كشفت دراسة علمية أن الهواتف الذكية التي تعمل بنظام أندرويد يمكنها رصد الزلازل في الوقت الفعلي وإرسال إنذارات مبكرة فعّالة، تضاهي في دقتها وكفاءتها أنظمة الرصد الزلزالي التقليدية المعتمدة على شبكات أجهزة الاستشعار الثابتة.
وبالرغم من التقدّم في التنبؤ بمواقع الزلازل المحتملة، تظل هذه الظاهرة الطبيعية تهديداً دائماً لحياة ملايين البشر، خاصةً في المناطق النشطة زلزالياً والتي تفتقر إلى بنية تحتية متقدمة لرصد الزلازل.
ويعتمد النظام على المبدأ ذاته الذي تستخدمه أنظمة الكشف الزلزالي التقليدية، إذ تستغل الهواتف الذكية، المزودة بمقاييس تسارع حساسة، قدرتها على اكتشاف الاهتزازات الأرضية، فعندما يكون هاتف أندرويد ثابتاً، يلتقط مقياس التسارع الخاص به أي زيادة مفاجئة في التسارع الناتجة عن الموجات الأولية (P waves) والموجات الثانوية (S waves) للزلزال.
وبمجرد تفعيل هاتف ما، يرسل إشارة إلى خوادم جوجل تتضمن معلومات عن التسارع وموقعاً تقريبياً؛ مع تشويش الموقع الدقيق لحماية خصوصية المستخدمين، وتقوم الخوادم بعد ذلك بتحليل البيانات لتحديد مصادر زلزالية محتملة تتوافق مع توزيع الإشارات الواردة.
وإذا توافقت البيانات مع مصدر زلزال بثقة عالية، يتم الإعلان عن الزلزال، ويتم تقدير قوته، ومركزه السطحي، ووقت حدوثه بناءً على وقت وصول الموجات وسعتها.
ويقول الباحثون إن هذه القدرة على الكشف والإنذار متاحة افتراضياً على معظم هواتف أندرويد، كجزء من خدمات Google Play الأساسية، مما يضمن انتشاراً عالمياً لهذه الميزة في أي مكان يتواجد فيه البشر، سواء في الدول الغنية أو الأقل ثراءً إذ يأتي هذا النظام مفعّلاً بشكل افتراضي في معظم هواتف أندرويد، التي تُشكّل نحو 70% من الهواتف الذكية عالمياً.
تنبيهات الإنذار المبكر
أظهرت بيانات التشغيل على مدار ثلاث سنوات، من 1 أبريل 2021 إلى 31 مارس 2024، كفاءة مذهلة لذلك النظام، فقد تمكن النظام من اكتشاف ما يقرب من 312 زلزالاً شهرياً في المتوسط، تراوحت قوتها من 1.9 إلى 7.8 درجة.
وفي تركيا وحدها، تمكن النظام من مطابقة 85% من الزلازل المدرجة في الكتالوجات الزلزالية التقليدية كما قام النظام بتسليم تنبيهات في 98 دولة للزلازل التي تجاوزت قوتها 4.5 درجة، وهو ما يعادل حوالي 60 حدثاً و18 مليون تنبيه شهرياً.
بفضل النظام، ارتفع عدد الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى تنبيهات الإنذار المبكر بالزلازل عالمياً بشكل كبير، فبعد أن كان 250 مليون شخص فقط في عام 2019، وصل هذا العدد اليوم إلى 2.5 مليار شخص، مما يجعله أكبر نظام للإنذار المبكر على مستوى العالم.
كيف تستطيع الهواتف الذكية رصد الزلازل؟
- كل هاتف ذكي يحتوي على مقياس تسارع: هذا المستشعر الصغير يقيس حركة الجهاز في الاتجاهات الثلاثة، ويُستخدم عادةً في تحديد اتجاه الشاشة أو تتبع الخطوات.
- عند وقوع زلزال، الأرض تهتز؛ هذه الاهتزازات تلتقطها مقاييس التسارع في الهواتف القريبة من مركز الزلزال.
- إذا اكتشف عدد كافٍ من الهواتف اهتزازاً مشابهاً في نفس الوقت والمكان، يتم إرسال البيانات إلى خوادم النظام لتحليلها.
- النظام يتحقق من وجود نمط زلزالي، وإذا تأكد أن هناك زلزالاً فعلياً (وليس فقط اهتزازاً من سقوط الهاتف مثلاً)، يبدأ إصدار تنبيهات.
- يُرسل التنبيه إلى الهواتف القريبة من مركز الزلزال قبل وصول الهزة العنيفة، مستفيداً من سرعة الإنترنت التي تفوق سرعة الزلازل.
- كلما زاد عدد الهواتف المشاركة، زادت الدقة والسرعة في اكتشاف الزلازل وإرسال الإنذار.
- الهواتف لا تسجل بيانات شخصية، بل ترسل إشارات بسيطة جداً فقط عند الاشتباه في زلزال.
- كل هذا يتم تلقائياً، بدون تدخل من المستخدم، ما يجعل النظام سريعاً ومناسباً للإنذار المبكر.
