإرادة لتحقيق أهدافهم بغض النظر عن القوة والقدرات العسكرية الإسرائيلية". 

وأضاف أن الحركة بنت مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة، حيث أجرى مقاتلوها تدريبات على عمليات إنزال القوات والاقتحام، واصفاً ذلك بأنه "أحد أبرز العناصر في استعداداتهم"، لافتاً إلى أن حماس صورت مقاطع فيديو للمناورات، قائلاً: "من المؤكد أن إسرائيل رأتهم، لكنها كانت مقتنعة بأن الحركة لم تكن متحمسة لخوض مواجهة".

وسعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها تهتم أكثر بضمان حصول العمال في قطاع غزة على فرص عمل عبر الحدود، وأن ليس لديها مصلحة في بدء حرب جديدة، وفقاً للمصدر.

الشك في "القوة التي لا تقهر"

في السياق ذاته اكتسبت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سمعة باعتبارها قوة لا تقهر على مدى عقود بسبب سلسلة من الإنجازات، مثل إحباط مؤامرات خُطط لها في الضفة الغربية، والمطاردة المزعومة لعناصر "حماس" في دبي، واغتيال علماء نوويين إيرانيين في قلب إيران.

لكن الهجوم الذي وقع، السبت، في عطلة يهودية رئيسية ألقى بظلال الشك بشأن هذه السمعة، وأثار تساؤلات عن مدى جاهزية تل أبيب لمواجهة عدو أضعف، ولكن يتمتع بالعزيمة، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية. 

ونقلت الوكالة عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور قوله: "إنه فشل ذريع، هذه العملية في الواقع تثبت أن القدرات (الاستخباراتية) في غزة لم تكن جيدة". 

ورفض عميدرور تقديم توضيح لأسباب الفشل، مؤكداً على أهمية استخلاص الدروس عندما تهدأ الأوضاع. 

ويرى البعض في إسرائيل أن من السابق لأوانه إلقاء اللوم على خطأ استخباراتي فقط، مشيرين إلى موجة عنف في الضفة الغربية أدت إلى نقل بعض الموارد العسكرية، إلى جانب الفوضى السياسية التي تجتاح إسرائيل بسبب مشروع "إصلاح السلطة القضائية"، وهي الخطة المثيرة للجدل التي هددت تماسك جيش البلاد، بحسب الوكالة. 

وقالت الوكالة إن الافتقار الواضح إلى المعرفة المسبقة بخطة "حماس" من المرجح أن يُنظر إليه باعتباره السبب الرئيسي في سلسلة الأحداث التي أدت إلى الهجوم الأكثر دموية ضد الإسرائيليين منذ عقود. 

وأضافت أن سحب إسرائيل قواتها ومستوطنيها من غزة عام 2005 جردها من السيطرة الوثيقة على ما يحدث في القطاع، لكن حتى بعد سيطرة "حماس" على غزة عام 2007، بدا أن إسرائيل حافظت على تفوقها باستخدام الاستخبارات التكنولوجية والبشرية.

التكنولوجيا لا تكفي

ويرى أمير أفيفي، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، أن أجهزة الأمن الإسرائيلية أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الوسائل التكنولوجية للحصول على معلومات استخباراتية بسبب عدم تواجدها داخل غزة، موضحاً أن المسلحين في غزة وجدوا طرقاً لتفادي الإمكانات التكنولوجية المستخدمة لجمع المعلومات الاستخباراتية، ما أعطى إسرائيل صورة غير كاملة عن أفكارهم.

وقال أفيفي: "الجانب الآخر يعلم كيفية التعامل مع هيمنتنا التكنولوجية، وتوقف عن استخدام التقنيات التي يمكن أن تكشفهم".

العصر الحجري

وأضاف: "لقد عادوا إلى العصر الحجري"، موضحاً أن المسلحين لم يستخدموا الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر، وكانوا ينفذون أعمالهم الحساسة في غرف محصنة تحصيناً خاصاً من التجسس التكنولوجي أو تحت الأرض. 

ومع ذلك، أكد أفيفي أن الفشل لا يقتصر على جمع المعلومات الاستخباراتية فقط، مشيراً إلى فشل أجهزة الأمن الإسرائيلية في تكوين صورة دقيقة من المعلومات الاستخبارية التي كانت تتلقاها. 

واعتبرت دول حليفة تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل أن أجهزة الأمن أساءت قراءة الواقع، وذلك على الرغم من نفي إسرائيل، خاصة ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما تم تداوله بشأن تصريحات منسوبة إلى مسؤول استخباراتي مصري، لم يتم الكشف عن هويته، قال فيها إن مصر تحدثت مراراً مع الإسرائيليين عن "أمر كبير قادم من غزة"، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل. 

ونسبت إليه المصادر أيضاً قوله إن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يركزون على الضفة الغربية، وقللوا من شأن التهديد القادم من غزة.

هجمات 11 سبتمبر

في المقابل، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الرائد نير دينار إن ما حدث أشبه بهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وأضاف: "لقد تمكنوا منا. لقد فاجأونا وجاءوا بسرعة من أماكن عدة من الجو والأرض والبحر".

وأقر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هجاري بأنه يجب أن يقدم توضيحاً للرأي العام، لكنه قال إن الوقت ليس مناسباً لذلك الآن. وأضاف: "نقاتل أولاً ثم نحقق".

وقال متحدث آخر باسم الجيش: "كنا نعتقد أن قدومهم للعمل وجلب الأموال إلى غزة سيحقق قدراً معيناً من الهدوء. لقد كنا مخطئين". 

واعترف مصدر أمني إسرائيلي بأن أجهزة الأمن تعرضت للخداع من قبل "حماس"، قائلاً: "لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال. وطوال الوقت كانوا يشاركون في تدريبات حتى أثاروا أعمال شغب". 

وقال مصدر أمني آخر إن إسرائيل "كانت تعتقد لفترة أن زعيم الحركة في غزة، يحيى السنوار، كان منشغلاً بإدارة غزة، بدلاً من قتل اليهود".

وقالت "رويترز" إن "حماس" تعرضت للسخرية في الضفة الغربية بسبب التزامها الصمت طوال الفترة السابقة.

وأشارت إلى بيان أصدرته حركة "فتح" يونيو 2022، اتهمت فيه قادة "حماس" بالفرار إلى العواصم العربية للعيش في "فنادق وفيلات فاخرة وترك الشعب في غزة يعيش الفقر". 

تصنيفات

قصص قد تهمك