طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المحكمة العليا في إسرائيل، الخميس، تمديد المهلة المتاحة للحكومة لوضع خطة جديدة للتجنيد الإلزامي من شأنها معالجة الغضب السائد إزاء الإعفاءات الممنوحة لليهود المتشددين (الحريديم)، بينما تنتهي فترة إعفائهم من التجنيد الإجباري مقابل التفرغ لدراسة التوراة بنهاية الشهر الحالي.
وفي رسالة إلى المحكمة العليا نشرها مكتب نتنياهو، قال رئيس الوزراء إنه "أحرز تقدماً ملحوظاً بشأن مسودة الخطة"، لكنه طلب تمديداً لمدة 30 يوماً "من أجل صياغة اتفاقات".
وبرر نتنياهو ذلك بأنه لم يتم مناقشة الموضوع بما فيه الكفاية، بسبب الحرب ضد مقاتلي حركة "حماس". فيما لم يرد تعليق بعد من المتحدثين باسم المحكمة.
هجوم لاذع
فيما انتقد رئيس المعارضة يائير لابيد، رد نتنياهو للمحكمة، قائلاً إنه "ما من سبب لمنح مهلة إضافية لتقديم الدولة لائحتها الجوابية النهائية بهذا الشأن".
ووصف لابيد، مشروع القانون بأنه "قانون التهرب". وقال عبر منصة "إكس" إن "قانون التهرب الذي سيطرح هذا الأسبوع هو وجه أفظع حكومة في تاريخ البلاد، تميزت بالكذب والتهرب من المسؤولية والتمييز بين الدم والدم.. بعد 6 أشهر من حرب مؤلمة، يعاني الجيش الإسرائيلي من نقص في الجنود، والحكومة تقدم إعفاء من التجنيد لعشرات الآلاف من الشبان".
وتابع بقوله: "هذا عار ومن يستمر في الجلوس ضمن الحكومة فهو مشارك في هذا العار".
من جهته، قال عضو مجلس الحرب بيني جانتس، في وقت سابق الخميس، إنه التقى في الأشهر الأخيرة العديد من زعماء "الحريديم"، إذ أخبرهم بأنه ولمصلحة الجميع يتعين التوصل في أقرب وقت إلى خطة متفق عليها للتجنيد بناء على المسار الذي وضعه مع زميله في الحكومة جادي أيزنكوت.
وتابع "إن على اليهود المتشددين دينياً أن يدركوا أن الأمور تغيرت بعد السابع من أكتوبر".
كما يعارض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، الذي ينتمي إلى حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، القانون "طالما لا يوجد عليه إجماع في الائتلاف الحكومي".
واليهود الحريديم هم الطائفة الأكثر تشدداً في اليهودية، ويلتزمون بالممارسات الدينية والمبادئ الأخلاقية الواردة في التوراة والتلمود، ويرفضون الالتحاق بالجيش والثقافة العلمانية الحديثة. ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، توفر الدولة لليهود الحريديم استقلالية واسعة في التعليم وممارسة معتقداتهم.
وينتهي الأمر الحكومي الذي يعفي اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية، الأحد، وكانت الحكومات المتعاقبة توافق على تمديد هذا الإعفاء، لكن حكومة نتنياهو تواجه معضلة، إذ ينبغي تحويل هذا التمديد إلى قانون أو إلزام المتدينين بالخدمة العسكرية.
ورفضت المحكمة في وقت سابق، تمديد الأمر الحكومي لفترة أخرى، ومنحت حكومة نتنياهو مهلة للتوصل إلى تفاهم واسع بين الأقطاب السياسية بشأنه.
3 سيناريوهات أمام نتنياهو
ولا يوجد أمام الحكومة الإسرائيلية سوى 3 سيناريوهات بشأن مسألة تجنيد "الحريديم"، وهي قضية شائكة قد يكون لها تبعات على ائتلاف نتنياهو الحاكم.
ويتعلق السيناريو الأول بتسريع المفاوضات بين أعضاء الائتلاف للتوصل إلى اتفاق يؤدي في النهاية إلى إقرار القانون في الحكومة وعرْضه للتصويت في الكنيست، لكن لن يكون ذلك سهلاً في ظل رفْض عضو مجلس الحرب بيني جانتس فكرة القانون، ودعوته إلى تخصيص عدد محدد من اليهود الحريديم لدراسة التوراة، بينما يتم تجنيد البقية، بحسب "هيئة البث الإسرائيلية".
أما السيناريو الثاني، وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فهو فشل محاولات الاتفاق الجارية في اللحظات الأخيرة، ومن ثم تنفيذ قرار المستشارة القضائية للحكومة بوقف تمويل المدارس الدينية.
وأضافت هيئة البث الإسرائيلية: "ستكون العقوبة حرمان ميزانيات المدارس الدينية، ومن المحتمل أن تسمح المحكمة العليا بإلغاء تدريجي للميزانيات بناء على طلب المستشارة القضائية، ومع كل تخفيض من هذا القبيل سيزداد الضغط على السياسيين المتدينين للتوصل إلى اتفاقات بشأن قانون التجنيد وتقديم تنازلات تؤدي إلى التوافق".
وفي محاولة من نتنياهو للحفاظ على تماسك حكومته، تقول هيئة البث الإسرائيلية، إنه وعد زعماء الأحزاب الدينية بأنه إذا رفضت المحكمة العليا ميزانيات المدارس الدينية، فسيحاول تحويل الميزانيات إلى هذه المدارس من مصدر آخر بطريقة غير مباشرة.
لكن المعضلة في هذه المحاولة تكمن في أن أي تحويل كبير للميزانية سيتطلب موافقة الكنيست، وسيكون من الصعب الحصول على أغلبية تؤيد تحويلاً كبيراً للأموال بطريقة غير مباشرة.
أما السيناريو الثالث، فسيكون هو الخيار الأخير، وهو أن المدرسة الدينية الحريدية لن تتمكن من الاستمرار لفترة طويلة دون ميزانية، وإذا فشل رئيس الوزراء في توفير حل للقطاع الديني، فقد يقرر قادة الأحزاب الدينية الانسحاب من حكومة نتنياهو، ومن ثم إسقاطها، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
ورقة ضغط
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا، بعثت رسالة إلى المحكمة العليا أكدت فيها البدء في تجنيد اليهود الحريديم مطلع أبريل.
وأفادت صحيفة "هآرتس" بأن المستشارة القضائية أكدت للمحكمة ضرورة منْع تحويل أموال للمدارس الدينية إذا أصرت على موقفها الرافض لتجنيد طلبتها.
وكان الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين (السفارديم) يتسحاق يوسف، هدد في وقت سابق من الشهر الحالي، بأن اليهود الحريديم سوف يغادرون البلاد إذا فُرض عليهم التجنيد بشكل قسري.
وفي الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل حرباً على قطاع غزة منذ ما يقرب من 6 أشهر، يتعرض الإعفاء من التجنيد لانتقادات متزايدة داخل المجتمع. ويعتقد قسم من الرأي العام أن اليهود المتشددين يجب أن يخدموا مثل غيرهم، ويساهموا في ضمان أمن البلاد.
ويعتمد ائتلاف نتنياهو إلى حد كبير على التحالف مع الحزبين الرئيسيين المتشددين "شاس"، و"يهدوت هتوراه" اللذين يعارضان بشدة تجنيد الحريديم، وفي حال انسحابهما منه ستسقط الحكومة.
جالانت يتحدى نتنياهو
وفي مايو 2023، صوتت الحكومة الإسرائيلية لصالح ميزانية غير مسبوقة بـ3.7 مليار شيكل (نحو مليار يورو) للمدارس الدينية التلمودية (يشيفوت).
وأيَّد هؤلاء مشروع نتنياهو لـ"الإصلاح القضائي" المثير للجدل، مقابل دعمه لمشروع قانون كان من المقرر مناقشته في الكنيست قبل الحرب، بشأن استمرار تأجيل تجنيد الحريديم.
ولكن في نهاية فبراير الماضي، تحدى جالانت، نتنياهو بالإعلان عن إصلاح الخدمة العسكرية بهدف شمول "الحريديم"، وطالب الحكومة بأكملها بدعم هذه الخطوة.
وتستمر الخدمة العسكرية 32 شهراً للرجال وسنتين للنساء وهي إلزامية للشباب الإسرائيليين، لكن جميع اليهود المتشددين تقريباً معفون منها، وذلك بفضل اتفاق يتيح للشباب الدراسة بدوام كامل في المدارس التلمودية لتأجيل خدمتهم العسكرية كل عام. وتُعفى النساء المتدينات الشابات تلقائياً.
ومنذ أن أبطلت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2012 القانون المعروف باسم "تال" وسمح بمثل هذا الاتفاق، استمرت الإعفاءات من خلال اتفاقيات وُقعت بين الحكومات المتعاقبة وأحزاب الحريديم.
ويُشكل اليهود المتشددون نحو 14% من السكان اليهود في إسرائيل، وفقاً لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، أو ما يقرب من 1.3 مليون شخص، ويستفيد نحو 66 ألف شاب يهودي متدين في سن الخدمة العسكرية من هذا التأجيل، بحسب أرقام الجيش.
وفي عام 1948، تم إعفاء الحريديم الذين يدرسون بدوام كامل في معاهد الدراسات التلمودية من الخدمة العسكرية، وكان الهدف هو تمكين نخبة مكونة من 400 شاب من الحفاظ على نخبة من خبراء النصوص المقدسة التي قضى كثير من أفرادها خلال المحرقة.
ويطالب معظم الحريديم بالحفاظ على هذا الإعفاء لجميع الطلاب، معتبرين أن الجيش لا يتوافق مع قيمهم.