مع انتخاب رئيسي.. كيف ستتغير السياسة الإيرانية؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
يحتفلن في طهران بفوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة الإيرانية - 19 يونيو 2021 - REUTERS
يحتفلن في طهران بفوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة الإيرانية - 19 يونيو 2021 - REUTERS
دبي – إيلي هيدموس

يتغيّر رئيس الجمهورية في إيران، وتتبدّل حكوماتها. وقد تشهد تحوّلات داخلية، تخضع لدينامية الشارع وصراع أجنحة السلطة. لكن سياستها الخارجية شبه ثابتة، ويقودها المرشد علي خامنئي، وإن طاولتها فوارق، تتصل بشخص الرئيس.

لكن ذلك لا يمنع محاولة تلمّس اتجاهات السياسة التي ستعتمدها طهران في العالم، بعد انتخاب رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، خلفاً للرئيس حسن روحاني، في الاقتراع الذي نُظم الجمعة، وحقق خلاله رئيسي فوزاً ساحقاً، ومتوقّعاً، بعد إقصاء منافسين أقوياء، لا سيّما الرئيس السابق للبرلمان، علي لاريجاني.

وثمة تحليلات متباينة لما ستؤول إليه إيران، خلال عهد رئيسي، بين مَن يعتقد بأنها ستشهد مجموعة سياسية حاكمة أكثر انسجاماً، فيما يرى آخرون أنها تتجه إلى عزلة متزايدة، تستحضر نموذج كوريا الشمالية.

رئيس خاضع لعقوبات

وبات رئيسي أول رئيس إيراني يتولّى منصبه، يخضع لعقوبات أميركية، لاتهامه بانتهاك حقوق الإنسان، لا سيّما عضويته في "لجنة الموت"، التي أشرفت على إعدامات جماعية لسجناء سياسيين، في عام 1988، ودوره في كبح اضطرابات شهدتها إيران، في عام 2019. 

يعني ذلك أن رئيسي يمكن أن يُعتقل في أي مكان بالعالم، وفي أي وقت، كما حصل مع حميد نوري، المدعي العام السابق في سجن "رجائي شهر"، والمحتجز في السويد، لاتهامه بالتورط بأحداث 1988.

وترى صنم وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد "تشاتام هاوس" (مقرّه لندن)، أن فوز رئيسي في الانتخابات قد يضع أوروبا في موقف صعب، إذ أن الاتحاد الأوروبي فرض أيضاً عقوبات على الرئيس المنتخب، بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية، في عام 2019.

لكن وزارة الخارجية الأميركية حرصت على تأكيد أنها تأمل بالبناء على محادثات فيينا، لإحياء الاتفاق النووي، "بصرف النظر عمّن في السلطة" بإيران.

واستبعد موسى برزين، وهو باحث قانوني مقيم في أنقرة، فرض قيود على الرئيس الإيراني الجديد، بعدما أصبح رئيساً ويتمتع بـ "امتيازات دبلوماسية".

وأشارت وكيل إلى أن رئيسي شخصية غير معروفة بالنسبة إلى المجتمع الدولي، مضيفة أن مواقفه من الملفات الإقليمية والعالمية المهمة، لا تزال غير واضحة. وتابعت: "لذلك أعتقد بأن الدول الأوروبية، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ستكون حذرة جداً، ولكن ربما تكون أكثر اتحاداً".

وإذ أن لخامنئي الكلمة الفصل بشأن المؤسسة العسكرية في إيران، وبرنامجها النووي، تؤدي الرئاسة دور "وجه عام" للبلاد في الخارج، ويمكن لقراراتها أن تؤثر في كيفية تفاعل العالم مع طهران.

"سياسة خارجية نفعية"

ورجّحت وكيل، أن ينتهج رئيسي "سياسة خارجية نفعية"، معتبرة أنها ستكون مغلّفة بـ "نبرة أيديولوجية، ولكن يمكن أن تتخلّلها (نزعة) براغماتية"، كما قالت لموقع "إذاعة أوروبا الحرة" (تموّلها واشنطن).

وأشار الموقع إلى أن "كل الأنظار ستتجه إلى اختيار رئيسي لوزير الخارجية"، مضيفاً أنه لم يلمّح إلى مَن قد يخلف محمد جواد ظريف في المنصب، علماً أن الأخير أقرّ بهيمنة "الحرس الثوري" على عمل الوزارة، مثيراً عاصفة انتقادات في طهران.

ونقل الموقع عن علي واعظ، وهو باحث في "مجموعة الأزمات الدولية"، قوله إن لدى دبلوماسيَّين سابقين قدّما مشورة لرئيسي بشأن السياسة الخارجية، وجهات نظر "متشددة". وأشار في هذا الصدد إلى علي باقري، الذي عيّنه رئيسي رئيساً لمجلس حقوق الإنسان في القضاء، وحسين أمير عبد اللهيان، النائب السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ويعمل الآن مساعداً لرئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.

وطُرح اسم سعيد جليلي لتولّي حقيبة الخارجية، علماً أنه انتقد المحادثات النووية الجارية في فيينا، وهو ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وكان مفاوضاً في الملف النووي مع الغرب، انسحب من السباق الرئاسي لدعم رئيسي.

وقال واعظ: "قد ترغم الدولة العميقة (رئيسي) على إبقاء مسؤولين حاليين، مؤقتاً على الأقلّ، لضمان انتقال سلس في مسائل جوهرية، بما في ذلك الملف النووي".

"وقف التصعيد مع العالم"

واستبعد واعظ أن تخوض طهران مجدداً، مواجهة عنيفة مع الغرب بقيادة رئيسي، قائلاً، في إشارة إلى الإيرانيين: "إذا كانوا يسعون إلى تعزيز وضعهم في الداخل، فسيحتاجون إلى وقف التصعيد مع العالم الخارجي". واعتبر أن المتشددين، غير المثقلين بقتال داخلي، قد يكونون "أكثر قدرة على الوفاء بأي التزامات مستقبلية، من منافسيهم البراغماتيين".

في السياق ذاته، رجّح موقع "آسيا تايمز" أن يضمّ فريق رئيسي للسياسة الخارجية، "موفدين محافظين ودبلوماسيين غير معروفين من الحرس الثوري".

ونقل الموقع عن الباحث شاهد غريشي، من معهد "أولويات الدفاع"، وصفه رئيسي بأنه "عديم الخبرة ولا يتمتع بكاريزما"، لافتاً إلى أنه "لم يحاول تطوير سردية سياسية واضحة"، مشابهة لتلك التي روّج لها أحمدي نجاد. وأضاف: "ثمة إشاعات بأن رئيسي هو بديل لخامنئي، ولكن إذا بقي غير محبوب بوصفه رئيساً، فسيفقد هذه الفرصة".

وأشار علي رضا إشراقي، وهو باحث زائر في "مركز الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية" بجامعة كارولاينا الشمالية، إلى أن رئيسي تجنّب، خلال حملته الانتخابية، "اعتماد خطاب متطرف، يستخدمه أنصاره المتشددون". وتابع: "بخلاف تكهنات، لا أحد يعرف ما الذي سيفعله".

"شيك لم يُصرَف"

لكن "آسيا تايمز" ذكّر بآراء "مناهضة للغرب ومعادية للولايات المتحدة"، أعرب عنها رئيسي في السنوات الماضية، بما في ذلك قوله إن الولايات المتحدة "أضعف من أي وقت"، معتبراً أن "قمعها، وسلوكها الإمبراطوري، لا يتغيّران مع الجمهوريين أو الديمقراطيين".

على رغم ذلك، قال رئيسي خلال المناظرات الرئاسية، إنه سيشرف على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، المُبرم خلال عهد روحاني. واعتبر أن تنفيذه يحتاج إلى "حكومة قوية"، علماً أنه قارن، خلال حملته الانتخابية الفاشلة، في عام 2017، الاتفاق بـ "شيك لم يُصرَف"، نتيجة تقاعس الحكومة.

لكن فؤاد إزادي، وهو أستاذ مشارك في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران، اعتبر أن انتخاب رئيسي سيضمن "مستوى من الانسجام" في النظام، بعد ولايتين لروحاني، الأكثر اعتدالاً. وأضاف أن رئيسي سينتهج سياسة "الاقتصاد المقاوم" التي يروّج لها خامنئي، والقائمة على التصنيع المحلي، وشركاء داعمين، مثل الصين وروسيا، في إطار مقاربة "التحوّل شرقاً".

"رئيس أكثر فاعلية"

في السياق ذاته، كتب نادر حبيبي، وهو أستاذ في جامعة برانديز الأميركية، أن رئيسي، بوصفه "حليفاً وثيقاً للمرشد، يُتوقّع أن يدعم سياسات خامنئي، في السياستين الداخلية والخارجية، ممّا يعني مزيداً من التنسيق بين مختلف فروع الحكومة".

وأضاف: "يعني هذا الانسجام أن رئيسي سيكون أكثر فاعلية بوصفه رئيساً، إذ أياً تكن السياسات التي يتبعها، يُرجّح أن يدعمها المرشد".

ورأى حبيبي أن فوز رئيسي يمكن أن يمهّد لاتخاذ طهران "موقفاً أكثر مساومة" خلال مفاوضات فيينا، وزاد: "مع انتخاب رئيسي، لدى المحافظين والمرشد حوافز أكبر للتوصّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات، إذ لم يعُد في إمكانهم لوم رئيس إصلاحي بشأن المصاعب الاقتصادية" التي تعاني منها إيران.

أما رويا بوروماند، وهي مؤرخة مقيمة بواشنطن، ومديرة تنفيذية لـ "مركز عبد الرحمن بوروماند"، وهو منظمة غير حكومية لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران، فاعتبرت أن "رئيسي مجرد جندي جيد، شخص يُنفذ بالضبط ما يُطلب منه بكل قوته".

ورأت هولي داغريس، وهي باحثة في معهد "أتلانتيك كاونسل"، أن "إيران باتت دولة أكثر قمعية"، مضيفة أن "الأمور تسير في اتجاه أكثر قتامة ممّا شهدناه في الذاكرة الحديثة"، بعد انتخاب رئيسي.

وتابعت: "تتجه إيران إلى عزلة، مثل كوريا الشمالية. لديها صديقان فقط في المجتمع الدولي (روسيا والصين)، والطريق الذي تختاره هو ملاكمة شعب موهوب ومتعلّم جداً".

اقرأ أيضاً: