ألمانيا.. خارطة الأحزاب المتنافسة على حقبة ما بعد ميركل

time reading iconدقائق القراءة - 15
ملصق انتخابي لـ"حزب الخضر" في برلين - 16 أغسطس 2021 - Bloomberg
ملصق انتخابي لـ"حزب الخضر" في برلين - 16 أغسطس 2021 - Bloomberg
دبي – إيلي هيدموس

تشهد ألمانيا في 26 سبتمبر المقبل انتخابات نيابية، يتوقع أن تطوي صفحة المستشارة أنجيلا ميركل، التي حكمت البلاد منذ عام 2005.

طيلة تلك السنوات، قادت ميركل المحافظين، الذين يواجهون صعوبات إزاء الأحزاب الأخرى، لا سيّما الاشتراكي والخضر.

وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات تمسّ ألمانيا في المقام الأول، لكن تأثيرها يطال أوروبا والعالم، إذ إن ألمانيا هي الأقوى اقتصادياً في القارة العجوز، وتشكّل مع فرنسا قاطرة تقود الاتحاد الأوروبي، ويُرجّح أن يتعزّز نفوذهما، بعد خروج المملكة المتحدة من التكتل.

نظام الحكم

يحكم ألمانيا نظام ديمقراطي برلماني فيدرالي، يقوده المستشار، ويؤدي فيه الرئيس دوراً شرفياً إلى حد كبير. وتنقسم البلاد إلى 299 دائرة انتخابية، فيما يضمّ مجلس النواب (بوندستاغ) 598 مقعداً على الأقلّ، وعادة أكثر، إذ إن لكل مواطن صوتين، الأول يُستخدم لانتخاب نائب محلي، يمثّل إجمالاً نحو ربع مليون شخص، ويضمن مقعداً لكل مرشح فائز.

أما التصويت الثاني، فيكون لحزب، وليس لمرشح. ويُستخدم ذلك لتحديد النسبة الإجمالية للمقاعد التي سيشغلها كل حزب في المجلس. وتُخصّص هذه المقاعد لأعضاء في لوائح مرشحين، يُنتخبون عبر التمثيل النسبي، شرط أن يتجاوز الحزب عتبة الـ 5% من الأصوات على الصعيد الوطني. واعتُمدت هذه العتبة لمنع الأحزاب الصغيرة، والمتطرفة غالباً، من دخول المجلس، ولمنع انقسام الحكومة، كما حصل خلال "جمهورية فايمار"، في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين.

"مقاعد متراكمة" في البرلمان

هذا النظام الانتخابي، يجعل مجلس النواب مختلفاً في كل مرة، إذ إن تركيبته يجب أن تعكس نتائج التصويت الثاني. ولكن بما أن اقتراع الناخبين يكون غالباً مختلفاً بين التصويتين، الأول والثاني، يعني ذلك أن الأحزاب تفوز غالباً بمقاعد أكثر في التصويت الأول، مما تفوز به في الثاني.

وإذا فاز حزب بدوائر انتخابية أكثر ممّا يحق له، بناءً على نصيبه في التصويت على لائحته، تُعرف الإضافات باسم "المقاعد المتراكمة"، وتُمنح الأحزاب الأخرى "مقاعد موازنة"، لإبقاء التمثيل بشكل نسبي للوائح الانتخابية. وبذلك يضمّ المجلس الحالي، الذي انتُخب في عام 2017، 709 أعضاء، وهو الأضخم في تاريخ ألمانيا. وصوّت النواب العام الماضي على خفض عدد الدوائر الانتخابية، من 299 إلى 280، بحلول عام 2025، من أجل خفض عدد أعضائه.

وإذ يعتمد التصويت الأول على الاقتراع المباشر، يستند الثاني إلى القوائم الحزبية في الولايات الـ 16، ويحدّد القوة النسبية للأحزاب الممثلة في البوندستاغ.

الناخبون والأحزاب

ثمة 60.4 مليون ناخب في ألمانيا، التي يقطنها 83.1 مليون نسمة، وتتيح الاقتراع لمواطنيها الذين تجاوزوا 18 سنة، علماً أن التصويت بالبريد ممكن. وبين هؤلاء حوالي 2.8 مليون ناخب يقترعون للمرة الأولى، كما أن النساء (31.2 مليون) يتجاوزن الرجال (29.2 مليون).

قدّم 54 حزباً طلبات للمشاركة في الانتخابات، التي ستخوضها 47 منها، ويعد هذا الرقم، الأعلى في أي انتخابات نيابية، علماً أن ثمة الآن 7 أحزاب ممثلة في المجلس، هي: "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" بزعامة ميركل، وحزبه الشقيق في بافاريا "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، و"الحزب الديمقراطي الاشتراكي" ليسار الوسط، و"حزب اليسار"، و"حزب الخضر"، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، و"حزب الديمقراطيين الأحرار" الليبرالي.

للمرة الأولى منذ 15 سنة، تُظهر استطلاعات الرأي تقدّم الحزب الاشتراكي على المحافظين، في نيات التصويت. ولكن على الفائز أن يشكّل ائتلافاً من أحزاب عدة، تستطيع تأمين مقاعد كافية في البرلمان لاختيار المستشار.

الحزب الاشتراكي

أُسّس في عام 1890، ويضمّ 419340 عضواً، كما أن لديه 153 عضواً في مجلس النواب المنتهية ولايته. مرشح الحزب هو أولاف شولتز، وزير المال ونائب ميركل، علماً أنه ضمّ شخصيات تاريخية، مثل فيلي براندت، المستشار بين عامَي 1969 و1974، وهلموت شميدت، الذي تولّى المنصب بين عامَي 1974 و1982، وغيرهارد شرودر، المستشار بين عامَي 1998 و2005.

يستند الحزب الاشتراكي إلى "الاتحاد العام للعمال الألمان"، الذي أُسّس في عام 1863، و"حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي"، الذي أُسّس في عام 1869، اللذين اندمجا في عام 1875 لتشكيل "حزب العمال الاشتراكي الألماني"، الذي بدّل اسمه إلى "الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، في عام 1890، ما يجعله الأقدم في ألمانيا.

تطوّر الحزب في جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية)، ليصبح "حزباً يسارياً جامعاً"، يرتبط بعلاقات وثيقة مع النقابات، مطالباً بدولة رفاهية قوية تكرّس العدالة الاجتماعية، ولا تمثّل مصالح مجموعة معيّنة. والحزب هو الشريك الأصغر في ما يُسمّى "الائتلاف الكبير"، منذ عام 2013، ويضمّه مع حزبَي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي".

واجتذب الحزب الاشتراكي تقليدياً، الطبقات العاملة والنقابات، وشكّل مظلّة لحركات يسارية ونقابيين وشيوعيين، في العقود الأولى المضطربة من القرن العشرين. وبات فيلي براندت أول مستشار من الحزب الذي أدى دوراً أساسياً، في عام 2015، في اعتماد حدّ أدنى وطني للأجور في ألمانيا، يبلغ الآن 9.35 يورو في الساعة.

الحزبان الشقيقان

يُعرف حزبا "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، بـ "الاتحاد"، اختصاراً، علماً أنهما أُسّسا في 26 يونيو 1945، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ولدى الحزب الأول 405816 عضواً، والثاني 139130، و246 نائباً.

رشّح الاتحاد لمنصب المستشار، أرمين لاشيت، زعيم ولاية شمال الراين فيستفالن، الأكبر في ألمانيا من حيث عدد السكان. وإذا انتُخب لاشيت مستشاراً، فسيخلف شخصيات تاريخية في الاتحاد، مثل ميركل (2005-2021)، وهلموت كول (1982-1998)، وكيرت غيورغ كيسنجر (1966-1969)، ولودفيغ إرهارد (1963-1966)، وكونراد أديناور، أول مستشار اتحادي، بين عامَي 1949 و1963.

يُعتبر أديناور بمثابة "الأب المؤسّس" لألمانيا الاتحادية، وساهم في إعادة بناء نظامها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وأشرف، مع وزير الاقتصاد لودفيغ إرهارد، الذي خلفه لاحقاً في المستشارية، على "المعجزة الاقتصادية" لألمانيا الغربية. كما أن هلموت كول قاد إعادة توحيد ألمانيا، في عام 1990.

شكّل "الاتحاد" القوة السياسية المهيمنة في حقبة ما بعد الحرب، علماً أنه يتبنّى قيماً مسيحية محافظة، ويلتزم باقتصاد السوق الليبرالي، في إطار تنظيمي للقواعد والقوانين التي تحدّدها الدولة.

وثمة فصيل يميني، باسم "اتحاد القيم"، انشق عن "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، في عام 2017، نتيجة مناهضته سياسات ميركل، معتبراً أنها تجنح يساراً.

"حزب الخضر"

أُسّس في عام 1980، موحّداً حركات احتجاج اجتماعية، ويضمّ 101560 عضواً، و67 نائباً. ورشّح الحزب أنالينا بيربوك في الانتخابات المقبلة.

يعتمد الحزب على سكان المدن، من حاملي الشهادات الدراسية، لا سيّما في مدن رئيسة بغرب ألمانيا. اعتبرت شبكة "دويتشه فيليه" أن الحزب "قد يكون أنجح حركة للثقافة المضادة، في التاريخ السياسي لألمانيا بعد الحرب" العالمية الثانية.

حقق الحزب مفاجأة، في عام 1983، بعدما تجاوز عتبة الـ 5% لدخول مجلس النواب، وبات تدريجاً يمثّل الطبقة الوسطى، بعدما ارتبط بالهيبيين وناشطي البيئة، علماً أن التحالف أُسّس رسمياً في عام 1993، بعد اندماج حزب الخضر مع "تحالف 90" للحقوق المدنية في ألمانيا الشرقية، و"القائمة البديلة للديمقراطية وحماية البيئة"، في ما بات يُعرف باسم "تحالف 90/الخضر".

وباتت للحزب مكانة بارزة في السياسة الألمانية، بين عامَي 1998 و2005، بعدما شارك في الائتلاف الحكومي، مع الحزب الاشتراكي بقيادة غيرهارد شرودر، وشغل حقيبة الخارجية، ممثلاً بيوشكا فيشر.

"حزب اليسار"

تقود الحزب امرأتان، هما: سوزان هينيغ-فيلسو، وتُعتبر براغماتية من شرق ألمانيا، وجانين فيسلر، وهي ماركسية من غرب البلاد. يضمّ الحزب 61500 عضو، ويمثله 69 نائباً.

يشكّل الشطر الشرقي من ألمانيا معقلاً للحزب، إذ إن معظم ناخبيه شيوعيون سابقون، وآخرون خائبون من الأحزاب التقليدية، علماً أن كثيرين منهم باتوا قوميين شعبويين، ينتمون إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا".

أُسّس حزب اليسار في عام 2007، لكنه يُعتبر سليلاً مباشراً لـ"حزب الوحدة الاشتراكية"، الذي حكم ألمانيا الشرقية حتى إعادة توحيدها مع الشطر الغربي، في عام 1990. شُكّل الحزب من اندماج "حزب الاشتراكية الديمقراطية"، الذي خلف "حزب الوحدة الاشتراكية"، و"العمل والعدالة الاجتماعية - البديل الانتخابي"، وهي حركة في غرب ألمانيا تضمّ نقابيين وأعضاء ساخطين من الحزب الاشتراكي، بعدما قلّص شرودر تقديمات الرفاهية. وكان أبرز هؤلاء المنشقين، وزير المال السابق أوسكار لافونتين، الذي قاد حزب اليسار ولا يزال من قياديّيه.

وبقي حزب اليسار منبوذاً من الأحزاب الرئيسة الأخرى، ولم يشارك أبداً في ائتلاف حكومي فيدرالي، جزئياً نتيجة ارتباطه بديكتاتورية ألمانيا الشرقية، بحسب "دويتشه فيليه"، علماً أنه الحزب الألماني الرئيس الوحيد الذي يرفض المهمات العسكرية في الخارج، كما يريد حلّ حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ورفع الحد الأدنى للأجور بشكل كبير.

"البديل من أجل ألمانيا"

أُسّس في عام 2013، ويضمّ 35 ألف عضو، ولديه 92 نائباً. ينتهج الحزب سياسات شعبوية يمينية، ويريد أن تخرج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، وإلغاء اليورو. كذلك يرفض الهجرة إلى حد كبير، وتدابير مناهضة للاحتباس الحراري، معتبراً أنه ليس من صنع البشر.

صنّف "المكتب الاتحادي لحماية الدستور"، وهو جهاز الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، الحزب بأنه جماعة يمينية متطرفة. كما أن أعضاء فيه يخضعون لمراقبة، نتيجة آرائهم اليمينية المتطرفة والمناهضة للدستور. والحزب ممثل في كل برلمانات الولايات، وفي البوندستاغ، حيث يُعتبر أبرز أحزاب المعارضة، كما أنه قوي بشكل خاص في شرق البلاد.

الحزب الذي يتزعمه يورغ موثن وتينو تشروبالا، جذب ناخبين من كل الأحزاب الرئيسة الأخرى، باستثناء "الخضر"، علماً أن أكاديميين ليبراليين أسّسوه، احتجاجاً على العملة الأوروبية الموحدة، ورفضاً لقرار ميركل بإنقاذ اليونان، في عام 2010، بعد الأزمة المالية في أوروبا.

وشهد الحزب صراعاً على السلطة، في عام 2015، انتهى بالإطاحة بزعيمه بيرند لوكي، وإبداله بفراوكي بيتري، الذي اعتمد، مع شخصيات بارزة أخرى، أجندة أكثر قومية، ومعادية للمهاجرين والإسلام، وهذه سياسة حققت نجاحاً نسبياً، خلال أزمة اللاجئين في عام 2015. ترك بيتري الحزب أيضاً، قبل انتخابات 2017، علماً أن قياديين، أبرزهم بيورن هوكي، يستخدمون خطاباً يستحضر الحقبة النازية، أو يقلّلون من أهميتها.

"حزب الديمقراطيين الأحرار"

أُسّس في عام 1948، ويضمّ 65500 عضو، ولديه 80 نائباً. جذب الحزب ناخبين يعملون لحسابهم الخاص، لا سيّما المهنيين، مثل أطباء الأسنان والمحامين. يستند برنامج الحزب إلى مبادئ الحرية الفردية والحقوق المدنية، وهو مؤيّد للاتحاد الأوروبي.

دخل الحزب البرلمان الألماني بشكل منتظم، منذ إعلان ألمانيا الاتحادية. لكنه عانى من خسائر انتخابية ضخمة، في عام 2013، إذ فشل في تجاوز عتبة الـ 5% لدخول المجلس، لكنه برز مجدداً، بقيادة زعيمه الجديد كريستيان ليندنر، وعاد إلى البرلمان.

اعتُبر الحزب "صانعاً للملوك"، بالنسبة إلى حزبَي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، والحزب الاشتراكي، على الرغم من أنه لم يَقد ائتلافياً حكومياً. لكنه شارك في حكومات متعاقبة، عبر وزراء كثيرين، بينهم هانز ديتريش غينشر، الذي تولّى حقيبة الخارجية بين عامَي 1974 و1992، وكان شخصية تاريخية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

اقرأ أيضاً: