أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الأربعاء، تفعيل "المادة 99" من ميثاق الأمم المتحدة للمرة الأولى منذ توليه المنصب عام 2017، والتي تعد "أقوى أداة يمتلكها في إطار الميثاق"، محذراً في خطاب لمجلس الأمن الدولي من أن حرب إسرائيل على قطاع غزة "قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين".
وأشار جوتيريش في منشور على منصة "X" إلى تفعيله "المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، للمرة الأولى منذ توليه المنصب"، وقال: "في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية، وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار".
وجاء تفعيل "المادة 99"، بعدما حذرت وكالات إغاثة وإنسانية وأممية من أن الكارثة الإنسانية في غزة تتفاقم كل ساعة، مع تشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ومحاصرتهم في جيب ساحلي ضيق مع القليل من الغذاء والماء والرعاية الطبية والوقود والمأوى الآمن.
خطوة دستورية كبرى
ورداً على أسئلة الصحافيين حول معنى ومغزى خطاب جوتيريش، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة الأربعاء، إن الأمين العام يُفعّل بذلك السلطة التي يمنحها له الميثاق فيما يمكن أن يُوصف بالخطوة الدستورية الكبرى. وقال إن تلك المادة تعد أقوى أداة يمتلكها الأمين العام في إطار مـيثاق الأمم المتحدة.
ويتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق للقتلى مع تدمير البنية التحتية الأساسية، وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت ومقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.
ورغم تردي الأوضاع، احتاج مجلس الأمن أسابيع منذ بداية أزمة غزة في 7 أكتوبر الماضي، ليخرج عن صمته بعد رفض 4 مشاريع قرارات، ويتبنى في منتصف نوفمبر الماضي، قراراً دعا فيه إلى "هدن وممرات للمساعدات الإنسانية" في قطاع غزة.
ما هي "المادة 99"؟
تنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقّع في يونيو عام 1945 في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية، وأصبح نافذاً في أكتوبر من ذات العام: على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".
ماذا يعني تفعيل "المادة 99"؟
أوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن تفعيل الأمين العام لـ"المادة 99" يعني بذلك "تفعيل السلطة التي يمنحها له الميثاق فيما يمكن أن يُوصف بالخطوة الدستورية الكبرى".
ووصف دوجاريك في بيان المادة بـ"الأداة أقوى التي يمتلكها الأمين العام في إطار ميثاق الأمم المتحدة"، مبيناً أن "تفعيل المادة لم يحدث منذ عقود، وإن عدداً من الخطابات السابقة أشارت إلى التهديدات الماثلة أمام السلم والأمن الدوليين، ولكن دون الاستناد إلى هذه المادة".
لماذا احتاج جوتيريش إلى تفعيل أقوى أدواته؟
المتحدث باسم الأمم المتحدة أرجع سبب تفعيل "المادة 99" إلى "اقترب الأمم المتحدة من نقطة الشلل التام لعملياتها الإنسانية في غزة، في مكان قُتل فيه حوالي 15 ألف شخص، و130 من العاملين بالأمم المتحدة".
وقال دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة "لا يستخدم كلمة كارثة باستخفاف"، معرباً عن أمله في أن يستمع مجلس الأمن لدعوة جوتيريش.
ماذا تضمن خطاب جوتيريش الموجّه لمجلس الأمن؟
أرسل جوتيريش للمرة الأولى منذ توليه المنصب، خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه "المادة 99" من ميثاق الأمم المتحدة، وقال: "أكتبُ إليكم بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة لكي أسترعي انتباه مجلس الأمن إلى مسألة أرى أنها قد تفاقِم التهديدات القائمة التي تكتنف صون السلم والأمن الدوليين".
وأشار الأمين العام في خطابه إلى أن "أكثر من 8 أسابيع من الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل، أدّت إلى معاناة إنسانية مروعة"، لافتاً إلى "سقوط أكثر من 1200 شخص، من بينهم 33 طفلاً، وإصابة الآلاف في الهجمات الرهيبة التي نفذتها (حماس) وغيرها من الجماعات الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي".
وبيّن جوتيريش أن "المدنيين في أنحاء غزة يواجهون خطراً جسيماً، حيث أفادت التقارير بسقوط ما يزيد عن 15,000 شخص، أكثر من 40% منهم من الأطفال. وأُصيب آلاف آخرون بجروح"، مشيراً إلى "تدمير أكثر من نصف جميع المنازل في غزة، والتهجير القسري لنحو 80% من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون شخص، إلى مناطق متقلصة في المساحة".
وأكد جوتيريش على "عدم وجود مكان آمن في غزة"، و"عدم وجود حماية فعالة للمدنيين"، متحدثاً عن "انهيار نظام الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك".
ولفت إلى "قرار مجلس الأمن رقم 2712 الذي يدعو إلى توسيع نطاق توصيل الإمدادات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين وخاصة الأطفال"، وقال إن "الظروف الراهنة تجعل القيام بالعمليات الإنسانية ذات المغزى، أمراً مستحيلاً".
وحذر الأمين العام "من الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني"، معتبراً أن "الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة بعواقب قد لا يمكن عكسها على جميع الفلسطينيين وعلى السلم والأمن في المنطقة، ونحن، مع ذلك، نُعِدّ خيارات لرصد تنفيذ هذا القرار، حتى لو كنا ندرك أن ذلك متعذر في ظل الظروف الراهنة".
وبينما يستمر إيصال الإمدادات إلى غزة عبر معبر رفح، وصف الأمين العام الكميات "بغير كافية"، وقال: إنه "تم تقوّضت قدرة وكالات الأمم المتحدة وشركائها في مجال العمل الإنساني بفعل نقص الإمدادات ونفاد الوقود وانقطاع الاتصالات وتنامي انعدام الأمن".
ولفت إلى "قتل ما لا يقل عن 130 من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكثيرون منهم قُتلوا مع أُسرهم"، محذراً من "التدهور السريع إلى كارثة بما تنطوي عليه من تداعيات ربما لا يكون ثمة سبيل إلى إزالتها وعكس مسارها على الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، وعلى السلام والأمن في المنطقة".
وشدد على ضرورة "تجنّب مثل هذه النتيجة بكل السبل الممكنة"، داعياً المجتمع الدولي لـ"استخدام نفوذه من أجل منع حدوث مزيد من التصعيد ولإنهاء الأزمة"، كما حث جوتيريش أعضاء مجلس الأمن على "الضغط لتجنب وقوع كارثة إنسانية"، مجدداً مناشدته لـ"إعلان الوقف الإنساني لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية"، واصفاً ذلك بـ"الأمر الملحّ".
كيف ردت إسرائيل على قرار جوتيريش؟
اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن ولاية الأمين العام للأمم المتحدة تمثّل "تهديداً للسلام العالمي"، مضيفاً على منصة "X" أن "مطالبته بتفعيل المادة 99 (من ميثاق الأمم المتحدة) والدعوة لوقف لإطلاق النار في غزة يشكّلان دعماً لمنظمة (حماس) الإرهابية".
وهاجم المندوب الإسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان دعوة جوتيريش لمجلس الأمن، والتي اعتبرها "دليلاً على تحامله على تل أبيب"، مشيراً إلى أن الدعوة لـ"وقف إطلاق النار في غزة، هي دعوة إلى الإبقاء على حكم (حماس) بالقطاع".
ووصف إردان مواقف الأمين العام بأنها "مشوهة" و"لا تؤدي إلا لإطالة أمد القتال في غزة"، معتبراً أنه "بلغ مستوى جديداً من التدني الأخلاقي" عندما استخدم المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف: هذه "المادة لا يمكن الاحتكام إليها إلّا في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين"، وأنه "بدلاً من الإشارة بوضوح إلى مسؤولية (حماس) عن الوضع ودعوة زعمائها إلى تسليم أنفسهم وإعادة الرهائن، وبالتالي إنهاء الحرب، اختار الأمين العام الاستمرار في العمل لحساب حماس".