قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن العراق يريد خروجاً سريعاً ومنظماً للقوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة من أراضيه عن طريق التفاوض، لكنه لم يحدد موعداً نهائياً، ووصف وجود تلك القوات بأنه "مزعزع للاستقرار في ظل التداعيات الإقليمية لحرب إسرائيل على غزة".
واكتسبت الدعوات التي أطلقتها منذ فترة طويلة فصائل أغلبها شيعية، والعديد منها قريب من إيران، لرحيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، زخماً بعد سلسلة من الضربات الأميركية على فصائل مرتبطة بإيران، وتشكل أيضاً جزءاً من قوات الأمن العراقية الرسمية.
وقال السوداني في مقابلة مع "رويترز" في بغداد، الثلاثاء، "هناك ضرورة لإعادة ترتيب هذه العلاقة بالشكل الذي لا تكون هدفاً وملفاً ومبرراً لأي جهة داخلية أو خارجية للعبث باستقرار العراق والمنطقة".
وشدد السوداني على أن خروج قوات التحالف يجب أن يتم التفاوض عليه في إطار "عملية تفاهم وحوار".
وقال: "نتفاهم على جدول زمني متفق عليه يكون في وقت سريع حتى لا نطيل أمد التواجد وتبقى الهجمات مستمرة"، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لعدم اتساع الصراع في المنطقة حالياً، هو وقف الحرب على غزة مع تكثيف جهود إدخال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن".
وأضاف: "هذا هو الحل الوحيد، وإلا سوف نشهد المزيد من اتساع ساحة الصراع في منطقة حساسة للعالم تمثل ثقلاً لإمدادات الطاقة، وأيضاً هذا الموضوع برمته يؤدي إلى زيادة التطرف والعنف، ليس في هذه المنطقة، في كل دول العالم".
تصريحات رئيس الوزراء العراقي، جاءت بعدما قالت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، إن السوداني، أخبر المسؤولين الأميركيين "بشكل خاص"، أنه يريد التفاوض بشأن إبقاء القوات الأميركية في البلاد، على الرغم من إعلانه الأخير أنه سيبدأ عملية إخراجهم.
وقال كبار مستشاري رئيس الوزراء العراقي، لمسؤولين أميركيين، وفق برقية للخارجية الأميركية، اطلعت عليها "بوليتيكو"، إن إعلان السوداني كان "محاولة لإرضاء الجماهير السياسية المحلية"، وأن السوداني نفسه "يظل ملتزماً" بالتفاوض بشأن الوجود المستقبلي للتحالف في العراق.
نفي أميركي
وفي وقت سابق الاثنين، نفت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، أي خطط حالية لسحب قواتها البالغ عددها قرابة 2500 جندي من العراق.
وقال باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاجون، في إفادة صحافية: "في الوقت الحالي ليس لدي علم بأي خطط (للتخطيط للانسحاب)"، مؤكداً على مواصلة بلاده "التركيز بشدة على مهمة هزيمة تنظيم داعش".
وأشار رايدر إلى أن القوات الأميركية موجودة في العراق، بدعوة من الحكومة هناك، لافتاً إلى أنه ليس لديه علم أيضاً بأي إخطار من العراق لوزارة الدفاع بشأن قرار بسحب القوات الأميركية، محيلاً الموضوع إلى وزارة الخارجية.
انتهاكات جسيمة للسيادة
وتقول الحكومة العراقية، إن الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة على القوات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية في العراق غير قانونية، وتتعارض مع مصالح البلاد، وتقول إنها ألقت القبض على بعض الجناة ومنعت هجمات.
وفي الوقت نفسه، أدانت بغداد الضربات الأميركية على القواعد التي تستخدمها الجماعات، وكذلك غارة جوية استهدف مؤخراً قيادياً في أحد الفصائل في قلب بغداد، باعتبارها انتهاكات جسيمة للسيادة.
ويقول معارضون إن الفصائل المسلحة لا سيما كتائب "حزب الله" و"حركة النجباء" تستخدم مكانتها كمكونات في قوات الحشد الشعبي كغطاء. وتشكل الحشد الشعبي في عام 2014 كقوة أمنية حكومية.
وعندما تستهدف الفصائل العراقية، القوات الأميركية، فإنها تعمل خارج التسلسل القيادي تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق، وعندما ترد الولايات المتحدة، فإنها تندد بخسائرها بصفتها جزءاً في قوات الحشد الشعبي، وتستفيد من تصاعد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة.
وغزت القوات التي تقودها الولايات المتحدة العراق في عام 2003، ثم انسحبت في عام 2011، لكنها عادت بعد ذلك في عام 2014 لمحاربة تنظيم "داعش" في إطار تحالف دولي.
ومع هزيمة التنظيم في عام 2017 وتراجعه منذ ذلك الحين، قال السوداني إن سبب وجود التحالف قد انتهى منذ فترة طويلة.
سنوات من الإعداد
وظلت دعوات انسحاب التحالف موجودة منذ سنوات، وحتى الآن لم يتغير الكثير. وصوت البرلمان العراقي في عام 2020 لصالح رحيله بعد أيام من اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة خارج مطار بغداد.
وفي العام التالي، أعلنت الولايات المتحدة نهاية مهمتها القتالية في العراق والتحول إلى تقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن العراقية، وهي خطوة لم تغير سوى القليل على أرض الواقع.
وأعادت الحرب الإسرائيلية على غزة القضية إلى الواجهة من جديد، إذ دعت العديد من الجماعات العراقية التي أوصلت حكومة السوداني إلى السلطة والمقربة من طهران إلى الخروج النهائي لجميع القوات الأجنبية، وهي خطوة سعت إليها إيران وحلفاؤها الإقليميون منذ فترة طويلة.
وقال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في خطاب ألقاه الجمعة إن الغارات الجوية الأميركية في العراق يجب أن تمهد الطريق للانسحاب النهائي للقوات الأميركية من العراق، الأمر الذي سيجعل وجودها في شمال شرق سوريا غير مقبول أيضاً.
سيادة كاملة
وقال السوداني إنه يسعى لخروج التحالف؛ لأن العراق يستطيع الآن الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب، وينبغي أن يمارس سيادته الكاملة على أراضيه، وبالتالي يتجنب إعطاء أي شخص ذريعة لجر العراق إلى صراع إقليمي.
وقال السوداني، إن "إنهاء وجودها سيمنع المزيد من التوترات وتشابك الملفات الأمنية الداخلية والإقليمية".
وأضاف أن العراق، منفتح على إقامة علاقات ثنائية والانخراط في تعاون أمني مع دول التحالف، لا سيما الولايات المتحدة، وقد يشمل ذلك التدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية وكذلك شراء الأسلحة.
وتابع: "لا نريد أن يكون إنهاء التحالف وكأنه عملية طرد لهذه القوات، وإنما العملية هي عملية تفاهم وحوار تؤدي إلى الانسحاب بشكل طبيعي".
وأردف قائلا "مستعدون للتعاون الأمني الثنائي مع كل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية التي هي ليست عدوا لنا، ولسنا في حرب معها، لكن استمرار هذه التوترات بالتأكيد سوف يؤثر ويتخلق فجوة في هذه العلاقة".