يترقب الداخل الأميركي، وقطاعات واسعة خارجه، وفي منطقة الشرق الأوسط، طبيعة رد واشنطن لـ"معاقبة الجماعة المسؤولة عن مهاجمة وقتل الجنود الأميركيين" خلال الأسابيع الماضية، وفق ما صرح به الرئيس جو بايدن، في خطوة أثارت انتقادات لـ" تخليه عن عنصر المفاجأة"، واعتبرها البعض "محاولة لتجنب مواجهة مع إيران"، بينما شدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الجمعة، في كلمة نقلها التلفزيون، على أن بلاده لن تبدأ حرباً، لكنها "سترد بقوة" على كل من يحاول أن "يستأسد" عليها.
وأضاف: "في السابق، عندما أرادوا (الأميركيون) التحدث معنا، قالوا إن الخيار العسكري مطروح على الطاولة، والآن يقولون إنهم لا ينوون الدخول في صراع مع إيران".
وقالت "بلومبرغ"، إن الرئيس الأميركي جو بايدن، لا يُخفي نواياه بشأن شن هجمات متعددة على الجماعات التي قادت هجوم "البرج 22" في الأردن، الأسبوع الماضي، والذي أدى إلى قتل ثلاثة جنود أميركيين، وهي الاستراتيجية التي جعلته عرضة للانتقادات بسبب تخليه عن عنصر المفاجأة.
وأضافت "بلومبرغ"، الجمعة، أن الضربات المتوقعة كانت "حديث واشنطن"، الخميس، وذلك بعد 4 أيام من تحذير بايدن من أن الولايات المتحدة، سترد في الوقت والمكان الذي تختاره.
واعتبرت الوكالة، أنه "استناداً إلى تلميحات عديدة من البيت الأبيض هناك إجماع ظهر يشير إلى أن الولايات المتحدة ستهاجم أهدافاً مرتبطة بطهران في سوريا والعراق، لكنها لن تضرب الأراضي الإيرانية نفسها"، كما أن هناك أيضاً تكهنات بأن الولايات المتحدة قد تستهدف سفينة IRIS Alborz الحربية الإيرانية في البحر الأحمر.
وقالت "بلومبرغ"، إن هذه التلميحات "تتناسب مع رغبة بايدن في إرسال رسالة إلى طهران"، التي تتهمها الولايات المتحدة بتمويل الجماعات التي شنت عشرات الهجمات على القواعد والأفراد الأميركيين في المنطقة، كما أنه في الوقت نفسه، يريد تجنب تأجيج الصراع الذي بدأ بهجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، والذي ردت عليه القوات الإسرائيلية بحملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة.
لحظة "استعراض عضلات"
ونقلت الوكالة عن ستيفن كوك، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، مقره واشنطن، قوله: "من الغريب أن تكون الإدارة الأميركية منفتحة للغاية بهذا الشكل بشأن قول ما ستفعله للرد على الهجوم، إذ يبدو لي أن الأمر ينتهك كل الأشياء التي نعرفها جميعاً عن العمليات العسكرية الناجحة".
وفي مؤتمر صحافي، الخميس، رد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، على سؤال بشأن ما إذا كانت التحذيرات الأميركية قد دفعت المستشارين الإيرانيين إلى مغادرة سوريا، وما إذا كانت تلميحات واشنطن هي محاولة للتأكد من عدم قتل إيرانيين عند وقوع الضربات، قائلاً: "فيما يتعلق بالإبلاغ عن الضربات وما إذا كان الناس سيغادرون أم لا، فلن أتكهن بأي من ذلك، ولكني أود فقط أن أخبركم أنه سيكون لدينا رد متعدد المستويات".
وأقر وزير الدفاع الأميركي بأن الولايات المتحدة تريد محاسبة الأشخاص المناسبين مع تجنب الدخول في حرب أوسع نطاقاً، وفي تحذير وصفته "بلومبرغ" بـ"لحظة نادرة من استعراض العضلات"، قال أوستن عن وكلاء إيران: "صحيح أن لديهم الكثير من القدرات، ولكن لدي ما هو أكثر بكثير، وسنفعل ما هو ضروري لحماية قواتنا ومصالحنا".
كما أن الإدارة الأميركية تريد أيضاً التأكد من ألا تؤدي أي ضربات للإضرار بالمفاوضات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر لتبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس"، والتوصل إلى وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين، "إذ يعد تحقيق هذا الهدف أمراً بالغ الأهمية لها، لأن وقف العنف سيخفف حدة التوترات الإقليمية، ومن المرجح أن يثني بعض وكلاء إيران عن مهاجمة القوات الأميركية في المنطقة".
وكانت تلميحات إدارة بايدن بشأن الرد على هجوم الأردن بمثابة تذكير أيضاً، بأن الضربات يجب أن تأخذ السياسة والأمن القومي في الاعتبار، وذلك مع بدء عام الانتخابات الرئاسية الأميركية وتعرض الرئيس الحالي لضغوط شديدة من الجمهوريين، لاتخاذ إجراءات قوية تصل إلى حد شن هجمات مباشرة على الأصول أو الأراضي الإيرانية.
ويقول السيناتور الديمقراطي كريس كونز، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، إنه يتوقع "ضربات قوية ضد مجموعة من وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة"، وأضاف في تصريحات لشبكة MSNBC الأميركية: "هذا هو شكل الرد الذي من المحتمل أن نراه، وأعتقد أنه سيكون متناسباً ومُبرَراً".
ورداً على المعلومات المتداولة بشأن الرد الأميركي المحتمل، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، للصحافيين، الخميس: "لا أفهم سبب اعتقاد بعض المسؤولين أنه من مصلحة أي شخص الخروج والتكهن علناً، دون الكشف عن هويته، بشأن العمليات العسكرية المستقبلية.. أعتقد أن هذا أمر غير مسؤول إلى حد كبير".
ملامح الخطة الأميركية
وكشف مسؤولون أميركيون لشبكة CBS الأميركية، الخميس، عن موافقة إدارة الرئيس جو بايدن، على خطط لشن سلسلة من الهجمات على مدار عدة أيام ضد أهداف تشمل أفراداً ومنشآت إيرانية داخل سوريا والعراق، رداً على الهجمات على القوات الأميركية بالمنطقة.
وقال المسؤولون للشبكة الأميركية، إن الطقس سيكون عاملاً حاسماً في تحديد توقيت الضربات.
وأضافت المصادر أن الولايات المتحدة لديها قدرات لشن ضربات خلال الطقس السيء، ولكنها تفضل العمل في ظروف توفر رؤية واضحة للأهداف المختارة، لتجنب عدم ضرب أهداف مدنية عن طريق الخطأ قد تكون في محيط تلك الأهداف.
ولم تقع أي هجمات على القوات الأميركية منذ أعلنت كتائب حزب الله العراقية، الثلاثاء الماضي، وقف عملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية.
وفي وقت سابق، الخميس، قال أربعة مسؤولين أميركيين لـ"رويترز"، إن تقديرات الولايات المتحدة تشير إلى أن إيران هي التي صنعت الطائرة المسيرة التي استهدفت قاعدة أميركية في الأردن مطلع الأسبوع في هجوم أسفر عن سقوط ثلاثة جنود أميركيين وإصابة أكثر من 40 آخرين.
وتخاطر الإدارة الأميركية بتصعيد العنف، وتقرب نفسها من صراع مباشر مع إيران، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة ضعيفة للغاية في كيفية الانتقام، فمن المرجح أن تواصل الجماعات المدعومة من إيران الهجوم، مما يعرض حياة المزيد من القوات الأميركية للخطر، وفقاً لمجلة "بوليتيكو".
وفي عام 2020، كادت التوترات بين واشنطن وطهران أن تتحول إلى صراع مستمر بعدما أمر الرئيس دونالد ترمب، حينها، بشن غارة جوية أميركية في بغداد قتلت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس. وردت إيران بوابل من الصواريخ الباليستية ضد القوات الأميركية في العراق، لكنها لم تسفر عن سقوط أي جندي أميركي.
حدود سيطرة إيران
إلى ذلك، قدّر مسؤولون في الاستخبارات الأميركية، أن إيران لا تملك السيطرة الكاملة على أذرعها في الشرق الأوسط، والتي تشمل "الجماعة المسؤولة عن مهاجمة وقتل الجنود الأميركيين" خلال الأسابيع الماضية، بحسب ما نقلته مجلة "بوليتيكو" عن مسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر.
وقال مسؤولون أميركيون، إن "فيلق القدس"، فرع النخبة في الحرس الثوري الإيراني، مسؤول عن إرسال الأسلحة والمستشارين العسكريين والمعلومات الاستخباراتية لدعم المليشيات في العراق وسوريا وكذلك الحوثيين في اليمن"، مضيفين أن هذه الجماعات، التي لديها طموحات وأجندات مختلفة ومتداخلة أحياناً، لا يبدو أن طهران تتمتع بسلطة كاملة على عملية صنع قراراتها التنفيذية.
وخيّم افتقار إيران للسيطرة على الحوثيين والجماعات المسلحة في العراق وسوريا، على المناقشات في واشنطن بشأن كيفية الرد على الهجمات المتكررة على المصالح الأميركية في المنطقة.
وفيما تدعم إيران أذرعها مالياً، وتزودها بالمعدات العسكرية، لا يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية، أنها تأمر بتلك الهجمات، بحسب "بوليتيكو".