بات نشوب حرب بين إيران وأذربيجان احتمالاً قائماً على خلفية تصاعد التوتر بين البلدين بتنفيذ الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول حدود البلاد مع أذربيجان، حسبما أفادت به مجلة “جيوبوليتيكال مونيتور”.
وترجع حساسية العلاقات بين طهران وباكو إلى كون أذربيجان حليفاً وثيقاً لتركيا، التي توصف بأنها خصم تاريخي لإيران، التي تنحاز بدورها إلى أرمينيا في نزاعها الحدودي مع أذربيجان.
كما تخشى طهران من أن تستعمل إسرائيل الأراضي الأذربيجانية في هجوم محتمل ضدها، لا سيما أن تل أبيب هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى باكو.
وأخذت العلاقات الشائكة بين إيران وأذربيجان منحى التصعيد في سبتمبر، على خلفية تجدد اشتباكات على طول الحدود الشرقية لأرمينيا مع أذربيجان، في أعقاب "حرب كلامية" شنها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ضد يريفان، بإعلانه صراحة طموحاته في ضم الأراضي الأرمينية الجنوبية المتاخمة لإيران بالقوة.
وتنظر إيران إلى محاولة أذربيجان السيطرة على الأراضي الأرمينية المتاخمة لحدودها على أنها تهديد لأمنها القومي، خصوصاً أن باكو تعتزم استغلالها من أجل إقامة ممر يصل إلى جيبها ناخيتشيفان ومنه إلى تركيا، ويعبر الممر على طول الحدود الأرمينية الإيرانية، وهو ما يعني عزل إيران عن أرمينيا.
هذا الأمر أكدته تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، الذي حذر في 12 أكتوبر من أن إيران "تعارض أي إجراء لتغيير الحدود الدولية أو التغييرات الجيوسياسية في المنطقة"، مشدداً على ضرورة "تسوية الخلافات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا سلمياً".
مناورات على الحدود
ولم تمض أيام قليلة على التحذير الدبلوماسي لوزير الخارجية الإيراني حتى نفذ الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول الحدود الإيرانية مع أذربيجان، ما اعتبرته باكو "تهديداً" لها.
المناورات التي أطلقت عليها إيران اسم "إيران القوية" انعقدت في محافظتي "أردبيل" و"أذربيجان الشرقية"، المتاخمتان لحدودها الغربية مع أذربيجان وأرمينيا، وهي المناورات الثانية من نوعها بعد تدريبات أخرى أجرتها القوات الإيرانية في المنطقة في أكتوبر 2021.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن قائد القوات البرية للحرس محمد باكبور قوله إن "المناورات رسالة إلى أعدائها مفادها أن القوات البرية للحرس الثوري إلى جانب سائر القوات المسلحة مستعدة للدفاع عن حدود البلاد والرد بشكل حاسم على أي تهديد".
واعتبرت أذربيجان المناورات الإيرانية على حدودها "تهديداً"، وردت بإطلاق مناورات عسكرية على حدودها الجنوبية مع إيران، شارك فيها سلاح الجو وقوات المدفعية الصاروخية ووحدات من القوات الخاصة، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية في 2 نوفمبر.
ولفتت وزارة الدفاع، في بيان، إلى إرسال وحدات عسكرية إلى مناطق قريبة من الحدود الجنوبية للبلاد، مع إبلاغها أوامر بالتأهب، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وقال الرئيس الأذربيجاني، الجمعة، إن مناورات قواته جاءت رداً على "التهديد" الإيراني، لافتاً إلى أن ما يحدث بين البلدان في الوقت الراهن "غير مسبوق".
وزاد علييف: "تعاملت مع 3 رؤساء في إيران، (محمد) خاتمي، (محمود) أحمدي نجاد و(حسن) روحاني. وطيلة تلك السنوات، لم يسبق لنا الوصول إلى ما يحدث اليوم".
وأضاف: "هناك خطاب كراهية، وتهديد ضد أذربيجان. إيران نفذت مناورتين عسكريتين على حدودنا في بضعة أشهر".
وتابع: "لذلك، كان علينا أن ننفذ تدريبات عسكرية على الحدود الإيرانية من أجل إظهار أننا لسنا خائفين منهم، وسنبذل قصارى جهدنا لحماية أسلوب الحياة الأذربيجاني العلماني".
حرب كلامية و"تجسس"
وبالإضافة إلى تهديدات إيران على الحدود، لطالما اتهمت السلطات الأذربيجانية إيران بتنفيذ أعمال عدائية داخل أذربيجان تهدف إلى تغيير النظام العلماني وتثبيت نظام حكم ثيوقراطي شيعي.
وفي منتصف نوفمبر، أعلنت أجهزة الأمن في باكو إيقاف 5 أشخاص بتهمة التجسس لصالح إيران. وجاءت الإيقافات في إطار "إجراءات تهدف إلى التعامل مع الأنشطة التخريبية التي تقوم بها الاستخبارات الإيرانية ضد أذربيجان"، بحسب وكالة "فرانس برس".
والموقوفون الخمسة متهمون بجمع معلومات عن الجيش الأذربيجاني، بما في ذلك مشترياته من طائرات مسيّرة إسرائيلية وتركية، إضافة إلى البنية التحتية للطاقة.
وأثناء ولاية أحمدي نجاد، أصدرت محكمة في باكو أحكاماً بالسجن لمدد طويلة على 22 أذربيجانياً، أُدينوا بالتجسّس لمصلحة "الحرس الثوري" الإيراني والتخطيط لتنفيذ هجمات ضد أهداف أميركية وإسرائيلية في أذربيجان.
جاء ذلك، وسط حرب كلامية بين مسؤولين إيرانيين وأذربيجانيين، إذ استدعت أذربيجان، في وقت سابق من نوفمبر، السفير الإيراني للاحتجاج على "خطاب التهديد" الإيراني تجاه باكو.
وعشية الاستدعاء، سلمت وزارة الخارجية الإيرانية للسفير الأذربيجاني مذكرة احتجاج على التصريحات "المعادية لإيران" أدلى بها مسؤولون أذربيجانيون، اعتبرتها طهران محاولة لإثارة المشاعر الانفصالية وسط ملايين الإيرانيين من الإتنية الأذرية.
وأفاد موقع "إيران واير" بأن هناك أكثر من 50 موقعاً إلكترونياً نشطاً باللغة التركية الأذرية تؤيد طهران، مشيرة إلى أن باكو "تراقبها".
وأضاف أن السلطات في أذربيجان أمرت "مؤسسة الإمام الخميني الخيرية" بوقف كل نشاطاتها على أراضيها في عام 2014، في ظلّ اتهامات بدعمها "حركات انفصالية".
مواجهة مباشرة
وبحسب “جيوبوليتيكال مونيتور”، فإن تصاعد عدوانية إيران ضد أذربيجان ربما يكون مؤشراً على احتمال شن إيران الحرب ضد أذربيجان، بعدما فشلت في إخضاعها لنفوذها.
واعترفت طهران بأذربيجان كدولة مستقلة بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، "على أمل أن تكون بمثابة أرض خصبة لنشر الثورة الإسلامية"، وفق مجلة "فورين أفيرز".
ولفتت المجلة إلى أن "النخبة الأذربيجانية" لم تهتم بمحاكاة النموذج الإيراني، و"تطلّعت إلى تركيا العلمانية بوصفها شريكاً سياسياً واقتصادياً رئيساً لها"، خاصة أن المواطنين في البلدين يشتركون في العرق واللغة، وهو ما يغضب إيران.
والأسبوع الماضي، وصف مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، الاتهامات الموجهة إلى بلاده بالسعي لشن حرب على أذربيجان بأنها “اتهامات زائفة”.
وقال ولايتي في تصريح لوكالة “تسنيم” إن “إيران لا تنوي أن تعتدي على أي دولة من دول الجوار في القوقاز أو أي دولة أخرى، ولم تكن لديها أبداً أطماع تجاه الدول المجاورة، بل على العكس من ذلك، فهي فكّرت دائماً في وجود علاقة جيدة وتقديم المساعدة”.
في المقابل، ترى صحيفة "أذري تايمز" الأذربيجانية أن إيران تحاول زيادة حدة التوتر في المنطقة من خلال المناورات وتسليح أرمينيا بالطائرات المسيرة دون المغامرة بالدخول في حرب مباشرة، بهدف منع توفر ظروف الاستقرار التي تحتاجها أذربيجان لإنجاز ممر "زانجيزور".
أزمة ممر "زانجيزور"
وبينما نفى ولايتي نية بلاده الاعتداء على أذربيجان، فإن ذلك لا يعني أن طهران ستسمح بإنشاء ممر "زانجيزور"، الذي تسعى أذربيجان لإقامته على الحدود بين إيران وأرمينيا، ليربط بين جمهورية أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان التابع لها والمتمتع بالحكم الذاتي داخل أرمينيا.
وتنظر إيران إلى المشروع على أنه مؤامرة دولية لتطويقها جغرافياً، متعهدة بمنع أي محاولة لتغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة.
واعتبر المتحدث باسم وكالة الفضاء الإيرانية حسين داليريان أن المناورات الأخيرة، التي نفذها الحرس الثوري الإيراني قرب الحدود مع أذربيجان، مؤشر على رد إيران على ممر "زانجيزور".
وكتب على "تويتر" أن "الحرس الثوري نقل معدات ضمنها مدرعات ومدفعية وجسور مؤقتة عائمة".
وأضاف: "رغم أن هذه المعدات نُقلت بهدف تنفيذ المناورات فقط، إلا أنها تُبرز عزيمة الحرس الثوري وجديته بشأن المواجهة العسكرية مع أي نظام يحاول بتر الأراضي التي تربط إيران بأرمينيا".
وفي خطوة بدت كأنها رسالة إلى أذربيجان ضد أي خطط مزعومة لتغيير الحدود وعزل إيران عن أرمينيا، توجه وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان إلى أرمينيا في 20 أكتوبر، في زيارة استغرقت 3 أيام افتتح خلالها قنصلية في كابان، عاصمة مقاطعة سيونيك في جنوب أرمينيا، وهي منطقة هاجمتها قوات أذربيجان في سبتمبر.
وذكرت تقارير إعلامية أن الافتتاح جاء قبل انتهاء أشغال تجديد مبنى القنصلية، وفي مؤشر على أن الافتتاح جاء بشكل متعجل.
وقال عبد اللهيان في كلمته خلال حفل الافتتاح: “لقد أعلنا بوضوح معارضتنا لأي تغيير جيوسياسي للحدود في منطقة القوقاز.. ونعتبر أمن أرمينيا من أمن إيران وأمن المنطقة”.
مخاوف من إسرائيل
وبالإضافة إلى قلقها المتزايد من النفوذ التركي على أذربيجان، تخشى طهران أيضاً من التعاون العسكري والدبلوماسي المتنامي لأذربيجان مع إسرائيل.
وتعود الروابط بين إسرائيل وأذربيجان المتاخمة لإيران إلى ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق في أوائل التسعينيات. وأقام البلدان علاقات دبلوماسية.
ولدى إسرائيل سفارة في العاصمة الأذربيجانية باكو بينما افتتحت اذربيجان مكتباً تجارياً في تل أبيب في يوليو 2021 ومكتباً للسياحة في مارس 2022.
والسبت، أعلن رئيس أذربيجان إلهام علييف أن بلاده قررت رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في إسرائيل، وفتح سفارة في تل أبيب.
وتسعى إسرائيل إلى إقامة جسور مع أذربيجان لتوسيع نطاق شبكة علاقاتها إلى الدول ذات الغالبية المسلمة خارج إطار تلك التي كانت منضوية في الاتحاد السوفياتي السابق، فيما ترى إيران في ذلك تهديداً لأمنها القومي.
وفي أكتوبر 2021، بررت إيران مناورات عسكرية ضخمة نفذتها على الحدود مع أذربيجان بـ"الوجود الإسرائيلي المتزايد" في أذربيجان.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن طهران "لن تتسامح مع أي شكل من أشكال تواجد إسرائيل بالقرب من حدودها"، مضيفة أنها "في هذا الصدد، ستتخذ ما تجده مناسباً لأمنها القومي"، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وتتهم طهران مسؤولين أذربيجانيين بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (موساد) في اغتيال علماء نوويين إيرانيين، بحسب "فورين أفيرز".
كما اتهمت طهران باكو أيضاً بالسماح لطائرات مسيّرة إسرائيلية بالتجسس على منشآت نووية في عمق إيران التي "استخدمت شركات واجهة أرمينية، لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة" عليها، وفق "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".
وفي السنوات الاخيرة، أصبحت اسرائيل من أهم موردي الأسلحة لأذربيجان وبلغت مبيعاتها أكثر من 740 مليون دولار، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (سيبري).
اقرأ أيضاً: