توجد في المغرب 3 صناديق أساسية لإدارة المعاشات

المغرب.. هل ترفع الحكومة سن التقاعد لإنقاذ صناديق المعاشات المهددة بالإفلاس؟

أشخاص يقفون بجوار علم المغرب في المدينة القديمة قرب ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش- 17 سبتمبر 2023 - Reuters
أشخاص يقفون بجوار علم المغرب في المدينة القديمة قرب ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش- 17 سبتمبر 2023 - Reuters
الرباط-أنس عياش

تعتزم الحكومة المغربية طرح مشروع لإصلاح أنظمة التقاعد، خلال الدورة الخريفية للبرلمان هذا العام.

وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في تصريح للصحافة أعقب توقيع اتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية في 29 أبريل، إنه "تم التوافق بشأن المبادئ الأساسية لتنزيل إصلاح أنظمة التقاعد، الذي ستتم مواصلة مناقشته في أفق عرضه على البرلمان".

ولم تكشف الحكومة عن خطة الإصلاح لإنقاذ صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس، غير أن تقارير أشارت إلى توجه حكومي نحو رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، من 63 حالياً، فضلاً عن رفع مساهمة الموظفين والعمال في صناديق معاشات التقاعد، وذلك كما جاء في دراسة أنجزها مكتب دراسات بطلب من الحكومة.

كان المجلس الأعلى للحسابات (حكومي)، حذّر من تفاقم العجز المالي على مستوى أنظمة التقاعد، ما يُشكل تهديداً لتوازناتها المالية.

صناديق مهددة بالإفلاس

توجد في المغرب 3 صناديق أساسية لإدارة المعاشات، هي الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يُدير معاشات الموظفين الحكوميين، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يدير معاشات العاملين في القطاع الخاص، فضلاً عن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ويدير معاشات العاملين في الجهات الحكومية المحلية. وهي جميعاً تُسجل عجزاً في ميزانيتها، وقد أضحت مهددة باستنفاد احتياطياتها.

وبحسب تقرير لمرصد العمل الحكومي (مركز أبحاث مستقل)، فإن أكثرها عجزاً هو الصندوق المغربي للتقاعد، بنحو 7.8 مليار درهم (حوالي 780 مليون دولار)، مع أمد استدامة يصل إلى 2028، قبل أن يستنفد الصندوق احتياطياته.

أما النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فيُسجل عجزاً بـ3.3 مليار درهم مغربي (330 مليون دولار)، بأمد استدامة يصل إلى 2052، فيما يسجل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً بـ375 مليون درهم (37.5 مليون دولار)، بأمد استدامة يصل إلى 2038.

وفي حديث لـ"الشرق"، قال الخبير الاقتصادي ومدير "مرصد العمل الحكومي" محمد جدري، إن منظومة التقاعد في المغرب "تعيش إشكالية حقيقية في استدامتها"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن نقول للمتقاعدين بعد 5 أو 6 سنوات إن الصناديق لا تتوفر على إمكانيات مالية لصرف معاشات الشيخوخة".

وأشار جدري إلى أن كل يوم تأخير في إصلاح هذه الأنظمة، يُكلف خزينة المملكة ملايين الدراهم، ويؤثر على استدامة أنظمة التقاعد، لافتاً إلى أنه "أصبح لزاماً على الحكومة أن تذهب في اتجاه إصلاح حقيقي"، بشراكة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين من نقابات وأرباب عمل، من أجل إصلاح أنظمة التقاعد، بما يحقق تعميم معاشات الشيخوخة على الفئات التي لا تتوفر على معاشات، ويُمكّن من الحفاظ على توازنات صناديق التقاعد لضمان استدامتها للأجيال القادمة.

رفض وسط النقابات

في سياق متّصل، حذرت نقابات عمالية وأحزاب في المعارضة الحكومة المغربية من المساس بحقوق الموظفين والعمال، في أي إصلاح لأنظمة التقاعد.

ورفض حزب "التقدم والاشتراكية" في بيان، بمناسبة يوم العمال، استخدام "منطق مُقايضة المكاسب الحالية"، بمحاولة تمرير أي صيغ لقانون الإضراب أو إصلاح منظومة التقاعد، مؤكداً أن أي إصلاح يتعين أن يكون "شاملاً وناجعاً، وألا يكون على حساب المكتسبات، والحقوق الاجتماعية، والأوضاع المادية للعاملين".

بدوره حذر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، من أي إصلاح لأنظمة التقاعد يمس حقوق ومكتسبات الشغيلة المغربية عند إحالتها على التقاعد، مؤكداً ضرورة الزيادة في معاش المتقاعدين بما "يصون كرامتهم، ويؤمن متطلبات عيشهم الكريم".

وقال الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب محمد زويتن، إن الحكومة "ينبغي أن تبحث عن حلول لإنقاذ صناديق التقاعد بعيداً عن جيوب الموظفين"، رافضاً أي زيادة في اشتراكات العمال والموظفين في صناديق المعاشات.

وفي حديث لـ"الشرق"، أكد زويتن رفض نقابته رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً بشكل إلزامي، مقترحاً جعل الأمر اختيارياً، بحيث يمكن للموظف الاختيار بين الخروج إلى التقاعد في سن 63 أو 65 بحسب ظرفه الصحي.

ودعا الأمين العام لاتحاد الشغل المغربي الحكومة إلى الزيادة في معاشات المتقاعدين، إسوة بالزيادة التي تم إقرارها للموظفين في الجولة الأخيرة للحوار الاجتماعي، مشيراً إلى أن هؤلاء أيضاً "اكتووا بارتفاع كلفة المعيشة، والضغوط التضخمية".

وكانت الحكومة المغربية أعلنت، عن اتفاق مع النقابات بزيادة ألف درهم شهرياً، في أجور العاملين بالقطاع العام، الذين لم يستفيدوا من أي مراجعة للأجور، وذلك ضمن جولة أبريل للحوار الاجتماعي.

وينص الاتفاق أيضاً على تخفيض الضريبة على الدخل بالنسبة للموظفين والأجراء بأثر شهري يصل إلى 400 درهم بالنسبة للفئات المتوسطة الدخل، والرفع من الحد الأدنى للأجور بنسبة 10% جديدة في هذه الجولة.

الحكومة: إصلاح لا بد منه

الناطق باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، رفض الحديث عن "مقايضة" تُجريها الحكومة مع النقابات بالزيادة في الأجور مقابل تمرير قوانين إصلاح نظام التقاعد والإضراب.

وقال خلال مؤتمر صحافي في الرباط، إن الحوار الاجتماعي (مع النقابات) "يشمل التطرق لمختلف الملفات المهمة التي تحتاج إلى إصلاح عاجل، وفي طليعتها التقاعد".

وأضاف بايتاس أنه "كان لا بد للحكومة أن تُباشر هذه الإصلاحات، ولها خياران في ذلك، إما أن تباشر الإصلاح بشكل شجاع ومشترك مع النقابات وتضع السيناريوهات الممكنة، عبر إقرار قطبين: عمومي وخاص، وإما تأجيلها، لكن من سيتحمل كلفة التأجيل؟ فكلفة الإصلاح تبقى معروفة".

وأكد الناطق باسم الحكومة أن الإصلاحات "في أجواء المسؤولية والصراحة تُمكننا من معالجة ملفات تهم أجيالاً قادمة، ومنها حقهم في التقاعد".

وأشار إلى أن الحكومة قامت بجملة من الإصلاحات في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وخفض عتبة الاشتراك للاستفادة من المعاش، لافتاً إلى أن الحكومة تُحاول معالجة الملف "بمنطق العلاقات مع الفرقاء مع استحضار مختلف العناصر المرتبطة به".

غيرَ أن الخبير الاقتصادي ومدير "مرصد العمل الحكومي" محمد جدري، نبّه إلى أن أحد أبرز الإشكالات التي أدت إلى عجز صناديق التقاعد، هو أن الحكومة لم تكن تؤدي واجبات اشتراكات الموظفين لسنوات طوال، منذ 1959 إلى 1997، وهو ما يُقدر بمليارات الدراهم، داعياً إلي اعتماد إصلاح تدريجي وفق أجندة متوسطة، من أجل إصلاح شامل ومستدام.

تصنيفات

قصص قد تهمك