تقرير: إسرائيل اغتالت فخري زاده عبر "روبوت" وأطلعت ترمب على الخطة

time reading iconدقائق القراءة - 11
مراسم تشييع جثمان العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده - REUTERS
مراسم تشييع جثمان العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده - REUTERS
دبي -الشرق

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت، عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، بأنها أشبه بـ"الخيال العلمي"، إذ تم استخدام روبوت لإطلاق النار، بعدما غادر أفراد فريق الاغتيال الأراضي الإيرانية. 

وكشفت الصحيفة عن مشاركة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب، في اجتماعات التخطيط لعملية الاغتيال، مؤكدة أن العملية لم تستغرق أكثر من دقيقة، وأُطلق خلالها نحو 15 طلقة رصاص.

وأشارت الصحيفة في تقرير مطول عن تفاصيل عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، الذي اعتبرته "هدفاً بعيد المنال"، إلى أن جهاز المخابرات الإيراني كان قد حذر فخري زاده من مؤامرة اغتيال محتملة، ولكنه لم يهتم بالأمر.

وأوضحت أنه بسبب اقتناع تل أبيب بأن زاده كان يقود جهود طهران لبناء قنبلة نووية، فقد أرادت قتله على مدار 14 عاماً مضت، لافتة إلى أنه كان يواجه الكثير من التهديدات، حتى أنه أنه لم يعد يوليها اهتماماً كبيراً.

وفي عام 2009، كان هناك فريق اغتيال تابع للموساد ينتظر فخري زاده، بحسب "نيويورك تايمز"، في موقع مُخطط لقتله فيه في طهران، ولكن تم إلغاء العملية في اللحظة الأخيرة، إذ اعتقد رجال الموساد حينها أن "المؤامرة" قد تم كشفها، وأن إيران نصبت كميناً للفريق، وفقاً للصحيفة.

رشاش على شاحنة

الصحيفة أضافت في تقريرها بشأن واقعة الاغتيال التي جرت في نوفمبر الماضي، "هذه المرة أراد الموساد تجربة شيء جديد، حيث قام عملاء إيرانيون يعملون لصالح الموساد بترك شاحنة زرقاء، من طراز نيسان زامياد على جانب الطريق، الذي يربط أبسارد بالطريق السريع الرئيسي". 

وتابعت، "تم وضع مدفع رشاش قناص عيار 7.62 مليمتر تحت قماش بلاستيكي ومواد بناء في صندوق الشاحنة، وفي حوالي الساعة الواحدة ظهراً، تلقى الفريق إشارة بأن فخري زاده وزوجته وفريق من الحراس المسلحين في سيارات مرافقة، كانوا على وشك المغادرة إلى أبسارد، حيث يمتلك العديد من النخبة الإيرانية منازل وفيلات لقضاء العطلات".

وأوضحت الصحيفة أن القاتل، وهو قناص ماهر، اتخذ موقعه تمهيداً لقتل العالم النووي الإيراني، قائلة إنه لم يكن قريباً من أبسارد، ولكنه كان ينظر إلى شاشة كمبيوتر، في مكان غير معروف على بُعد مئات الأميال، إذ كانت فرقة الاغتيال بأكملها قد غادرت إيران بالفعل.

وأشارت الصحيفة، إلى أن التقارير الإخبارية الواردة من إيران، بعد ظهر ذلك اليوم، كانت مربكة ومتناقضة وخاطئة في الغالب.

ذكر أحد التقارير أن فريقاً من القتلة ظل منتظراً على طول الطريق حتى يمر فخري زاده بسيارته، فيما قال تقرير آخر إن السكان سمعوا انفجاراً كبيراً أعقبته نيران مدفع رشاش، فيما أفادت قناة على وسائل التواصل الاجتماعي تابعة للحرس الثوري الإيراني بحدوث معركة مكثفة بالأسلحة النارية، بين حراس فخري زاده وما يصل إلى 12 مهاجماً. 

"خيال علمي"

القاتل في هذه العملية كان عبارة عن روبوت، بحسب "نيويورك تايمز"، والتي أشارت إلى أن القصة الحقيقية التي وصفتها بـ"خيال علمي"، والتي تنشرها الصحيفة للمرة الأولى، تستند إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وإيرانيين، من بينهم مسؤولان استخباراتيان مطلعان على تفاصيل تخطيط العملية وتنفيذها.

وأرجعت الصحيفة نجاح العملية لعدة عوامل، بما في ذلك إخفاقات الحرس الثوري الإيراني الأمنية الخطيرة، والتخطيط والمراقبة المكثقة من قبل الموساد، واللامبالاة من جانب فخري زاده نفسه.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه العملية كانت الاختبار الأول لجهاز قنص آلي عالي التقنية، مزود بذكاء اصطناعي وعيون متعددة الكاميرات، يعمل عبر الأقمار الصناعية وقادر على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة.

وذكرت أن هذا المدفع الرشاش، الذي يتم التحكم به عن بُعد، ينضم إلى الطائرات المسيرة في ترسانة الأسلحة عالية التقنية للقتل المستهدف عن بُعد، "ولكن على عكس هذه الطائرات، فإن المدفع الآلي لا يلفت الانتباه في السماء، حيث يمكن وضعه في أي مكان"، وهو ما قالت "نيويورك تايمز" إنه سيعيد تشكيل عالم الأمن والتجسس.

استعدادات عملية الاغتيال

وسردت الصحيفة تفاصيل العملية، قائلة إن الاستعداد لها قد بدأ بعد سلسلة من الاجتماعات في نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020، بين مسؤولين إسرائيليين، بقيادة مدير الموساد السابق، يوسي كوهين، ومسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، من بينهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ووزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، ومديرة وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" السابقة جينا هاسبيل.

وتابعت: "قدم كوهين للأميركيين قائمة بالعمليات المحتملة، بما في ذلك عملية اغتيال فخري زاده، والذي كان على رأس قائمة المطلوبين لدى إسرائيل منذ عام 2007، ولم يتخل الموساد أبداً منذ ذلك الحين عن الرغبة في اغتياله".

وفي عام 2018، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحافياً لعرض الوثائق التي سرقها الموساد من الأرشيف النووي الإيراني، قائلاً إنهم أثبتوا أن طهران ما زالت تمتلك برنامجاً نووياً نشطاً، وذكر اسم فخري زاده عدة مرات، وطالب الحاضرين بتذكر اسمه.

وأوضحت الصحيفة أنه مع تدفق المعلومات الاستخباراتية، برزت صعوبة تحدي اغتيال فخري زاده، وذلك لأن إيران كانت قد تعلمت عدة دروس من مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائلة إن المسؤولين الإيرانيين قاموا بتشديد الإجراءات الأمنية الخاصة بالعالم النووي الإيراني الأبرز وذلك لأنهم كانوا يدركون أنه كان على رأس قائمة المطلوبين في إسرائيل.

تعقيدات لوجيستية

وأضافت: "تم اقتراح فكرة وجود مدفع رشاش مثبت مسبقاً يتم التحكم فيه عن بُعد، ولكن كانت هناك مجموعة من التعقيدات اللوجستية الخاصة بهذا الاقتراح، كما أن حجم هذه المدافع ووزنها جعل من الصعب نقلها وإخفائها، فضلاً عن أنه لا يمكن استخدامها إلا من خلال أشخاص قريبين من مكان الاغتيال".

وأشارت الصحيفة إلى أن "الروبوت القاتل" قد غيَر حسابات الموساد بشكل عميق، وذلك بالنظر إلى أن الوكالة لديها قاعدة قديمة، مفادها أنه إذا لم يكن هناك فرصة لإنقاذ العملاء، فإنه لا توجد عملية، مما يعني أن وجود خطة مضمونة لإخراج العملاء بأمان هي أمر ضروري وحاسم.

ووفقاً للصحيفة، فقد واجه الموساد سلسلة من المشكلات الخاصة باستخدام الرشاش المحوسب الضخم، وكانت أولى هذه المشاكل هي كيفية وضعه في المكان المطلوب. 

وبحسب مسؤول استخباراتي مطلع على المؤامرة، فقد اختارت إسرائيل مدفع رشاش بلجيكي من طراز FN MAG متصل بروبوت متقدم، وكان الرشاش والروبوت ومكوناته وملحقاته مجتمعة تزن حوالي طن واحد، ولذا فقد تم تقسيم المعدات إلى أصغر أجزائها الممكنة وتم تهريبها إلى البلاد قطعة قطعة، في أوقات مختلفة، ثم أعيد تجميعها سراً في إيران.

وتابعت: "تم بناء الروبوت ليناسب حجم الشاحنة زامياد، وهي سيارة شائعة الاستخدام في إيران، كما تم تركيب كاميرات تشير في اتجاهات متعددة على الشاحنة، لإعطاء غرفة القيادة صورة كاملة ليس للهدف وتفاصيله الأمنية فحسب، ولكن للبيئة المحيطة أيضاً، وأخيراً، كانت الشاحنة مليئة بالمتفجرات بحيث يمكن تفجيرها إلى أجزاء صغيرة بعد القتل، مما يؤدى إلى إتلاف جميع الأدلة".

تحدي التنفيذ

ورصدت الصحيفة التعقيدات التي قالت إنه واجهت الموساد في استخدام السلاح، موضحة أن عملية إطلاق الرصاص نفسها قد تؤدي لاهتزاز المدفع الرشاش المركب على الشاحنة، وذلك حتى لو كانت السيارة متوقفة، مما يغير مسار الرصاص الذي سيتم إطلاقه لاحقاً.

وعلى الرغم من اتصال الكمبيوتر بغرفة التحكم عبر القمر الصناعي، وإرسال البيانات بسرعة الضوء، فإنه سيكون هناك تأخير بسيط في إرسال البيانات، كما سيستغرق تعديل مكان الهدف وقتاً أطول وهو ما سيؤدي لانحراف اللقطة التي تمكن من التصويب بشكل أفضل لإصابة الهدف، ولكن تمت برمجة الروبوت للتعامل مع التأخير والاهتزاز وسرعة السيارة.

وتابعت الصحيفة، "كان التحدي الآخر، بالتحديد في الوقت الفعلي، هو أن فخري زاده هو من يقود السيارة بنفسه وليس أحد أبنائه أو زوجته أو حارسه الشخصي، ولكن إسرائيل تفتقر إلى القدرة على المراقبة في إيران بنفس الشكل الذي تتمتع به في أماكن أخرى، مثل غزة، حيث تستخدم طائرات بدون طيار لتحديد الهدف قبل توجيه الضربة".

وأوضحت أنه "يمكن بسهولة لطائرة بدون طيار تحلق في ريف أبسارد الهادئ أن تكشف العملية برمتها، وكان الحل هو وضع سيارة مزيفة معطلة، مستندة على رافعة مع عجلة مفقودة، عند تقاطع على الطريق الرئيسي على بُعد حوالي ثلاثة أرباع ميل من منطقة القتل، والتي احتوت على كاميرا أخرى، مما دفع المركبات المتجهة إلى أبسارد إلى العودة للخلف".

تفاصيل العملية

وبدأت العملية، فجر الجمعة، حيث أعطى المسؤولون الإسرائيليون تنبيهات أخيرة إلى الأميركيين قبل بدء العملية، وكان الفريق الأمني ​​قد حذر فخري زاده، في ذلك اليوم، من التهديد المحتمل وطلب منه عدم السفر، وذلك بحسب نجله حامد فخري زاده ومسؤولين إيرانيين، ولكنه لم يستجب للتحذيرات، ورفض ركوب سيارة مصفحة وأصر على قيادة إحدى سياراته بنفسه.

وقبل الساعة 3:30 عصراً بقليل (+4.5 جرينتش)، وصل الموكب إلى منعطف على طريق فيروزكوه، وتوقفت سيارة فخري زاده قليلاً، وتم التعرف عليه من قبل العملاء، الذين تمكنوا أيضاً من رؤية زوجته جالسة بجانبه، وانعطف الموكب يميناً في اتجاه شارع الخميني، ثم اتجهت السيارة التي تقود الموكب إلى المنزل لتفقده قبل وصول فخري زاده، مما ترك سيارة الأخير مكشوفة بالكامل.

وأبطأت السيارة سرعتها لوجود مطب، وبدأ كلب ضال في عبور الطريق، وفي هذه اللحظة أطلق المدفع الرشاش مجموعة من الطلقات التي أصابت مقدمة السيارة، ولم يتضح ما إذا كانت هذه الطلقات قد أصابت فخري زاده أم لا، ولكن السيارة انحرفت عن طريقها وتوقفت.

وبعد ذلك عدّل مطلق النار الرؤية وأطلق مجموعة أخرى من الطلقات، فأصابت الزجاج الأمامي ثلاث مرات على الأقل ثم ضرب فخري زاده مرة واحدة على الأقل في كتفه، وبحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية، فقد اخترقت ثلاث رصاصات عموده الفقري، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وأشارت الصحيفة إلى أن الشاحنة الزرقاء قد انفجرت، وهو ما قالت إنه كان الجزء الوحيد من العملية الذي لم يسر كما هو مخطط له، إذ كان الهدف من تفجيرها هو تمزيق الروبوت إلى قطع صغيرة حتى لا يتمكن الإيرانيون من معرفة ما حدث، ولكن بدلاً من ذلك، طارت معظم المعدات في الهواء ثم سقطت على الأرض، مما أدرى لتضررها بشكل لا يمكن إصلاحه ولكنها ظلت سليمة إلى حد كبير.

وقالت الصحيفة إن تقييم الحرس الثوري الإيراني بأن الهجوم قد تم تنفيذه بمدفع رشاش ذكي، يتم التحكم فيه عن بُعد باستخدام الذكاء الاصطناعي كان صحيحاً، إذ استغرقت العملية بأكملها أقل من دقيقة، من خلال إطلاق 15 رصاصة.

اقرأ أيضاً: