أفاد مصدر في الحكومة التركية لـ"الشرق"، الثلاثاء، بأن الولايات المتحدة طلبت من تركيا بشكل رسمي أن تكون "وسيطاً" بين إسرائيل وإيران قبيل الهجوم "غير المسبوق" الذي شنته طهران الأحد الماضي.
وقال آيدن كوبورلو، وهو أحد كبار مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حديثه لـ"الشرق"، إنه "بعد الضربة الإسرائيلية على قنصلية إيران في دمشق، بدا الأمر كبيراً، وكان من الواضح أن إيران لن تتجاوز الأمر هذه المرة كالمرات السابقة".
وأضاف: "بعد أيام من هذه الضربة اتصل بنا الأميركيون يطلبون منا أن نكون وسيطاً بين إيران وإسرائيل، وبالفعل أجرينا الاتصالات اللازمة، ونقلنا الرسائل المتبادلة"، مشيراً إلى أن تركيا "تسعى إلى خفض التصعيد، وندعو إلى ضبط النفس".
ومضى كوبورلو قائلاً: "ما زلنا نجري الاتصالات بين الأطراف، والوساطة التركية تلقى قبولاً من قبل الإيرانيين والأميركيين وحتى الإسرائيليين، ونبذل جهودنا الدبلوماسية لمنع جر المنطقة إلى حرب واسعة النطاق".
"إيران لا تريد حرباً شاملة"
بدوره، قال مصدر دبلوماسي تركي لـ"الشرق"، إن "رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA ويليام بيرنز أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي إبراهيم كالن الأسبوع الماضي، وطلب من كالن أن تكون تركيا وسيطاً بين إيران وإسرائيل".
وأشار إلى أنه "بعد الاتصال بين كالن وبيرنز عقد رئيس المخابرات التركية اجتماعاً مع عدد من قادة حركة حماس الفلسطينية".
وأضاف المصدر الدبلوماسي التركي أن "مسؤولين إيرانيين أبلغوا أنقرة بالهجوم على إسرائيل قبل حصوله بعدة أيام، وكانوا يريدون أن تعلم إسرائيل بهذا الهجوم قبل حصوله"، مرجحاً أنهم "لا يريدون الحرب الشاملة، وإلا لما أبلغوا الطرف الآخر بالضربة قبل حصولها".
كما أوضح مصدر أمني تركي لـ"الشرق"، أن الإيرانيين "عندما أبلغوا أنقرة بالهجوم القريب على الفور نقل الأتراك الرسالة للمسؤولين الأميركيين، وهم بدورهم حذروا الإسرائيليين وأبلغوهم، وبعدها أرسلت واشنطن رسالة إلى طهران عبر تركيا، طلبوا فيها أن يكون الهجوم الإيراني على إسرائيل محدوداً، وحينها كان جواب الإيرانيين بأن الهجوم لن يتجاوز الرد على ضرب القنصلية".
وسبق أن أعلنت وزارة الخارجية التركية، أن أنقرة نقلت رسائل متبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، قبيل الهجوم الإيراني على إسرائيل. وقالت الخارجية التركية في بيان، الأحد، إنها دعت الأطراف إلى ضبط النفس.
ومساء السبت، أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخاً وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل، التي أعلنت أنها اعترضت 99% منها، وهو أول هجوم تشنه طهران مباشرة من أراضيها على إسرائيل، وليس عبر جماعات موالية لها.
والهجوم الإيراني الذي أُطلِقت عليه تسمية "الوعد الصادق"، جاء رداً على هجوم صاروخي إسرائيلي استهدف القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق مطلع أبريل الجاري.
وأسفر قصف القنصلية الإيرانية في دمشق عن سقوط 16 شخصاً، بينهم 5 عناصر وضابطين رفيعين في الحرس الثوري الإيراني.
أردوغان: نتنياهو "المسؤول الوحيد"
وفي كلمة عقب اجتماع الحكومة التركية في أنقرة، الثلاثاء، تطرّق أردوغان إلى الهجوم الإيراني على إسرائيل، قائلاً: "المسؤول عما حدث في 13 أبريل هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته".
واتهم أردوغان، إسرائيل بالسعي لـ"تفجير صراع إقليمي"، مشيراً إلى أن "هجوم تل أبيب على سفارة إيران في دمشق أحدث مثال".
وأردف: "تقوم الحكومة الإسرائيلية بخطوات استفزازية لنشر النار في المنطقة. وكان استهداف إسرائيل للسفارة الإيرانية في دمشق، في انتهاك للقانون الدولي واتفاقية فيينا، هو القشة التي قصمت ظهر البعير".
وأكد الرئيس التركي أن "المنطقة قد تشهد توتراً جديداً ما لم يتوقف الظلم والإبادة الجماعية في غزة".
واتهم أردوغان في حديثه نتنياهو بأنه "هو المسؤول عن سقوط 34 ألف ضحية في قطاع غزة، وهو المسؤول عن التصعيد المستمر في المنطقة".
وأضاف أردوغان أن "صب الزيت على النار ومحاباة حكومة نتنياهو باستمرار لن يفيد أحداً"، لافتاً إلى أن "نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب من أجل البقاء في الحكم".
اتهامات "غير منصفة" لأنقرة
وعلى صعيد آخر، لفت أردوغان إلى أن حكومته تعرّضت لاتهامات وصفها بأنها "غير منصفة وغير عادلة"، بشأن "تصدير مواد عسكرية ووقود طائرات حربية" إلى إسرائيل.
وقال: "تركيا لم ترسل ولم تسمح بإرسال معدات وأسلحة إلى إسرائيل، وحكومتنا لم تسمح ببيع أي مواد إلى إسرائيل يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، حتى قبل وقت طويل من ارتكابها للمجازر في غزة".
ومؤخراً، سرّب الصحافي الاستقصائي التركي متين جيهان من موقع هيئة الإحصاء التركية، بيانات تزعم أن أنقرة "مستمرة في تصدير أسلحة وذخائر" إلى تل أبيب، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو ما أثار غضباً واسعاً في الشارع التركي؛ إذ خرجت مظاهرات في مدينة إسطنبول الأسبوع الماضي، تطالب بتعليق فوري لتصدير البضائع إلى إسرائيل، وقطع العلاقات التجارية.
وعقب هذه الاحتجاجات، أعلنت وزارة التجارية التركية في بيان، الثلاثاء الماضي، تقييد تصدير بعض المنتجات إلى إسرائيل اعتباراً من تاريخ 9 أبريل الجاري، مؤكدة أنها لن تتراجع عن قرارها حتى تعلن تل أبيب "وقفاً فورياً" لإطلاق النار في غزة، وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين.
وأوضح البيان أن القرار يشمل تقييد 54 منتجاً منها وقود الطائرات، وحديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك، مضيفاً: "تركيا لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية".
وفي ذات السياق، أكد الرئيس التركي أن بلاده رسخت مكانتها بصفتها "الدولة الأكثر تقديماً للمساعدات" إلى قطاع غزة، من خلال السفينة الخيرية التاسعة التي انطلقت، الثلاثاء، بحمولة 3 آلاف و774 طناً، من المواد الغذائية، والطحين، ومستلزمات للأطفال والرضّع، وأكياس نوم.
وانطلقت في وقت سابق، الثلاثاء، السفينة التي أرسلها الهلال الأحمر التركي، من ميناء مرسين، جنوب البلاد، بمراسم رسمية، على أن تصل إلى ميناء العريش المصري بعد رحلة تستمر قرابة 40 ساعة.
وأضاف البيان أن تركيا سبق أن ذكرت الأطراف من أن "الحرب الإسرائيلية على غزة تنطوي على خطر الانتشار والتصعيد، وأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي يتعارض مع القانون الدولي، يبرر مخاوف تركيا".
وأشار البيان إلى أن "رد إيران يُظهر أن الأحداث يمكن أن تتحول بسرعة إلى حرب إقليمية".