
اتخذ القضاء في تركيا أخيراً قرارات من المرجح أن تؤثر على الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر عقدها في يونيو المقبل، وسط مساع للرئيس رجب طيب أردوغان لتقديم موعد الانتخابات، وخفض التضخم المتنامي ورفع مستوى شعبيته في الداخل التركي أمام المعارضة التي تواجه عقبات "لا سابق لها".
وتشهد الساحة السياسية التركية قرارات قضائية ودعوات نيابية عدة قد تؤثر على الانتخابات المرتقبة، آخرها طلب المدعي العام، الثلاثاء، من المحكمة الدستورية التركية حظر "حزب الشعوب الديموقراطي" المدافع عن قضايا الأكراد، وهو ثالث أكثر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان التركي، بدعوى "الإرهاب"، وذلك قبل بضعة أشهر من عقد الانتخابات.
ويتّهم أردوغان الحزب المذكور أعلاه بأنه الجناح السياسي لمسلحين يشنون تمرداً منذ عقود ضد الدولة التركية، فيما ينفي "حزب الشعوب" هذه التهم ويتّهم بدوره الحكومة باستهدافه بسبب معارضته الشديدة لأردوغان.
ولمصير حزب "الشعوب الديموقراطي" دور رئيسي في نجاح أردوغان من عدمه في الانتخابات، التي تمثل أحد أصعب التحديات في فترة حكمه المتواصل منذ عقدين، بحسب "فرانس برس".
وكانت المحكمة الدستورية التركية علّقت، في ديسمبر الماضي، المخصصات المالية العامة المقدمة لـ"حزب الشعوب الديموقراطي" والتي تقدر بنحو 539 مليون ليرة تركية (28,7 مليون دولار) والتي تعتبر بمثابة مساعدة، كان يفترض أن يتسلم ثلثها الثلاثاء.
حبس رئيس بلدية إسطنبول
ولم تكن هذه أول القرارات المؤثرة على الانتخابات، إذ قضت محكمة تركية منتصف ديسمبر الماضي، بحبس رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، الذي يحظى بشعبية واسعة، نحو 3 سنوات بعد إدانته بـ"إهانة" السلطات، في قرار يمنعه عملياً من الترشح للانتخابات الرئاسية.
ونادراً ما يودع الأشخاص، الذين يحكم عليهم بالسجن لمدة أقل من 4 سنوات الحبس في تركيا، لكن إمام أوغلو أدين بـ"إهانة شخصية عامة" ما يعني استبعاده من العمل السياسي طوال مدة العقوبة.
إلا أن إمام أوغلو، البالغ 52 عاماً والذي يعد من الشخصيات البارزة في أكبر حزب علماني في تركيا، سيبقى في منصب رئيس البلدية بانتظار البت في الاستئناف.
وألحق إمام أوغلو هزيمة بحزب أردوغان في مارس 2019 بفوزه بمنصب رئاسة بلدية إسطنبول التي قادها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم مدة 25 عاماً، لكن الحكومة ألغت الانتخابات.
من جهته، نفى الرئيس التركي علاقته بالحكم الصادر بحق إمام أوغلو، والذي تسبب حينها بتظاهرات للمعارضة التركية وانتقادات دولية، وتساءل أردوغان عن "ما وراء العاصفة التي اندلعت بسبب حكم في هذه الأيام؟". وأضاف: "هذا الجدل لا علاقة له بنا ولا بي ولا بأمتنا".
كما عبر الرئيس التركي عن أسفه لأن "البعض يحاولون ممارسة (لعبة العروش) من خلالنا"، مشيراً إلى أن ردود الفعل على الحكم ناجمة عن التنافس الداخلي في المعارضة التركية.
عقبات أمام المعارضة
وتواجه المعارضة عقبات لا سابق لها في تركيا. ويرى دبلوماسي غربي، تحدث لـ"فرانس برس" مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أن "المعارضة تبدو غير منظمة بشكل كبير"، متسائلاً: "ما هو برنامجها؟"، في إشارة إلى تحالف "طاولة الستة"، الاسم الذي أطلق على تحالف 6 أحزاب تركية تسعى لقطع طريق الرئاسة أمام أردوغان.
وكان أردوغان الموجود في السلطة منذ عام 2003 كرئيس وزراء ثمّ كرئيس للجمهورية، يعتمد في نجاحه حتى الآن على قدرته على حشد ما يكفي من الناخبين، سواء كانوا علمانيين أو متدينين، أو أتراكاً أو أكراداً وقوميين وليبراليين.
تجدر الإشارة إلى أن الازدهار الاقتصادي القوي في العقد الأول من حكمه، ساعد أردوغان في نجاحه هذا، لكن الغضب الذي ولد بعد القمع الذي تلا محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 والأزمة الاقتصادية التي تبعته، وضع حداً لهذا الزخم، وفقاً لـ"فرانس برس".
ويعكس المصير المتقلّب لأكرم إمام أوغلو، العضو في حزب "الشعب الجمهوري"، الأكثر ظهوراً في الإعلام، حجم العقبات التي تنتظر المعارضة.
فيوم خضوع إمام أوغلو للمحاكمة في قضية "الإهانة"، كان كمال كيليتش دار أوغلو، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، في برلين لحشد الدعم لترشيحه. وكان على الأخير، الذي يجهد في جمع المعارضة من حوله، اختصار رحلته والعودة إلى تركيا لدعم رئيس بلدية إسطنبول، بحسب "فرانس برس".
في الأثناء، كانت ميرال أكشينير، زعيمة حزب "إيي" القومي، وشخصية بارزة أخرى في تحالف "طاولة الستة"، تقف إلى جانب إمام أوغلو خلال تجمع عفوي لدعمه، بل إنها قامت برفع يد رئيس البلدية بعلامة النصر.
وبحسب المحاضر في جامعة "سابانجي" في اسطنبول بيرك إيسين، فإن تلك اللحظات "حركت المعارضة لفترة وجيزة"، لكن ذلك لم يدم طويلاً على حد قوله.
وأزعج الدعم الذي أظهرته ميرال أكشينير لرئيس بلدية اسطنبول، كمال كيليتش دار أوغلو، الذي نظم لقاءً ثنائياً معها بعد ذلك بأسبوعين بهدف تسوية خلافاتهما.
وقال بيرك إيسين: "ضيعت المعارضة وقتاً ثميناً بتأجيلها الإعلان عن اسم مرشح مشترك"، لا سيما أن أصواتاً عدة حتى في صفوف الغالبية تتحدث عن إمكان إجراء انتخابات مبكرة، لكن كيليتش دار أوغلو أفاد بأن أحزاب المعارضة الـ6 ستعلن عن مرشح مشترك حينما يتمّ تحديد موعد رسمي للانتخابات.