أثار قرار أستراليا الانضمام إلى شراكة أمنية جديدة في المحيطين الهندي والهادئ مع الولايات المتحدة وبريطانيا، تمكّنها من امتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية، إحباطاً في فرنسا التي اعتبرته "خطراً"، وتحدثت عن "إحساس بالخيانة" بعد فسخ أستراليا عقد شراء غواصات فرنسية.
ويُعد هذا القرار محاولة لاحتواء بكين التي حضّت كانبرا ولندن وواشنطن على "التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيّز الأيديولوجي"، لكن رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون وجّه إلى الرئيس الصيني شي جين بينج "دعوة مفتوحة" للحوار.
ودانت الصين، الخميس، ما قالت إنه "العقد غير المسؤول بين الولايات المتحدة وأستراليا بشأن غواصات ذات دفع نووي".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تجاو ليجيان، إن "التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مجال الغواصات النووية يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين، ويكثف سباق التسلح ويقوّض الجهود الدولية نحو عدم انتشار الأسلحة النووية".
وجاء الإعلان عن المعاهدة الأمنية الثلاثية الجديدة، التي أُطلق عليها اسم "أوكوس"، خلال قمة افتراضية استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وشارك فيها عبر الفيديو سكوت موريسون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
تحوّل استراتيجي
وفي بيان مشترك صدر في ختام القمة، تعهّدت لندن وواشنطن بـ "مساعدة أستراليا في امتلاك غواصات تعمل بالدفع النووي". واعتبرت وكالة "فرانس برس" أن هذا الإعلان يشكّل نقطة تحوّل استراتيجي، لاسيما أنها المرة الأولى التي ستشاطر فيها الولايات المتحدة هذه التكنولوجيا الحساسة دولة أخرى غير بريطانيا.
وأعرب وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، عن تفهمه لخيبة أمل فرنسا، مشيراً إلى أنه تحدث بشأن الاتفاق مع نظيرته الفرنسية فلورانس بارلي. وشدد على أن الاتفاق لا ينذر بحرب باردة جديدة بين الغرب والصين، لافتاً إلى أن الغواصات لن تحمل أسلحة نووية. وأضاف: "لا يتعلق الأمر بتوجيه رسالة إلى الصين".
لكن بارلي لم تستبعد طلب تعويضات مالية من أستراليا بعد إلغائها الصفقة مع مجموعة "نافال جروب" الفرنسية، واعتبرت الأمر "خطراً". وأضافت: "الولايات المتحدة تدافع عن مصلحتها، ولكن كنا نريدها أن تفكر في حلفائها بطريقة مختلفة".
أما وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، فوصف فسخ أستراليا عقد شراء غواصات مع فرنسا بأنه "طعنة في الظهر"، متحدثاً عن إحساس بالخيانة. واعتبر أن الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذ قراراً "مفاجئاً" على طريقة سلفه دونالد ترمب.
"شراكة دائمة"
وإثر صدور هذا الإعلان، أعلنت أستراليا إلغاء صفقة ضخمة أبرمتها مع شركة "نافال جروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية، في عام 2016، لشراء 12 غواصة تقليدية من طراز "أتّاك"، بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (66 مليار دولار).
ودافع موريسون عن القرار، مستدركاً أنه يتفهم أن يكون محبِطاً بالنسبة إلى فرنسا. وتحدث عن "شراكة دائمة" مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مضيفاً أن الأمر سيستغرق 18 شهراً لصوغ تفاصيل الاتفاق، قبل بدء تشييد الغواصات في أستراليا، علماً أن بناء الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتشغيلها قد يستغرق سنوات أو عقوداً.
وأضاف: "بوصفي رئيساً للوزراء، يجب أن أتخذ قرارات تتعلق بالأمن القومي لأستراليا. أعلم أن فرنسا ستفعل الأمر ذاته"، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وأعلن موريسون أن الغواصات النووية ستُشيّد في مدينة أديلاييد الأسترالية، حيث كانت تخطط "نافال جروب" لبناء الغواصات الـ 12، في برنامج تضرّر نتيجة تقارير عن تأخير وتكلفة زائدة، وفق "بلومبرغ".
وشدد موريسون على أن أستراليا لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، مضيفاً أن الغواصات ستحمل أسلحة تقليدية.
وتابع: "سنواصل الوفاء بكل التزاماتنا، بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي"، علماً أن رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، أعلنت أن بلادها لن تستثني الغواصات التي تعتزم أستراليا امتلاكها من حظر سارٍ منذ عام 1985 على دخول السفن العاملة بالطاقة النووية، المياه النيوزيلندية.
واستدركت أن "هذا الترتيب لا يغيّر بأي حال علاقاتنا الأمنية والاستخباراتية مع الدول الثلاث ولا مع كندا"، في إطار الشراكة الأمنية الخماسية التي تجمع الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، والمسمّاة "العيون الخمس".
موريسون وشي جين بينج
أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أن بلاده "ستعزّز قدراتها على الضربات البعيدة المدى، بما في ذلك صواريخ كروز من طراز توماهوك التي ستزوّد بها مدمرات البحرية الملكية الأسترالية من فئة هوبارت، وبصواريخ جوّ-أرض للمواجهة المشتركة الممتدة المدى، وسيتزوّد بها سلاح الجوّ الملكي الأسترالي".
ورأت "فرانس برس" في ذلك خطوة لتعزيز أستراليا دفاعاتها العسكرية، في مواجهة القوة الصينية الصاعدة، ولكن موريسون حرص على توجيه "دعوة مفتوحة" إلى الرئيس الصيني شي جين بينج، من أجل "مناقشة مسائل أخرى".
"تطوير تحالفات لمواجهة تهديدات"
ولم يأت أي من قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا على ذكر الصين، ولا فعل كذلك بيانهم المشترك الذي اكتفى بالإشارة إلى "السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، والالتزام بجعله "منطقة مفتوحة وحرّة"، وهذه عبارة دبلوماسية تعتمدها واشنطن للتنديد بالتطلعات الإقليمية لبكين، وفق "فرانس برس".
وقال بايدن إنه يريد "الاستثمار في أكبر مصدر لقوتنا، ألا وهو تحالفاتنا" و"تطويرها لمواجهة تهديدات اليوم والغد بشكل أفضل". وأكد أن الولايات المتحدة "تتطلع للعمل بشكل وثيق مع فرنسا وشركاء رئيسيين آخرين" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مضيفاً أن لدى باريس "وجوداً مهماً في المنطقة، وهي شريك وحليف أساسي".
أما جونسون فاعتبر أن القرار سيجعل العالم أكثر أمناً، مضيفاً أنه "سيربط بين المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة بشكل أوثق".
وكتبت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، على "تويتر"، أن هذه الشراكة الأمنية تعكس "التزام المملكة المتحدة بترسيخ العلاقات عبر المحيطين الهندي والهادئ"، مضيفة: "سنعمل معاً لتعزيز الاستقرار في منطقة ستصبح أكثر أهمية من أي وقت، لازدهار المملكة المتحدة وأمنها".
"إقصاء حليف"
في المقابل، نشرت وزارتا الخارجية والدفاع في فرنسا بياناً تحدث عن "قرار مخالف لنصّ وروح التعاون الذي ساد بين فرنسا وأستراليا"، مضيفاً أن "الخيار الأميركي الذي يؤدي إلى إقصاء حليف وشريك أوروبي، مثل فرنسا، من شراكة مزمنة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحديات تُعتبر سابقة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يشير إلى عدم ثبات لا يمكن لفرنسا إلا أن ترصده وتأسف له". واعتبر أن "القرار يؤكد ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بصوت عالٍ وواضح".
واعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية أن تراجع أستراليا عن عقد شراء غواصات من فرنسا يُعد أمراً "خطيراً".
وكانت "نافال جروب" أعربت عن "خيبة أمل كبرى" إزاء القرار، مشيرة إلى أن "أستراليا لم ترغب في الانخراط بالمرحلة التالية من البرنامج"، على الرغم من أنها "قدمت لها غواصة تقليدية ذات تفوّق إقليمي وأداء استثنائي".
أستراليا والصين
وخلال عهد موريسون، تراجعت علاقات أستراليا مع الصين، وهي أبرز شريك تجاري لها، بعدما دعت حكومته العام الماضي إلى السماح بدخول محققين مستقلين مدينة ووهان الصينية للتحقيق في منشأ فيروس كورونا المستجد. وفرضت بكين تدابير تجارية انتقامية تشمل رسوماً جمركية على سلع أسترالية، كما حظرت شحنات الفحم.
وأشارت وكالة "رويترز" إلى نجاح محدود لهذه الإجراءات، مشيرة إلى أن أستراليا صدّرت إلى الصين سلعاً بقيمة 173 مليار دولار أسترالي (127 مليار دولار)، خلال 12 شهراً تنتهي في يوليو الماضي، واستوردت منها بضائع قيمتها 87 مليار دولار أسترالي.
وعلّق ناطق باسم السفارة الصينية في واشنطن على الاتفاق بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وحضّها على "ألا تشكّل تكتلات إقصائية تستهدف مصالح أطراف ثالثة أو تمس بها"، وزاد: "أهم ما عليها فعله هو التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيّز الأيديولوجي".
ونقلت "رويترز" عن مايكل سوليفان، وهو محاضر في العلاقات الدولية بجامعة فليندرز في أديلاييد، قوله: "سترى الصين في قرار توسيع التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي المستقبل، نشر قدرات ضربة استراتيجية أميركية في أستراليا، تأكيداً على أننا نشكّل تهديداً عسكرياً متزايداً لمصالحها، مثل مبادرة الحزام والطريق".
أما هيرفي ليماهيو، وهو مدير الأبحاث في "معهد لوي" الأسترالي، فقال لتلفزيون "بلومبرغ" إن الاتفاق "يوجّه إشارة واضحة جداً"، وزاد: "واضح جداً أن هذا مصمم لتعزيز التحالفات، في ظل توترات متزايدة مع الصين بشأن نزاعات من بحر الصين الجنوبي إلى تايوان. لم يكن هناك مجال لأن تتشارك أميركا هذا النوع من التكنولوجيا مع أستراليا لولا الصين".
اقرأ أيضاً: