دق تخريب أنابيب خطي "نورد ستريم" في الأول والثاني من سبتمبر الماضي أجراس الإنذار في أوروبا، ما دفع بعمليات حماية خطوط الأنابيب وشبكات الطاقة ومحطات الغاز الطبيعي إلى أعلى أولويات الأمن القومي في القارة، وفقاً لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الجمعة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مختصين في أمن الطاقة قولهم، إن حماية البنية التحتية للطاقة في أوروبا "مهمة شاقة"، خصوصاً مع وجود أكثر من 6 آلاف ميل من خطوط أنابيب الغاز التي تعبر المياه النرويجية والبحر الأبيض المتوسط، وأكثر من ألف من منشآت النفط والغاز البحرية في المياه الأوروبية.
وأوضح المسؤولون أن إصلاح الأنابيب بعد وقوع هجمات مماثلة لـ"نورد ستريم" سيستغرق "أشهراً إن لم يكن سنوات"، بسبب صعوبة الوصول إليها والأضرار التي يمكن أن تسببها مياه البحر.
بدأت وحدة البحث عن الألغام التابعة للبحرية الإيطالية، والتي كانت تركز بشكل أكبر حتى وقت قريب على العثور على مناجم وقنابل الحرب العالمية الثانية وإبطال مفعولها، في القيام بمسح دوري مستمر لخطوط الأنابيب التي تنقل الغاز إلى الدولة.
وتعرّض خطا أنابيب "نورد ستريم" في سبتمبر الماضي إلى ما قالت دول أوروبية وروسيا إنه "تخريب متعمد"، بعد الكشف عن أربع عمليات تسرّب في خطي الأنابيب قبالة جزيرة بورنهولم الدنماركية.
دوريات فوق المياه وتحتها
رئيس أركان الدفاع الإيطالي الأدميرال جوزيبي كافو دراجون قال للصحيفة إن إيطاليا زادت دورياتها فوق المياه وتحتها، بما في ذلك الغواصات والسفن الموجهة عن بعد والقوات الجوية.
وأضاف أن الأمر لا يتعلق فقط باكتشاف ما إذا حدث شيء ما، إذ إن المراقبة هي "بمثابة رادع"، حسبما صرّح للصحيفة.
من جانبه، أفاد القائد في البحرية الدنماركية والمحلل في جامعة كوبنهاجن، جيمس وينزل كريستوفرسن بأن الغزو الروسي لأوكرانيا وحوادث "نورد ستريم" كانا "جرس إنذار".
وأضاف: "إذا كانت انفجارات نورد ستريم إشارة، فقد حققت هدفها لإظهار أننا قد نتعرّض لضربة في كل مكان، سواء أنابيب الغاز أو مزارع توربينات الرياح".
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الحكومات الأوروبية تقوم بشيء مماثل، إذ تستخدم أحياناً قوات الشرطة والجيش لأداء مثل هذه المهام، فيما تفتش المسيّرات الحربية التي تعمل تحت المياه عن بعد والطائرات العسكرية خطوط الأنابيب ومنصات الحفر البحرية.
خطران رئيسيان
وفيما كشف خفض موسكو صادرات الغاز إلى أوروبا تدريجياً، عقب غزو أوكرانيا، عن "مخاطر الاعتماد على النفط والغاز الروسي"، كشفت حوادث أنابيب "نورد ستريم"، التي كانت تنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا، "ضعف" البنية التحتية الأوروبية أمام الهجمات المادية.
وقبل الغزو، اعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في نحو 45% من وارداته من الغاز الطبيعي، بما في ذلك خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال، ولكن الحكومات الأوروبية سارعت إلى استبداله بواردات من النرويج والجزائر والولايات المتحدة وأماكن أخرى، ويأتي الآن 15% من إجمالي واردات الاتحاد من الغاز الروسي.
في ضوء تلك التطورات، حدّد الخبراء خطرين رئيسيين، أولهما موجة شتاء طويلة، وثانيهما وقوع حادث كارثي في خط أنابيب غاز، أو مرفق تخزين احتياطي، أو جزء مهم آخر من البنية التحتية.
ورأى مسؤولون أمنيون أن مثل هذه المنشآت "غير محمية إلى حد كبير"، ما يجعلها "أضعف الأهداف".
وقال هانز تينو هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة "ريسك إنتليجينس" (Risk Intelligence)، المختصة بالتهديدات البحرية ومقرها كوبنهاجن، إن القوات المسلحة الأوروبية "لا تمتلك الموارد اللازمة لحماية البنية التحتية للطاقة بشكل كامل".
وأضاف: "هناك حاجة إلى زيادة عدد أفراد القوى العاملة والمعدات، مثل أجهزة الاستشعار المثبتة على خطوط الأنابيب، لمنع أعمال التخريب المستقبلية".
تعزيز أمن بحر الشمال
بعد حوادث "نورد ستريم"، أرسل رئيس البحرية الملكية النرويجية رون أندرسن رسالة نصية وتحدث عبر خط فيديو آمن مع نظرائه في البحرية الألمانية والفرنسية والبريطانية، كما هاتف رئيس القيادة البحرية المشتركة في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وقال أندرسن: "أدركنا على الفور أن بحر الشمال هو في الواقع أكثر أهمية من خطوط أنابيب البلطيق بالنسبة للأمن الأوروبي. ومنذ ذلك الحين، عززت قوات الناتو وجودها البحري في بحر البلطيق وبحر الشمال".
يشار إلى أن "المجموعة البحرية الدائمة لحلف الناتو 1"، هي قوة رد متعددة الجنسيات، موجودة حالياً في منطقة البلطيق، وساعدت القوات البحرية الألمانية والبريطانية والفرنسية النرويج في حماية البنية التحتية، مثل منصات النفط والكابلات وخطوط الأنابيب تحت الماء، وذلك بجهد منسق من قبل الحلف، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".
وفي ألمانيا، قالت الحكومة إنها تعزز وجود الشرطة في البحار بطائرات هليكوبتر وسفن، كما تعمل أيضاً على تأمين محطات الغاز الطبيعي المسال العائمة التي يتم بناؤها لنقل الشحنات من الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
وقال يوهان كوهما، قائد الشرطة في مدينة أولدنبورج (شمال غربي) ألمانيا، والمسؤول عن تعزيز الأمن في محطة الغاز الطبيعي المسال التي يتم بناؤها في مدينة فيلهلمسهافن الساحلية القريبة: "شكّلنا فريقاً من الوحدات الخاصة لحماية المحطة، لما لها من أهمية خاصة في أوقات أزمة الطاقة".
مسيّرات روسية
لفتت "وول ستريت جورنال" إلى أنه منذ حوادث "نورد ستريم" تم رصد مسيّرات فوق حقول النفط والغاز في بحر الشمال وأجزاء أخرى في النرويج، إذ اتهمت السلطات النرويجية 4 مواطنين روس بالوقوف خلف ذلك وبشكل غير قانوني.
وقالت الصحيفة إن أحدهم يدعى أندريه ياكونين، ويُعد والده فلاديمير ياكونين حليفاً وثيقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وزعمت السلطات النرويجية أن أندريه استخدم مسيّرة فوق أرخبيل سفالبارد النرويجي في أقصى الشمال، في انتهاك لقانون جديد يحظر على المواطنين الروس تشغيل المسيّرات في البلاد، وستحال قضيته إلى المحكمة أواخر نوفمبر الجاري.
وفي بيان مكتوب، قال محامو ياكونين إنه "اعترف باستخدام مسيّرة في سفالبارد لتصوير الطبيعة والبحث عن طرق التسلق، وهو يعتقد أن ما فعله لم يكن غير قانوني".
وفي حادث منفصل، أغلقت المطارات في مدينتين نرويجيتين، تعدان مهمتين لصناعة النفط والغاز في البلاد، مجالها الجوي لعدة ساعات منتصف أكتوبر الماضي، بسبب رصد مسيّرات، وفقاً لشركة "أفينور" التي تمتلك وتدير المطارات في جميع أنحاء البلاد.
وقال لارس نوردرام، نائب مدير جهاز الاستخبارات النرويجي: "لا نعتقد أن روسيا ستفعل أي شيء بشكل علني لأنها تريد تجنب إثارة رد مباشر من الناتو. إنه نوع من التخريب السري الذي يعد مصدر القلق الرئيسي"، مشيراً إلى أن مستوى التأهب، خصوصاً حول البنية التحتية لخطوط الأنابيب في النرويج، "مرتفع جداً".
اقرأ أيضاً: