المحضر السري للقائهما في دمشق عشية الغزو الأميركي لبغداد.. والأسد يقول إن صدام "خبير انقلابات"

بايدن للأسد: صدام سيمتلك السلاح النووي إذا لم نسقطه.. والرئيس السوري: المعارضة العراقية لاقيمة لها (5 من 7)

صورة نشرتها مجلة "المجلة" تحمل وثائق سرية بشأن قرار الولايات المتحدة بتغيير نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين - المجلة
صورة نشرتها مجلة "المجلة" تحمل وثائق سرية بشأن قرار الولايات المتحدة بتغيير نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين - المجلة
المجلة-إبراهيم حميدي

بعدما تضمنت الحلقات السابقة تفاصيل قرار واشنطن ربيع 2002، تغيير صدام في 2003 ثم تنسيق المعارضة العراقية مع دمشق ولقاءات بين الرئيس الأميركي بوش الابن ومسؤولين عرب تحضيراً للحرب، تنشر "المجلة" محاضر رسمية للقاء الرئيس جو بايدن عندما كان قيادياً في الكونجرس، ووزير الخارجية كولن باول، مع الرئيس السوري بشار الأسد نهاية 2002، قبل بعد اتخاذ قرار تغيير صدام وبدء الغزو في مارس 2003. وقال الأسد إن صدام "خبير انقلابات" وإنه كان "معروفاً بأنه مجرم غير متزن".

بالتزامن مع اللقاء الكبير بين المعارضة العراقية والمسؤولين الأميركيين لتنفيذ قرار واشنطن والتخطيط لاسقاط صدام، استقبل الأسد، كولن باول يوم 15 أبريل 2002، بحضور كبار المسؤولين في البلدين.

بدأ الأسد الحديث بالقول: "زيارة سوريا مهمة جداً وأنا سعيد لأنكم قررتم هذه الزيارة. أي حديث في المنطقة عن السلام دون سوريا ولبنان موجود على الورق لكن ليس في الواقع، المهم أن نكون قد تعلمنا من هذه الأحداث التي تحصل الآن أن أغلب الأمور التي حصلت في الماضي من مبادرات ومصطلحات وسياسات هي التي أدت إلى هذا الشيء".

الأسد لم يكن مقتنعاً بكلام باول بأن صدام يشكل خطراً على الولايات المتحدة

رد باول: "مسرور برؤيتك مرة أخرى. أنت محق تماماً فيما قلته، فزيارتي للمنطقة دون زيارة سوريا وتبادل الآراء- وهو ما أحاول القيام به- لن تدفع عملية السلام إلى الأمام، وهذه وجهة نظر الرئيس بوش، لذلك من الممكن أن نستمع إلى آرائكم لننقلها إلى الرئيس بوش".

بعد حديث طويل عن عملية السلام، بدأ اللقاء بالحديث عن العراق. وقال باول إن النظام العراقي "يركز على حيازة أسلحة دمار شامل وعلى مواد البنى التحتية، وأرى أنه من الأفضل تنظيف المنطقة حفاظاً على المدنيين من الأذى، وآمل أن يتم نقل هذا الأمر إلى الأمم المتحدة قبل نهاية الشهر، وحكماً ضمن شهر مايو".

صورة نشرتها وكالة الأنباء السورية (سانا)، تظهر الرئيس السوري بشار الأسد متحدثا إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول في دمشق في 3 مايو 2003
صورة نشرتها وكالة الأنباء السورية (سانا)، تظهر الرئيس السوري بشار الأسد متحدثاً إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول بدمشق في 3 مايو 2003 - Getty Images

رد الأسد: "كلما تأخر الحصار أصبح صدام أقوى. وطبعاً الآن هو أهم رئيس عربي، يجب أن تعرفوا هذا الشيء، وأخشى في الانتخابات المقبلة أن نضطر لمطالبته بالوقوف إلى جانبنا لكي ننجح في الانتخابات (ضاحكاً)".

وقال باول: "الحقيقة أنه ما زال شخصاً خطيراً، وموقف الرئيس بوش منه لم يتغير أبداً، وسنبقي الحصار، وسنتابع الضغط حتى يتمكن المفتشون (الدوليون) من الدخول إلى العراق، وسيظل الرئيس مؤمناً بأن العراق سيكون دائماً مصدراً للخطر".

الأسد: صدام ليس خطراً 

لكن الأسد لم يكن مقتنعاً بكلام باول بأن صدام يشكل خطراً على الولايات المتحدة، مؤكداً أن واشنطن تبالغ في مخاوفها من صدام، خاصة فيما يتعلق بمزاعم حيازته أسحلة دمار شامل.

وأضاف: "هذا الكلام مضحك لأن الولايات المتحدة وبكل مصادر المعلومات التي لديها تعتقد أن صدام يمتلك أسلحة نووية. يجب أن يأخذ كل موضوع حجمه الحقيقي".

ورد باول: "نحن لا نريده أن يمتلك أسلحة نووية، ولهذا السبب فإننا نعمل جاهدين لمنعه من التسلح بهذه التقنيات. هو لا يمتلك هذه الأسلحة الآن، لكنه يعمل على تلك التقنيات ونعلم أنه قبل حرب الخليج (في 1991) كان يحاول القيام بهذا الشيء، لذلك حاولنا أن نُبقي أعيننا عليه ونراقبه ونفرض عليه العقوبات. وإذا كان لا يمتلك أسلحة كهذه فعليه أن لا يبدي اعتراضاً على دخول المفتشين ليلقوا نظرة ويتحققوا مما إذا كان يفعل شيئاً ما وهذا يتعلق أيضاً بالعقوبات".

مع نهاية 2002، اكتملت تقريباً التحضيرات لغزو العراق في مارس 2003

ورد الأسد أن جيران العراق "لن يسمحوا لصدام بأن يمتلك تلك الأسلحة قطعاً، لأنهم يخشون صدام"، ثم أردف ضاحكاً: "نحن في سوريا نعرف صدام أكثر من العراقيين وأكثر منكم وأكثر من الكويتيين".

وعندما أثار باول التعاون الأمني مع سوريا في مكافحة الإرهاب، قال الأسد إن بلاده كان لها السبق في التصدي لتنظيمات متطرفة ومحاربتها أكثر من مرة كتنظيم "القاعدة"، وكان آخرها في لبنان عام 1998 بالتعاون من الجيش اللبناني، وإن على واشنطن الاستفادة من التجربة السورية في ذلك المجال، مشيراً إلى أهمية أن تضطلع دولة عربية مسلمة ومعتدلة وموثوقة في الشارع العربي بتلك المهمة، وبمساعدة استخباراتية أميركية.

"المعارضة لا قيمة لها داخل العراق"

مع نهاية 2002، تواصلت تقريباً التحضيرات لغزو العراق في مارس 2003. وفي 9 ديسمبر 2002، استقبل الأسد عضوي مجلس الشيوخ الأميركي جو بايدن (الرئيس الأميركي الحالي) وتشاك هيجل بحضور مسؤولين من الجانبين، بينهم أنتوني بلينكن (وزير الخارجية الحالي)، مدير هيئة الموظفين للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

وكان بايدن وهيجل استهلا جولة إقليمية شملت أيضاً تركيا، وكردستان العراق، وإسرائيل، والأردن، والسعودية. وفي سوريا، بدأ الرجلان حديثهما مع الأسد، في اجتماع استمر ساعتين، بالثناء على الجهود التي تبذلها دمشق لدحر تنظيم "القاعدة"، ومساعدة واشنطن في وأد عمليات إرهابية في مهدها، وهو ما أدى إلى إنقاذ حياة بعض الأميركيين.

وعندما تطرق بايدن لسبب الزيارة الرئيس لدمشق، وهو الحرب على العراق، وتضرر سوريا بشكل مباشر حال وقوعها، أكد أن رئيس الولايات المتحدة يعتقد أنه لا مفر من الحرب، وأن واشنطن تريد أن تعرف موقف سوريا، خاصة بعد أن صممت أميركا على رأيها من حيازة صدام أسلحة دمار شامل، وسأل الأسد: "ما الخيارات التي تعتقد أنها ستكون متوفرة لنا لتطبيق أهداف الأمم المتحدة في هذا الشأن؟ هناك الكثير من الأسئلة لدينا".

المعارضة العراقية "ليست لها أية قيمة" داخل العراق

الرئيس السوري بشار الأسد

فقال الأسد إن هناك شكوكاً في كل ما تطرحه واشنطن الآن من مبادرات في موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي موضوع العراق، وموضوع مكافحة الإرهاب، مؤكداً على أن القضايا الثلاث مترابطة، وبالتالي فإن فقدان الثقة أو الفشل في الأولى سيؤدي إلى فقدان الثقة والفشل في الثلاث، وأن بلاده ترى أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتصدر سلم الأولويات. 

وأضاف: "يجب أن تتعامل الولايات المتحدة أولاً مع مسألة فقدان الثقة مع الدول التي من الممكن أن تقدم لها المساعدة في أي موضوع. ثانياً: يجب أن تُعلنوا أولويات هذه القضايا على أن تكون أولويات مقنعة. مثلاً، الأولوية الآن للرئيس بوش هي العراق، وفي خطاباته دائماً يقول إن صدام يشكل خطراً وأسلحة الدمار الشامل هي خطر على العالم، هذا الكلام غير مقنع. بينما الخطر على العالم وعلى الولايات المتحدة هو موضوع الإرهاب قبل أي موضوع آخر".

بايدن للأسد: يمكن تفادي الحرب 

وعندما قال بايدن: "لقد قلت إنه يمكن تفادي هذه الحرب"، رد الأسد: "حسناً. هذا شيء جيد ويدل على بداية الرؤية الواقعية للمنطقة لأنه، كما قلتم، نحن سنتضرر كبلد مجاور للعراق بشكل مباشر، لكن ما الخيارات العسكرية المطروحة أو الموجودة أمام الولايات المتحدة؟ إذا كانت القضية هي القصف من الجو، فهذا ممكن. لكنه يعني قتل مئات الآلاف قبل أن تصلوا لتحقيق هدفكم، ذلك لأنه حتى الجيش العراقي قد أصبح داخل المدن وليس في مناطق مفتوحة. الطريقة الأخرى هي غزو العراق. الكثير ممن يكرهون واشنطن يقولون: نتمنى أن يتم هذا الشيء لكي تتورط أميركا في حرب قد تكون أصعب من حرب أفغانستان وفيتنام".

الرئيس صدام حسين ووزير خارجية العراق طارق عزيز عام 1981
الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووزير خارجيته طارق عزيز عام 1981 - AFP

وقال الأسد إن دمشق خبرت التعامل مع المعارضة العراقية لسنوات عدة، وخلصت إلى رأي مفاده أنها "ليست لها أية قيمة داخل العراق"، منوهاً بأهمية التعويل على دعم الشعب العراقي.

وقال الأسد للزائر الأميركي: "إذا لم يكن الشعب العراقي معكم في هذا الموضوع فلا أحد يستطيع أن يحقق الهدف الذي تتحدثون عنه. بالعكس قد يؤدي رفع الحصار عن العراق إلى سقوط النظام بشكل آلي".

عندئذ قال بايدن إن في الولايات المتحدة إجماعاً على أن عدم الإطاحة بصدام سيمكنه من امتلاك أسلحة نووية "خلال فترة تمتد من 3 إلى 5 سنوات"، محذّراً من العواقب الوخيمة على المنطقة بأسرها. وحاول بايدن تبرير الغزو للأسد على أنه "عمل احترازي".

بايدن للأسد: إذا توصلتم لاتفاق سلام مع إسرائيل ستكونون قادرين على الحد من عمليات "حزب الله"

ثم تطرق بايدن إلى دعم سوريا لـ"حزب الله" اللبناني وغيره من الجماعات في المنطقة مثل "الجهاد الإسلامي"، في إطار حرب غير معلنة ضد إسرائيل، في محاولة لإرغامها على الانسحاب من مرتفعات الجولان والأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في أعقاب حرب 1967، وعندما ذكر السيناتور الأميركي ما وصفه بـ"تهريب الأسلحة وتجارة المتطرفين الإيرانيين" عبر سوريا، رد عليه الأسد قائلاً: "أنت تقول الآن إن إيران تنقل السلاح إلى سوريا والسلاح يصل إلى حزب الله لأن لدينا حدوداً مشتركة مع لبنان، لكن أخبرني كيف تصل الأسلحة إلى قلب فلسطين وفلسطين محاطة بإسرائيل وبمصر وبالأردن والبحر محاصر من قِبل إسرائيل، فكيف تصل الأسلحة؟".

الرئيس السوري بشار الأسد (وسط) يقيم حفل استقبال على شرف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (يسار) بحضور الأمين العام لـ
الرئيس السوري بشار الأسد (وسط) يقيم حفل استقبال على شرف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (يسار) بحضور الأمين العام لـ"حزب الله"- Getty Images

رد بايدن: "4 آلاف سنة من العبقرية العربية"، فضحك الأسد قائلاً: "حزب الله لديه نفس العبقرية. هم ليسوا بحاجة لسوريا أو لإيران سواء دعمناهم أم لا. إذن، لكي تعرف كيف يحصل حزب الله على السلاح عليك أن تعرف كيف يحصل الفلسطينيون على سلاحهم".

اتفاق سلام مع إسرائيل؟

واتفق بايدن مع هذا، وقال: "أعتقد أنكم ستعترفون ربما جزئياً بأنكم إذا توصلتم لاتفاق سلام مع إسرائيل فإنكم ستكونون قادرين على الحد من نشاط وعمليات حزب الله ضد إسرائيل، ربما لن تستطيعوا إيقافها، لكنني أعتقد أنكم ستستطيعون الحد من تلك العمليات ضد إسرائيل. حزب الله لن يختفي من الوجود وكذلك حركة الجهاد، فإذا أعلنتم الحرب غداً فإنهم سيبقون موجودين وأنا أعرف هذا، لكن يمكن أن يكون لكم تأثير إيجابي أكثر على نشاطاتهم إذا كان لديكم الإحساس بذلك التأثير".

الأسد لم يستبعد رحيل صدام طواعية قبل غزو العراق

وجرى نقاش طويل، ثم قال الأسد: "خضنا منذ 4 سنوات حرباً في لبنان مع الجيش اللبناني ضد عناصر من القاعدة كانوا مختبئين في الجبال. حزب الله هو مَن كان يساعد الدولة اللبنانية في الكشف عنهم، وحتى في محاصرتهم! فإذن، هذا الربط هو 100% خاطئ من دون أي هامش.. ولا نقول 99%، بل 100%".

شعبية أم تعاطف؟ 

من جهته، قال هيجل إن واشنطن وحلفاءها يقومون بالتحضير لخيار عسكري بصورة يومية، وهو خيار حقيقي تماماً، وإنه لا يعتقد أن بمقدور أي شخص أن يعرف مدى التعقيد الذي يمكن أن ينجم عن العملية العسكرية، وأن لا أحد يعرف ماذا يُخبئ المستقبل، وأن صدام "ليس بالشخص الغبي". ثم وجه سؤالاً للأسد: "هل تعتقدون أن هناك احتمالاً بأن يترك صدام العراق بشكل ما ويمنع وقوع الخيار العسكري أو غيره من الخيارات المحتملة؟".

لم يستبعد الأسد رحيل صدام طواعية قبل شن الغزو، لكنه أكد أنه شخص يصعب التكهن بما يدور في خلده، مشيراً إلى أن رده على هذا السؤال كان يمكن أن يكون بـ"نعم" قبل عدة أشهر، لكن الأمر تعقد حالياً بسبب الأداء السياسي للولايات المتحدة في إدارة هذا الملف، وهو ما أكسب صدام تعاطفاً جماً من بعض الدول ومن الشعب العراقي، على حد وصف الأسد، وهو ما جعل صدام "شخصاً أقوى الآن".

صدام حسين خبير في موضوع الانقلابات

الرئيس السوري بشار الأسد

ثم ضرب للسيناتور هيجل مثالاً: "لِنشبه هذا بمخطط بياني لصدام، بعد احتلاله للكويت (في 1990) وبعد تحرير الكويت (في 1991)، كانت صورته في أدنى مستوياتها، عراقياً وعربياً ودولياً. وكما قلتُ كنا مختلفين معه قبل ذلك لفترة طويلة. بدأت العلاقات السورية مع العراق عام 1998 كعلاقات تجارية.. الضغط كان من المواطنين السوريين. في عام 2000 عندما زار الوزير باول سوريا تحدثت معه في هذا الموضوع، وقلت له إنكم في واشنطن، من خلال سياستكم، قد بدأتم تجعلون صدام أقوى وأقوى. وقلت له على سبيل المزاح أخشى أن أُضطر في الانتخابات القادمة إلى أن أطالبه بالوقوف إلى جانبي كي أحقق شعبية!".

وأضاف الأسد: "هذا هو الواقع الآن: صدام أصبح شعبياً جداً بالرغم من أنه معروف بأنه مجرم غير متزن.. إلخ. لذلك أقول إن الاحتمال، إذا كان موجوداً، ضعيف جداً. ذلك أن الشعب العراقي نتيجة الحصار أصبح ضعيفاً جداً. بينما فك الحصار كان يمكن أن يجعل الشعب العراقي مرتاحاً اقتصادياً على الأقل، وبالتالي يكون أكثر قدرة على العمل من الداخل. ثانياً، هذا يجعل العلاقة مع العراق من جانب الدول المحيطة المعنية أيضاً أسهل وأفضل... الآن هو أمر صعب جداً".

وأكد الأسد على أهمية الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وعلى رفع الحصار عن الشعب العراقي لـ"تخفيف التعاطف مع صدام" لأن عدم تعاون الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة يسبب المزيد من الكراهية لواشنطن، وسيصطف المعارضون لها مع صدام لمجرد أن الولايات المتحدة ضده.

المجلة
صورة نشرتها مجلة "المجلة" تحمل صوراً لمسؤوليين منهم الرئيس الأميركي السابق بوش الابن، والرئيس العراقي السابق صدام حسين، والرئيس السوري الحالي بشار الأسد.

ووجه هيجل للأسد سؤالاً استنكارياً: "على ما أذكر فقد قلتم إنه في حال التزم العراق بقرارات الأمم المتحدة ورُفعت العقوبات عنه فإن صدام سيسقط من السلطة؟"، فرد الأسد: "تصبح الاحتمالات أكبر. ولا تنسَ أن صدام خبير أيضاً في موضوع الانقلابات.. الموضوع ليس بهذه البساطة.. هناك مَن يراقب كل شخص دائماً... الأشخاص يراقبون بعضهم في العراق".

ثم وجه هيجل سؤالاً افتراضياً حول إذا ما قرر صدام وقف عمل مفتشي الأمم المتحدة في العراق، وهو ما يعد خرقاً للقرارات الدولية، مما سيدفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار ثان للتفويض باستخدام القوة العسكرية للإطاحة بصدام، "فهل ستبقى الولايات المتحدة الطرف الذي يُوجه اللوم إليه بخصوص القيام بعمل عسكري ضد صدام؟ وهل يؤثر ذلك على المنطقة وعلى مكافحة الإرهاب فيها؟".

تقارير استخباراتية تؤكد أن صدام يتمتع بدعم داخلي في بلده، عكس ما يقوله المسؤولون السوريون

"السيناتور" جو بايدن

لم يُباغت السؤال الأسد، الذي رد على الفور بأن صدام "بكل تأكيد" سيتحمل الجزء الأكبر من اللّوم، لكن حالة انعدام الثقة في الولايات المتحدة، كما ذكرها في معرض حديثه، سترسخ الاعتقاد بأن واشنطن ليست حريصة على تطبيق قرارات الأمم المتحدة فحسب، بل تهدف أيضاً إلى الحصول على النفط والتدخل في دول المنطقة. 

وأردف قائلاً: "إذن، سيقفون ضد الولايات المتحدة لأسباب مختلفة. لكن سيكون الأمر أسهل من أن تقوم واشنطن بحرب مستقلة، بغض النظر عن الأمم المتحدة. لذلك بدأت حديثي عن المصداقية".

أجابه بايدن بأنه لو التزم صدام بقرارات الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة ستكون في موقف محرج جداً في حال لم يرفعوا الحصار وينهوا العقوبات عن العراق، لكن من الواضح للجميع، بحسب السيناتور الأميركي حينها، أن صدام ليست لديه النية للالتزام بالقرارات الدولية.

وقال بايدن إن تقارير استخباراتية من بعض الدول، بما فيها دول في المنطقة، تؤكد أن صدام يتمتع بدعم داخلي في بلده، على عكس ما يقوله المسؤولون السوريون من أنه بات يفتقر إلى شعبية واسعة. وأضاف: "أذكر أننا أُخبِرنا بأننا إذا دخلنا أفغانستان فإن الشارع العربي سيقف ضدنا، في حين رحب الأفغان بقدومنا ولم يُبْدِ الشارع العربي أية ردة فعل".

الأسد للسيناتور بايدن: إذا كنت ضد صدام فسأقف الآن معه لأنني ضد الولايات المتحدة

لكن الأسد لفت انتباه بايدن إلى الفرق بين "عدم شعبية صدام، وتعاطف الناس مع صدام"، موضحاً أنه "إذا كنت ضد صدام فسأقف الآن معه لأنني ضد الولايات المتحدة".

حاول بايدن أن يشرح للأسد وجهة نظر بلاده من شن حرب على العراق، استناداً لتقارير أجهزة الاستخبارات في المنطقة، بأن الجنود الأميركيين سيُنظر إليهم كمحررين للعراق وليس كغزاة له، لكنه أعرب عن قلقه الشخصي من تحول الموقف إلى النقيض إذا ظلت القوات الأميركية في العراق بعد دخوله، فعندئذ سيعتبر العراقيون تلك القوات غازية.

وأضاف أنه من نافلة القول إنه والسيناتور هيجل وآخرين كثراً من أعضاء الكونجرس وفي الولايات المتحدة يعارضون احتلال العراق في فترة ما بعد صدام، لأن ذلك سيؤدي إلى عواقب كارثية على المنطقة بأسرها وعلى واشنطن، على حد وصفه.

صورة الرئيس صدام حسين معلقة على مبنى وزارة النقل والاتصالات المحترق في بغداد، 9 أبريل 2003
صورة الرئيس صدام حسين معلقة على مبنى وزارة النقل والاتصالات المحترق في بغداد. 9 أبريل 2003 - AFP

بيد أن الأسد حذّره من أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأن هناك الكثير من الأسئلة التي لم يُجِب الأميركيون عنها حتى الآن، وطرحها على بايدن: "أين ستذهب هذه الحرب؟ ماذا عن موضوع تقسيم العراق؟ كيف ستصلون؟ إذا كان الهدف هو إزاحة صدام، فكيف ستصِلون إلى هذا الهدف؟ ما السيناريو المطروح؟ ما وضع المدنيين الأبرياء في العراق؟ كل هذه الأسئلة لا تحلها مشكلة التفوق العسكري والقوة العسكرية! ذلك أن الأكراد في الشمال لن يقفوا مع واشنطن. هم يهتمون فقط بمنطقة الشمال.. بغداد لا تهمهم.. وفي حال كان هناك تغيير في النظام ستكون لهم، كأية جهة عراقية، حصة في الموضوع. لن يقاتلوا ولن يكونوا في كل الأحوال حكاماً لبغداد".

وأضاف: "الوضع مشابه إلى حد ما بالنسبة للشيعة في الجنوب. ولأسباب لها علاقة بطبيعة النظام من الصعب أن يتحرك السنة من الوسط.. لا يوجد من يتحرك. إذن، هنا لا يوجد لديكم تحالف مع الشمال (كما كان الحال في أفغانستان) تقصفون بالطائرات وهو (تحالف الشمال العراقي) يتقدم. عليكم كأميركيين أن تقاتلوا العراقيين، وجزء من هؤلاء العراقيين في المعارضة الذين يقفون معكم، لأسباب مختلفة الآن.. وستقاتلون عرباً (جهاديين) سيأتون إلى العراق ليقاتلوكم، وربما تدخل المنطقة في فوضى".

*غدا حلقة سادسة، محضر إجتماع الأسد-خامنئي: غرفة عمليات برئاسة سليماني وناصيف لإغراق الأميركيين في العراق

*هذا المحتوى من مجلة "المجلة"

تصنيفات

قصص قد تهمك