"ليس جنرالاً ولا سياسياً".. مقتدى الصدر رقم صعب في المعادلة العراقية

time reading iconدقائق القراءة - 13
مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يلقي كلمة في محافظة النجف بالعراق. 30 أغسطس 2022 - AFP
مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يلقي كلمة في محافظة النجف بالعراق. 30 أغسطس 2022 - AFP
القاهرة -محمد سعد

على مدار الأشهر الـ10 الماضية كان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، هو الرقم الأبرز بالمعادلة السياسية في العراق، عقب فوز كتلته بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان العراقي، وما تلى ذلك من مناوشات سياسية امتدت لمواجهات مسلحة.

مقتدى الصدر، الذي أعلن اعتزاله السياسة نهائياً، الاثنين، ودعا أنصاره إلى الانسحاب من الشارع في كلمة تلفزيونية، الثلاثاء، أثبت مجدداً بعد انسحاب أنصاره فور انتهاء الكلمة، قدرته على حشد مؤيديه والتأثير عليهم، وهي سمة أساسية كانت سبباً في وجوده على الساحة على مدار عقدين، منذ أن أسس "جيش المهدي" نهاية 2003 بعيد الغزو الأميركي للعراق.

فمع وصول القوات الأميركية إلى العراق في عام 2003، بدأت مسيرة الصدر المولود بالكوفة في مدينة النجف، إذ نجح قبل أن ينتهي العام الأول للغزو، في تأسيس جماعة "جيش المهدي" المسلحة التي ستصبح للسنوات الخمس المقبلة، في قلب أكثر فترات الغزو دموية.

أسرة دينية

ولد مقتدى محمد الصدر في الكوفة بالنجف جنوب بغداد عام 1974، لواحدة من أبرز العائلات الدينية الشيعية في العراق. فوالده هو الزعيم محمد الصادق الصدر، الذي انتقد الرئيس العراقي حينها صدام حسين علناً، واغتيل بعدها بوقت قصير في 19 فبراير 1999، مع ولديه مصطفى ومؤمل، أشقاء مقتدى.

ومقتدى هو الابن الرابع لمحمد الصدر، وكان جده محمد حسن الصدر رئيساً لوزراء العراق في 1984، وأشقاءه الـ3 هم مصطفى ومؤمل ومرتضى، وهو متزوج من ابنة عمه محمد باقر الصدر.

درس الصدر في الحوزة العلمية في النجف على يد والده، وبعد الغزو الأميركي للعراق، سافر إلى قم في إيران، لاستكمال دراساته الدينية.

قاد الصدر، حركات التمرد التي استهدفت السلطات العراقية وقواتها ومقرات قيادة "حزب البعث" أعقاب اغتيال والده وشقيقيه، في ما بات يعرف بـ"انتفاضة 1999"، والتي شهدت موجة اغتيالات طالت أعضاء في "حزب البعث" العراقي حينها.

وقالت شبكة "PBS" الأميركية في تقرير لها عام 1999، إن اغتيال الصدر، "كان مخططاً له جيداً من قبل صدام حسين، لقمع القوة الشيعية المتزايدة، والعداء ضد نظام بغداد". 

وأعدمت السلطات العراقية أكثر من 500 من المشاركين في الانتفاضة في البصرة، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.

"ليس جنرالاً ولا سياسياً"

شبكة "سي إن إن" وصفت الصدر بأنه "ليس جنرالاً وليس سياسياً (على الأقل بالمعنى التقليدي)، لكن بخطاب واحد من خطاباته يمكنه إطلاق تظاهرات تنتهي بالمئات من العراقيين وهم يقتحمون البرلمان" في إشارة إلى اقتحام أنصار الصدر البرلمان في عام 2016.

ويعتمد الصدر على دعم جمهور لا يستهان به من الطائفة الشيعية، أكبر المكونات في العراق. 

ويرى الباحث في مركز "واشنطن إنستيتوت" حمدي مالك أن الصدر "قادر على احتلال الشارع، وليس لأحد القدرة على منافسته في هذا الميدان" حسبما ذكر مالك لـ"فرانس 24". ويضيف أن الصدر "هو الشخصية المحورية" في تياره، حتى لو أنه أحياناً "يناقض نفسه ويبدّل مواقفه بين يوم وآخر". 

ويشير الخبير في التيارات الشيعية في جامعة "أرهوس" في الدنمارك بن روبن دكروز، في حديث إلى "فرانس 24"، إلى أن الصدر "يحاول أن يموضع نفسه في مركز النظام السياسي، مع أخذ مسافة منه في الوقت نفسه. فموقعه كرجل دين يتيح له أن يوهم بأنه أكبر من السياسة". 

الصدر في مجلة تايم

في عام 2008، اختارت مجلة "تايم" الأميركية مقتدى الصدر ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة عالمياً، وتولى قائد قوات التحالف الأميركي في العراق بين يونيو 2003 ويونيو 2004 الجنرال ريكاردو سانشيز، كتابة الجزء المخصص للصدر. 

مجلة "تايم" قالت إن الصدر، كان يعتمد في شعبيته بعد الغزو الأميركي للعراق على إرث والده وعمه المناهض لصدام حسين، وقالت إنه على الرغم من أن "جيش المهدي" كان جيشاً صغيراً وغير نظامي، إلا أنه "كان قادراً على حشد عشرات الآلاف من الشيعة حوله في مدينة البصرة".

"رجل يغير مسار البلاد"

في أبريل عام 2004، هاجم الصدر قوات التحالف الأميركي، وسيطر على أحد أكبر المحافظات في جنوب العراق، ورداً على ذلك، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش، الصدر "عدواً"، وأمر بعملية عسكرية لقتله أو اعتقاله، قائلاً: "لا يمكننا أن ندع رجلاً واحداً يغير مسار البلاد. يجب محوه من الوجود".

وبحسب ورقة بحثية نشرتها جامعة "ستانفورد" الأميركية، فإن "جيش المهدي"، قام في 4 أبريل 2004، بأول هجماته، من خلال إطلاق عدة هجمات متزامنة على بغداد والكوفة والنجف، مستهدفاً قوات أميركية وإسبانية وعراقية وسلفادورية. وسقط جراء هذه الهجمات 35 ضحية وأكثر من 200 جريح بين المدنيين وقوات التحالف و"جيش المهدي".

ولكن البيت الأبيض اضطر إلى عكس المسار، وأمر قوات التحالف بإلغاء المهمة بعد أسبوع واحد، إذ أن التغطية الإعلامية السلبية للعملية كان يمكن أن تضع عملية نقل السلطة إلى العراق في 1 يوليو 2004 في خطر، وهي العملية التي كانت ترتبط بشكل وثيق بحملة بوش لإعادة انتخابه لمرة ثانية في العام نفسه، حسبما ذكر الجنرال ريكاردو سانشيز في مجلة "تايم".

إلغاء العملية، كان بمثابة نقطة تحول في صعود الصدر للسلطة بحسب ما ذكر سانشيز، إذ "منحته الشرعية مع وضعية أفضل بين المجتمع العراقي. إذ ترك البيت الأبيض تلك المشكلة (مقتدى الصدر) للحكومة العراقية الجديدة، مع تفاهم واضح بين تلك الحكومة وواشنطن على أن الصدر لن يتم اعتقاله ولكنه سيكون جزءاً من العملية السياسية".

عنف طائفي

ارتبط اسم "جيش المهدي" بالعنف الطائفي في العراقي، ووجهت بين عامي 2006 و2007، اتهامات له بتشكيل "فرق موت" لقتل العرب السنة، وكذلك القتال ضد كتائب شيعية أخرى، بحسب شبكة "سي إن إن"، لكن الصدر لطالما نفى ذلك، وأعلن نبذ العنف من وقت لآخر.

وزادت الانتقادات أكثر بعدما دخل "جيش المهدي" في مواجهات ضد كتائب شيعية أدت في إحدى المرات إلى سقوط 50 شيعياً.

عام 2006 كان العام الأكثر دموية في العراق بعد الغزو الأميركي، وبعد هجوم أوقع 200 ضحية في مدينة الصدر عام 2006 يعتقد أن وراءه جماعات سنية، بدأت جماعات مسلحة شيعية في الرد، ومهاجمة مساجد سنية بحسب تقرير لشبكة "سي إن إن" في العام نفسه.

وبنهاية 2006، قدر مسؤولو البنتاجون أن "جيش المهدي"، استبدل تنظيم "القاعدة"، ليصبح أخطر "معجل" للعنف الطائفي في العراق.

"جيش المهدي" خاض أيضاً مواجهات مع جماعات شيعية أخرى، وعلى رأسها "كتائب بدر"، في صراع على النفوذ في جنوب العراق، حتى أن الأخيرة تحالفت مع القوات العراقية الأمنية للقتال ضد "جيش المهدي".

وبدأت قوة "جيش المهدي" في الضعف نهاية 2007، ويعود ذلك جزئياً لزيادة كبيرة في أعداد الجنود الأميركيين في العراق.

واضطر الصدر إلى حل التنظيم في أغسطس 2008، بعد مواجهة دامية مع قوات الأمن العراقية في البصرة، والتي أسقطت نحو ألفي ضحية وألف جريح من "جيش المهدي" في مارس، انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار برعاية إيرانية.

لكن الصدر واصل التهديد بإعادة إحياء "جيش المهدي" من وقت لآخر حتى انسحاب القوات الأميركية من البلاد.

"سرايا السلام"

رغم حل الصدر جناح تياره المسلح في 2008، إلا أنه أعاد إحياءه مرة أخرى تحت اسم جديد في 2014 في أعقاب اجتياح تنظيم "داعش" الحدود العراقية من سوريا، والسيطرة على أجزاء كبيرة من شمال العراق.

وأعلن الصدر في يونيو 2014 تأسيس "سرايا السلام" للعمل على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من "القوى الظلامية".

ولعبت "سرايا السلام" دوراً في محاربة "داعش" في سامراء بمحافظة صلاح الدين وتكريت، وشاركت في هجوم لتحرير الموصل من قبضة "داعش".

وعملت "سرايا السلام" مع القوات الأمنية العراقية في القتال ضد "داعش"، واستطاعا استعادة منطقة "جرف الصخر" والتي تبعد 60 كيلومتراً عن بغداد، وأمنا سامراء وصلاح الدين ضد هجمات "داعش" في شتاء 2014 و2015.

وعادت "سرايا السلام" للظهور مرة أخرى الاثنين، أثناء اشتباكات في المنطقة الخضراء مع قوات الأمن.

 اعتزال متكرر للحياة السياسية

إعلان الصدر اعتزال الحياة السياسية نهائياً الاثنين، لم يكن الأول من نوعه، فالصدر أصدر عدة إعلانات مماثلة.

وتشير شبكة "سي إن إن" الأميركية في هذا الصدد، إلى قدرة الصدر الكبيرة على "إعادة اختراع أدواره السياسية، والقدرة على حشد الشيعة وراءه"، وهو ما ساعده في التغلب على خصومه على مدار العقدين الماضيين.

أغسطس 2013

في عام 2013 قال مصدر مقرب من الصدر، إن الأخير قرر اعتزال الحياة السياسية، وأغلق مكتبه الخاص في النجف، "بسبب تردي الوضع الأمني وتصرفات بعض العناصر المحسوبة عليه" حسبما نقلت قناة "السومرية" الإخبارية العراقية حينها.

فبراير 2014

وفي 14 فبراير عام 2014، أعلن الصدر اعتزاله العمل السياسي مجدداً، وحل تياره وغلق مكاتبه. وقال الصدر في بيان: "أعلن عدم تدخلي بالأمور السياسية كافة وأنه لا كتلة تمثلنا بعد الآن ولا يوجد لنا منصب داخل الحكومة أو خارجها ولا في البرلمان"، في إشارة إلى ممثلي تياره في البرلمان والحكومة.

لكن اعتزال الصدر لم يدم طويلاً إذا شارك التيار في الانتخابات البرلمانية في أبريل من العام نفسه، وفاز بنحو 34 مقعداً باسم "كتلة الأحرار".

أبريل 2016

وفي 20 أبريل من عام 2016، قرّر الصدر تجميد عضوية “كتلة الأحرار”، التابعة له في البرلمان العراقي، والتي كانت تمتلك 34 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 328 مقعداً.

وأصدر الصدر في يوليو من العام نفسه قراراً بإغلاق مكاتب تياره في أرجاء العراق، باستثناء محافظة النجف (جنوبي)، "وتحويلها إلى مساكن للفقراء".

وذكر تلفزيون "الأضواء" التابع للتيار حينها أن "الصدر أمر مدير مكتبه الخاص بتشكيل لجنة تتولى إخلاء جميع مكاتب التيار، في محافظات العراق باستثناء مكتب النجف".

ديسمبر 2019

أصدر المكتب الخاص بالصدر بياناً مقتضباً، أعلن فيه أن الصدر وجه بغلق المؤسسات التابعة له لمدة سنة، مستثنياً من هذا القرار "مؤسسة مرقد الشهيد السعيد السيد محمد الصدر ونجليه، والمكتب الخاص، وتشكيلات (سرايا السلام)".

يوليو 2021

قبل عقد انتخابات أكتوبر 2021، أعلن الصدر أنه لن يشارك في الانتخابات التشريعية، قائلاً إنه "سحب يده من المشاركين في الحكومة".

وقال في بيان: "حفاظاً على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون وما زالوا يحرقونه، وإنقاذاً له، نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات.. فالوطن أهم من كل ذلك".

ولكن، الصدر عاد وشارك في الانتخابات وفاز بالعدد الأكبر من المقاعد بـ73 مقعداً.

أغسطس 2022

أعلن الصدر اعتزاله الحياة السياسية "نهائياً"، وإغلاق كافة مؤسسات التيار الصدري عدا "المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".

وسبق إعلانه الاعتزال، توجيهه كتلته النيابية إلى الاستقالة من البرلمان، وهو ما جرى في يونيو الماضي، بعد الفشل في تشكيل حكومة أغلبية وطنية وسط إصرار "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى شيعية على تشكيل حكومة ائتلاف وطني، وهو ما رفضه الصدر.

والسبت الماضي، دعا "التيار الصدري" إلى إقصاء جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الغزو الأميركي للبلاد في 2003، بما في ذلك التيار الصدري نفسه.

وقال صالح محمد العراقي، المقرَّب من مقتدى الصدر، في بيان نيابة عن الصدر، إن هذا المطلب "أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة"، وهو المطلب السابق للتيار الصدري.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات