استدعاء القضاء لرئيس الحكومة يثير سجالاً في لبنان

time reading iconدقائق القراءة - 7
رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في مقر الحكومة اللبنانية بعد أسبوع من انفجار مرفأ بيروت، 10 أغسطس 2020 - REUTERS
رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في مقر الحكومة اللبنانية بعد أسبوع من انفجار مرفأ بيروت، 10 أغسطس 2020 - REUTERS
بيروت-الشرق

رفضت الرئاسة اللبنانية مضمون بيان رؤساء الحكومة السابقين الذي اعترض على المذكرة القضائية التي قضت بإحضار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، بوصفها خطوة "مسيّسة وانتقائية وطائفية"، فيما قالت مصادر لـ"الشرق" إن المذكرة "غير قابلة للتنفيذ" أساساً. 

وقال المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية في بيان، الجمعة، إن "توقيت البيان مريب فيما يبذل رئيس الجمهورية جهداً لتأليف حكومة تتصدى لمعاناة الشعب". ورفضت الرئاسة "الكلام الخطير (الذي تضمنه بيان الرؤساء السابقين) عن العدالة المقنّعة والقضاء المسيّس"، معتبرة أنه يتضمن "إهانة واستضعافاً مرفوضاً ومشيناً للسلطة القضائية". 

وردّت الرئاسة على اتهام رؤساء الحكومة السابقين لمذكرة الإحضار بأنها "استهداف لموقع رئاسة الحكومة"، بالقول إن "العدالة لا تنال من أي موقع دستوري إذا مورست من المرجع المختص". وأضافت أن "لبنان عانى ولا يزال من الخطوط الحمر الطائفية لدى كل مساءلة". 

كما ردّت الرئاسة على اتهام البيان للرئيس ميشال عون بالتقاعس عن واجبه في درء كارثة الانفجار، رغم علمه بوجود مادة نترات الأمونيوم في المرفأ، بأن "من المؤسف حقاً اتهام رئيس الجمهورية في موضوع تفجير المرفأ في حين أنه وضع نفسه بتصرف المحقق العدلي لسماع شهادته". 

بيان رؤساء الحكومة

والخميس، أصدر رؤساء الحكومة السابقون، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام، بياناً اعترضوا فيه على مذكرة الاستدعاء التي صدرت بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، من قِبل المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، معتبرين أنها "تمسّ بموقع رئاسة الحكومة" وتمثيله الطائفي. 

ووصف البيان مذكرة الإحضار بأنها "سابقة خطيرة.. تنم عن إجراء غير بريء" هدفه "النيل من موقع رئاسة الحكومة دون سواها من المواقع العليا في الدولة اللبنانية".

واعتبر البيان أن "هذا الإجراء محفوف بالشبهات السياسية، لأنه يتقاطع مع محاولات لم تتوقف من سنوات للانقلاب على اتفاق الطائف وكسر هيبة رئاسة الحكومة وتطويق مكانتها في النظام السياسي"، مدعّماً موقفه بأنها "أفعال تشهد عليها الممارسات القائمة منذ عامين لتعطيل تشكيل الحكومات وتطويق الصلاحيات الدستورية للرؤساء المكلفين". 

 ولفت البيان إلى أن مجموعة من النواب تقدمت باقتراح قانون لرفع جميع الحصانات الدستورية "بلا استثناء"، بما يشمل الحصانات النيابية والوزارية، وكذلك الرئاسية.

وأوضح البيان أن هذا الاقتراح أتى "لا سيما أن فخامة الرئيس ميشال عون شخصياً اعترف بأنه علم بوجود الكميات الكبيرة من نترات الأمونيوم في عنابر مرفأ بيروت قبل 15 يوماً من تاريخ التفجير المريب، وخصوصاً أن فخامته هو الضابط وقائد الجيش السابق الذي يعلم جيداً بأن قوانين لبنان تحظر إدخال أي كمية كانت من هذه المواد الخطرة بلا إذن مسبق من مجلس الوزراء، وبعد موافقة المراجع العسكرية والأمنية المختصة". 

وبناء على ذلك، اتهم البيان الرئيس عون بأنه "تقاعس وامتنع عن القيام بأي عمل للحؤول دون حصول تلك الكارثة.. ما يعني وجوب أن تُرفع الحصانة كذلك عن رئيس الجمهورية.. وعندها يتحرر المحقق العدلي من نصوص لا تعطيه حقوقاً قانونية ودستورية في محاكمة الرؤساء وسواهم". 

واعتبر البيان أن "استمرار التجاهل" لاقتراح القانون المذكور "يُعتبر اعتداء موصوفاً على العدالة والدستور.. ويشكل إهانة علنية لموقع رئاسة الحكومة، واستضعافاً مرفوضاً لرئيس الحكومة المستقيل، وإعلاناً مفضوحاً عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا (القصر الرئاسي)".

مذكرة إحضار دياب

وأصدر المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الخميس، وكلّف القوى الأمنية بإحضاره إلى دائرته في قصر العدل في بيروت، قبل 24 ساعة من موعد جلسة استجوابه التي حددها في 20 سبتمبر المقبل. 

وأتى هذا الإجراء، غداة تلقي القاضي كتاباً من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أفاد بأن "ثمة موانع دستورية تحول دون مثول رئيس الحكومة أمام القضاء العدلي"، وذلك جواباً على مذكرة استدعاء دياب إلى جلسة استجوابه كمدعى عليه. 

وبعد هذا الكتاب، اعتبر البيطار أن "لا قيمة قانونية لجواب الأمانة العامة، وأن المحقق العدلي لجأ إلى الإجراء القانوني الذي يقتضيه قانون أصول المحاكمات الجزائية، ما استدعى إصدار مذكرة الاستدعاء"، بحسب مصادر مواكبة لمسار التحقيقات.

مذكرة "غير قابلة للتنفيذ"

ووسط هذا السجال، أكدت مصادر قضائية قريبة من النيابة العامة التمييزية، لـ"الشرق"، أن مذكرة الإحضار بحق دياب "غير قابلة للتنفيذ إطلاقاً، وتشكل إساءة للسلطة القضائية بقدر ما تسيء إلى رئيس الحكومة وموقعه". 

وأوضحت المصادر أن "تنفيذ هذه المذكرة يحتاج إلى انقلاب عسكري وعملية تمرّد على الدستور، وإرسال قوافل من المدرعات لمداهمة السراي الحكومي". 

وسألت المصادر: "أي دولة في العالم يمكن أن تعمد إلى اعتقال رئيس حكومة فاعل ويمارس كامل صلاحياته الدستورية، إلا بانقلاب عسكري؟ وهل يعلم من أصدر هذه المذكرة أن الأجهزة الأمنية المكلّفة باعتقال رئيس الحكومة تخضع لسلطته وتنفّذ أوامره؟". 

وتتواصل التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، الذي أدى إلى سقوط أكثر من 200 قتيل و6500 جريح، وتدمير المدينة، فضلاً عن تداعياته النفسية والاقتصادية التي تراكمت فوق الانهيار الاقتصادي غير المسبوق. 

والأربعاء، أشرف القاضي البيطار على عملية محاكاة لعملية الانفجار على أرض المرفأ، بحضور أجهزة أمنية. وقالت مصادر قضائية لـ"الشرق"، إن المحاكاة أجريت على مجسّم جرى بناؤه خصيصاً ويشبه إلى حدّ كبير العنبر رقم 12 حيث كانت مادة نترات الأمونيوم مخزّنةً لسنوات بلا إجراءات وقاية، حتى انفجرت في 4 أغسطس 2020.