"الشك" يسيطر على كل السيناريوهات.. ومخاوف من إدارة يرفضها سكان القطاع

ماذا بعد "حماس" في غزة؟.. واشنطن تبحث عن إجابة السؤال الصعب

فلسطينيون بين أنقاض مباني دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة. 2 نوفمبر 2023 - AFP
فلسطينيون بين أنقاض مباني دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة. 2 نوفمبر 2023 - AFP
واشنطن-رويترز

بينما تكثف القوات الإسرائيلية هجومها على قطاع غزة بغرض القضاء على حركة "حماس"، بدأ دبلوماسيون في واشنطن والأمم المتحدة والشرق الأوسط ومناطق أخرى تقييم خيارات "ماذا بعد" إذا تمكنت إسرائيل من الإطاحة بالحركة التي تدير القطاع، والتحديات التي يواجهونها في هذا الصدد ضخمة.

ويقول مصدر مطلع إن تلك المناقشات تشمل خيارات مثل نشر قوات متعددة الجنسيات بعد انتهاء التصعيد الأحدث في الصراع في غزة وتشكيل إدارة مؤقتة بقيادة فلسطينيين، لكنها تستبعد السياسيين المنتمين لـ"حماس"، ومنح دور مؤقت لملء الفراغ في الأمن والإدارة لدول جوار عربية وإشراف مؤقت من الأمم المتحدة على القطاع.

ووصف مصدر أميركي آخر العملية بأنها لا تزال في "طور طرح الأفكار" على نحو غير رسمي.

وهناك أسئلة رئيسية بشأن الوضع منها ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن فعلاً من القضاء على "حماس" كما توعدت، وما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون وحكومات عربية سيلتزمون بالمشاركة بجنود للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين بما يتخطى تردداً بشأن الأمر منذ فترة طويلة.

وقال البيت الأبيض، الأربعاء، إنه "ليس هناك خطط ولا نوايا" لنشر قوات أميركية على الأرض في قطاع غزة.

ومع اكتساب تلك النقاشات قوة دافعة، تقول السلطات الصحية في غزة إن الهجمات الإسرائيلية قتلت أكثر من 9 آلاف فلسطيني في القطاع الساحلي الضيق المحاصر المكتظ بسكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة نصفهم بالفعل من النازحين والمشردين، وإن المستشفيات المكدسة بالمرضى والمصابين والمحتمين بها لم يعد لديها وقود للكهرباء ولا أدوية، ولم تعد تستقبل المزيد، وضاقت الأرض بهم فلم تعد هناك مواقع يمكن أن تسع القتلى والموتى في القبور.

حكم السلطة الفلسطينية

كما لم يتضح أيضاً إن كانت السلطة الفلسطينية التي لها حكم ذاتي محدود في مناطق من الضفة الغربية المحتلة ستكون قادرة أو راغبة في تسلم إدارة القطاع. وطرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، احتمالات "تجديد وإحياء" السلطة الوطنية، لكن إدارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قالت إنها لن تتسلم إدارة القطاع إلا في إطار حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وأي كيان سيسعى لفرض السلطة على قطاع غزة بعد الحرب سيضطر أيضاً للتعامل مع الانطباع العام بين الفلسطينيين بأنه مدين بالفضل في ذلك لإسرائيل.

"لم نتوصل إلى إجابات"

وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: "نعلم أن هناك الكثير من الأسئلة حول غزة ما بعد الصراع وكيف سيبدو الأمر، ونحن بالتأكيد نطرح على أنفسنا بعضاً من هذه الأسئلة نفسها، ونتحدث مع شركائنا بما في ذلك إسرائيل".

وأضاف: "نعلم أن أياً كان ما سيبدو عليه الأمر لا يمكن أن يبدو كما كان عليه الحال في 6 أكتوبر. لا يمكن لحماس أن تظل مسيطرة، لكننا لم نتوصل إلى أي إجابات نهائية، ولن نكون قادرين على ذلك دون التشاور الوثيق مع شركائنا الإقليميين".

وحتى إن تمكنت إسرائيل من الإطاحة بقيادات "حماس"، سيكون من شبه المستحيل القضاء على الشعور المؤيد للمسلحين بين سكان القطاع بما يزيد مخاطر تعرض أي جهة تتولى إدارته لهجمات جديدة وهو ما قد يتضمن تفجيرات انتحارية.

ويقول آرون ديفيد ميلر، وهو مفاوض أميركي سابق في ملف الشرق الأوسط: "إذا نجح الإسرائيليون في سحق حماس، أعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية تشكيل هيكل حكم هناك لديه مشروعية وفاعل".

وتابع قائلاً: "احتمالات ماذا بعد ذلك بالنسبة لي خيالية".

وتتزايد تلك النقاشات في وقت توسع فيه إسرائيل هجومها الجوي والبري والبحري الشرس على القطاع، لكنها أيضاً مدفوعة بما يعتبره مسؤولون أميركيون إخفاقاً من إسرائيل في الخروج بتصور لما بعد المواجهة النهائية.

قوة متعددة الجنسيات

ومن بين الخيارات التي ناقشها مسؤولون أميركيون تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحفظ النظام. ويمكن أن تشمل مزيجاً من دول أوروبية وعربية، رغم أنه ليس هناك أي حكومة أبدت صراحة استعدادها للمشاركة في مثل تلك القوة.

وعلى الأرجح لن يرغب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أنهى في 2021 وجود بلاده العسكري الذي استمر عقدين في أفغانستان، في التورط في عمل عسكري مباشر في صراع أجنبي جديد، بينما يسعى لإعادة انتخابه رئيساً في 2024.

ويقول مسؤولون أميركيون في محادثات خاصة إنهم ونظراؤهم الإسرائيليين تحدثوا عن استخلاص الدروس المستفادة من أخطاء وعثرات وقعت فيها واشنطن في غزوها للعراق وأفغانستان بما شمل الافتقار للإعداد والاستعداد لما تلا ذلك.

وطرح بعض المحللين السياسيين أيضاً فكرة نشر قوة تدعمها الأمم المتحدة في قطاع غزة، إما على شكل قوة حفظ سلام رسمية تابعة للأمم المتحدة مثل الموجودة على الحدود بين إسرائيل ولبنان أو قوة متعددة الجنسيات بموافقة الأمم المتحدة.

لكن دبلوماسيين يقولون إن مثل تلك الخطوة ليست محل نقاشات في الأمم المتحدة، كما أنه تحرك سيتطلب موافقة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وعددها 15.

ومما يعقد الأمور أكثر، ستعارض إسرائيل على الأرجح أي دور أمني للأمم المتحدة خاصة بعد أن انتقد مسؤولون إسرائيليون الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش بسبب قوله إن هجوم حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل "لم يأت من فراغ".

حكومة "تكنوقراط"

وتتوقع إسرائيل أن يطول أمد الحرب، لكنها تقول إنها ليست مهتمة بإعادة احتلال قطاع غزة.

ويقيم خبراء من خارج المنطقة، معروف عن بعضهم درايته بتفكير صناع السياسة الأميركيين، تصورات عما قد يكون عليه الحال في قطاع غزة بعد الحرب.

ويقول دينيس روس، المفاوض السابق لملف الشرق الأوسط ومستشار البيت الأبيض، إنه في حالة التمكن من تجريد حماس من "سلطتها القوية" ونزع السلاح في قطاع غزة "فإن ذلك قد يفتح الطريق أمام تشكيل إدارة مؤقتة بحكومة تكنوقراط يقودها فلسطينيون، يعملون تحت نوع ما من المظلة الدولية أو الإقليمية أو كليهما".

وقال إن التفاصيل ستتطلب نقاشاً معقداً تقوده الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى كبرى معنية ولها مصالح في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

لكن ليفلح ذلك، يقول روس إن على إسرائيل أن تحد الإطار الزمني لوجودها العسكري في قطاع غزة وإلا، فإن أي كيان يحكم سيفتقر إلى الشرعية في عيون سكان القطاع.

رابطة من 5 دول

واقترحت مقالة كتبها روس واثنان من زملائه في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنه بمجرد انسحاب إسرائيل، يمكن أن يقوم بالدور الأمني في قطاع غزة "كونسورتيوم (رابطة) من 5 دول عربية توصلت لاتفاقات سلام مع إسرائيل وهي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب".

لكن هناك بعض التشكك في إمكانية التوصل لمثل هذا الترتيب. وقال ميلر الذي يعمل الآن في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن إن "الدول العربية لن ترسل جنوداً على الأرض لقتل فلسطينيين".

تكلفة مهولة لإعادة الإعمار

ويتنامى الإدراك لحقيقة أن حجم المساعدات الدولية المطلوب لإعادة إعمار قطاع غزة سيكون مهولاً وهي أموال سيكون من شبه المستحيل الحصول عليها من حكومات غربية إذا ظلت حماس الجهة التي تديره.

وقال بلينكن، قبل دقائق من مغادرته الخميس للقيام بزيارة لإسرائيل والأردن، إن اجتماعاته في المنطقة لن تتعامل فقط مع "خطوات ملموسة" لتقليل الضرر الواقع على المدنيين في قطاع غزة، لكنها أيضاً ستتطرق لأمور بشأن التخطيط لما بعد الحرب.

وأضاف للصحافيين: "نحن نركز على اليوم الحالي. نحتاج أيضاً إلى أن نركز على ما بعد ذلك". وأشار إلى أنه يرى أساس السلام الدائم هو السير في طريق تقام في نهايته دولة فلسطينية، وهو هدف يقاومه منذ فترة طويلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

تصنيفات

قصص قد تهمك