انهارت صوامع إضافية من إهراءات مرفأ بيروت، عصر الخميس، تزامناً مع إحياء الذكرى السنوية الثانية للانفجار المروع الذي هزّ العاصمة اللبنانية في الرابع من أغسطس 2020.
وتجمع مئات المواطنين بالقرب من مكان الانفجار، وفقاً لما أفادت به وكالة "فرانس برس"، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن 4 صوامع انهارت بعدما كانت في وقت سابق قد انفصلت عن بقية المبنى المتصدع.
ويأتي ذلك، بعد 4 أيام على انهيار صومعتين من الصوامع المتهالكة، التي امتصت، وفقاً لخبراء، القسم الأكبر من عصف الانفجار في حينه، لتحمي بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي.
مطالبة بالحقيقة
وأحيا لبنان الخميس، الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، وسط غضب مستمر من عائلات الضحايا بسبب تعليق التحقيق القضائي منذ أشهر، ومطالباتهم المستمرة بمعرفة الحقيقة.
وفيما نكست رئاسة الجمهورية ومؤسسات حكومية الأعلام حداداً على ضحايا الانفجار، نظم أهالي الضحايا مسيرات إلى موقع الحادث للمطالبة باستكمال التحقيقات.
وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون التزامه "إحقاق العدالة في الجريمة المستندة الى حقيقة كاملة يكشفها مسار قضائي نزيه يذهب حتى النهاية".
وجدّدت منظمات حقوقية وعائلات ضحايا وناجون من الانفجار مطالبتهم بتحقيق دولي مستقل في الانفجار الذي يعد من بين أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، فيما ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الخميس، بمرور عامين على الكارثة "من دون عدالة".
وشهد مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 انفجاراً ضخماً أودى بحياة أكثر من 200 شخص وأدى إلى إصابة أكثر من 6 آلاف و500 آخرين بجروح، وإلحاق دمار واسع بالمرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
ونجم الانفجار، وفق السلطات عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقائية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه، وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يتحركوا.
3 مسيرات
ونظم أهالي الضحايا، الذين يخوضون رحلة شاقة من أجل العدالة، ثلاث مسيرات في المناسبة، انطلقت بدءاً من الساعة 3 عصراً (12:00 توقيت جرينيتش) من 3 مواقع ذات رمزية في بيروت وصولاً الى المرفأ، الذي تلتهم النيران مخزون الحبوب في صوامعه المتصدعة منذ أسابيع.
وانطلقت المسيرة الأولى من أمام قصر العدل، والثانية من مقرّ فوج الإطفاء، مجسّدة الرحلة الأخيرة لـ9 عناصر من الفوج هرعوا الى المرفأ قبيل وقوع الانفجار، فيما انطلقت الثالثة من وسط بيروت، قلب التظاهرات الشعبية المناوئة للطبقة السياسية المتهمة بـ"التقصير والإهمال والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة".
خطر وشيك
ويأتي إحياء الذكرى، بعد أيام من انهيار جزء من الصوامع الشمالية، عقب حريق نجم وفق مسؤولين وخبراء عن تخمّر مخزون الحبوب جراء الرطوبة وارتفاع الحرارة.
وفيما حذر خبراء من خطر انهيار وشيك لأجزاء إضافية في الساعات المقبلة، وصفت تاتيانا حصروتي التي فقدت والدها الموظف بالصوامع، في الانفجار، توقيت انهيار الصوامع بأنه "رمزي".
وقالت لوكالة "فرانس برس": "تنهار الصوامع علينا لأننا لا نملك أي أدلة حول حقيقة ما جرى، بينما يبذلون قصارى جهدهم لمنع التحقيقات" في إشارة إلى الطبقة السياسية التي تعيق تدخلاتها في عمل المحقق العدلي مسار التحقيق.
وأضافت: "آمل أن يمنح مشهد سقوط الصوامع الناس إرادة القتال من أجل العدالة والنضال معنا لتحقيقها".
وتابعت حصروتي: "تقتلنا الطبقة الحاكمة كل يوم (..) إن لم نمت في الانفجار، نموت من الجوع ومن الافتقار لأبسط حقوق الإنسان".
الموت جوعاً
وفاقمت الكارثة من حدّة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه لبنان منذ خريف 2019 والذي جعل أغلبية اللبنانيين تحت خط الفقر، وسرّعت من وتيرة الهجرة، خصوصاً في صفوف الشباب الباحثين عن بدايات جديدة.
وبعد عامين على الانفجار، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية.
وتغرق العاصمة ليلاً في ظلام دامس، فيما تثير النيران المندلعة في الصوامع خشية اللبنانيين، خصوصاً عائلات الضحايا والقاطنين في محيط المرفأ.
وقالت لارا خاتشيكيان (51 عاماً) وهي تشاهد ألسنة النيران من منزلها المواجه للمرفأ، والذي سبق للانفجار أن دمره، إنّ المنظر أشبه بـ"كابوس".
وأضافت لوكالة "فرانس برس": "أشعر وجيراني بتوتر دائم. ينتابني الخوف طوال الوقت ولا نتمكن من النوم".
وعند انهيار جزء من الصوامع الشمالية الأكثر تضرراً من الكارثة، الأحد، انبعث دخان وغبار أعاد إلى الأذهان سحابة ضخمة خلّفها الانفجار قبل عامين وأمكن رؤيتها من مناطق عدة.
وقالت لارا: "الدخان لا يُحتمل والرائحة منبعثة من هناك منذ أيام. تحتاج إلى قدرة خارقة للعيش عندما يتم تذكيرك في كل لحظة بالانفجار".
انهيار متوقع
وكان الخبير الفرنسي إيمانويل دوران، الذي يراقب معدلات سرعة انحناء الصوامع عبر أجهزة استشعار، توقع أن تنهار كتلة من 4 صوامع، الخميس، بعدما باتت مفصولة عن بقية الأجزاء.
وسبق للحكومة أن قررت في أبريل الماضي، هدم الصوامع حفاظاً على السلامة العامة، لكنها علّقت تنفيذه بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا، التي طالبت بتحويلها إلى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.
ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم إزاء عمل المحقق العدلي طارق البيطار، الذي يواجه دعاوى أقامها تباعاً مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون.
ويثير التحقيق انقساماً سياسياً مع اعتراض قوى رئيسية، أبرزها "حزب الله"، على عمل البيطار واتهامه بـ"تسييس" الملف.
تحقيق شامل ونزيه
وينتظر البيطار، وفقاً لمصدر قضائي، "البتّ في الدعاوى ضده" ليستأنف في حال ردها تحقيقاته، ويتابع "استجواب المُدعى عليهم" تمهيداً لختم التحقيق.
ومع تعثّر التحقيق المحلي، جدد الأمين العام للأمم المتحدة الخميس دعوته الى "إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف" في الانفجار، غداة دعوات عدة محلية وخارجية طالبت بتحقيق دولي.
ودعا 6 خبراء مستقلين من الأمم المتحدة، الأربعاء، إلى "فتح تحقيق دولي بلا تأخير"، تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية مجلس حقوق الإنسان بتشكيل بعثة لتقصي الحقائق.
وقالت آية مجذوب من "هيومن رايتس ووتش" لوكالة "فرانس برس" إن "تحقيقاً دولياً بإشراف مجلس حقوق الإنسان، قد يكون الأمل الوحيد لملايين اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب.. للحصول على الأجوبة التي يستحقونها".
اقرأ أيضاً: