الانتخابات الأميركية لا يحسمها الشعب.. هل يتكرر سيناريو "ترمب كلينتون"؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
"ناخبو" كارولينا الشمالية خلال تصويت "المجمع الانتخابي" في "كابيتول" الولاية - REUTERS
"ناخبو" كارولينا الشمالية خلال تصويت "المجمع الانتخابي" في "كابيتول" الولاية - REUTERS
دبي - زينا محاسب

في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، خسر دونالد ترمب التصويت الشعبي أمام منافسته هيلاري كلينتون، لكنه على الرغم من ذلك، أصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة. كيف؟ الجواب: فاز ترمب بأصوات "المجمع الانتخابي".

ما هو "المجمع الانتخابي"؟ 

ليس المجمع الانتخابي عبارة عن مكان، بل عملية. تُسمى بالإنجليزية Electoral College، وأقرّها "الآباء المؤسسون" للولايات المتحدة حين صاغوا الدستور في عام 1787، كحلّ وسط بين انتخاب الرئيس عبر التصويت في الكونغرس، وانتخابه عبر التصويت الشعبي.

عندما يدلي الأميركيون بأصواتهم في 3 نوفمبر لانتخاب رئيس، هم في الواقع لا يصوّتون للرئيس، ولا حتى لنائبه، بل لمجموعة أشخاص يُسمّون "الناخبين" Electors يشكلون "المجمع الانتخابي"، وهم فعلياً مَن يدلون بالأصوات التي تقرر مَن سيصبح رئيس الولايات المتحدة. 

من هم "الناخبون"؟

لكل مرشح رئاسي في كل ولاية أميركية، مجموعته الخاصة من "الناخبين" معروفة باسم "القائمة"، ويعود اختيارهم إلى حزب المرشح اعترافاً بـ"سنوات خدمتهم المخلصة للحزب".

تحصل كل ولاية على عدد "ناخبين" يساوي إجمالي عدد ممثيلها في الكونغرس (مجلسي الشيوخ والنواب)، ليشكل "المجمع الانتخابي" ما مجموعه 538 "ناخباً".

تنص المادة الثانية من الدستور الأميركي على أنه لا يجوز تعيينه "ناخباً" مَن هو عضو في مجلس الشيوخ أو النواب، أو مَن يُؤتمن على منصب في الولايات المتحدة. 

وينص التعديل الـ14 للدستور على أن موظفي الدولة الذين "شاركوا في تمرد أو عصيان ضد الولايات المتحدة أو قدّموا مساعدة لأعدائها" غير مؤهلين لاختيارهم "ناخبين"، وهو حظر يعود إلى حقبة ما بعد الحرب الأهلية الأميركية.

كيف تجري العملية؟

بعدما يقترع المواطنون لمرشحهم الرئاسي المفضل، تنتقل أصواتهم إلى إحصاء على مستوى الولاية. بناء عليه، يختار حزب المرشح الفائز في الولاية، "الناخبين" لهذه الولاية. وأحياناً يكون الحزب قد اختارهم مسبقاً كـ"ناخبين محتمَلين" ليصبحوا رسميين بعد فوز مرشحهم في الولاية.

وتتبع 48 ولاية أميركية نظام "الفائز يحصل على كل شيء"، أي أن مرشح الرئاسة الفائز بالتصويت الشعبي للولاية يحظى بجميع "الناخبين" لهذه الولاية؛ لكن ولايتَي ماين ونبراسكا تتبعان نظام "التمثيل النسبي".

يجتمع "الناخبون" في ديسمبر، في أول يوم اثنين بعد ثاني يوم أربعاء من الشهر، كل في ولايته، ويدلون بأصواتهم للرئيس ونائبه في اقتراع منفصل. تُسجَّل أصواتهم على "شهادة تصويت"، وتُرسَل إلى الكونغرس لفرزها، وأيضاً إلى "إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية" كجزء من السجلات الرسمية للانتخابات الرئاسية.

وفي 6 يناير، ينعقد الكونغرس لإجراء الفرز الرسمي، في جلسة يرأسها نائب الرئيس بصفته رئيس مجلس الشيوخ. وبعد التعداد، يعلن رئيس الجلسة الفائزَيْن بمنصبَي الرئيس ونائبه إثر حصولهما على أصوات ما لا يقل عن 270 "ناخباً"، أي أكثر من نصف مجموع الناخبين في "المجمع الانتخابي".

أما إذا لم يفز أي مرشح بالغالبية، فيُحال التصويت على الكونغرس: ينتخب مجلسُ النواب الرئيسَ الجديد، ومجلسُ الشيوخ نائبَ الرئيس. هذا الأمر حصل مرة واحدة فقط في تاريخ الولايات المتحدة، عام 1824، عندما انتخب مجلس النواب جون كوينسي آدامز رئيساً.

كيف يفوز مرشح خاسر؟

غالباً، يجري إعلان الفائز "المتوقَّع" ليلة الانتخابات العامة في نوفمبر. لكن تصويت "المجمع الانتخابي" قد يقلب المقاييس، تماماً كما حدث عام 2016 بين ترمب وكلينتون، وعام 2000 بين جورج بوش الابن ومنافسه آلبيرت غور، و3 مرات في القرن الـ19. والسبب، "الناخبون غير المخلصين" faithless electors.

في غالبية الأحيان، وعلى الرغم من عدم اشتراط الدستور الأمر، يتعهد "الناخبون" بالتقيد بالتصويت الشعبي لولايتهم. لكن بعض "الناخبين" -وهم نادرون- يخرقون هذا التعهد ويصوتون في الهيئة الانتخابية لشخص آخر (مثلاً لمتنافس سابق على ترشيح الحزب للرئاسة) لاعتبارات عدة، من بينها عدم رضاهم عن المرشح الفائز. 

هذا التصويت يخلط الأوراق ويرجّح كفة الولايات لمصلحة مرشح رئاسي على آخر، ما يؤدي إلى فوزه. لذا، تنص قوانين بعض الولايات على ضرورة التزام "الناخبين" بتعهداتهم الحزبية والتقيد بالتصويت الشعبي، وإلا يتعرضون لغرامات أو عقوبات.

في يوليو 2020، قضت المحكمة العليا الأميركية بأن هذه القوانين "دستورية"، ما يعني أن على "الناخبين" التقيد بالتصويت الشعبي في ولايتهم إذا أقرت قانوناً مماثلاً. 

ما جدوى التصويت الشعبي؟

سؤال يتبادر إلى الذهن طالما الرئيس يختاره فعلياً "المجمع الانتخابي". لكن التصويت الشعبي يحتفظ بأهميته من كون الناس يحددون "ناخبي" ولايتهم، الذين غالباً يتقيدون بنتائج الانتخابات العامة (عبر تاريخ الولايات المتحدة، صوّت أقل من 1% من "الناخبين" خلافاً لتعهداتهم).

وعندما يصوّت الناس لمرشح رئاسي، هم في الواقع يخبرون ولايتهم مَن المرشح الذي يريدونها أن تصوّت له في اجتماع "الناخبين". 

"المجمع الانتخابي" مثار جدل

في القرنين الماضيين، قُدّم إلى الكونغرس أكثر من 700 اقتراح لإصلاح المجمع الانتخابي أو إلغائه، احتجاجاً على هذه العملية التي قد تعيق وصول مرشح فائز بأصوات الشعب إلى البيت الأبيض.

واستند بعض النقاد أيضاً إلى أن هذا النظام يعطي الولايات الصغيرة "أكثر من حجمها" من خلال منحها على الأقل صوتين انتخابيين لمطابقة تمثيلها في مجلس الشيوخ، ما يعطيها أصواتاً انتخابية أكثر لكل فرد. 

مثلاً، في انتخابات عام 2016، حصلت ولاية وايومنغ الأقل اكتظاظاً بالسكان، على صوت انتخابي واحد لكل 195 ألف شخص، فيما حصلت كاليفورنيا الأكثر اكتظاظاً بالسكان، على صوت انتخابي واحد لكل 712 ألف شخص.

لكن المدافعين عن العملية يعتبرون أنها تشجع المرشحين على إطلاق حملات انتخابية خارج المناطق المكتظة وبالتالي المساواة بين الولايات، وتسمح بتجنب إمكان إعادة فرز الأصوات وتفادي فوضى محتملة. 

في الأحوال كافة، يتطلب تغيير "المجمع الانتخابي" أو إلغاؤه تعديلاً دستورياً، وهو عملية شاقة تستوجب غالبية الثلثين في مجلسي الكونغرس، أو مؤتمراً يطلب عقدَه ثلثا المجالس التشريعية للولايات، فضلاً عن وجوب نيل التعديل الدستوري مصادقة المجالس التشريعية لثلاثة أرباع الولايات الخمسين، أي 37 ولاية.

هذا الهدف لامسته الولايات المتحدة مرة واحدة في تاريخها، عام 1969، عندما صوّت مجلس النواب لمصلحة انتخاب الرئيس ونائبه مباشرةً من الشعب، مع جولة ثانية إذا لم يحظَ أي مرشح بأكثر من 40% من الأصوات. لكن القرار لم يمرّ في مجلس الشيوخ. 

وفي أحدث استطلاع لمركز "بيو" للأبحاث نُشر في مارس 2020، عبّر 58% من البالغين الأميركيين عن تأييدهم إلغاء النظام الحالي لمصلحة التصويت الشعبي. وانقسم هذا الرقم على أساس حزبي: 81% من المستطلَعين ذوي الميول الحزبية الديمقراطية أيدوا إلغاء "المجمع الانتخابي"، مقابل 32% فقط من ذوي الميول الجمهورية.

وعلى هذا المنوال، هل سيتكرر سيناريو ترمب-كلينتون في انتخابات هذا العام طالما استطلاعات الرأي، كما عام 2016، تصب في مصلحة منافس ترمب، جو بايدن؟ الجواب في يناير.