الناتو يستعجل تعزيز جناحه الشرقي في أوروبا لمواجهة روسيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
جنود فرنسيون خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في رومانيا - 3 يونيو 2022 - Bloomberg
جنود فرنسيون خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في رومانيا - 3 يونيو 2022 - Bloomberg
دبي- الشرق

بعد وقت وجيز على الغزو الروسي لأوكرانيا، تلقّى العقيد الفرنسي كليمان توران أوامر بتشييد قاعدة تضمّ ألف جندي على الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال 6 أشهر.

وتوران مُنهمك الآن، مع حوالي 200 جندي من فرنسا وبلجيكا وهولندا، بتسوية قمة تلّ في منطقة ترانسيلفانيا الرومانية. وقال لـ"بلومبرغ": "موعد استحقاقنا هو قبل الصقيع الأول. إنه مؤشر على التضامن. التحالف يجب أن يكون ملموساً".

واعتبرت "بلومبرغ" أن غزو أوكرانيا أجاب عن سؤال جوهري، لطالما طرحته دول الناتو منذ سنوات، ويتمثل في ما إذا كان الأعضاء النافذون في الحلف، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، سيقاتلون من أجل البلدان الحليفة الشيوعية السابقة، الأقلّ ثراءً، إذا تعرّضت لهجوم.

واستدركت أن ذلك أثار مسائل أخرى، بما في ذلك ما إذا كان الناتو يفعل ما يكفي لردع توسّع روسيا، بعد سنوات على نقص في الاستثمار وتجاهل تحذيرات، وما إذا كانت الجهود المبذولة لتعزيز منطقة البحر الأسود، المهملة سابقاً، وجب أن تحدث منذ فترة طويلة.

"بوّابة روسيا للمياه الدافئة"

بعد 6 أشهر على غزو أوكرانيا، ينصبّ اهتمام الناتو بشدة على كيفية إحباط روسيا في الزاوية الجنوبية الشرقية لأوروبا، ومنع إحدى أفقر مناطق القارة من أن تصبح نقطة ضعف أمنية.

ويفصل البحر الأسود أوروبا عن آسيا، وتحيط به روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا. وهو طريق تجاري مهم بالنسبة للمنتجات الزراعية من أوكرانيا وروسيا، ويرتبط بالبحر الأبيض المتوسط ​​عبر مضيق البوسفور في تركيا.

واعتبر ماثيو أور، وهو محلل أمني ​​بمركز "ستراتفور"، أن موسكو أعطت الأولوية لجنوب شرقي أوروبا، مضيفاً أن حشدها هناك "يُظهر مدى قلق الروس بشأن هذه المنطقة، ومدى رغبتهم في أن يكون لهم وجود عسكري قوي هناك، على الناتو الردّ عليه".

وطيلة سنوات، حذر زعماء أوروبا الشرقية من تزايد التهديد الذي تشكّله روسيا، بعدما هاجمت جورجيا في عام 2008.

وفي عام 2014، حرّض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شنّ حرب في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، واستولى على شبه جزيرة القرم، بحسب "بلومبرغ".

وخلال تلك الفترة، عزّزت موسكو قدراتها العسكرية في البحر الأسود، من خلال نقل قوات برية، وتعزيز دفاعات جوية، وتحديث الأسطول البحري، كما كثّفت نشاطها في مناطق تشهد حرباً، بما في ذلك ليبيا وسوريا، حيث شيّدت قاعدة بحرية.

وقالت يوليا جوجا، مديرة برنامج البحر الأسود بـ"معهد الشرق الأوسط" (مقرّه واشنطن): "البحر الأسود هو بوّابة روسيا للمياه الدافئة، ولا سيّما البحر الأبيض المتوسط. إنها بوّابة روسيا لإظهار السلطة والقوة في الشرق الأوسط وإفريقيا وما وراءهما".

مجموعات قتالية جديدة

بعد أسابيع على بدء غزو أوكرانيا، في 24 فبراير، أقرّ الناتو خلال قمة في بروكسل، إنشاء 4 مجموعات قتالية جديدة تتمركز في رومانيا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا، من أجل استكمال 4 مجموعات نشرتها في بولندا ودول البلطيق الثلاث.

رومانيا التي تتشارك حدوداً تبلغ 640 كيلومتراً مع أوكرانيا، كانت تستضيف قبل الحرب حوالي ألف جندي من الناتو، معظمهم أميركيون، مع قاعدة على البحر الأسود، تشكّل نقطة عبور لمناطق نزاع في الشرق الأوسط.

وبعد غزو أوكرانيا، عزّز الناتو بشكل كبير وجوده على حدوده الشرقية، ونشر مزيداً من القوات والمقاتلات والسفن الحربية.

وتتمثل الخطة الآن في إنشاء حاميات بالدول الحدودية المتبقية بالحلف، حيث ستتناوب بشكل منتظم وحدات جديدة من الجنود، تضمّ حوالي ألف جندي.

وإضافة إلى ذلك، سيحدّد الحلفاء الوحدات في الداخل التي يمكنها الانضمام بسرعة إلى القوات الموجودة بالفعل على الأرض في دول أوروبا الشرقية، إذا لزم الأمر.

وهذا الوجود الإضافي هو أمر تطالب به دول البلطيق وبولندا منذ سنوات. وفي المقابل، هددت روسيا بردّ، رغم أنها لم تتخذ أي إجراء ملموس حتى الآن، بحسب "بلومبرغ".

إصلاح دفاعات الناتو

من خلال إقامة علاقات مع جيوش الدول المضيفة والتخزين المسبق للأسلحة والذخيرة والمعدات الثقيلة، يمكن مضاعفة هذه القوات إلى حجم لواء يضمّ 5 آلاف جندي في غضون أيام، كما قال العقيد فلافيان جاريجو جرانشان، أبرز ممثلي فرنسا في رومانيا.

وأضاف: "نحن نستعد لنكون قادرين على القتال، جنباً إلى جنب مع الرومانيين والولايات المتحدة والوحدات الأخرى. في أسوأ الأحوال، إذا حدث ذلك فسنقاتل".

وثمة مئات الآلاف من جنود الناتو الآن في حالة تأهب قصوى، وسيُسبغ طابع رسمي على ذلك بقيادة الحلف، في إطار إصلاح شامل لدفاعاته، أُقرّ خلال قمة مدريد في يوليو.

وأشار جاريجو جرانشان إلى أن الناتو يخطّط الآن لإبقاء قوات منتشرة عبر حدوده "لسنوات عديدة، من أجل التأكد من استقرار الوضع"، رغم أن معظم المسؤولين يشكّكون بأن تشنّ روسيا هجوماً مباشراً على دولة عضو في الحلف.

وسيتطلّب ذلك استثمارات، وهذا ما تفتقر إليه رومانيا وجارتها بلغاريا، بحسب "بلومبرغ". وانضمّت الدولتان الشيوعيتان السابقتان إلى الناتو في عام 2004، ثم أصبحتا عضوين في الاتحاد الأوروبي بعد 3 سنوات.

ولا يزال البلدان يحاولان سدّ فجوة الثروة مع شركائهما الأكثر ثراءً، والتي تعرقل جهوداً في كل شيء، من إيواء اللاجئين إلى مساعدة أوكرانيا في تصدير الحبوب.

وقال رئيس الوزراء الروماني نيكولاي سيوكا: "الأمر لا يتعلّق بالدفاع فحسب، بل بالأمن الغذائي. لذلك نرحّب بكل هذه القرارات المتخذة لتعزيز الردع والدفاع على الجناح الشرقي" للحلف.

الجيش الروماني

ومع ذلك، يشكّل تنفيذ هذه القرارات بشكل جيد تحدياً فورياً بالنسبة للعقيد الفرنسي كليمان توران وفريقه من مهندسي الجيش.

فالجسر الرئيسي لمدينة سينكو، في وسط رومانيا، في حالة مروّعة لدرجة أن ثمة ثقوباً في الأسفلت تتيح رؤية تدفق النهر تحته. وعلى الشاحنات الالتفاف عبر حقول عباد الشمس، لنقل عشرات الآلاف من الأطنان من المواد، من موقع البناء على قمة التلّ وإليه.

ويعتمد رئيس بلدية سينكو، أوريل سورين سوسيو، على الحكومة الرومانية لتعبيد طرق المدينة، وعلى مشروع تعليمي للسكان المحليين يموّله الاتحاد الأوروبي، من أجل دعم القاعدة العسكرية، بما في ذلك تقديم منح لإنشاء مطاعم وأماكن سكن.

وقال: "صعب جداً تغيير عقلية الناس وإقناعهم ببيع بقرتين وتجديد غرفتين، لكسب مزيد من المال".

والمجال الآخر الأكثر أهمية للاستثمار، يتمثل في بناء الجيش الروماني. فقد أخفق معظم أعضاء الناتو لفترة طويلة في تحقيق هدف الحلف، المتمثل في إنفاق ما لا يقلّ عن 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع.

لكن رومانيا حققت هذا الهدف منذ عام 2015، وستزيد ذلك إلى 2.5% العام المقبل، إذ تستعد للإنفاق على معدات كثيرة، بما في ذلك ناقلات الجند المدرعة والمقاتلات والدبابات والغواصات.

وستبلغ فاتورة المشتريات العسكرية ما لا يقلّ عن 12 مليار يورو، أبرزها بطارية صواريخ مضادة للطائرات من طراز "باتريوت"، تبلغ تكلفتها 4 مليارات يورو وستُشغّل هذا العام، بحسب "بلومبرغ".

كذلك يجب أن تعمل القاعدة التي تقودها فرنسا في سينكو بكامل طاقتها، بحلول نهاية العام كما هو مخطّط.

وقال العقيد الفرنسي كريستوف دوجان: "نحن أقرب الجنود الفرنسيين المنتشرين في منطقة النزاع. إذا كانت هناك شرارة وانتشر بعض الأشخاص، فأنت تريد الانخراط في الأمر".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات