تواجه الشركات المحلية مشكلات في روسيا، نتيجة العزلة الدولية المفروضة على البلاد، بعد غزوها أوكرانيا، فيما تتجه الشركات الأجنبية نحو الخروج، ما قد يفاقم من مشكلة الركود الاقتصادي، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن روسيا محاصرة بالعقوبات الدولية، مضيفة أن الاقتصاد الحادي عشر في العالم يشهد رحيل شركات متعددة الجنسيات، في صناعات متنوّعة مثل تصنيع السيارات والسلع الرياضية والأجهزة الاستهلاكية.
وبالنسبة إلى الشركاء الروس السابقين لتلك الشركات، فإن الخيار الوحيد يكمن في إعادة تنظيمها بسرعة، على أمل البقاء في قطاع الأعمال، علماً بأن الشركات المنسحبة من روسيا تشمل "إيكيا" و"رينو" و"آبل" و"نايك" و"رويال داتش شل".
وذكرت "بلومبرغ" أن حوالي 3 ملايين روسي قد يخسرون وظائفهم، إذ يعملون إما في شركات مقرّها في الخارج أو في مؤسسات محلية تنفذ مشاريع مشتركة مع أخرى في الخارج.
"انهيار مالي زاحف"
الملياردير أوليج ديريباسكا، الذي يخضع لعقوبات أميركية منذ عام 2018، قارن المحنة الحالية بتخلّف روسيا عن تسديد ديونها عام 1998، مستدركاً أن الوضع أكثر سوءاً بـ"ثلاث مرات".
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.3% في عام 1998، فيما تجاوزت البطالة 13% في العام التالي. لكن مصرفَي "جولدمان ساكس" و"جي بي مورجان" يرجّحان انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 7% في عام 2022.
كذلك يتوقّع قسم الأبحاث الاقتصادية في "بلومبرغ" انكماشاً بنحو 9%، مرجّحاً أن يبلغ 14% إذا فُرضت قيود على صادرات الطاقة الروسية. وقال الملياردير الروسي ديريباسكا "ستستمر الأزمة لثلاث سنوات على الأقلّ وستكون قاسية جداً".
وذكرت "بلومبرغ" أن روسيا جهدت لاحتواء "انهيار مالي زاحف"، من خلال فرض ضوابط على رأس المال وإجراءات طارئة أخرى أغلقت الأسواق المحلية، مستدركة أن لا حلّ سريعاً لصعوباتها الاقتصادية.
وجمّدت "إيكيا" عملياتها المحلية مؤقتاً، بعد أكثر من عقدين على وجودها في السوق، في قرار تُرجّح أن يمسّ بشكل مباشر موظفيها البالغ عددهم 15 ألفاً. كذلك جمّدت كبرى شركات صناعة السيارات، "أفتوفاز"، التي تمتلك "رينو" غالبية أسهمها وتوظّف أكثر من 34 ألف شخص، التجميع في مدينتين بعد نفاد المكوّنات.
في غضون ذلك، يخزّن تجار التجزئة أغذية أساسية، مثل الحنطة السوداء والملح. وأعلنت مجموعة "في تي بي جروب"، ثاني أبرز مصرف في روسيا يخضع لعقوبات لدولية، أنها استقطبت أكثر من نصف مليون مدخر جديد ونحو 9 مليارات دولار نقداً في 3 أيام، من خلال تقديم معدلات إيداع عالية تبلغ 21%.
ارتفاع التضخم
ورغم ارتفاع أسعار النفط، تتزامن الحرب في أوكرانيا مع وقت محفوف بالأخطار بالنسبة إلى الاقتصاد الروسي، المحروم منذ فترة طويلة من الاستثمارات والذي يعتمد بشكل كبير على الواردات، في صناعات متنوّعة مثل المنسوجات ومستحضرات التجميل.
وفي السنوات الأربع الماضية، بالكاد تراجعت حصة السلع الأجنبية في سوق التجزئة غير الغذائية، وبلغت 75% في عام 2020، بحسب تقرير أعدّته المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، في نوفمبر الماضي، أظهر أن هذه النسبة تتجاوز 90% في قطع غيار السيارات والألعاب.
وحتى بعدما انتهجت روسيا سياسة تقلّص تأثير العقوبات، منذ ضمّت شبه جزيرة القرم في عام 2014، أدى الانفصال المفاجئ عن الاقتصاد العالمي إلى شلّ الإنتاج ويهدد بكبح النموّ طيلة سنوات، بحسب "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن تراجع قيمة الروبل بأكثر من 30% حتى الآن هذا العام، سيمسّ الأسر الروسية بشكل متزايد، فيما أن النقص في السلع وعدم اليقين سيؤديان إلى ارتفاع التضخم.
وقالت صوفيا دونيتس، أبرز الخبراء الاقتصاديين في مصرف الاستثمار الروسي "رينيسانس كابيتال": "إن أيّ سيناريو قاتم لن يشكّل مبالغة. المدفوعات والخدمات اللوجستية لم تتعطّل في البلاد، لكن الأسعار ارتفعت وستنضب المخزونات في غضون شهر أو اثنين".
ونبّهت إلى أن البطالة قد تتجاوز 10%، من دون دعم حكومي، لتبلغ مستوى لم تشهده سوى لدى انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً للمرة الأولى قبل أكثر من عقدين، علماً بأن معدل البطالة بلغ 4.4% في يناير الماضي.
"ركود عميق"
وقال الخبيران الاقتصاديان في "بلومبرغ" سكوت جونسون وتوم أورليك: "تشير الدلائل المبكرة إلى أن الأزمة الحالية خطيرة بالنسبة إلى روسيا على الأقلّ مثل الأزمة المالية الكبرى في عامَي 2008 و2009، أو التخلّف عن سداد الديون في عام 1998. وستكون التداعيات الاقتصادية ضخمة، كما أن ثمن حرب فلاديمير بوتين سيكون ركوداً عميقاً".
وتجهد الحكومة الروسية لمحاولة تأمين استقرار الأسواق ووقف خروج رأس المال من البلاد، كما تعمل على صوغ برنامج لمكافحة الأزمة، من خلال حزمة أولى من الإجراءات لمساعدة الاقتصاد على التكيّف مع الوضع، أُقرّت هذا الأسبوع. وفي إطار جهود لاستباق أي نقص، التقى وزيرا الصحة والصناعة بممثلين عن شركات صنع الأدوية وموزعين، لضمان الإمدادات.
كذلك ضاعف المصرف المركزي الروسي تكاليف الاقتراض، فيما على الأفراد الذين يسعون إلى شراء عملات صعبة في السوق المفتوحة، دفع عمولة 12% للوسطاء.
ورغم اعتمادها الكامل على السلع الأجنبية، باتت روسيا أكثر مرونة، بعدما تحوّلت من أحد أبرز مستوردي الغذاء في العالم، إلى دولة مصدّرة على نطاق عالمي. كما أن القيود المفروضة بعد الجولة الأولى من العقوبات التي طاولت روسيا قبل 8 سنوات، جعلت إمداداتها الغذائية أقلّ اعتماداً على المنتجات الأجنبية، بحسب "بلومبرغ".
ومع ذلك، حضّ ديريباسكا على السلام، باعتباره "الخطوة الأولى" بالنسبة إلى اقتصاد يعاني من أزمة، معتبراً أن على روسيا الابتعاد بشكل أكثر حسماً عن أوروبا، وداعياً إلى نقل عاصمة البلاد باتجاه الشرق، لتكون أقرب إلى آسيا. وقال: "هذه هي (نتيجة) تركيزنا الشديد على الغرب، إنهم لا يريدوننا، يجب أن ننساهم".