تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليست بالضرورة عدواً للعمال

روبوت في ألمانيا يفحص درجة حرارة شاب خلال انتشار فيروس كورونا  - REUTERS
روبوت في ألمانيا يفحص درجة حرارة شاب خلال انتشار فيروس كورونا - REUTERS
بلومبرغ

تحت عنوان "قد نكون مخطئين تماماً بشأن علاقة التكنولوجيا بتكريس عدم تكافؤ الفرص"، يطرح الكاتب نواه سميث في مقال نشرته "بلومبرغ" كيف يمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تساعد في تمكين البشر وظيفياً بدلاً من استبدالهم كما تشيع المخاوف، وتساهم في تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

ويقول سميث، البروفيسور في جامعة "ستوني بروك"، بنيويورك إن من المخاوف الدائمة من التكنولوجيا الجديدة أنها ستخلق عالماً أكثر تفاوتاً تتسع فيه الفوارق بين من يملكون ومن لايملكون، ما سيؤدي إلى خفض الرواتب واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. 

لكنه يرى أن هذه المخاوف، التي يعززها تسارعُ وتيرة الاعتماد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي، تعد شكلاً من أشكال "الرجعية الجديدة" التي تنظر إلى التكنولوجيا كعدوّ. لذا يطرح احتمالاً آخر، هو أن هذه التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تساعد في الحد من اللامساواة، وقد تكون "محايدة" وعلى العالم أن يتوقع النتيجتين. 

نظرة تشاؤمية

يستحضر الكاتب المخاوف التي شهدتها العقود الماضية، قائلاً: "على مدى عقود، شاعت المخاوف من التطورات التكنولوجية المبدِّدة للوظائف، لكنها اكتسبت زخماً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عندما ألقى بعض الاقتصاديين اللوم في تعمّق اللامساواة، على الفجوة بين الأفراد الذين يملكون مهارات استخدام أجهزة الكمبيوتر، وأولئك الذين لا يملكونها". 

ويقرّ الكاتب بحدوث ذلك في عقد الثمانينات،"لكن بحلول التسعينات، كانت الفجوة في مهارات استخدام الحواسيب قد أخذت مجراها، وأصبحت عوامل أخرى مسؤولة عن ذلك التفاوت المتزايد".

ووفق قوله، فإن الأمر نفسه يحصل اليوم، حيث "انتقلت المخاوف إلى الأتمتة، مع شروع الذكاء الاصطناعي بالتغلغل في جميع الصناعات تقريباً".

روبوت يقدّم الطعام لزبائن مطعم في كربلاء وسط انتشار فيروس كورونا  - REUTERS
روبوت يقدّم الطعام لزبائن مطعم في العراق وسط انتشار فيروس كورونا - REUTERS

ويعرض الكاتب وجهة النظر السلبية تجاه التكنولوجيا الجديدة، إذ يشير إلى سلسلة بحوث أجراها عالما الاقتصاد دارون أسيموغلو وباسكوال ريستريبو، تفيد بأن الروبوتات تقلص الوظائف وتؤدي إلى خفض الأجور. 

ويشرح أن هذا الطرح يرتكز على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة ستحل محل القوة العقلية البشرية، ما سيؤدي إلى تركيز الدخل في أيدي البشر "المحظوظين"، الذين صنعوا أو امتلكوا الروبوتات، فيما سيترك الآخرون بلا حماية. 

ويستعرض رؤية سلبية أخرى تعتبر أن التكنولوجيا تعزز اللامساواة بين الدول، مشيراً إلى إصدار "صندوق النقد الدولي" ورقة تفيد بإمكانية احتكار عدد قليل من الدول، لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ما يصعّب على الدول ذات العمالة الرخيصة ومستويات التكنولوجيا الأكثر تدنياً، اللحاق بها.

نظرة تفاؤلية

في مقابل هذه السيناريوهات السلبية، يعتبر الكاتب أن ثمة أسباباً وجيهة للاعتقاد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد تؤدي إلى زيادة الأجور وتساعد في تمكين العمال العاديين بدلاً من استبدالهم.

ويستشهد بما قاله 3 خبراء اقتصاديين، أجاي أغراوال، وجوشوا غانز، وآفي غولدفارب، في كتابهم المعنوَن "آلات التنبؤ: الاقتصاد البسيط للذكاء الاصطناعي"، حيث يؤكدون أن استبدال الذكاء الاصطناعي للإنسان في مهام معينة هو أمر ممكن، لكن ليس في وظائف بأكملها.

ويقول: "مثلما سمحت الأدوات الميكانيكية للعمال (في القرن الماضي) بأن يكونوا أكثر إنتاجية، قد يسمح الذكاء الاصطناعي لموظفي المكاتب بإنجاز المزيد، ما يرفع قيمتهم وأجورهم".

ووفق الكاتب، تتوافر أدلة على التأثير الاقتصادي الإيجابي للذكاء الاصطناعي، إذ كشفت ورقة بحثية نُشرت في عام 2018 لعالِمَي الاقتصاد كاتجا مان ولوكاس بوتمان، أن إدخال تكنولوجيا الأتمتة على القطاعات يميل إلى زيادة الوظائف، لا العكس، وهو ما يؤكد أن الروبوتات والخوارزميات تكمّل دور البشر حتى الآن، ولا تستبدلهم. 

عصر تحوّل الطاقة

ويشير الكاتب إلى أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات ليس التكنولوجيا الوحيدة المُعتمد عليها حالياً، بل إن "الثورة في تكنولوجيا الطاقة، المتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات وغيرها من أشكال تخزين الطاقة، قد تكون أكثر أهمية". 

ويوضح أن الطاقة الرخيصة تمثل أمراً مختلفاً تماماً عن الأتمتة، لكونها الأقرب إلى نوع التكنولوجيا التي أدت إلى اندلاع الثورة الصناعية.

ألواح شمسية لإنتاج الطاقة المتجددة في بلدة غاردان جنوب فرنسا - REUTERS
ألواح شمسية لإنتاج الطاقة المتجددة في بلدة غاردان جنوب فرنسا - REUTERS

ويشرح أن "الفحم والنفط الرخيصين سمحا بتزويد المجتمع بالكهرباء، ومكناه من المصانع، وبناء المنازل والطرقات، وغيرها من أدوات البنية التحتية الرخيصة. وفي المراحل الأولى من هذه العملية تعمّق التفاوت واللامساواة، لكنه لم يلبث أن تراجع مع اعتماد سياسات حكومية ونقابية تضمن مزيداً من الحقوق للعمال". 

وبالتالي، يرى الكاتب أن دور المؤسسات البشرية كان حاسماً في تقليل اللامساواة الصناعية، وأن تأثير التكنولوجيا الحديثة على التفاوت الطبقي محايد إلى حد كبير.