البطالة 80% وانهيار الناتج المحلي.. وخسائر البنية التحتية في غزة 18.5 مليار دولار

سوق العمل الفلسطيني في زمن الحرب.. كيف أصبحت؟

عامل فلسطيني من قطاع غزة يحمل تصريح عمل في إسرائيل يتجول في حرم جامعة بالضفة الغربية حيث يقيم مؤقتاً بعد طرده من إسرائيل. 8 نوفمبر 2023 - AFP
عامل فلسطيني من قطاع غزة يحمل تصريح عمل في إسرائيل يتجول في حرم جامعة بالضفة الغربية حيث يقيم مؤقتاً بعد طرده من إسرائيل. 8 نوفمبر 2023 - AFP
دبي-الشرق

تسببت الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر، في فقدان الوظائف وسبل العيش على نحو كامل، إذ بلغ معدل البطالة في القطاع المحاصر 79.1%، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 83.5%، بحسب تقرير حديث لمنظمة العمل الدولية، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وتضرر كل قطاع تقريباً من قطاعات اقتصاد غزة من الانهيار المادي، إذ يتحمل قطاع الإسكان العبء الأكبر، وفقاً لتقرير تقييم الأضرار المؤقتة لقطاع غزة الصادر بشكل مشترك عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وحتى يناير 2024، بلغت القيمة الإجمالية للأضرار في البنية التحتية المبنية في قطاع غزة حوالي 18.5 مليار دولار.

وفي الضفة الغربية التي تأثرت أيضاً بظروف الحرب، بلغ معدل البطالة 32%، ما يرفع متوسط معدل البطالة إلى 50.8% في فلسطين، كما انكمش الناتج المحلي بنسبة 22.7% في الضفة الغربية، ما  يعني انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في فلسطين بنسبة "مذهلة" بلغت 83.5%، بحسب تقرير منظمة العمل الدولية، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ومع ذلك، فإن معدلات وأرقام البطالة لا تأخذ في الحسبان أولئك الذين تركوا القوى العاملة، لأن فرص العمل لم تعد متاحة لهم، وبالتالي فإن العدد الفعلي لأولئك الذين فقدوا وظائفهم أعلى مما تشير إليه أرقام البطالة.

"جهود التعافي"

وقالت المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية، ربا جرادات، في تصريحات نقلها الموقع الرسمي للمنظمة: "تُظهر النشرة الجديدة أن الخسائر الفادحة التي ألحقتها الحرب في قطاع غزة بالأرواح البشرية، والوضع الإنساني البائس الذي تسببت به، يرافقها دمار واسع النطاق للأنشطة الاقتصادية وسبل العيش، وهذا يضاعف من معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، ويتسبب في تعريضهم للمزيد من المخاطر".

وأضافت جرادات أن "استعادة سبل عيش الناس وخلق فرص عمل لائقة أمر حيوي لتمكين الفلسطينيين من التعافي من الأهوال التي ألحقتها بهم الحرب، ويجب أن تتم جهود التعافي هذه جنباً إلى جنب مع الاستجابة الإنسانية المستمرة".

وتسببت الحرب التي دخلت الآن شهرها التاسع، في خسائر هائلة في الأرواح وتدمير البنية التحتية، ويواجه نصف السكان مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي. ويرافق هذا الحجم المروع من المعاناة الإنسانية والنزوح والجوع، الانهيار الواسع النطاق للأنشطة الاقتصادية وسبل العيش.

ولم تسلم الضفة الغربية من القيود المفروضة على الحركة، وهجمات المستوطنين، والاعتقالات، والتوغلات في المجتمعات الفلسطينية. فمنذ 7 أكتوبر، قتل الجيش الإسرائيلي ما يزيد على 500 فلسطيني، وأصاب أكثر من 5100 آخرين، في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة.

القطاع الخاص يتحمل العبء الأكبر

وأدّت هذه الظروف إلى أزمة اقتصادية حادة في جميع أنحاء فلسطين، وأثرت بشكل خاص على القطاع الخاص. ففي الفترة من أكتوبر 2023 إلى يناير 2024، عانى ما يقرب من نصف مؤسسات القطاع الخاص (29% في الضفة الغربية و100% في قطاع غزة) إما من التوقف التام أو انخفاض الإنتاج. 

وتحمّل القطاع الخاص في غزة، العبء الأكبر، إذ خسر 85.8% من قيمة إنتاجه خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، وهو ما يعادل خسارة تقدر بنحو 810 ملايين دولار.

وفي الوقت نفسه، عانى القطاع الخاص في الضفة الغربية من انخفاض قيمة الإنتاج بنسبة 27% خلال نفس الفترة، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار.

وبشكل عام، تكبدت فلسطين خسارة تقدر بنحو 2.3 مليار دولار في قيمة إنتاج القطاع الخاص خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، أي ما يعادل 19 مليون دولار يومياً، باستثناء الخسائر في الممتلكات والأصول الثابتة.

وشهد إنتاج القطاع الخاص أكبر انخفاض له في "البناء" (-41.1%)، يليه الصناعة (-35.7%) ثم الخدمات والفروع الأخرى (-35.2%).

وشهد قطاع غزة تدهوراً أكثر حدة مقارنة بالضفة الغربية، وانخفض البناء بنسبة 100%، بينما هبطت الصناعة بنسبة 97.2%، مقارنة بالفترة التي لم تشهد حرباً.

ومع تواصل الحرب الإسرائيلية على غزة، تشير تقديرات منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 32.8% خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب، أي بين أكتوبر 2023 ونهاية مايو 2024، مقارنة بالفترة المقابلة قبل الحرب.

ويعكس هذا انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 83.5% في قطاع غزة وانكماش بنسبة 22.7% في الضفة الغربية، وشهد اقتصاد غزة انكماشاً كبيراً، إذ يمثل الآن 4.1% من إجمالي الاقتصاد الفلسطيني، بانخفاض عن حصته الأصلية البالغة 16.7%.

معاناة سوق العمل

وخلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب، تشير التقديرات المستندة إلى توقعات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى ارتفاع معدل البطالة إلى متوسط ​​50.8% في فلسطين. 

ويعكس هذا معدل بطالة بنسبة 31.9% في الضفة الغربية و79.1% في قطاع غزة. وتتفاقم هذه التحديات بسبب الضغوط التضخمية، التي تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للأفراد وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وخاصة في ظل زيادة فقدان الوظائف وانخفاض المداخيل.

وفي أبريل 2024، بلغ التضخم على أساس سنوي 33.5% في فلسطين، وارتفع إلى 153.3% في قطاع غزة، بينما ظل أقل نسبياً عند 4.2% في القدس المحتلة و2.5% في الضفة الغربية.

وإلى جانب التحقيق في تأثير الحرب على الاقتصاد وسوق العمل في فلسطين خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب، استندت الدراسة المنشورة إلى نفس نموذج التوقعات الذي استخدمه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في الإصدارات السابقة لتقديم توقعات منقحة بشأن تأثير الحرب في غزة على اقتصاد فلسطين وسوق العمل لعام 2024 بأكمله. 

ومع استمرار الحرب، تم تحليل سيناريو جديد، على افتراض أن الحرب ستستمر حتى نهاية أغسطس 2024، ووفق هذا السيناريو، من المتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 بنسبة 16.1%، مقارنة بعام 2023، إلى جانب انخفاض متوقع بنسبة 18.0% في دخل الفرد.

وتشير هذه الأرقام إلى أكبر انخفاض في معدلات النمو لكلا المؤشرين منذ أكثر من عقدين.

ويتوقع النموذج أيضاً انخفاض معدل مشاركة القوى العاملة في فلسطين بنسبة 2.5% عام 2024 مقارنة بعام 2023.

ومن المتوقع أن ينخفض ​​معدل المشاركة للرجال بنسبة 3.8%، بينما من المتوقع أن ينخفض ​​معدل المشاركة للنساء بنسبة 1.3%. 

ويشير هذا الانخفاض في معدلات مشاركة القوى العاملة إلى زيادة محتملة في إحباط الباحثين عن عمل. وبالنسبة للرجال، يتأثر هذا الاتجاه أيضاً بالأفراد الذين عملوا سابقاً في إسرائيل، والذين على الرغم من فقدانهم وظائفهم في سوق العمل الإسرائيلية، فإنهم لا يبحثون بالضرورة عن عمل بنشاط في الاقتصاد الفلسطيني، بل ينتظرون بدلاً من ذلك فرصاً للعودة إلى العمل في إسرائيل.

وأشارت النشرة إلى الوضع المقلق بشكل خاص بالنسبة للنساء، نظراً لمعدل مشاركة القوى العاملة من الإناث المنخفض بشكل استثنائي بالفعل.

ومن المرجح أن تفرض مستويات البطالة المرتفعة هذه ضغوطاً على الأجور اليومية المحلية، إذ تشير التوقعات إلى انخفاض بنسبة 9.5% في عام 2024 مقارنة بعام 2023، إذا استمرت الحرب حتى نهاية أغسطس 2024.

وفي حال تحقق هذا السيناريو، فمن المتوقع أن تكون معدلات الأجور عام 2024 من بين أدنى المعدلات في فترة ما بعد اتفاقيات أوسلو، على غرار مستويات الأجور التي سادت عام 2009.

ومع تقدير متوسط ​​الأجر اليومي في الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 76.6 دولار عام 2024- وهو أعلى بنحو 3.6 مرة من الأجر اليومي في الاقتصاد المحلي- فإن دافع الفلسطينيين للبحث عن عمل في الاقتصاد الإسرائيلي يظل قوياً.

الشركات تتخذ تدابير

ورسم المسح الذي استهدف 700 شركة عبر مختلف القطاعات في الضفة الغربية صورة قاتمة عن أوضاع الشركات، إذ أكدت نسبة ساحقة تبلغ 98.8% من الشركات أنها تأثرت سلباً.

وواجهت هذه الشركات العديد من التحديات الناجمة عن الحرب، بدءاً من انخفاض المبيعات الشهرية وفقدان العملاء أو الموردين، إلى انخفاض القدرة الإنتاجية وانقطاع سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف النقل.

وللتخفيف من الآثار السلبية للحرب، استعانت الشركات بتدابير مختلفة، من ضمنها تقليص حجم القوى العاملة وساعات العمل والأجور. ومن بين الشركات التي شملها الاستطلاع، أفاد 65.3% بانخفاض في قوتها العاملة؛ وأفاد 1.7% بتوسع في عدد الموظفين؛ وحافظ 33.0% على قوتها العاملة قبل الحرب.

وجدير بالذكر أن 52.7% من الشركات التي شملها الاستطلاع فصلت موظفيها بشكل مؤقت حتى تتحسن الظروف، ولجأ 39.9% إلى تسريح العمال بشكل دائم ولكن قدموا للموظفين المتضريين مستحقاتهم، وفصلت نسبة كبيرة من الشركات (27.5%) العمال بشكل دائم دون أن تدفع لهم مستحقاتهم بسبب القيود المالية.

وبالإضافة إلى عمليات تسريح العمال، لجأت الشركات في الضفة الغربية أيضاً إلى تقليص ساعات عمل موظفيها أو أيام عملهم للتحكم في التكاليف.

وأفادت 73.3% من الشركات التي شملها الاستطلاع بتقليص ساعات عمل أو أيام عمل بعض موظفيها على الأقل بسبب الحرب.

وعلى مستوى القطاعات، كانت الشركات في قطاع السياحة هي الأكثر عرضة لتقليص ساعات/أيام عمل موظفيها (84.4%) تليها الشركات في قطاع التمويل والمصارف (83.3%) والنقل والاتصالات (77.8%).

وفي المتوسط، قبل بدء الحرب، عملت الشركات 25.1 يوماً في الشهر، وانخفض إلى متوسط ​​17.1 يوم عمل بعد 7 أكتوبر، وهو ما يعادل خسارة 8 أيام عمل في الشهر.

ولخفض التكاليف، اتخذت الشركات أيضاً تدابير في ما يتعلق بالعمل الإضافي ومزايا الإجازات السنوية المدفوعة. ومن بين الشركات التي كانت تقدم في السابق إجازات سنوية مدفوعة الأجر، أوقفت 37.1% هذه المدفوعات؛ وتوقفت 80.8% من الشركات التي سمحت بالعمل الإضافي عن هذه الممارسة.

وبخلاف هذه التدابير المباشرة المتعلقة بالعمل، لجأت الشركات إلى آليات أخرى مختلفة تهدف إلى التخفيف من تأثير الحرب. 

وتتراوح هذه التدابير، من وقف مشروعات التنمية التي بدأت قبل الحرب (75.6%) إلى الممارسة الأقل شيوعاً المتمثلة في البحث عن قروض إضافية أو تسهيلات مصرفية (19.8%). والجدير بالذكر أن 14.6% من الشركات التي شملها الاستطلاع أفادت بتغيير مجال عملها أو دخول مجال جديد، ما يشير إلى القدرة على التكيف والنهج الاستباقي لاستكشاف فرص العمل الجديدة.

تصنيفات

قصص قد تهمك