حرب غزة والمأساة الفلسطينية.. حكايتان عن النزوح وتشتت العائلات

فلسطينيون على شاطئ بالقرب من وادي غزة في مدينة غزة. 22 مايو 2024 - AFP
فلسطينيون على شاطئ بالقرب من وادي غزة في مدينة غزة. 22 مايو 2024 - AFP
دبي-AWP

تسببت حرب إسرائيل على غزة والنزوح المستمر لأهالي القطاع المكتظ بالسكان في تشتت العائلات الفلسطينية بين مناطق منفصلة عن بعضها بعضاً بشكل كامل، إذ يستطيع البعض التواصل، لكن بمخاطرة كبيرة جراء القصف الإسرائيلي وصعوبات التنقل وتكاليفها الباهظة، فضلاً عن تشتت العائلات داخل القطاع وخارجه.

ويصل عبد الكريم أبو جبل يومياً إلى آخر نقطة فاصلة بين وسط وجنوب قطاع غزة وبين مدينة غزة وشمال القطاع على أمل إيجاد فرصة يمكنه من خلالها العودة إلى الشمال للاجتماع بزوجته وأبنائه الستة، الذين فرقهم عنه الجيش الإسرائيلي منذ 19 مارس.

واحتجز أبو جبل لدى الجيش الإسرائيلي لمدة 45 يوماً، بدأت باعتقاله خلال اقتحام الجيش لمستشفى الشفاء بمدينة غزة الذي كان ينزح فيه مع عائلته، ثم أطلق سراحه في جنوب القطاع الذي لا يسمح للنازحين بالانتقال منه إلى الشمال.

خياران للموت

ويقف أبو جبل (37 عاماً) عند جسر وادي غزة على طريق الرشيد الساحلي وسط القطاع، ولا يتوقف عن سؤال المارة، وبعض العاملين في الأمم المتحدة الذين ينتظرون التنسيق لهم للانتقال إلى الشمال، لعله يحصل على إجابة تعطيه أي بصيص أمل في لم الشمل مع عائلته التي انفصل عنها قسراً.

ولم يتسلل اليأس إلى الرجل وظل يواصل برنامج اليومي بالوصول إلى آخر نقطة تفصله عن الشمال، رغم مخاطر القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف بالمنطقة، لكن شوقه لأبنائه يدفعه إلى المخاطرة بحياته ليحقق هدفه المنشود بأي طريقة.

النازح الفلسطيني عبد الكريم أبو جبل يقف عند المنطقة التي يفصل فيها الجيش الإسرائيلي جنوب قطاع غزة حيث يقيم وشماله الذي ما زالت عائلته تقيم فيه. 23 مايو 2024
النازح الفلسطيني عبد الكريم أبو جبل يقف عند المنطقة التي يفصل فيها الجيش الإسرائيلي جنوب قطاع غزة حيث يقيم وشماله الذي ما زالت عائلته تقيم فيه. 23 مايو 2024 - AWP

وتقدم أبو جبل في إحدى المرات لمسافة أعمق مقترباً من مدينة غزة، لكنه اصطدم بإطلاق نار كثيف من قبل الجنود الإسرائيليين، وكاد أن يفقد حياته مع آخرين كانوا يسعون للعودة إلى الشمال، رغم معرفتهم المسبقة بأن محاولات مماثلة باءت بالفشل، وانتهى معظمها بسقوط أصحابها.

لكن قلق أبو جبل على زوجته وأبنائه تزايد، كونهم يعيشون في نزوح مستمر بحي الزيتون في شرق مدينة غزة، بينما نزح بقية أقاربهم في الجنوب، ولا يوجد أحد يساعدهم أو يوفر احتياجاتهم.

ويوضح أبو جبل أنه بين خيارين يعنيان الموت بشكل أو بآخر، إما المخاطرة بالموت إذا انتقل من الجنوب إلى الشمال، أو المخاطرة بعائلته كلها إذا حاولت الانتقال من مدينة غزة إلى الجنوب.

وقال أبو جبل وملامح التوتر والشوق تظهر على تفاصيل وجهه وبين ثنايا كلماته: "أقصى أمنياتي الآن جمع عائلتي والإتيان بها إلى الجنوب بأي طريقة، حتى أستطيع أن أساند زوجتي وأبنائي". 

وأضاف أبو جبل، الذي يقيم مع والدته في خيمة في دير البلح بوسط القطاع: "كم اشتاق لاحتضان أطفالي، وبث الأمان في نفوسهم وهم يعيشون أوضاعاً صعبة مع اشتداد الحرب مجدداً".

قصي.. حياة كالموت

بدوره، نزح قصي (15 عاماً) مع أعمامه من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، بينما بقيت أمه لترافق شقيقه المصاب الذي تحول جراحه الشديدة دون الحركة والمشي، ما يضطره للتنقل بين أماكن نزوح متقاربة بالمدينة بعد أن كان يعالج في مستشفى الشفاء قبل اقتحامه الأخير من قبل الجيش الإسرائيلي. 

أما والد قصي، فيرافق شقيقه الآخر الذي تم تحويله من قبل وزارة الصحة للعلاج في مصر، بعد تعرضه لإصابة خطيرة جراء قصف استهدف منطقة نزوحه، لتبقى العائلة مشتتة بين منطقتين منفصلتين داخل القطاع وثالثة في مصر، وبالكاد يستطيعون التواصل عبر الهاتف أو الإنترنت اللذين غالباً لا يتوفران إلا نادراً.

ويحاول أعمام وأقارب الفتى توفير احتياجاته المادية ومساندته نفسياً، وهو بعيد عن والديه وأشقائه، لكن ظروف النزوح القاسية تزيد الصعوبات التي تواجه الجميع، خاصة مع تنقلهم في الآونة الأخيرة من مكان نزوحهم المجاور للحدود الفلسطينية المصرية إلى مواصي خان يونس.

وبينما يوضح الصبي أنه منفصل عن عائلته بالكامل منذ نحو 5 أشهر، ويتواصل معهم بين الحين والآخر كلما سمحت ظروف الاتصال بذلك، فإنه يعبر عن اشتياقه الشديد لوالديه وأشقائه، ويتمنى أن يجتمعوا معاً من جديد.

يظهر التأثر على وجه قصي وهو يتذكر مواقف طريفة مع عائلته قبل الحرب وخلال أيامها الأولى قبل النزوح من غزة، ويقارنها بظروفه الحالية التي يعيش خلالها وحيداً.

وقال: "الحياة جحيم لا يطاق لكل النازحين وأنا منهم، لكن هذا الجحيم مضاعف بالنسبة لي وأنا من دون عائلتي، أمي على قيد الحياة لكني محروم من العيش معها وكأنني ميت أو هي ميتة مع أننا أحياء".

وأكثر ما يؤرق قصي هو الاستمرار طويلاً دون الاجتماع بعائلته، إذا طال أمد الحرب أو تعرض أحدهم لأي خطر يفقده حياته مع تصاعد الحرب، واصفاً بعده عن عائلته وتشتتهم بأنه "أكبر مصيبة حلت عليهم".

تصنيفات

قصص قد تهمك