كما أظهرت الدراسة أن دقة تقدير قوة الزلازل في النظام مماثلة لتلك الموجودة في أنظمة الإنذار المبكر التقليدية المعتمدة على الشبكات الزلزالية الأرضية، مثل نظام "ShakeAlert" في الولايات المتحدة ونظام "JMA EEW" في اليابان.
ولقياس فعالية النظام، اعتمد الباحثون على استبيانات تطوعية من المستخدمين بعد كل حدث زلزالي، وأظهرت النتائج أن 85% من المستجيبين شعروا بالهزات الأرضية، وأن 36% تلقوا التنبيه قبل بدء الهزة، و28% في أثنائها، بينما تلقاها 23% بعد بدايتها.
وكتب الباحثون في تقريرهم: "نظام تحذيرات زلازل أندرويد يبرهن أن الهواتف الذكية المنتشرة حول العالم يمكنها أن تؤدي دوراً حيوياً في رصد الزلازل وإصدار التحذيرات على نطاق واسع، بكفاءة تقارب الأنظمة الوطنية الراسخة".
كما أشاروا إلى أن الزلازل الكبيرة تظل التحدي الأصعب لجميع أنظمة الإنذار، لكن البيانات التي يجمعها النظام تسهم في تحسين دقة الخوارزميات وزمن الاستجابة.
بالرغم من هذه النجاحات، واجه النظام بعض التحديات الأولية، مثل بعض التنبيهات الخاطئة التي نتجت عن العواصف الرعدية أو الاهتزازات الجماعية للهواتف.
وقام الباحثون بتطوير وتحسين الخوارزميات بشكل مستمر لمعالجة هذه المشكلات، وعلى سبيل المثال تم تحسين دقة تقدير قوة الزلازل بمرور الوقت، من خلال تطوير نماذج اكتشاف إقليمية تأخذ في الاعتبار الإعدادات التكتونية المختلفة وخصائص توهين الموجات الزلزالية في كل منطقة.
كما أن الزلازل الكبرى، وخاصة تلك التي تتجاوز قوتها 7.5 درجة، لا تزال تمثل التحدي الأكبر لجميع أنظمة الإنذار المبكر. في زلزال تركيا المدمر الذي وقع في 6 فبراير 2023، والذي شهد زلزالين بقوة 7.8 و7.5 درجة، كان النظام يعمل وقتها وأصدر تنبيهات، وقد كشفت التحليلات اللاحقة لهذه الأحداث عن بعض القيود في خوارزميات الكشف، وقد تم تحسينها منذ ذلك الحين.
الكشف عن الزلازل
على سبيل المثال، زادت مدة المراقبة للسماح بتحديثات أكثر دقة لمعايير الزلزال، وأصبح النظام أكثر انتقائية بشأن الهواتف التي يتم تضمينها في مجموعة المراقبة لتقليل تأثير الهواتف ذات الضوضاء العالية.
ويقول الباحثون إن الهدف الأساسي للنظام هو تقديم تنبيهات مفيدة وقابلة للتنفيذ للمستخدمين، ولتحقيق ذلك، تم جمع ردود فعل من أكثر من 1.5 مليون مستخدم تلقوا التنبيهات، وأظهرت النتائج أن 85% من المستجيبين شعروا بالاهتزاز، منهم 53% وصفوه بـ"قوي" و32% بـ"ضعيف".
وكان متوسط تقييم المساعدة للتنبيهات 4.7 من 5، إذ أفاد 85% من المستجيبين بأن التنبيه كان "مفيداً جداً"، وفي ما يتعلق بوقت استلام التنبيه، أفاد 36% من المستجيبين بأنهم تلقوا التنبيه قبل شعورهم بالاهتزاز، و28% أثناءه، و23% بعده.
أما بخصوص الإجراءات المتخذة، فقد أظهرت النتائج أن 28% من مستخدمي تنبيه "TakeAction"، التنبيه الذي يحث على اتخاذ إجراء فوري للاهتزاز القوي، اتبعوا توصية "الاحتماء والانحناء والتثبت"، وهي نسبة أعلى من تلك التي لوحظت في الدراسات السابقة.
كما أن 84% من المستخدمين المستجيبين أفادوا بأنهم سيثقون بالنظام أكثر في المرة القادمة، مما يدل على بناء الثقة بين النظام والمستخدمين، وهو أمر حيوي لفعاليته المستقبلية.
وفي المستقبل، يمكن لذلك النظام توفير معلومات ومنتجات إضافية تقلل من المخاطر؛ إذ يمكن أن يساعد الكشف عن الزلازل الصغيرة في المناطق التي تفتقر إلى الشبكات الزلزالية في تحديد الفوالق والمخاطر المرتبطة بها تحت البيئات الحضرية.
كما يمكن للملاحظات الكثيفة والمحلية والآنية لحركة الأرض أن توفر خرائط سريعة بعد الزلزال لشدة الاهتزاز، وهو أمر بالغ الأهمية للاستجابة للطوارئ.