ماذا تعني جوائز الكتابة في حياة الروائيين؟

ما فائدة جوائز الكتابة؟ لا أقصد عدم الاحترام لشيهان كاروناتيلاكا، الذي حصل حديثاً على 50 ألف جنيه استرليني (58 ألف دولار) لفوزه بجائزة بوكر، عن روايته "الأقمار السبعة لمعالي ألميدا"، لكن الجوائز تأخذ القصص التي تمّ إعدادها بشقّ الأنفس لمؤلّفين مختلفين، وتضعها في سباقٍ محموم من القراءات وجولات التحكيم. وغالباً ما يظهر الفائزون بعد عملية موحّدة أشبه بتجارة الخيول. 

لا يوجد هناك ما يشير إلى أن هذا حدث في قضية كاروناتيلاكا، لكن الشاعر فيليب لاركين هدّد بالقفز من النافذة في عام 1977،  ما لم يمنح زملاؤه الحكّام جائزة بوكر لبول سكوت عن رواية "البقاء". وقد فعلوا ذلك، وفقاً لما كتبه ستيفن سميث في مقال أوردته وكالة بلومبرغ. 

وتتطلّب الجوائز بشكلٍ أساسي من الكُتّاب، أن يستعرضوا أنفسهم مثل خيول الاستعراض. يقول النقّاد إن الجوائز "تشجّع نوعاً معيّناً من الكتب، سواء كانت عصرية أو لائقة سياسياً، قد يكون لها جاذبية محدودة".

توصيات

إن رواية "الحياة الحقيقية" للمؤلّف الأميركي براندون تايلور، لديها صفات ممتازة عدّة، لكن الأمر يتطلّب قارئاً جريئاً واسع الأفق لالتقاطها، بناءً على توصية من أعضاء لجنة التحكيم، المسؤولين عن القائمة القصيرة لبوكر لعام 2020: "سرد مؤلم للغاية، وتوثيق دقيق للاعتداءات الصغيرة وسوء المعاملة والعنصرية ورهاب المثلية الجنسية والصدمة والحزن والاغتراب". 

تتعلّق رواية "الأقمار السبعة" بالعنف الدموي الذي عصف بسريلانكا مسقط رأس كاروناتيلاكا لسنواتٍ عدّة. وقد اختارت نعومي آدامز، باحثة الدراسات العليا في جامعة ليفربول، الرواية بشكلٍ صحيح للفوز بجائزة "بوكر" بعد قراءة متأنّية. وكتبت آدامز أن الرواية عبارة عن "خيالٍ تاريخي" بالغوص العميق في الماضي، في صدمة ما بعد الاستعمار الأخير.  

كتب محكّمة

إن الكُتّاب الذين يصنعون كتباً مُحكّمة وقابلة للقراءة يحبّها القرّاء في الواقع، نادراً ما يحصلون على الكثير من الفرص. والتفكير وراء الجوائز هو أنها تشجّعنا على ملاحظة كتب جديدة مهمّة، ولكن ماذا تعني الجوائز للكُتّاب، وللكلمة المكتوبة في ثقافتنا؟ 

تسلّم الأسبوع الماضي كاروناتيلاكا جائزته من كاميلا،‏ الملكة قرينة تشارلز الثالث ملك بريطانيا، في "راوندهاوس"، وهو مكان مخصّص لموسيقى الروك أند رول في لندن، بعد كلمة للمغنّية دوا ليبا.  

تُمنح جائزة بوكر عن "أفضل عمل روائي مستدام" مكتوب باللغة الإنجليزية، وينشر في المملكة المتحدة وأيرلندا. وقبل بضع سنوات، تحدّثتُ مع جميع الكتاب الذين كانوا على قائمة بوكر القصيرة في ذلك الخريف. والتقينا في مصنع قديم في لندن مألوف لملايين المشاهدين، كموطن لبرنامج أعمال تلفزيون الواقع البريطاني "دراجونز دين". 

قلّما شهدت رغبةً في فرصةٍ لتغيير الحياة مثل تلك التي ناقشتها مع الكُتّاب الطموحين. ما أدهشني هو فائدة الأموال التي تعود عليهم من الجائزة. فقد أخبرتني روائية بريطانية معروفة، أنها تستطيع فقط تحمّل عبء الكتابة من أجل لقمة العيش، لأنها اشترت منزلاً خارج لندن ولم يكن لديها أطفال.  

وقال منافس آخر إنه تولى ذات مرّة "مهمّة كتابة مذكّرات رجل ثري من دون أن يكشف عن هويّته". أضاف: "كنت أعمل في ذلك الوقت، وكنت مفلساً، وكانت زوجتي حاملاً بتوأم، وكنا في حالة يرثى لها". 

الجدوى المالية

ويمكن لكُتّاب الخيال الأدبي، أن يأملوا في رؤية أوضاعهم المالية تتغيّر من خلال ما يسمّى بـ "وثبة بوكر" التي تتبع الفوز. 

ووفقاً لعادات النشر، يمكن للفائز بجائزة "بوكر" ترك روتين من النضال غير المُعلن عنه في زوايا المقاهي، ليحتضن حياة الشهرة. فهل يتحوّل الأمر حقاً بهذه الطريقة؟  

هناك بعض الفائزين لا يظهرون أبداً في تصنيفات الروايات الأكثر مبيعاً مرّة أخرى. ووصف "دي بي سي بيير"، الذي فاز بجائزة "بوكر" عام 2003 بروايته الأولى Vernon God Little، مدى صعوبة تحقيق الإمكانات التي يبدو أن الجائزة توفّرها. وقال "أعتقد أن الفوز "سيُكسبني مساحة"  للنشر، لكنه جلب له العكس. 

لكن لدى بعض الكُتّاب سبب وجيه لتوجيه الشكر للجنة تحكيم "بوكر". فمنذ أن حمل إيان ماك إيوان الجائزة في عام 1988، استمرّ في حشد عدد كبير من القرّاء، فضلاً عن الجاذبية الأدبية. وقال في حفل توزيع الجوائز إنه "يستطيع إنفاق المال على شيء عديم الفائدة تماماً" بدلاً من وضعه جانباً لأجرة الحافلات وشراء غطاء للأرضيات.  

وفازت آنا بيرنز بجائزة "بوكر" في عام 2018 بعد أن عاشت على ما يمكن أن تجده في بنوك الطعام. وقالت إنها ستستخدم العائدات "لتصفية الديون والعيش على ما تبقّى". 

وقبل أن يفوز دامون جالجوت عام 2021، كان قد باع ما يزيد عن تسعة آلاف نسخة من روايته "الوعد"، التي تدور حول سقوط عائلة بيضاء في جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري. وحقّقت "الوعد" مبيعات بلغت 14 ألفا و622  نسخة في الأسبوعين التاليين للجائزة، وانتهى الأمر بناشري جالجوت إلى طباعة 153 ألف نسخة إضافية. 

وربما كانت أعظم قصّة جيدة ضمن لائحة "بوكر" في السنوات الأخيرة، تتعلّق ببيرنادين إيفاريستو، التي شاركتها مع الكاتبة والناقدة المخضرمة مارجريت إتوود عام 2019.  

كانت إيفاريستو التي ولدت في لندن عام 1959، تحظى بتقديرٍ كبير كشاعرة وروائية، لكنها لم تكن تبيع الكثير من الكتب قبل الفوز بالجائزة. وسرعان ما أُدرجت روايتها "فتاة وامرأة وغيرهما" في قائمة "صنداي تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً، إلى جانب الكتب الشهيرة لستيفن كينج وجيمس باترسون. 

بعد أيامٍ على فوزها، زادت مبيعات كتبها أضعاف، وباعت4391 نسخة في الأشهر الخمسة السابقة، لكن مبيعاتها قفزت إلى 10 آلاف و371 نسخة في غضون أسبوع. واستمرّت في نشر مذكّراتها عن حياة الكتابة بعنوان "البيان: عن عدم الاستسلام أبداً". 

أما بالنسبة لكاروناتيلاكا، فهو لا يزال يتكيّف مع هذا النوع من الاهتمام الذي يمكن أن يقلب الأمور رأساً على عقب. وهو قال للصحافيين إنه في سن الـ 47 عاماً كان "يكسب رزقه كمؤلّف، وليس لديه خطط فورية لترك العمل اليومي".

 أضاف: "إن مصادر الدخل الأخرى تزيل الضغط عنه لدعم زوجته وطفليه من خلال الكتابة، وإذا كنت تكتب بدوام كامل وكانت المسودة هراء، فقد أضعت وقتك هباء، وهذا لن يطعم عائلتي". 

تعدّ جائزة "بوكر" الأكثر أهمّية والأبرز مكانةً من بين جوائز الكتاب في المملكة المتحدة، التي تشمل جوائز الكتاب البريطاني "ذا نيبيز"، وجائزة "بايلي جيفورد" للقصص غير الخيالية، وجوائز كوستا التي تكرّم المؤلّفات في خمس فئات هي: الرواية الأولى، والرواية، والسيرة الذاتية، والشعر، وكتاب الأطفال.  

 الشاعر والناقد إيان هاملتون قال لمجلّة "لندن ريفيو أوف بوكس" إن المؤلّف الماهر والقابل للتكيف يمكن أن يحصل على 20 ألف جنيه استرليني من أموال الجوائز سنويا (حوالي 34500 جنيه استرليني اليوم، وأعلى بكثير من متوسط الأجر الوطني). وبعد عقدين ونصف، انخفض متوسّط الدخل السنوي للكاتب المحترف إلى 10 آلاف و500 جنيه استرليني، وفقاً لجمعية ترخيص وتجميع المؤلّفين. وهذا أقلّ بكثير من الحد الأدنى للأجور، وينخفض إلى 42 % من القيمة الحقيقية منذ عام 2005. 

قالت إيفاريستو في مجلة "مانيفيستو":  "لقد وجدت أن تطوير الإيمان بالذات أكثر أهمّية من الاعتماد على القبول من الآخرين، لأنه عندما تكون الأوقات صعبة وتشعر بالوحدة ، فأنت بحاجة إلى تنظيم مواردك الداخلية للاستمرار". 

وأضافت: "معظم الكُتّاب يخلقون من أجل الحب، على الرغم من أن القليل من المال لا يضرّ. إن احتمال الفوز بجائزة، مهما كان بعيداً ووهمياً، يمكنه أن يساعد الروائي على المثابرة وتجاهل الصوت الذي يتمتم في رأسه مراراً  بأنه خارج "هذا المضمار". 

اقرأ أيضاً: