يعكف المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على وضع خطط للاستجابة لاحتمالات تحول الحرب على غزة إلى "صراع إقليمي واسع النطاق وطويل الأمد"، في وقت تشتد فيه التوترات الإقليمية خصوصاً في البحر الأحمر، إذ أعدّ الجيش الأميركي خططاً لضرب أهداف حوثية في اليمن، وهو ما يعني جر الولايات المتحدة إلى أتون حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط، ستؤثر لا محال على مسار انتخابات 2024.
وقالت مجلة "بوليتيكو" نقلاً عن ثلاثة مسؤولين أميركيين "على دراية مباشرة بالنقاشات الجارية بشأن الأمن القومي الأميركي"، إن الجيش يضع خططاً للرد على المسلحين الحوثيين الذين يستهدفون السفن التجارية في البحر الأحمر، فيما كشف أحد المسؤولين عن أن هذه الخطط تتضمن "ضرب أهداف حوثية في اليمن"، وهو خيار كان الجيش الأميركي طرحه في وقت سابق.
في الوقت نفسه، يبحث المسؤولون الاستخباراتيون سبل "توقع ودرء أي هجمات محتملة على الولايات المتحدة" من قبل القوات المدعومة إيرانياً في العراق وسوريا، و"تحديد المواقع التي قد تأتي منها الضربات التالية لجماعة الحوثي"، وفقاً لما نقلته "بوليتيكو" عن أحد المسؤولين طالب عدم كشف هويته.
وتعمل الولايات المتحدة منذ عدة أشهر من وراء الكواليس على الدفع بطهران لإقناع وكلائها في المنطقة بالحد من هجماتهم، ولكن المسؤولين الأميركيين قالوا لـ "بوليتيكو"، إنهم "لا يرون أي مؤشرات على شروع هذه الجماعات في التقليل من عملياتها"، وإنهم "يشعرون بقلق بالغ من تصاعد وتيرة العنف في قادم الأيام".
"ورطة بايدن"
إلى ذلك، يخشى المسؤولون الأميركيون أيضاً من أن يؤدي هذا التصعيد إلى "تورط" الرئيس الأميركي جو بايدن بدرجة أكبر في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة موسم الحملات الانتخابية لعام 2024، ومع توجه حملته إلى التركيز بدرجة أكبر على القضايا الداخلية.
وأكد المسؤولون لـ "بوليتيكو"، أن احتمالات اتساع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط تتفاقم في أعقاب اندلاع سلسلة من المواجهات في العراق ولبنان وإيران خلال الأيام الماضية، ما ضاعف من قناعة بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية بأن الحرب على غزة "تجاوزت رسمياً حدود القطاع"، وهو السيناريو الذي حاولت الولايات المتحدة تجنبه لعدة أشهر.
ووصف المسؤولون هذه التطورات، بأنها "خطيرة، ليس على الأمن الإقليمي فحسب، وإنما أيضاً على فرص إعادة انتخاب بايدن".
وقال مسؤول أميركي للمجلة: "لقد وصل الرئيس الأميركي الحالي إلى سدة البيت الأبيض بوعود بإنهاء الحروب، وهو ما تحقق بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان الذي أخرج الولايات المتحدة من نفق 20 عاماً من القتال". والآن، ينهي بايدن ولايته الأولى كـ"بطل الغرب" في الدفاع عن أوكرانيا والداعم الأهم لإسرائيل في الانتقام من "حماس".
وحتى مع عدم تواجد القوات الأميركية بشكل مباشر في أي من الصراعات، فقد ينظر الناخب الأميركي إلى عام 2024، باعتباره "فرصة للإجابة على سؤال السياسة الخارجية الرئيسي"، والذي يتمثل في: "إلى أي مدى يجب أن تشارك الولايات المتحدة في الحروب الخارجية؟".
لقد تعهد بايدن بدعم أوكرانيا "مهما استغرق الأمر من وقت" في الوقت الذي يقف فيه بقوة خلف إسرائيل.
سياق انتخابي
على الجانب الآخر، فقد سمع الناخب الأميركي الرئيس السابق دونالد ترمب، المنافس الجمهوري الأكثر احتمالاً لبايدن في الانتخابات الرئاسية 2024، يتباهى بقدرته على إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا "في غضون ساعات". كما أكد أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى مقاربة "عدم التدخل" في حرب إسرائيل على غزة.
وفي هذا السياق، قال جوستن لوجان، مدير دراسات الدفاع والسياسة الخارجية في معهد كاتو، لـ "بوليتيكو"، إنه "عادة ما يُلقى باللائمة في الأمور السيئة على المسؤول الحالي، سواء كان مسؤولا عنها أم لا".
ورجح لوجان، أن تتمحور حملة ترمب حول رسالة "تذكروا أيام المجد الخوالي"، والتي سيؤكد خلالها أن روسيا ما كانت لتهاجم أوكرانيا، وأن إسرائيل ما كانت لتتعرض لما تعرضت له من هجوم، وأن الصين ما كانت لتتجرأ على تايوان "لو كنت رئيساً للولايات المتحدة".
وأضاف الباحث السياسي في معهد كاتو: "سيكون على بايدن أن يقول بالتأكيد كانوا سيفعلون، ولست المسؤول عن شيء مما حدث".
ورغم ذلك، فقد استبعد لوجان أن تكون هذه "مادة جيدة لبايدن"، قبل أن يؤكد: "إذا لم تسوء الأمور إلى درجة مصرع جنود أميركيين، فإنه لا يزال من غير المرجح أن تكون السياسة الخارجية عاملاً حاسماً في هذه الانتخابات، وغالباً ما لا تحظى السياسة الخارجية بهذه الأهمية".
رغم ذلك، فقد أظهر استطلاع رأي أجرته جامعة كوينيبياك، في نوفمبر الماضي، أن 84% من الأميركيين "يشعرون بقلق بالغ"، أو "يشعرون بالقلق إلى حد ما" من أن الولايات المتحدة ستنزلق إلى أتون الصراع في الشرق الأوسط.
ومع انقضاء كل شهر، تزداد أعداد الأميركيين الذين يخشون من تقديم إدارة بايدن دعما "أكثر من اللازم" لأوكرانيا، وفقاً لـ"بوليتيكو".
في هذا الإطار قال شخص مقرب من حملة بايدن، طلب من "بوليتيكو" عدم كشف هويته، إن "شاغل المنصب سيواجه دائماً أحداث ووقائع السياسة الخارجية "، مشيراً إلى أن "جورج دبليو بوش خاض غمار حرب العراق، فيما شهد باراك أوباما إسدال ستار النهاية على الربيع العربي، أثناء محاولات إعادة انتخابهما".
وأضاف الشخص المقرب من حملة بايدن، أن الرئيس الحالي "مهموم بقضايا تمثل أهمية أكبر للناخب الأميركي"، مثل "الاقتصاد ومستقبل الديمقراطية وحقوق الإجهاض".
بؤر توتر
ولكن مع تصاعد وتيرة موسم الحملات الانتخابية، تجد الإدارة الأميركية نفسها مضطرة بدرجة أكبر إلى معالجة بؤر التوتر في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففي نهاية الأسبوع الماضي، استهدف الحوثيون سفينة شحن تجارية، ما اضطر مروحيات تابعة للبحرية الأميركية إلى استهداف وإغراق ثلاثة من قواربهم.
والثلاثاء، قتلت إسرائيل، أحد كبار قادة "حماس" في بيروت. ولقي عشرات الأشخاص حتفهم الأربعاء، بسبب سلسلة من الانفجارات في ضريح قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني الراحل الذي قُتل في العام 2019 في غارة أميركية بالطائرات المسيرة. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم.
والخميس تصاعدت التوترات في المنطقة بدرجة أكبر بعد أن شنت إدارة بايدن غارة بالطائرات المسيرة في بغداد أسفرت عن مقتل مشتاق طالب السعيدي، الملقب بـ "أبو تقوى"، زعيم إحدى المليشيات المدعومة إيرانياً، ومسلح واحد آخر على الأقل، وفقاً لما قاله مسؤولان في وزارة الدفاع الأميركية.
كما ذكر مسؤول آخر في الإدارة الأميركية لـ "بوليتيكو" أن الرئيس الأميركي اجتمع بفريق الأمن القومي في صباح يوم رأس السنة للتحدث بشأن "الوضع في البحر الأحمر"، ومناقشة "الخيارات المطروحة وسبل المضي قدماً" إزاء هذه الأوضاع.
وأسفر الاجتماع، من بين نتائج أخرى، عن إصدار الولايات المتحدة وعشرات من حلفائها "بياناً مشتركاً" يحذر من أن الحوثيين سيواجهون "عواقب وخيمة" في حال استمروا في "تهديد الأرواح وعرقلة تدفق التجارة في البحر الأحمر"، وفقاً لما نقلته "بوليتيكو" عن مسؤول الإدارة الأميركية.
ومع ذلك، تشير دلائل أخرى إلى قلق الإدارة الأميركية من تفاقم هذه التهديدات، وفقا لما نقلته "بوليتيكو" عن مصادرها.
استهداف إيران
ففي أعقاب الهجوم الذي شهدته إيران، الأربعاء، عكف المسؤولون في الإدارة الأميركية من البنتاجون إلى وزارة الخارجية ووصولاً إلى الوكالات الاستخباراتية على "تقييم إمكانية استهداف إيران أو وكلائها في الشرق الأوسط الولايات المتحدة أو حلفائها في المنطقة بشكل مباشر".
وقال المسؤولون، إن هذا التخطيط للطوارئ يُعد "شأناً معتاداً" في حالات التوتر الشديد في منطقة الشرق الأوسط.
ولكنهم أضافوا، أن حالة "التدافع" داخل الإدارة الأميركية لإعداد تقارير حول "نقاط الهجوم المحتملة والاستجابات الأميركية المتوقعة" خلال هذا الأسبوع جاءت بناء على "أوامر صادرة من أعلى المستويات في الإدارة"، بسبب مخاوف من استمرار تصاعد وتيرة العنف في المنطقة واضطرار واشنطن إلى التدخل في نهاية المطاف.
ومما يثير القلق على وجه التحديد، وفقاً لما نقلته "بوليتيكو" عن مصادرها، هو تزايد احتمالات التصعيد في البحر الأحمر. فقد دفعت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية بالولايات المتحدة الشهر الماضي إلى إعلان بدء تحالف بحري دولي جديد لردع هذه الهجمات.
وسمح التحالف الذي يضم الآن أكثر من 20 دولة لما يقرب من 1500 سفينة تجارية بالعبور الآمن منذ بدء العمليات في 18 ديسمبر، وفقا لما أخبر به نائب الأدميرال براد كوبر، قائد الأسطول الخامس الأميركي، الصحافيين، الخميس.
رغم ذلك، فقد وقع حتى الخميس "25 هجوماً" ضد السفن التجارية التي تعبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وفقاً لما قاله كوبر، مضيفاً أنه في صباح الخميس، قام الحوثيون لأول مرة بتفجير سفينة سطح هجومية صغيرة بدون قبطان في ممرات الشحن الدولية، ما فرض تهديداً جديداً.
وبالفعل أجبرت هجمات الحوثيين شركات الشحن الكبرى التي تختص بجزء كبير من الاقتصاد البحري الدولي على تغيير مسار سفنها، ما أدى إلى زيادة التكاليف والفترة الزمنية التي تستغرقها الرحلات.
تخوف مستمر
وفي سياق التخوف من "المزيد من التصعيد"، قال أحد المسؤولين الأميركيين لـ "بوليتيكو"، إنه "من وجهة نظرنا، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن يُغرق الحوثيون إحدى السفن.. ماذا سيحدث حينئذ؟!".
وأضاف أنه لا يزال ثمة تخوف مستمر من انتشار العنف الذي يجتاح غزة إلى الضفة الغربية ولبنان، خاصة وأن هناك بالفعل تبادل إطلاق نار على الحدود بين "حزب الله" وإسرائيل، كما أن هناك تقارير حول "عنف المستوطنين الإسرائيليين واستهدافهم الفلسطينيين في الضفة الغربية".
وتتفاقم هذه المخاوف بعد قيام إسرائيل باغتيال أحد قادة "حماس" في لبنان (صالح العاروري)، الثلاثاء. ومع ذلك، لم تر الولايات المتحدة حتى الآن أي مؤشر على رغبة حزب الله في توسيع نطاق الحرب، وفقاً لما قاله المسؤول الأميركي لـ "بوليتيكو".
وقال ميك مولروي، الضابط السابق بقوات مشاة البحرية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" في ولاية دونالد ترمب، لـ "بوليتيكو"، إنه برغم أن الولايات المتحدة تحاول تجنب تحول الحرب في غزة إلى صراع إقليمي، إلا أن "هذا القرار لا نختص به وحدنا بالكلية في نهاية المطاف"، محذراً من أن "المؤشرات تومض باللون الأحمر لهذه الحرب لتتحول إلى حرب إقليمية".