دافع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن طلب التمويل الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكونجرس لتقديم مساعدات أمنية لإسرائيل وأوكرانيا، وتخصيص مساعدات إنسانية للمدنيين الفلسطينيين، في مسعى لإقناع المشرعين في الكونجرس بتمرير حزمة التمويل كاملة، وسط مطالبات من بعض الأعضاء بحذف الجزء الخاص بمساعدات الفلسطينيين.
وجادل بلينكن في المقال بأن تقديم المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين، وتجنب كارثة إنسانية في غزة، من شأنه أن "يضمن أمن إسرائيل"، محذراً من أن اقتطاع المساعدات الإنسانية "يقوض أمن إسرائيل، ويؤدي إلى مفاقمة المشكلات"، معتبراً أن "منع وقوع كارثة إنسانية في غزة أمر حيوي".
ومثل بلينكن ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمام جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ بشأن طلب التمويل الذي طلبه بايدن في 20 أكتوبر، وطلب عدد من المشرعين اقتطاع المساعدات المقدمة للفلسطينيين، بحجة أنها "ستقع في أيدي حركة حماس".
ولدى بدء كلمة بلينكن، رفع محتجون على الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على غزة، أياديهم الملطخة بدم مزيف، وقاطعته محتجة صرخت "قاتل قاتل"، وطالب نشطاء حقوق إنسان قاطعوا الجلسة بـ"وقف فوري لإطلاق" النار، وحتى الآن فإن الموقف الأميركي لا يدعم وقفاً لإطلاق النار، إذ قال البيت الأبيض، إن وقفاً لإطلاق النار من شأنه أن "يفيد فقط حركة حماس"، على حد قوله.
"خطأ فادح"
وفي مقاله قال بلينكن إن حزمة التمويل التي طلبها بايدن من الكونجرس في 20 أكتوبر، بقيمة 106 مليارات دولار تشمل مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا ومبالغ مخصصة لأمن الحدود، "أمر حيوي للأمن القومي الأميركي".
وقال بلينكن إن "دعم الكونجرس السريع سيساعد الحكومة الأميركية على مواصلة مساعدة أوكرانيا، وهي تدافع عن ديمقراطيتها وأرضها وشعبها ضد الحرب العدائية الروسية، كما سيعزز موقفنا في منافسة استراتيجية مكثفة مع الصين. وسيضمن لنا أن نتمكن من مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بينما نساعد المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في مرمى النيران"، وألقى بلينكن باللوم في هذا على حركة حماس، قائلاً إن ذلك "من صنيعها".
وأشار إلى أن "هذا الاستثمار، سوف يظهر عزم الولايات المتحدة الثابت على الوقوف مع حلفائنا وشركائنا، والوقوف في وجه المستبدين والإرهابيين، والوقوف من أجل نظام دولي يحمي مصالح أميركا وقيمها".
واعتبر أن مطالبة البعض بتمرير تمويل لأجزاء من الحزمة التي طلبها بايدن، وليس توفير التمويل بالكامل، بما في ذلك المقترحات لقطع جميع المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، بأنها ستكون "خطأ فادحاً".
وأضاف بلينكن أن قطع المساعدات عن المدنيين "سيعمق معاناة أكثر من مليوني مدني فلسطيني، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنون والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من السكان الضعفاء الذين لا علاقة لهم بهجمات حماس المؤسفة. وسوف يقوض أمن إسرائيل واستقرارها الإقليمي. وسوف يؤدي إلى تفاقم المشاكل والمخاطر التي ستكلف دافعي الضرائب الأميركيين الكثير في نهاية المطاف مع مرور الوقت".
وذكر أنه "منذ اللحظة التي قتلت فيها حماس أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، بما في ذلك 35 مواطناً أميركياً على الأقل، واحتجزت أكثر من 230 رهينة، أكد الرئيس بايدن باستمرار حق إسرائيل، بل والتزامها، في الدفاع عن نفسها ومنع حماس من تنفيذ مثل هذا الهجوم مرة أخرى".
وتابع: "أوضح الرئيس أن الولايات المتحدة ستضمن حصول إسرائيل على ما تحتاجه للدفاع عن شعبها ضد جميع التهديدات، بما في ذلك من إيران والجماعات التي تعمل بالوكالة عنها. وستسمح لنا المساعدة الأمنية الواردة في طلبنا التكميلي (طلب التمويل) بالوفاء بذلك الالتزام".
وأشار بلينكن إلى أنه "في الوقت نفسه، فإن الطريقة التي تدافع بها إسرائيل عن نفسها مهمة"، في إشارة إلى المطالبات الأميركية لإسرائيل بالدفاع عن نفسها ضمن القانون الدولي وحماية المدنيين.
"الفلسطينيون لا يتحملون مسؤولية أفعال حماس"
وذكر بلينكن أن المدنيين الفلسطينيين "لا يتحملون مسؤولية فظائع حماس أو الأزمة الإنسانية الخطيرة في غزة. إنهم ضحاياها. وكما هو الحال مع المدنيين في أي صراع، يجب حماية أرواح المدنيين الفلسطينيين".
وقال إن هذا يعني أن تدفق الأغذية والمياه والأدوية والوقود وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية إلى غزة "يجب أن يزداد فوراً وبشكل كبير. ويعني هذا أن المدنيين الفلسطينيين يجب أن يكونوا قادرين على البقاء بعيداً عن الأذى. ويعني هذا أيضاً أنه يجب اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المواقع الإنسانية، كما يعني أنه يجب النظر في فترات توقف إنسانية لهذه الأغراض".
واعتبر بلينكن أن "الالتزام بهذه المعايير أمر صعب في أي صراع، ناهيك عن مواجهة عدو يستخدم المدنيين بشكل سخيف، ووحشي كدروع بشرية، ويطلق الصواريخ من المستشفيات والمدارس والمباني السكنية"، على حد قوله في المقال.
وذكر أنه "رغم هذه التحديات، فإن منع وقوع كارثة إنسانية في غزة أمر حيوي لأمن إسرائيل".
خطر انتشار الصراع
وحذر بلينكن من أنه "بدون إغاثة إنسانية سريعة ومستدامة، من المرجح أن ينتشر الصراع، وسوف تزداد المعاناة، وسوف تستفيد حماس ورعاتها من خلال تقديم أنفسهم كمنقذين وسط اليأس الذي خلقوه. وسوف تقوض الأزمة المتفاقمة إمكانية المزيد من التكامل بين إسرائيل وجيرانها".
وقال إن توفير المساعدة والحماية الفورية للمدنيين الفلسطينيين في الصراع هو أيضاً "أساس ضروري لإيجاد شركاء في غزة لديهم رؤية مختلفة للمستقبل عن حماس، والذين هم على استعداد للمساعدة على جعل هذه الرؤية حقيقة".
وقال إنه "لن يمكننا العثور على هؤلاء الشركاء إذا استنزفتهم كارثة إنسانية، وامتعضوا من عدم اكتراثنا المتصور بمحنتهم".
وشدد بلينكن على أن حماية المدنيين الفلسطينيين وتيسير المساعدة الإنسانية "ليسا فقط من الأمور الصحيحة التي يتعين على إسرائيل أن تفعلها فحسب، بل إنهما سيعززان أيضاً أمنها على المدى الطويل. لهذا السبب أوضح قادة إسرائيل للرئيس بايدن ولأعضاء الكونجرس على حد سواء أنهم يدعمون تقديم الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية إلى غزة".
جهود لإدخال المساعدات
واعتبر أن معالجة الأزمة الإنسانية في غزة "تتماشى أيضاً مع المبادئ الراسخة لبلادنا، بما في ذلك إيماننا بأن حياة كل مدني متساوية في القيمة وتستحق الحماية، بغض النظر عن جنسيته أو عرقه أو عمره أو جنسه أو عقيدته. المدني هو المدني هو المدني".
وتابع: "هذا ما نتوقعه إذا وجدنا مدنيينا وعائلاتنا محاصرين في صراع. ونحن أيضاً نريد أن نكون قادرين على إطعام أحبائنا، ورعاية مرضانا، والحصول على مياه صالحة للشرب والحماية من الهجمات. وينبغي ألا نطالب بأقل من ذلك من أجل المدنيين الفلسطينيين".
وقال إن هذه كلها "أسباب تجعل الولايات المتحدة تعمل بلا كلل مع إسرائيل ومصر والأمم المتحدة والشركاء الآخرين لإيجاد سبل للسماح بتدفق المساعدات الإنسانية المستدامة إلى المدنيين في غزة، مع وضع تدابير صارمة للرصد والتفتيش لمنع تحويل المساعدات إلى حماس أو أي جماعة إرهابية أخرى. ولا تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة دون تفتيشها أولاً".
وأشار بلينكن إلى أن ضمان التدفق القوي للمساعدات الإنسانية كان محور تركيزه في زياراته إلى المنطقة في أكتوبر الماضي، وزيارة الرئيس بايدن، إلى إسرائيل، والتي "ضمنت الاتفاق مع شركائنا على إنشاء الآليات التي تسمح بوصول المساعدات إلى غزة مرة أخرى".
ولفت إلى قرار بايدن بتعيين أحد كبار الدبلوماسيين الأميركيين وهو السفير ديفيد ساترفيلد، مبعوثاً لـ"تسريع جهودنا الإنسانية على الأرض".
وقال إنه في حين أن أميركا لديها مصلحة كبيرة في معالجة هذه الأزمات، "فإننا لا نستطيع ولا ينبغي لنا أن نتحمل هذا العبء بمفردنا. لهذا السبب نقوم بحشد الآخرين لتحمل المسؤولية معنا. وفي حالة غزة، التزمت أكثر من 30 حكومة بالفعل بالانضمام إلينا في دعم الاستجابة الإنسانية".
وتابع: "ليس علينا أن نختار بين الدفاع عن إسرائيل ومساعدة المدنيين الفلسطينيين. ويمكننا، بل ويجب علينا، أن نفعل الأمرين معاً. هذه هي الطريقة الوحيدة للوقوف بحزم إلى جانب أحد أقرب حلفائنا، وحماية الأرواح البريئة، والتمسك بالقواعد الدولية للطريق التي تفيد الشعب الأميركي في نهاية المطاف، والحفاظ على المسار الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام والأمن الدائمين للإسرائيليين والفلسطينيين: دولتين لشعبين".
وأشار إلى أنه "يجب على أي عضو في الكونجرس يهتم بأمن إسرائيل الدائم، أو أمن أميركا، أن يدعم كلاً من المساعدات الدفاعية والإنسانية لمعالجة هذا الصراع".