أشباه الموصلات.. صناعة في قبضة تايوان والعالم يحاول اللحاق بها

time reading iconدقائق القراءة - 10
خط إنتاج لتصنيع الرقائق الإلكترونية داخل مصنع تابع لشركة إلكترونيات في تشيتشو، الصين - REUTERS
خط إنتاج لتصنيع الرقائق الإلكترونية داخل مصنع تابع لشركة إلكترونيات في تشيتشو، الصين - REUTERS
دبي-الشرق

يخوض العالم معركة شرسة جديدة على صناعة أشباه الموصلات، وسط مساعٍ أميركية وأوروبية للاكتفاء الذاتي، ومحاولة للحاق بالركب الذي تقوده (في الوقت الراهن) تايوان، موطن أكبر شركات صناعة رقائق الحاسوب في العالم، بحسب شبكة "بلومبرغ". 

الشبكة الأميركية، قالت إنه سيتعين على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تخوض معركة موازية مع الصين، أن تدرس استراتيجيتها بعناية وتتعلم من دروس الماضي، لتأمين مركزها في هذه الصناعة الأكثر استراتيجية.

ومن بين جميع الصناعات الحديثة، فإن أشباه الموصلات، أي رقائق الحاسوب، هي الأكثر أهمية وتدافع عنها الحكومات الوطنية بقوة وتبذل الجهود في طلبها، لأسباب عدة. 

في المقام الأول، تكتسب هذه الصناعة، أهمية عسكرياً، لأن كل الأسلحة باتت محوسبة الآن إلى حد كبير، وفي الحرب لا بد أن تكون كل دولة قادرة على صنع رقائقها؛ علاوة على ذلك، يعتبر تصنيع أشباه الموصلات نشاطاً عالي القيمة للغاية يولد الكثير من الإيرادات والكثير من الوظائف ذات الأجر الجيد. 

وبينما يستبعد البعض، أن تتمكن الولايات المتحدة من اللحاق بالركب بسرعة من خلال دعم الشركات الأميركية وحسب، يعتقد كثيرون أن أسرع طريقة لتعزيز الإنتاج المحلي للرقائق المتطورة هي جعل القائدين الحاليين "سامسونغ"، و"تايوان لصناعة أشباه الموصلات" (TSMC)، يصنعان المزيد من الرقائق في البلاد.

نهج جديد

وقالت "بلومبرغ"، إن نهج الديمقراطيين الجديد للسياسة الصناعية بقيادة بايدن، يركز في المقام الأول على صناعة أشباه الموصلات؛ إذ خصصوا 52 مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلي من إجمالي 250 مليار دولار مخصصة في مشروع قانون التنافسية الذي أقره مجلس الشيوخ مؤخراً.

وفي الوقت ذاته، حددت المراجعة الجديدة التي أجراها الرئيس جو بايدن لسلاسل التوريد الأميركية رقائق الحاسوب، باعتبارها مجالاً رئيسياً يحتاج إلى إعادة التوريد.

ووفقا لـ"بلومبرغ"، يقسم قادة الولايات المتحدة جهودهم، إذ يواجهون الصين، التي أطلقت برنامجاً ضخماً يهدف إلى تعزيز صناعتها لأشباه الموصلات إلى موقع يتفوق على العالم.

وفي غضون ذلك، تحاول اليابان ودول أوروبا استعادة بعض حصص السوق التي فقدتها، فيما تسعى كوريا الجنوبية التي حصلت شركاتها على حصة الأسواق من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، تسعى جاهدة لإحراز تقدم أيضاً. 

تهديد مستمر

وقالت بلومبرغ، إن العالم يتعامل مع تايوان (التي تعدُّها الصين مقاطعة) لقدرتها على تصنيع رقائق حاسوب رائدة. ويعود ذلك في الغالب إلى شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" (Taiwan Semiconductor Manufacturing Co)، أكبر مسبك عالمي، ومنتِجة رقائق الهواتف الذكية لشركة "آبل"، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة عالية الأداء.

دور تايوان في الاقتصاد العالمي، كان هامشياً إلى حد كبير، إلى أن برز مؤخراً على السطح بعد معاناة صناعة السيارات من نقص في الرقائق التي تستخدم في كل شيء بدءًا من أجهزة استشعار وقوف السيارات إلى تقليل الانبعاثات. 

وعلى الرغم من وقوعها تحت تهديد مستمر من غزو صيني، تحكم تايوان قبضتها على صناعة أشبه الموصلات، وهذا يخنق أيضاً سلسلة التوريد العالمية، ما يجدد ضرورة التعجيل بخطط طوكيو، وواشنطن، وبكين من أجل زيادة اعتمادهم على الذات.

ويقول جان بيتر كلاينهانز، مدير مشروع التكنولوجيا والجغرافيا السياسية في "مركز ستيفتوغ نوي فيرانتفورتونغ" (StiftungNeueVerantwortung) للأبحاث، ومقره برلين: "من خلال الهيمنة على النموذج الذي طوَّرته الولايات المتحدة لتصنيع الرقائق خارجياً، من المحتمل أن يكون فشل تايوان أهم مسألة في سلسلة قيمة أشباه الموصلات بأكملها".

"رقائق لأجل أمريكا"

استغلت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب نقطة الضعف هذه لمنع بكين من الوصول إلى التكنولوجيا. فمن خلال حظرها من الوصول إلى جميع تقنيات الرقائق الأميركية وتصميمها، تمكَّنت أيضاً من حرمان حصول شركة "هواوي" على أشباه الموصلات من شركة "تايوان لأشباه الموصلات" وغيرها من المسابك، ما أدَّى إلى إعاقة تقدُّم أكبر شركة تقنية في الصين.

كما تفاوضت إدارة ترمب مع الشركة التايوانية لإنشاء مصنع لتصنيع الرقائق بقيمة 12 مليار دولار في ولاية أريزونا، ومن المقرر أن تقوم شركة "سامسونغ إلكترونيكس" الكورية الجنوبية، بإنشاء مصنع مماثل منشأة بقيمة 10 مليار دولار في مدينة أوستن بولاية تكساس.

ويهدف قانون "تشيبس فور أميركا" (CHIPS for America)، الذي تمَّ تقديمه إلى الكونغرس في العام الماضي، إلى تشجيع إنشاء المزيد من المصانع في الولايات المتحدة.

خطط أوروبية

على نحو مماثل، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز "سيادته التقنية" من خلال تحالف بين القطاعين العام والخاص باستثمار يصل إلى 30 مليار يورو (36 مليار دولار) في البداية، لكي يرفع حصة أوروبا في سوق الرقائق العالمية إلى 20% من نسبة 10% الحالية، دون تحديد جدول زمني مستهدف. ونجح الاتحاد إلى حدِّ ما في تشجيع تايوان على زيادة الاستثمارات في الكتلة التي تضم 27 دولة. 

وعزَّزت شركة "غلوبال ويفرز" (GlobalWafers) التي تتخذ من مدينة "هيسنتشو" مسقط رأس شركة "تايوان لأشباه الموصلات"، عرضها لشركة "سيلترونيك إيه جي" (Siltronic AG) الألمانية لتقييم الشركة بمبلغ 4.4 مليار يورو، وهو استحواذ من شأنه أن يخلق أكبر مصنع لرقائق السيليكون في العالم من ناحية الإيرادات.

"مهمة وطنية"

تقول اليابان إن إحياء صناعة أشباه الموصلات هو "مهمة وطنية"، لا تقل أهمية عن تأمين الغذاء والطاقة، وبدأت تظهر مؤشرات الآن على أن الحكومة مستعدة لوضع أموال حقيقية وراء هذه الأحلام، حسب شبكة "بلومبرغ".

وبعد عقود من قلة الاستثمار، أصبحت البلاد التي كانت ذات يوم أكبر صانع للرقائق الدقيقة في العالم، معتمدة على كوريا الجنوبية وتايوان في معظم أشباه الموصلات، لكن نقص الإمدادات العالمية هذا العام أكد مدى خطورة هذا الأمر.

وتحاول طوكيو أيضاً جذب "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" لإنشاء أعمال لها في اليابان. وقد يذهب جزء من الميزانية اليابانية المخصصة للاستثمار في البحث والتطوير المعلن عنها في العام الماضي إلى الشركة التايوانية. وتصل تلك الميزانية إلى 110 مليار ين (مليار دولار) بالإضافة إلى 90 مليار ين أخرى لعام 2021، وفقاً لتقارير ذكرت أيضاً أنَّ الشركة تدرس بالفعل إنشاء أعمال لها في اليابان.

وقال كازومي نيشيكاوا، المسؤول عن قضايا التكنولوجيا في وزارة الاقتصاد اليابانية: أصبحت "تايوان لأشباه الموصلات" مهيمنة أكثر فأكثر، ويجب على كل شخص في صناعة الرقائق أن يجد طريقة للتعامل مع هذا الوضع.

البقاء في المقدمة

في خطتها الخمسية المقدَّمة في أكتوبر الماضي، دعمت الصين صناعة الرقائق وغيرها من التقنيات الرئيسة بتخصيص 1.4 تريليون دولار لها حتى عام 2025. ومع هذا، لا يلغي هذا النوع من الدعم المادي الحاجة إلى تايوان. 

واستغلت الصين مراراً مواهب الجزيرة في صناعة الرقائق، بل وعمل اثنان من كبار المديرين التنفيذيين في أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق، "الشركة الدولية لصناعة أشباه الموصلات" (Semiconductor Manufacturing International Corp)، في شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات". والشخصان المعنيان هما: ليناغ مونغ سونغ، الرئيس التنفيذي المشارك، وتشيانغ تشانغ يي، نائب رئيس مجلس الإدارة.

ولكن مع قيام واشنطن بإعاقة تقدُّم الصين، هناك أيضاً تكهنات بأن تلجأ الصين إلى سرقة عناوين بروتوكول الإنترنت الخاص للشرائح، وتعدُّ تايوان في قلب هذه المساعي الصينية.

ولاحظت شركة الأمن السيبراني التايوانية "تيم تي 5" (TeamT5) زيادة مطَّردة في الهجمات على صناعة الرقائق بالجزيرة تزامناً مع تشديد ضوابط التصدير الأميركية على الصين. وبالرغم من عدم التمكُّن من معرفة ما إذا كان المهاجمون تابعين إلى الدولة الصينية، إلا أنَّ شوي لي، محلل التهديدات الإلكترونية بـ"تيم تي 5" قال: "الجميع يهاجم صناعة أشباه الموصلات التايوانية".

كما قالت المحللة ليندا كوو (زميلة شوي لي)، إنَّ الحكومة التايوانية شعرت بالقلق إزاء هجوم على شركة "تايوان سيمي كوندكتير مانيوفاكتشيريغ كو" مقابل الحصول على فدية في عام 2018، فأعلنت بعدها عن خطط بقيمة 500 مليون دولار للمساعدة في رفع وعي الصناعة بقضايا الأمن السيبراني.

وفي حال قامت الصين بتنفيذ تهديدها لغزو تايوان، فستنشغل الجزيرة بالحصول على استقلالها، في حين ستفقد مصانع "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" للرقائق أهميتها، بل وستصبح أضراراً هامشية.

وتشير النفقات الرأسمالية للشركة المقدَّرة بـ28 مليار دولار لهذا العام، إلى أنَّ الشركة ستبقى في المقدمة.

سيناريو الغزو الصيني

وقال ماتيو دوشاتيل، مدير برنامج آسيا في "معهد مونتين" Institut Montaigne في باريس، الذي نشر أخيراً وثيقة بشأن سياسات ودوافع الصين في صناعة أشباه الموصلات: "تعدُّ تايوان مركز ثقل السياسة الأمنية الصينية. ولدى تايوان قيمة استراتيجية ضخمة في سلسلة التوريد العالمية للرقائق، وهذا سبب قوي أيضاً لبقاء بكين بعيداً".

وبافتراض هزيمة القوات التايوانية أمام الغزو الصيني، إلا أنَّه، وفقاً لدوشاتيل، "لن يكون هناك سبب لترك هذه المنشآت سليمة، كما أنَّ الحفاظ على أحدث أنواع المنشآت التصنيعية في العالم يصب في مصلحة الجميع".

ووفقاً لما قاله بيتر وينينك، الرئيس التنفيذي لـ"تايوان لصناعة أشباه الموصلات"، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "على الرغم من كل التحرُّكات لاسترجاع صناعة الرقائق المحلية، إلا أنَّ التفكير في إمكانية تغيير سلسلة التوريد لمنتج معقد، مثل أشباه الموصلات في وقت قصير، يعدُّ أمراً مفرط التفاؤل". وأضاف: "عليك أن تخطط لسنوات من أجل استرجاع القدرة التصنيعية لديك، أو إعادة تخصيص سعة إنتاج أشباه الموصلات".

وفي غضون ذلك، تعني الجغرافيا السياسية أنَّ النقص في الرقائق سيحدث بشكل دائم، وفقاً لجورج وتكي، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين.

وقال وتكي لتلفزيون "بلومبرغ": "واقعياً، سنصل إلى نقطة اضطراب مفاجئة في سلسلة التوريد، ليس بسبب المشاكل في سعة الإنتاج فقط؛ بل بسبب ضوابط التصدير، وبسبب التدخل الحكومي. من الأفضل لنا الاستعداد لذلك".

اقرأ أيضاً: