بوريس جونسون.. خيارات "ربّان الأزمات" بمواجهة موجة الاستقالات

time reading iconدقائق القراءة - 14
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال جلسة البرلمان - 6 يوليو 2022 - AFP
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال جلسة البرلمان - 6 يوليو 2022 - AFP
دبي - عزيز عليلو

قبل أيام، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه يطمح للفوز بولاية ثالثة في عام 2029 والبقاء في السلطة حتى منتصف العقد المقبل. لكن، يبدو أن موجة الاستقالات المتتالية التي قدمها أعضاء حكومته، قد تمنعه من البقاء حتى موعد انتهاء ولايته الأولى المقرر في عام 2024.

من الناحية النظرية، ما لم يقدم جونسون، الذي اعتاد تجاوز الكثير من العقبات منذ تصدره المشهد السياسي في بريطانيا، الاستقالة بنفسه، فإن فرص الإطاحة به من قبل المتمردين عليه داخل الحكومة وحزب المحافظين "تكاد تكون شبه معدومة"، خصوصاً بعد نجاته من تصويت داخل الحزب لسحب الثقة قبل أسابيع، فيما تنص قواعد الحزب على أنه لا يمكن التصويت بحجب الثقة مرة أخرى قبل مرور عام.

إلى ذلك، لا تملك المعارضة الأصوات الكافية في مجلس العموم البريطاني من أجل تقديم مقترح قانون لسحب الثقة من جونسون وتنظيم انتخابات عامة مبكرة. لكن هناك سيناريوهات أخرى للإطاحة برئيس الوزراء من منصبه وتعيين رئيس وزراء جديد من الحزب الحاكم، من دون اللجوء إلى انتخابات عامة، أبرزها: تعديل قواعد "لجنة 1922" المشرفة على أداء حزب المحافظين للسماح بإجراء تصويت سحب ثقة ثان ضد جونسون.

تغيير قواعد "لجنة 1922"

بحسب قواعد حزب المحافظين، حين يكون رئيس الوزراء من الحزب ويصر على رفض الاستقالة رغم وجود أصوات داخل الحزب تعارض استمراره، فإن القرار الحاسم يكون في يد "لجنة 1922".

تم إنشاء اللجنة في أبريل 1923 بمباردة من نواب محافظين بهدف تسهيل اتخاذ قرارات مجموعة الحزب في البرلمان، وفقاً لموقع البرلمان البريطاني. ومنذ 1926، أصبحت اللجنة توجه دعوة عضويتها لكل أعضاء الحزب بالبرلمان، باستثناء الوزراء.

ويمكن للجنة تفعيل حجب الثقة عن رئيس الوزراء، بعد تقديم 15% على الأقل من النواب المحافظين (حالياً 54 عضواً)  خطابات سرية إلى رئيس اللجنة، وإجراء تصويت لحسب الثقة.

وخضع جونسون، لتصويت حجب الثقة في 6 يونيو المنصرم على خلفية فضيحة الحفلات "بارتي جيت"، لكنه نجا من الاستقالة بفارق ضئيل. وشارك جميع النواب المحافظين البالغ عددهم 359 في التصويت، فنال جونسون تأييد 211 نائباً مقابل تصويت 148 آخرين لصالح سحب الثقة منه. 

وبحسب القواعد الحالية للجنة، فإن جونسون يتمتع بالحصانة من أي تصويت آخر على الثقة لمدة 12 شهراً. لكن اللجنة التنفيذية للجنة 1922 قد تسعى لتغيير هذه القاعدة.

وبينما قررت اللجنة التنفيذية في اجتماع، مساء الأربعاء، عدم تغيير قاعدة الحصانة لمدة 12 شهراً، فإن الأمور قد تتغير عقب انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، الاثنين المقبل. وذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن القيادة الجديدة قد تقرر تغيير القاعدة خصوصاً في حال انتخاب معارضيه.

"خسارة كبيرة محتملة"

وفي حال إجراء تصويت آخر على سحب الثقة، فإن احتمال خسارة جونسون ستكون كبيرة، في ظل تزايد أعداد الاستقالات بين وزراء حكومته وتصاعد الأصوات داخل حزب المحافظين التي تدعوه لاستقالة، بحسب صحيفة "تايمز".

وإذا خسر جونسون في اقتراع الثقة المحتمل، فسيضطر للاستقالة من زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، ولا يسمح له بترشيح نفسه للزعامة في الانتخابات الحزبية التالية. بالتزامن مع الاستقالة، سيفتح المجال لانتخاب قائد جديد لحزب المحافظين، على أن يصبح الفائز في نهاية المطاف رئيساً للوزراء.

يذكر أن زعيم حزب المحافظين دنكان سميث، كان قد خسر بفارق ضئيل في تصويت الثقة في 28 أكتوبر 2003، ليعلن بعد ذلك استقالته فور انتخاب قائد جديد للحزب، وهو ما تم بعد أسبوع واحد من سحب الثقة منه، وفقاً لشبكة "ITV".

سيناريو تيريزا ماي

في ظل إصراره على الاستمرار في السلطة وتزايد عدد الاستقالات وسط أعضاء حكومته، أصبح جونسون يواجه تهديد تكرار سيناريو رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي.

في ديسمبر 2018، نجت ماي في اقتراع الثقة داخل "لجنة 1922"، لكنها اضطرت إلى الاستقالة من منصب رئاسة الوزراء بعد ستة أشهر من ذلك، على خلفية معارضة وسط أعضاء الحزب لطريقة إدارتها مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وكان جونسون الشخصية البارزة في حملة الضغط على ماي، إذ استقال من منصب وزير الخارجية، الذي كان يشغله، احتجاجاً على مسودة الاتفاق الذي قدمته بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي أواخر مايو 2019، أعلنت ماي، أنها ستستقيل بعد شهر واحد، ما سمح بإجراء سباق داخل حزب المحافظين لاختيار قائد جديد، وهو السباق الذي فاز به جونسون.

وكشفت كواليس استقالة ماي، التي نشرتها وسائل الإعلام البريطانية، أن ماي وافقت على عرض من قيادة لجنة 1922 للاستقالة في موعد تحدده بنفسها، بدلاً من تغيير قواعد اللجنة بهدف إجراء تصويت ثان على سحب الثقة منها، وبالتالي إرغامها على الاستقالة بشكل فوري.

ورجحت صحيفة "جارديان" البريطانية، تكرار سيناريو ماي مع بوريس جونسون، قائلةً إنه يبقى الخيار الأفضل بالنسبة لجونسون من أجل المغادرة "بكرامة". وفي حال رفضه هذا الخيار، تقول الصحيفة، فإن الحل الأكثر ترجيحاً لمغادرته سيكون هو تغيير قواعد لجنة 1922 وإجراء اقتراع سحب ثقة آخر ضده في أقرب وقت ممكن.

واجتمع في مقر الحكومة البريطانية "10 دوانينج ستريت"، مساء الأربعاء، وزراء حكومة جونسون الداعمين له مع أعضاء اللجنة البرلمانية لحزب المحافظين "1922"، لكن لم يصدر أي بيان رسمي بشأن مخرجات الاجتماع.

استمرار الاستقالات

بحلول مساء الأربعاء، قدم نحو 44 وزيراً أو مساعد استقالاتهم من الحكومة التي يبلغ عدد أعضائها 120 عضواً، ضمن حملة منسقة للضغط جونسون من أجل التنحي.

في المقابل، يصر جونسون على بقائه، قائلاً ، إن لديه "تفويضاً ضخماً" من انتخابات 2019 وإنه "سيستمر".

وكتب المحرر السياسي لصحيفة "ذا صن"، هاري كول، في تغريدة على تويتر، أن وزيراً في الحكومة أبلغه أن "رئيس الوزراء سيقاتل" وبأن جونسون قد يلجأ إلى تعديل حكومي، حتى وإن كان المزيد من الاستقالات متوقعاً.

ويعني رفض جونسون الاستقالة، أنه سيواجه على الأرجح مذكرة ثانية بحجب الثقة عن حكومته في البرلمان. وقال هاري كول إنه أُبلغ أن رئيس الوزراء يعتبر ذلك بمثابة "البرلمان مقابل الشعب".

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ، فإن استمرار موجة الاستقالات من شأنها أن تدفع جونسون في نهاية المطاف إلى الاستقالة، خاصة في حال تعذر عليه العثور على داعمين له من الحزب لتعويض المناصب الشاغرة.

ولفتت "بي بي سي"، إلى أن حتى بعض الوزراء الذين يرفضون الاستقالة من مناصبهم، ليسوا بالضرورة داعمين لبقاء جونسون، مشيرةً إلى أن بعضهم يطالب رئيس الوزراء، في الحديث الخاص معه، بالتفكير في التنحي.

وانضمت وزيرة الداخلية بريتي باتيل، التي كانت من حلفاء جونسون، الأربعاء، إلى معسكر المطالبين بمغادرة جونسون. 

وفي السياق، أقال جونسون، الأربعاء، وزير الإسكان مايكل جوف، الذي أفادت وسائل إعلام محلية، أنّه دعا في وقت سابق، رئيس الوزراء، إلى الاستقالة.

في المقابل، فإن جونسون ما زال يحظى بدعم من أعضاء الحكومة، في مقدمتهم وزيرة الخارجية ليز تروس، ووزير الدفاع بن والاس.

جايكوب ريس-موج الذي يتولى منصب "وزير فرص بريكست"، وهو أحد داعمي جونسون، وصف موجة الاستقالات بأنّهما مجرّد "صعوبات داخلية صغيرة" تواجه الحكومة.

وتسبّب جونسون في انقسام حزب المحافظين إلى فصائل متعددة ومتناحرة، حسبما أفادت "بلومبرغ"، التي تحدثت عن "حرب أهلية" في الحزب.

إلى ذلك، دعا كير ستارمر، زعيم حزب العمال المعارض، إلى المزيد من الاستقالات للضغط على جونسون، قائلاً إن أولئك الذين بقوا في مواقعهم "يطيعون طاعة عمياء"، و"يدافعون عما لا يمكن الدفاع عنه".

العزل عن طريق البرلمان

ويمكن عزل رئيس الوزراء كذلك عن طريق سحب الثقة داخل البرلمان، إذ يمكن لزعيم المعارضة كير ستارمر تقديم  اقتراح بحجب الثقة عن حكومة جونسون. ويحتاج المقترح إلى تأييد أغلبية بسيطة من أجل المصادقة عليه. حينها، سيكون على جونسون الاستقالة وتنظيم انتخابات مبكرة، بحسب موقع البرلمان البريطاني.

وسبق أن نجح حزب المحافظين في 28 مارس 1979، الذي كان في المعارضة آنذاك، في عزل حكومة حزب العمال، بحصول مقترح حجب الثقة الذي قدمه على 311 صوتاً مؤيداً، مقابل 310 أصوات معارضة للمقترح.  وأعقب ذلك حل البرلمان في 7 أبريل من العام ذاته، ثم أجريت انتخابات عامة مبكرة لاحقاً في 9 مايو فاز فيها حزب المحافظين.

وقال زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر إنه يرحب بانتخابات مبكرة إذ تحتاج البلاد تغييراً للحكومة، لكنه لم يعلن رغبته في تقديم مقترح حجب الثقة عن حكومة جونسون داخل البرلمان. 

كما رجحت "جارديان" البريطانية عدم إقدام حزب العمال على هذه الخطوة نظراً لانعدام فرص المصادقة على سحب الثقة، إذ تملك الحكومة أغلبية مريحة في البرلمان تفوق نواب المعارضة بـ 70 عضواً.

وأشارت الصحيفة إلى أن المعارضة ستحتاج إلى دعم نواب حزب المحافظين في البرلمان من أجل ضمان سحب الثقة، وهو ما رجحت عدم حدوثه، نظراً لمخاوف خسارة الحزب الحاكم في الانتخابات المبكرة. 

خيارات جونسون

جونسون قد يغادر السلطة بشكل فوري في حال سحب الثقة منه داخل البرلمان أو "لجنة 1922". ويبدو أن رئيس الوزراء واثق من عدم حدوث ذلك على الأقل في وقت قريب، لذلك يحاول الرهان على الوقت من أجل إعادة ترتيب أوراقه وإعادة بناء قاعدة أنصاره في الحزب.

فمن جهة، قد يتم تأجيل تغيير قواعد "لجنة 1922" لبعض الوقت، نظراً لعدم وجود بديل يحظى بالإجماع داخل حزب المحافظين لخلافة جونسون، بحسب "نيويورك تايمز".

ومن جهة أخرى، فإن جونسون قد يستمر في مناورة المتمردين عليه وإبطاء جهود إقالته بهدف الصمود على الأقل حتى موعد العطلة البرلمانية الصيفية، التي ستبدأ في 21 يوليو الجاري وتستمر حتى مطلع سبتمبر.

وقد تشمل المناورات إجراء تعديل وزاري من أجل استبدال بعض أعضاء الحكومة المتمردين عليه، أو التهديد باللجوء إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وهو إجراء يحاول أعضاء حزبه تفاديه مخافة خسارة الانتخابات.

ويفترض تنظيم الانتخابات القادمة في عام 2024، لكنها قد تنظم قبل ذلك لو استخدم جونسون صلاحياته، وقرر الذهاب إلى قصر باكنجهام لطلب حل البرلمان، وإجراء انتخابات عامة مبكرة.

وبحسب "جارديان"، فإن مصير جونسون قد ينتهي في الأخير بتصويت داخل لجنة 1922 على سحب الثقة، سواء حدث ذلك قبل العطلة الصيفية للبرلمان أو بعدها، لكنها أشارت إلى أن هذه مجرد تكهنات، لاسيما وأن بوريس جونسون أثبت قدرات خرافية على الإفلات من المآزق المتتالية التي واجهها خلال ولايته.
 
 اقرأ أيضاً:

تصنيفات