الاتحاد التونسي للشغل: يجب إعادة النظر بطبيعة النظام السياسي

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال زيارة مقر الوحدة المختصة للحرس الوطني في بئر بورقبة - 04 أغسطس 2021 - facebook.com@Presidence.tn
الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال زيارة مقر الوحدة المختصة للحرس الوطني في بئر بورقبة - 04 أغسطس 2021 - facebook.com@Presidence.tn
دبي-الشرق

قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل الأحد، إن هناك ثقة بقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد التي صدرت الشهر الماضي، وعطل بموجبها عمل مجلس النواب وأقال حكومة رئيس الوزراء هشام المشيشي.

وأضاف حفيظ حفيظ في مقابلة مع إذاعة (رباط إف.إم) أن "هناك تقاطعا بين مواقف اتحاد الشغل ومواقف الرئيس من أجل تونس، ولابد من إعادة النظر في طبيعة النظام السياسي".

"خلاف" على السلطة

كانت وكالة رويترز، كشفت عن كواليس قرارات الرئيس سعيّد، التي وصفتها حركة النهضة بـ"الانقلاب"، بعد شهور من الصراعات المحتدمة، بين رئيس الجمهورية من جهة ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد العنوشي من جهة أخرى.

بدأ الصراع على السلطة في انتخابات 2019، التي رفض فيها الناخبون المؤسسة، واختاروا سعيد رئيساً بنسبة عالية للغاية. وسعيد أستاذ قانون دستوري مستقل، وعُرف بمناهضته الفساد.

وأنتجت الانتخابات أيضاً برلماناً منقسماً، لم يحصل فيه أحد على أغلبية واضحة.

ومع اشتداد الخلاف في الآونة الأخيرة بين سعيد والمشيشي، المدعوم من رئيس البرلمان، ورئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي، أدرك سعيد أنه يجب أن يتحرك، حسبما قال مسؤول سياسي بارز لوكالة "رويترز".

وقال مصدر مقرب من القصر الرئاسي: "سعيد كان متأكداً من أن الجيش سيقف إلى جانبه... وبدا أن لديه قدرة على تسيير وزارة الداخلية".

"خيانة وغدر"

ومع انتخابات 2019 التي تلت سنوات من الركود الاقتصادي، لم يحظَ اللاعبون المعروفون مثل حزب "النهضة" بشعبية.

وحتى الحكومة، التي كانت تمثل أملاً حقيقياً للعديد من التونسيين، انهارت في وقت وجيز لم يتجاوز ستة أشهر بسبب ائتلاف حكومي هش لم ينجح في التعايش، ما دفع رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ، للاستقالة بدعوى "شبهات فساد".

وأعادت هذه الخطوة الكرة لملعب الرئيس الذي اختار المشيشي المقرب منه، رئيس حكومة جديداً.

لقد كان سعيد واضحاً، ودعا المشيشي لأن يشكل حكومة من دون حزب "قلب تونس"، الذي يواجه زعيمه نبيل القروي شبهات "فساد وتبييض أموال"، كان ينفيها باستمرار.

اختار المشيشي أن يفعل العكس تماماً، فقد كان حزب "قلب تونس" أول الأحزاب التي يلتقيها المشيشي، واقترح عليه دعم حكومته ضمن ائتلاف يضم حزبي "النهضة" و"الكرامة".

وبسرعة تحول اختيار المشيشي في يوم واحد إلى مصدر خلاف.

قال مسؤولون حزبيون لوكالة "رويترز"، إن الرئاسة طلبت منهم عدم التصويت للمشيشي بدعوى أنه "خان العهد" مع سعيد.

وقال أحد المصادر، وهو سياسي بارز: "أخبرنا الرئيس أنه يكره الخيانة والغدر. والخيانة جاءت من أقرب الناس إليه.. المشيشي".

"لم يفعلها أحد"

نالت حكومة المشيشي ثقة البرلمان في الثاني من شهر سبتمبر من العام الماضي. ومضت أشهر كان فيها الخلاف بين الرجلين صامتاً. وكان سعيد يحيط نفسه بأحزاب قريبة منه مثل "التيار الديمقراطي"، و"حركة الشعب"، بينما كان المشيشي يفكر في توسيع ائتلافه السياسي وتعيين أشخاص مقربين من "النهضة" و"قلب تونس" في التعديل الحكومي.

وفي شهر يناير الماضي، تلقى المشيشي وائتلافه أول ضربة من سعيد، حين رفض ختم التعديل الوزاري الذي أقره البرلمان.

خرج الصراع بين الرجلين للعلن، واختار المشيشي التصعيد، فأقال وزير الداخلية توفيق شرف الدين، المحسوب على سعيد، وجعل نفسه وزيراً للداخلية بالنيابة.

خطوة استفزت سعيد الذي خاطب المشيشي في لقاء بثته الرئاسة بلهجة قوية، قائلاً: "لم يفعلها أحد في تاريخ تونس.. حتى بورقيبة لم يكن رئيساً، ووزيراً للداخلية في الآن نفسه".

المصالحة بين الرجلين أصبحت مستحيلة، ولم يلتقِ رأسا السلطة التنفيذية لنحو شهرين، بينما كانت الأوضاع الاجتماعية تزداد سوءاً، وكان الاحتقان على أشده بسبب الصعوبات الاقتصادية. وكان الجهاز الأمني في قلب الصراع بين الرجلين.

وفي 18 أبريل، قال سعيد إنه هو القائد الأعلى للقوات العسكرية، والأمنية المسلحة في تصعيد للصراع. رد المشيشي لم يتأخر كثيراً، إذ عيّن على رأس جهاز المخابرات (المصالح المختصة) لزهر لونقو، وهو شخص يُنظر إليه سعيد، وأحزاب قريبة منه بريبة كبيرة، ويرون أنه مقرب من حركة "النهضة"، وهو الذي وضعته السلطات قبل أيام قيد الإقامة الجبرية.

قال قيادي بحزب مقرب من سعيد، إن الرئيس أحس بأنهم لا ينوون سوى "خدمة مصالحهم"، مضيفاً: "لقد أدرك الرئيس أن الأمر أصبح مستحيلاً، وفهمنا أنه يريد إقالة أو استقالة المشيشي".

وبالفعل أخبر سعيد نقابيين وأحزاباً سياسية، بأن طلبه هو استقالة المشيشي الذي كان يرفض ذلك في كل مناسبة قائلاً للإعلام: "أنا جندي لا أهرب".

 
"احتقان شعبي"

في غضون ذلك، كانت جائحة كورونا تنتشر بسرعة ومعدلات الوفيات أصبحت قياسية، وامتلأت أقسام الإنعاش في كل مستشفيات البلاد التي تعاني لسد النقص في كميات الأوكسجين وسط إجراءات ضعيفة من السلطات، وهو الوضع الذي فاقم الاحتقان الشعبي. 

إخفاق حملة التطعيم الحكومية، ثم الفوضى في مراكز التطعيم بسبب قلة اللقاحات، دفع سعيد إلى تكليف الجيش بالإشراف على ملف كورونا، في خطوة اعتبرها البعض "إشارة أولى" إلى استعداده للاستحواذ على السلطة التنفيذية، وسط عجز الحكومة على إدارة المعركة.

وفي 25 يوليو، الذكرى السنوية لإعلان الجمهورية، عاد الغنوشي إلى عمله بعد نحو أسبوعين من الراحة بسبب المرض إثر إصابته بفيروس كورونا، وكان يوماً مليئاً باحتجاجات استهدفت الحكومة، وحركة "النهضة" بالدرجة الأولى. اقتحم محتجون عدة مقرات لحركة "لنهضة"، وأحرقوا أخرى وأتلفوا محتوياتها. وكانت الشعارات تطالب بـ"إسقاط الحكومة" و"حل البرلمان".

تلك الاحتجاجات استشهد بها سعيد لاحقاً، لتفعيل إجراءات استثنائية تضمنت رفع الحصانة عن النواب، وتجميد البرلمان، وعزل رئيس الحكومة، قائلاً إن "الوضع تعفن بشكل غير مقبول"، وإنه "سيفعّل الفصل ثمانين من الدستور، انتصاراً للشعب ضد نخب فاسدة".

"انقلاب على الثورة"

في المقابل، اعتبر خصومه التحرك "غير ديمقراطي"، وسارع الغنوشي في تصريح لـ"رويترز" بوصفه بأنه "انقلاب على الثورة والدستور والديمقراطية".

وقال مصدر مقرب من زعيم "النهضة"، إن سعيد اتصل بالغنوشي نحو الساعة الخامسة مساء، ليعلمه أنه قرر تجديد حالة الطوارئ المستمرة منذ سنوات، وأنه لم يعلمه بتفعيل الفصل 80 من الدستور.

ولكن سعيد كرر أنه أخبر الغنوشي بكل وضوح بتفعيل الفصل 80، الذي يستوجب التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان لتفعيل الإجراءات الاستثنائية.

أما المشيشي، فقد كان يتابع تطور الاحتجاجات العنيفة في مكتبه بقصر الحكومة بالقصبة إلى وقت متأخر من النهار، حتى تلقى اتصالا هاتفياً من مكتب الرئيس.

يقول أحد مساعديه: "لقد خرج على عجل، لا يدري ما هو الأمر".

لم ينتظر المشيشي طويلاً، حين وصل قرطاج ليُصعق بقرار الرئيس عزله حين التقاه في مكتبه. ولم يكن لديه خيارات كثيرة. قبِل بالأمر الواقع رغم عدم اقتناعه، حسبما قال مصدران.

وذكرت مصادر أنه لم يُسمح للمشيشي بحضور اجتماع الرئيس بقيادات أمنية وعسكرية، أعلن خلالها توليه السلطة التنفيذية وتجميد البرلمان.

خطوات مفاجئة


ربما لم يكن يتوقع المشيشي هذه المفاجأة، وهو الذي كان يعتقد أنه مسيطر على الداخلية التي يترأسها؛ خاصة بعد تعيين لونقو مديراً للمخابرات.

فاجأ هذا الإعلان الغنوشي، وقالت مصادر من "النهضة"، إن الغنوشي حاول الاتصال بالمشيشي عدة مرات عقب إعلان سعيد، لكنه لم يتمكن من الوصول إليه حتى الساعة 11 مساءً.

وأضافت المصادر لـ"رويترز"، أن الغنوشي طلب من المشيشي توضيح موقفه وسأله إن كان يعتبر نفسه ما زال رئيساً للحكومة، ولكنه لم يتلق إجابة حاسمة.

لكن في ذلك الوقت كانت الأمور قد حسمت بالفعل، وتدفق آلاف التونسيين الذين نفد صبرهم إلى شوارع العاصمة، والعديد من المدن مبتهجين بقرار الرئيس، واصفين إياه بأنه "نهاية عقد من التعفن وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد".

ووجّه سعيد تحذيراً شديداً لكل من يحاول اللجوء للعنف أو استعمال السلاح. وعلى الفور انتشرت وحدات من الجيش في مقر البرلمان ومقر التلفزيون الرسمي. لكن لم تشهد الشوارع أي اشتباكات وظلت الأوضاع هادئة للغاية بعد أسبوعين من إعلان سعيد.

حملة تطعيم مكثفة

وفي سياق منفصل، بدأت السلطات التونسية الأحد حملة مكثفة للتلقيح ضد فيروس كورونا، وقالت رئاسة الجمهورية التونسية في بيان عبر صفحتها على موقع فيسبوك: "تبذل المؤسستان العسكرية والأمنية، بالتنسيق مع مختلف هياكل الدولة والمجتمع المدني، جهودا استثنائية للمساهمة الفاعلة في إنجاح اليوم الافتتاحي الأول للحملة المكثفة للتلقيح في كامل أرجاء الجمهورية التونسية والتي تتوزع على 333 مركز تلقيح".

وأضاف البيان "تتوجه رئاسة الجمهورية ببالغ الشكر والتقدير لكل الوزارات والهياكل الوطنية ومكونات المجتمع المدني التي ساهمت من موقعها في هذا الجهد بمسؤولية وحس وطني عالي"

 

لمتابعة تغطية "الشرق" الخاصة عن تونس: