خلافاً للصحة العالمية.. علماء فيروسات لا يستبعدون نظرية "التسرب المخبري لكورونا"

time reading iconدقائق القراءة - 10
عامل طبي يجمع مسحة من أحد السكان خلال اختبار جماعي لمرض كورونا في موقع اختبار مؤقت في بمقاطعة قوانغدونغ، الصين. 30 مايو 2021 - REUTERS
عامل طبي يجمع مسحة من أحد السكان خلال اختبار جماعي لمرض كورونا في موقع اختبار مؤقت في بمقاطعة قوانغدونغ، الصين. 30 مايو 2021 - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

طالب علماء فيروسات كبار بضرورة فتح مزيد من التحقيقات عن منشأ فيروس كورونا، غير مستبعدين نظرية "التسرب المخبري للفيروس"، التي رفضتها منظمة الصحة العالمية.

ونشر 18 من أبرز علماء الفيروسات حول العالم، رسالة في دورية "ساينس" العلمية، في الـ14 من مايو الجاري، أشاروا فيها إلى ضرورة فتح مزيد من التحقيقات بشأن منشأ كورونا، مطالبين بالتقصي عن صحة نظريتي "الأصل المخبري للفيروس" و"المنشأ الحيواني" على حد سواء.

واتفق العلماء مع منظمة الصحة العالمية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و13 دولة أخرى، على ضرورة معرفة أصل الوباء، وذلك "للتخفيف من مخاطر تفشي أي جائحة في المستقبل".

وقال العلماء في رسالتهم: "يجب أن نتعامل مع الفرضيات المتعلقة بالآثار الجانبية الطبيعية والمخبرية على محمل الجد، حتى نحصل على البيانات الكافية" كما يجب أن يكون التحقيق "مناسباً وشفافاً وموضوعياً وقائماً على البيانات وخبرة المتخصصين وخاضعاً لرقابة مستقلة لتقليل تضارب المصالح".

"كل السيناريوهات واردة"

وتتزامن الرسالة، مع الضجة الكبيرة في الولايات المتحدة، والتي أثارها الرئيس الأميركي جو بايدن، بتكليف الاستخبارات بتقديم تقرير جديد عن مصدر الفيروس ومنشأه خلال 90 يوماً.

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب حمّل قبل أكثر من عام، الصين مسؤولية عن ذلك التفشي، بعد أن أجاب بـ"نعم" رداً على تساؤل مراسل في البيت الأبيض عما إذا يعتقد جدياً أن معهد "ووهان" للفيروسات هو مصدر كورونا.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الفيروس المُسبب للجائحة الحالية ظهر بشكل طبيعي أو نتيجة حادث معمل.

وقال أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة بجامعة ستانفورد ديفيد ريلمان، وهو المؤلف الرئيسي للرسالة المنشورة في دورية ساينس، إن "كل السيناريوهات محل التحقيق، وكلها واردة".

ويعتبر ريلمان، أحد الخبراء البارزين في مجال الأمراض المعدية والتهديدات الميكروبية المعقدة والأمراض غير واضحة المنشأ. وهو شغل منصب نائب رئيس اللجنة الأكاديمية الأميركية للعلوم لمراجعة بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي للرسائل التي تحتوي الجمرة الخبيثة، والتي تم إرسالها لمسؤولين أميركيين بارزين عام 2001. كما ترأس لجنة أكاديمية أخرى قيّمت مجموعة من الأمراض المعدية. وهو أيضاً الرئيس السابق لجمعية الأمراض المعدية الأميركية.

وقال ريلمان في حوار بثه موقع جامعة "ستانفورد" على الإنترنت، وأطلعت عليه "الشرق"، إن هناك عدة سيناريوهات بشأن إمكانية انتقال الفيروس عبرها إلى البشر. فربما حدثت القفزة مباشرة من حيوان إلى إنسان عن طريق "لقاء" حدث داخل كهف مأهول بالخفافيش. أو في سوق الحيوانات. أو من خلال اتصال الإنسان مع بعض الحيوانات الأخرى التي كانت عائلاً أساسياً للفيروس.

ويتم شحن الخفافيش، وغيرها من المضيفين المحتملين، عبر الصين بما في ذلك إلى ووهان. وربما أصيب شخص ما، بعد الاتصال بحيوان مُصاب في مدينة أخرى وانتقل إلى ووهان، وفق ريلمان.

ولا يزال هناك سيناريو آخر وارد بحسب ريلمان، وهو أن الفيروس "أمضى بعض الوقت في المختبر قبل انتقاله إلى البشر".

وقال ريلمان: "نحن نعلم أن معمل ووهان يملك عدداً من أكبر مجموعات فيروسات الخفافيش التاجية في العالم، كما أنه يملك أيضاً برنامجاً بحثياً قوياً يتضمن إنشاء فيروسات من خلال دمج التسلسلات الجينية لفيروسات كورونا غير المألوفة في فيروسات كورونا الأخرى المعروفة، ونعلم أيضاً أن حوادث المختبرات تحدث في كل مكان".

ويروج الساسة الجمهوريون في الولايات المتحدة لتلك النظرية، وسألت "الشرق" ريلمان عن انتمائه السياسي، ولكنه رفض الإجابة.

وقال ريلمان في حديثه المنشور على موقع "ستانفورد" إن العلماء يحتاجون إلى الاعتراف بحقيقة بسيطة، ألا وهي أن "البشر عرضة للخطأ" وأن حوادث المختبرات "تحدث في كثير من الأحيان".

"ادعاءات خطيرة"

وقبل عدة سنوات، كشف مراسل استقصائي عن أدلة على مئات الحوادث المعملية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، التي تنطوي على ميكروبات خطيرة ومسببة للأمراض في المؤسسات الأكاديمية ومراكز التميز الحكومية على حد سواء، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والمعاهد الوطنية للصحة.

"ربما كان فيروس كورونا المستجد كامناً في عينة من حيوان مصاب تم إحضارها إلى المختبر، وتخزينها ثم انتشر في المختبر كجزء من محاولة إحيائه ودراسته"، وفق ريلمان.

وأضاف، أن احتمالية إنشاء كورونا من خلال تقنيات معملية شائعة الاستخدام لدراسة فيروسات جديدة "واردة"، وقد يكون الفيروس أصاب عاملاً نشر العدوى بعد ذلك.

غير أن تلك الادعاءات خطيرة بحق. إذ حذر الباحثون في مجال الصحة العالمية من أن تلك الادعاءات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما سيجعل التوافق بشأن القضايا المتعلقة بمكافحة المرض في مهب الريح.

وقال الباحث في مجال الصحة بمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، ديفيد فيدلر:  "إذا كان هناك بعض الانخفاض في الحرارة الجيوسياسية بين هاتين القوتين العظميين، فيمكننا خلق مساحة، ربما للقيام ببعض الأشياء التي نحتاج إلى القيام بها".

وأضاف أن تلك الادعاءات أيضاً قد تخلق جواً "شديد السمية" يُغذي التنمر عبر الإنترنت على العلماء والمضايقات المعادية لآسيا في الولايات المتحدة، فضلاً عن الإساءة للباحثين والسلطات في الصين التي "يجب التعاون معها".

"تحقيقات مستقلة"

وظهرت نتائج المرحلة الأولى، في مارس الماضي، للتحقيق المستقل الذي أجرته منظمة الصحة العالمية. وتبنت النتائج احتمالية نشوء الفيروس المُسبب للعدوى في الحيوان لا المختبر.

ورسم ذلك التقرير خريطة لسوق كبير في ووهان. وذكر أن معظم العينات التي استعادها المحققون هناك تم العثور عليها "حول الأكشاك التي تبيع الحيوانات".

وقال ذلك التقرير إن ادعاء الأصل الحيواني للعدوى الحالية له ما يبرره، "لأن معظم الأمراض المعدية الناشئة تبدأ انتشارها من الطبيعة، تماماً مثلما حدث مع فيروس نقص المناعة البشرية وزيكا وإيبولا".

كما أن الدلائل الجينية تشير إلى أن فيروساً مشابهاً لكورونا المستجد نشأ في نوع من الخفافيش يُسمى "حدوة الحصان" قبل أن ينتشر إلى حيوان غير معروف، نقله إلى عامل، نشره بدوره بين البشر. هذا يعني أن الأصل الحيواني "أكثر احتمالاً من تسرب المختبر"، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية.

ندرة البيانات

وقال ريلمان، إن البعض يرى أن من الأفضل التركيز على مواجهة الآثار الرهيبة للوباء وعدم إضاعة الموارد للتأكد من الأصل، مضيفاً: "أوافق على أن معالجة الآثار الكارثية للوباء تستحق أولوية عالية، لكن من المهم أن نسعى وراء الاتجاهين (أصل الوباء ومعالجة آثاره)".

وأضاف ريلمان، أن الوضوح الأكبر بشأن الأصول سيساعد في توجيه الجهود المبذولة لمنع الجائحة التالية.

وأوضح ريلمان، أن الأدلة التي ستثبت الانتشار الطبيعي ستجعل العلماء يركزون على مجموعة من التدابير لتقليل الاتصال البشري مع الحيوانات المضيفة عالية الخطورة. أما سيناريو انتشار المختبر، فسيؤدي لمحاولات رفع كفاءة الأمن المختبري وتعزيز الجهود المبذولة لتحسين سلامة المختبرات.

وأشار إلى أن هناك ندرة صارخة في البيانات. فعلى الرغم من عمل تحليل تسلسل جينوم للفيروس وتلك الخاصة بعدد قليل من فيروسات كورونا الخفافيش غير المرتبطة ارتباطاً وثيقاً، فإن تحليلات أسلافه القريبة لا تزال مفقودة. و"في غياب هذه المعرفة، من المستحيل تمييز أصول هذا الفيروس من تسلسل الجينوم الخاص به وحده"، بحسب ريلمان.

"قصور في منظمة الصحة العالمية"

وخلص التقرير النهائي الصادر مؤخراً من منظمة الصحة العالمية، إلى أنه على الرغم من غياب دليل محدد لأي من السيناريوهات إلى أن الأصل الطبيعي "من المرجح جداً" وأن حادث المختبر "غير محتمل للغاية".

وقال ريلمان، إن "التقرير خصص 4 صفحات فقط من أصل 313 صفحة لاحتمال سيناريو الانتشار من المعمل، معظمها تحت عناوين "نظريات المؤامرة"، كما انتقدت المنظمة تصريحات متعددة لأحد المحققين، ناقش خلاله "أصل المختبر".

وأضاف ريلمان: "بالنظر إلى كل هذا، فمن الصعب منح تقرير منظمة الصحة العالمية قدراً كبيراً من المصداقية، فافتقارها إلى الموضوعية وفشلها في اتباع المبادئ الأساسية للبحث العلمي أمر مثير للقلق. لحسن الحظ، يدرك المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم بعض أوجه القصور في جهودها، ودعا إلى إجراء تحقيق أكثر قوة، كما فعلت الولايات المتحدة".

واعتبر ريلمان، أنه يجب أن يتناول التحقيق الموثوق به جميع السيناريوهات المعقولة بطريقة مدروسة، وأن يشمل مجموعة متنوعة من الخبرات والتخصصات وأن يتبع الأدلة "فمن أجل تقييم استنتاجات العلماء الآخرين بشكل نقدي، يجب أن نطالب ببياناتهم الأولية الأصلية والأساليب الدقيقة التي استخدموها، بغض النظر عن شعورنا تجاه الموضوع أو عن أولئك الذين نسعى لتقييم استنتاجاتهم. يجب تنحية الافتراضات أو المعتقدات السابقة، في حالة عدم وجود أدلة داعمة".

وقال عالم الفيروسات الشهير في معمل الأبحاث "سكريبس"، كريستيان أندرسن، إنه لا يوجد دليل قوي يدعم نظرية تسرب المختبر، معرباً عن قلقه من أن الطلبات العدائية "ستؤدي لنتائج عكسية"، وقد تجعل العلماء والمسؤولين الصينين "أقل احتمالاً لتبادل المعلومات".

ويشدد محللو السياسة الصحية العالمية على أهمية أن تعمل البلدان معاً للحد من الوباء، وإعداد العالم لتفشي المرض في المستقبل. ويقولون إن الإجراءات المطلوبة تشمل توسيع توزيع اللقاحات وإصلاح قواعد الأمن البيولوجي، ومعايير الإبلاغ عن بيانات مراقبة الفيروسات. لكن مثل هذه الإجراءات تتطلب إجماعاً واسعاً بين الدول القوية، مؤكدين أن نهج المواجهة سيجعل الأمور أسوأ.