دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الوحدة الوطنية، وحاول تهدئة غضب شعبي ضد النظام، فيما اتسعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة إلى الجامعات والمدارس الثانوية.
وأقرّ رئيسي بأن لدى إيران "نقاط ضعف ونواقص"، لكنه كرّر الخطاب الرسمي القائل بأن الاضطرابات التي أثارتها الشهر الماضي وفاة مهسا أميني (22 عاماً) خلال احتجازها لدى "شرطة الأخلاق"، ليست سوى مؤامرة من أعداء إيران.
وقال خلال جلسة للبرلمان الثلاثاء إن "تصميم البلاد يستهدف اليوم التعاون للحدّ من مشكلات الناس. الوحدة والسلامة الوطنية ضرورتان تجعلان عدونا يائساً"، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
وتأتي تصريحات رئيسي بعدما اتهم المرشد الإيراني علي خامنئي الولايات المتحدة وإسرائيل بـ"التحريض على الاضطرابات". كذلك حمّلت طهران جماعات كردية معارضة في شمال غربي البلاد، تنشط على الحدود مع العراق المجاور، مسؤولية الاضطرابات.
وأفادت وكالة "تسنيم" شبه الرسمية للأنباء بأن "الحرس الثوري" الإيراني قصف الثلاثاء 3 قواعد تابعة لجماعات كردية في إقليم كردستان العراق، مستخدماً مسيّرات وقذائف مدفعية، علماً أن قصفاً إيرانياً للمنطقة الشهر الماضي أوقع 9 ضحايا.
ورأى نائب قائد "الحرس الثوري" الإيراني الأميرال علي فدوي أن "هجمة المحور الأميركي على إيران تحت غطاء الأحداث والاضطرابات، تدل على حقيقتين مهمتين، هما أن المحور الأميركي على أعتاب تلقي هزيمة كبرى، وأن الثورة الإسلامية على وشك تحقيق نصر ضخم ومهم".
في المقابل، اعتبر رضا بهلوي نجل آخر شاه لإيران، أن "انتشار الإضرابات من القطاعين الثقافي والتعليمي إلى قطاعَي الخدمات والصناعة" هو "خطوة في الاتجاه الصحيح". وكتب على "تويتر": "الإضرابات العامة والاحتجاجات الوطنية ستُركع النظام" الإيراني.
تضارب في صحافة النظام
تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها بعد وفاة أميني إثر اعتقالها بزعم انتهاكها قواعد اللباس المحتشم، شملت عشرات المدن في كل أنحاء البلاد وشكّلت أبرز تحدٍ للنظام الإيراني منذ سنوات، علماً أن أزمات متفاقمة ساهمت في تأجيج غضب عام، بما في ذلك القمع السياسي والاقتصاد المتعثر وعزلة البلاد عن العالم، بحسب "أسوشيتد برس".
وأفاد شهود بتنظيم تجمّعات عفوية في البلاد، ردّد خلالها متظاهرون شعارات مناهضة للنظام، فيما قصّت نسوة شعرهنّ وأحرقن حجابهنّ.
صحيفة "كيهان" المتشددة حاولت التقليل من حجم هذا الحراك، معتبرة أن "المناوئين للثورة"، أو المعارضين للنظام "يشكّلون أقلية مطلقة، وربما 1%" من الشعب.
لكن صحيفة متشددة أخرى، هي: "جمهوري إسلامي"، شكّكت باتهام الحكومة دولاً أجنبية بإثارة الاضطرابات. ووَرَدَ في افتتاحية نشرتها: "لا يمكن للأعداء الأجانب أو المعارضة الداخلية أن يحدثوا شغباً في مدن من دون خلفية من السخط" على السلطات.
وبثّ التلفزيون الرسمي الإيراني أن المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة أسفرت عن مصرع 41 شخصاً على الأقلّ، لكن منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان أشارت إلى أن عدد الضحايا أعلى من ذلك بكثير.
كما أن حملة شنّتها السلطات على وسائل الإعلام، شملت اعتقال عشرات الصحافيين في الأسابيع الماضية، عرقلت غالبية التقارير المستقلة بشأن ملفات حساسة، مثل مصرع المتظاهرين.
مع ذلك، أثار اختفاء فتاة عمرها 17 عاماً ووفاتها في طهران أخيراً، غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران.
الجامعات والمدارس الثانوية
مع بدء العام الدراسي الجديد (الأسبوع الجاري)، امتدت التظاهرات إلى حرم الجامعات، التي لطالما اعتُبرت ملاذاً خلال الاضطرابات.
وأظهرت تسجيلات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، طلاباً يعبّرون عن تضامنهم مع أقرانهم المعتقلين ويطالبون بإسقاط النظام. وأقدمت جامعات على تحويل حصص دراسية من الحضور الشخصي إلى الإنترنت هذا الأسبوع.
وباتت جامعة شريف للتكنولوجيا المرموقة في طهران ساحة معركة الأحد، إذ طوّقت قوات الأمن الحرم الجامعي من كل الجهات وأطلقت غازاً مسيّلاً للدموع على متظاهرين تحصّنوا داخل موقف للسيارات، ما منعهم من المغادرة، بحسب "أسوشيتد برس".
وفي تسجيل مصوّر بُثّ الاثنين، سار طلاب في "جامعة تربية مدرس" بطهران وهتفوا: "يجب إطلاق الطلاب المسجونين!". وفي تسجيل آخر، هتف طلاب في جامعة الخيام بمدينة مشهد: "جامعة شريف باتت سجناً! سجن إيفين بات جامعة!"، في إشارة إلى سجن في طهران.
وبدا أن الاحتجاجات اتسعت إلى المدارس الثانوية، التي تطبّق الفصل بين الجنسين في إيران. ولوّحت طالبات بحجابهنّ، وهتفن "امرأة! حياة! حرية!" في مدينتَي كرج غربي العاصمة وسنندج الكردية الاثنين.
واعتقلت قوات الأمن عدداً ضخماً من المتظاهرين، وفنانين أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات. وأشار مسؤولون إلى اعتقال 1500 شخص على الأقلّ.
وفي المقابل، اعتبر وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي أن "أعداء" بلاده "يريدون محاربة الثورة بترويج الفساد في صفوف فتياتنا العزيزات"، مضيفاً: "مطلقو شعارات، مثل (المرأة، الحياة، الحرية)، خلقوا أبشع المشاهد في سياق مزاعم الدفاع عن المرأة، ويرون الحرية في عدم التزام الحجاب وعدم الحياء لدى النساء". وتابع: "ثورتنا تمضي بفضل حياء النساء وعفتهنّ وصمودهنّ".
ورأى أن "قلّة ضئيلة جداً تتبع خطط العدو الملوّثة والخبيثة"، منبّهاً إلى أن "العدو يحاول إضعاف إرادة الشعب، باستغلال عنصر الحجاب والعفة والقضاء عليهما".
اقرأ أيضاً: