من المستفيد من تخريب "نورد ستريم"؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
خريطة مرسومة على حاوية تظهر موقع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 وسط أعلام الدول المحيطة به، ألمانيا – 1 مارس 2022 - AFP
خريطة مرسومة على حاوية تظهر موقع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 وسط أعلام الدول المحيطة به، ألمانيا – 1 مارس 2022 - AFP
بيروت-تيما رضا

طرحت عملية تخريب أنابيب "نورد ستريم" للغاز في بحر البلطيق، تساؤلات تمحورت في معظمها حول الجهة التي يمكن أن تكون "مستفيدة" من هذه العملية، التي أدت إلى قطع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.

يأتي ذلك، وسط عاصفة اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع بشأن المسؤولية عن الحادث الذي نجم عن "انفجارات تحت البحر تعادل في قوتها مئات الكيلوجرامات من المواد المتفجرة". 

من الجهة التي يمكن أن تكون مستفيدة فعلياً من تخريب هذه الأنابيب؟ هذا ما حاولت "الشرق" الإجابة عنه في هذا التقرير، الذي يستعرض آراء نخبة من الخبراء والمختصين.

"تطور خطير"

في سياق تحليله لتداعيات الاعتداء الذي تسبب بتخريب أنابيب "نورد ستريم"، قال مدير مختبر الحلول المناخية في "معهد واتسون للشؤون العامة والدولية" في "جامعة براون" (الولايات المتحدة)، والباحث في النظام الدولي المتعلق بالطاقة والبيئة، جيف كولجن، قال لـ"الشرق" إن الاعتداء المذكور "يأتي في إطار زعزعة أسواق النفط في العالم، ورفع أسعار الغاز الطبيعي، بينما نحن على مشارف فصل الشتاء".

ووصف كولجن الحادثة بأنها "تطور خطير جداً"، مضيفاً: "يمكن القول أن روسيا تلجأ إلى تصعيد فعلي يدعو للقلق، لأن الدرجة الأخيرة من هذا السلم كارثية ويجب محاولة تجنبها".

ورأى كولجن أن "روسيا هى المشتبه به الأول، وأن توقيت الانفجارات مثير للشبهات، لأنه يأتي في اليوم ذاته الذي بدأت فيه خطوط الإمدادات بالعمل في النرويج". وتابع: "هذه رسالة من موسكو مفادها أن أنابيب النفط لم تعد آمنة، وأنه من الممكن حدوث اعتداءات إضافية".

"اتهام واضح"

من جانبه، وصف المستشار بنيامين شميت الدكتور في "جامعة هارفارد"، ما أصاب خطوط أنابيب "نورد ستريم" بأنه "عمل تخريبي حتماً، واعتداء سافر على البنية التحتية في أوروبا".

وقال شميت لـ"الشرق" إن "كثيراً من المسؤولين والسياسيين في الاتحاد الأوروبي كانوا واضحين جداً في اتهام روسيا". واعتبر أن توجيه الاتهام إلى الولايات المتحدة "أمر سخيف ومثير للشفقة والضحك"، مرجعاً السبب إلى أن واشنطن "تدعم استقرار أوروبا الأمني والنفطي منذ قرون".

ومع ذلك، رد كولجن على فرضية استبعاد تورط الولايات المتحدة بشكل كلي، قائلاً إن "من الحكمة عدم الجزم بأي شيء في هذه المرحلة". واستدرك: "لكن هذه ليست طريقة واشنطن في التعامل مع الأمور، خاصة في ظل حفاظ إدارة بايدن على علاقات دبلوماسية خارجية حذرة جداً ليس فقط في الحرب الأوكرانية الروسية بل مع العالم ككل".

"حرب اقتصادية روسية"

الباحثة البولندية أجاتا لوسكوت ستراشوتا، المتخصصة في سياسة الطاقة في مركز الدراسات الشرقية (OSW)، رجحت في حديث لـ"الشرق" وقوف روسيا وراء الاعتداءات، مرجعة ذلك إلى "ضبابية نتائج الحرب مع أوكرانيا المستمرة منذ أشهر". وأضافت أنه "من المنظور الروسي هذه حرب ضد الاقتصاد الغربي بشكل عام وليس فقط ضد أوكرانيا، ورأينا مثل هذا التصعيد سابقاً من قبل روسيا".

ودللت على وجهة نظرها بالقول: "لطالما سعت روسيا إلى زعزعة أسواق النفط، وفي عام 2009 تم تفجير أنابيب النفط من تركمانستان إلى روسيا، إلا أن الحادث لم يسبب هذه الضجة لأنها لم تكن في أوروبا".

وتساءلت ستراشوتا: "إذا لم تكن روسيا وراء الاعتداء، لماذا لم يتم الكشف عن المعلومات التي تم جمعها من نظام مراقبة هذه الأنابيب من الشركة المشغلة".

"بوتين لن يفعلها"

في المقابل، شدد رئيس لجنة الطاقة في مجلس الدوما الروسي، بافيل زافالني، في حديث لـ"الشرق" على "أننا نحتاج إلى البحث عن المسؤول والمستفيد من هذه الحادثة". وقال: "هذه هي الإجابة الوحيدة الآن. أما في ما يتعلق بالمستفيد، فهو إما إنجلترا أو الولايات المتحدة، أو وكلائهما من غير القادرين على تنفيذه بلا تعليمات من طرفهما".

من جانبه، عبّر الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون، في برنامجه على "فوكس نيوز" عن عدم اعتقاده في مسؤولية روسيا عن التسريبات.

وعرض مقطع فيديو للرئيس الأميركي جو بايدن يعود تاريخه إلى 7 فبراير الماضي يقول فيه: "لن يكون هناك نورد ستريم 2. سنضع حداً لذلك"، وأضاف معلقاً على الفيديوالمذكور: "لاحظوا كيف صاغ بايدن ذلك. لم يقل مثلاً سوف أوقف تسليم الغاز من روسيا إلى ألمانيا مؤقتاً".

وتابع كارلسون: "إذا كنت فلاديمير بوتين، عليك أن تكون معتوهاً انتحارياً لتفجير خط أنابيب الطاقة الخاص بك، هذا شيء لن تفعله أبداً ... خطوط أنابيب الغاز الطبيعي هي المصدر الرئيسي لقوتك وثروتك. والأهم من ذلك، نفوذك على البلدان الأخرى".

بدورها، أعادت وزارة الخارجية الروسية نشر الفيديو الذي تعهد فيه بايدن بـ"إيقاف'' خط أنابيب الغاز الألماني نورد ستريم 2 إذا غزت روسيا أوكرانيا، متهمة الرئيس الأميركي بالوقوف وراء التفجيرات التي تسببت في تسرب غاز بحر البلطيق.

ترمب: "حرب عالمية ثالثة؟"

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أعاد أيضاً نشر الفيديو الخاص بالرئيس بايدن، على موقع  Truth Social، متسائلاً: "أهي الحرب العالمية الثالثة؟"

سؤال رفض شميت التعليق عليه، لكن كولجن استبعد ذلك، قائلاً: "لا أعتقد أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب، وإنما هذه درجة جديدة على سلم التصعيد"، وأضاف "في حال ثبُت أن روسيا وراء هذا العمل فأعتقد أن الأمور ستأخذ منحى تصاعدي، ولكن ليس إلى حد الوصول إلى الحرب، رغم القلق الذي سيزرعه لأننا لن نستطيع التكهن متى يمكن أن يصبح الأمر كارثياً".

وأجاب كولجن على سؤال بشأن احتمالية تحول استهداف خطى الغاز نورد ستريم 1 و 2 إلى "نقطة انفجار نهائية"، قائلاً: "أعتقد أن الوقت غير مناسب للذعر، وهذا الاعتداء موضعي، لأنه لم يستهدف أنابيب نفط تمد أوروبا بالغاز، بل اعتداء على أنابيب خارج العمل، وبالتالي فهو رسالة سياسية أكثر من كونه رسالة تدميرية". وتابع: "قد تكون خطوة باتجاه هذا المنحدر، لكن نحن نأمل كمراقبين كالشعب والناخبين أن مسؤولينا لديهم الحكمة بأن يبقوا بعيدين عن الضغط التدميري".

ورأى كولجن أن "المعضلة" التي تواجه الولايات المتحدة وأوروبا وتثنيهم عن اتخاذ خطوة للضغط أكثر على روسيا "تكمن في أن التصعيد قد يؤدي إلى مواجهة نووية". وعبّر عن اعتقاده بأن "الخطوة المقبلة مرتبطة بانتظار مؤشرات المعركة على الأرض بين كييف وموسكو مع استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا".

"سلاح النفط"

المستشار السابق لأمن الطاقة الأوروبي في وزارة الخارجية الأميركية الدكتور بنيامين شميت، أشار إلى أن "الاعتداء على هذه الأنابيب مصدر قلق كبير، ويكرّس استخدام النفط كسلاح، ويخلق عدم استقرار في أسواق النفط وسلامتها". وقال إن "الكرملين يستخدم النفط كسلاح على أبواب الشتاء لخلق عدم استقرار في الاتحاد الأوروبي".

واعتبر شميت أن "روسيا تستهدف أمرين، الأول هو استغلال الوضع لقلب الواقع لصالح كسر العقوبات خصوصاً على شركاتها بداعي إعادة إصلاح الأعطال التي لحقت بأنابيب نورد ستريم، والثاني قد يتعلق بالضغط على الاتحاد الاوروبي ليدفع أوكرانيا إلى فرض نوع من وقف إطلاق النار للحفاظ على سلامة هذه الأنابيب التي تدور حولها الحرب منذ 6 أشهر".

وكان رئيس لجنة الطاقة في مجلس الدوما الروسي، بافيل زافالني، علّق في وقت سابق على رأي برلين بأن "المشروع (نورد ستريم) غير قابل للترميم"، قائلاً: "عندما يتم بناء خطوط أنابيب غاز كهذه؛ فإنه يتم بناء المرافق وحساب جميع أنواع المخاطر المحتملة، وقد تم الأخذ في الحسبان تلف خط أنابيب الغاز، وكيفية استعادته، وبالتالي توجد مثل هذه التقنيات التي يمكنها العمل على ذلك".

وأوضح شميت أن "الاتحاد الأوروبي يعمل على أكثر من جبهة لضمان تدفق الغاز  بأمان عبر ألمانيا، والعمل على استيراد الغاز من الشرق الأوسط والخليج أحد الحلول المطروحة، بالإضافة إلى الاستيراد من الولايات المتحدة وأستراليا".

من جانبه، رأى كولجن أن "استخدام الغاز والنفط كسلاح، لن يكون استراتيجية فعالة لصالح روسيا"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه "من الممكن أن تشهد أوروبا شتاءً صعباً، لكن الدول الكبرى لا تخضع لمثل هذه الابتزازات بسهولة، على العكس الدول تنتفض وتجد حلولاً جذرية".

"رسالة سياسية"

وقلّل كولجن من الانعكاسات الاقتصادية للاعتداء على "نورد ستريم"، وقال: "هذه خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية لأن الأنابيب كانت شبه متوقفة عن العمل، وبالتالي لا يوجد أي تأثير إقتصادي حقيقي لهذا الاعتداء، إنما الهدف تغيير قواعد اللعبة بين مصدر الغاز ومستورديه في أوروبا".

من جانبها، رأت الرئيس التنفيذي لشركة Crystol Energy البريطانية، كارول نخلة إن "من الصعب تحديد الفائز والخاسر في هذه المرحلة"، مشيرة إلى أن الحادث "تذكير بضعف البنية التحتية للطاقة التي تزيد من المخاوف بشأن أمن إمدادات الطاقة"، موضحة أنه "على الرغم من عدم تأثير الاعتداء على تدفق الغاز إلى خطوط الأنابيب، لأنها كانت متوقفة أصلاً، إلاّ أن أسعار الغاز ارتفعت بسبب مخاوف من عمل تخريبي متعمد يمكن أن يؤدي إلى تصعيد المواجهة الحالية بين روسيا والاتحاد الأوروبي".

"البدائل الصعبة"

الباحثة البولندية أجاتا لوسكوت ستراشوتا اعتبرت الحادث تأكيد على أنه "لن يكون هناك تصدير غاز روسي إلى أوروبا، وأن هذا سينسحب على الأعوام المقبلة".

وتطرقت ستراشوتا إلى "الخيارات المطروحة أمام أوروبا"، قائلة: "أنحدر من بلد عمل جاهداً لعدم الاعتماد على روسيا، وتحررنا باتفاقيات مع دول أخرى كالنرويج والولايات المتحدة"، وأضافت: "أوروبا تسعى الآن لتأمين البدائل، وسيكون شتاءً صعباً عليها بكل تأكيد، وخصوصاً مع الأسعار المرتفعة جداً للغاز، سيكون عليها اختبار طريقة التعامل مع الواقع الجديد، في انتظار نتائج الحرب على أوكرانيا".

وتابعت ستراشوتا أن "روسيا تسعى لكسب الحرب على أوكرانيا، وهذا ليس خياراً لأوروبا"، مضيفة أن "تبديل المشهد العام يمكن أن يتم من خلال التغيير السياسي في موسكو، هذا سيكون الحل، للشعب الروسي أولاً وللعلاقات الروسية مع العالم".

"المتضرر الأكبر"

مدير سياسة الاستشعار عن بعد في منظمة Clean Air Task Force غير الربحية،  أيوانيس بينيتوجلو، قال لـ"الشرق"، إن "الخطر البيئي الحاصل من جراء الإعتداءات كبير جداً، وإن كان لا يوجد أرقام نهائية بعد لتسربات الغاز"، وأضاف أن "الحادثة غير مسبوقة بتسرب الميثان في الماء، ولا يوجد تحديداً طريقة للتعامل معها".

وشدد بينيتوجلو على أن "تأثير الميثان على المناخ أكبر بـ 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون، لذلك فإن احتمال حدوث انبعاثات هائلة ومدمرة أمر مقلق للغاية"، لافتاً إلى "عدد من الشكوك، لكن التأثير على المناخ قد يكون كارثياً وغير مسبوق".

واتفقت نخلة مع ما قاله بينيتوجلو من أن "الضرر الرئيسي الذي خلفه هذا الاعتداء، هو ضرر بيئي، ينعكس على جميع الأطراف، نظراً لتسرب غاز الميثان إلى الغلاف الجوي"، معتبرة أنه "من السابق لأوانه إصدار حكم شامل حول حجم الضرر المذكور".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات