الانسحاب السريع يدفع الاستخبارات الأميركية نحو نهج جديد في أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 15
دورية لجنود أميركيين في قاعدة للجيش الأفغاني بولاية لوغار - 7 أغسطس 2018 - REUTERS
دورية لجنود أميركيين في قاعدة للجيش الأفغاني بولاية لوغار - 7 أغسطس 2018 - REUTERS
دبي - الشرقبالشراكة مع "نيويورك تايمز"

أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان يفرض ضغوطاً مكثفة على وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، للبحث عن وسائل جديدة لجمع المعلومات، ولتنفيذ ضربات لمكافحة الإرهاب في البلد، مستدركة أن لدى الوكالة خيارات محدودة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوكالة، التي كانت في صلب الحضور الأميركي في أفغانستان طيلة عقدين، ستفقد قريباً قواعد عسكرية فيها، كانت تدير من خلالها مهمات قتالية وتطلق طائرات مسيّرة، فيما تراقب عن كثب حركة "طالبان" وجماعات أخرى، مثل تنظيمَي "القاعدة" و"داعش". وأضافت أن محللي الوكالة يحذرون من أخطار متزايدة، لسيطرة "طالبان" على البلاد.

ويبذل مسؤولون أميركيون جهوداً مكثفة، لتأمين قواعد قريبة من أفغانستان، تصلح لاستخدامها في تنفيذ عمليات مستقبلية. لكن تعقيد النزاع المستمر، قاد إلى مفاوضات دبلوماسية شائكة، إذ يدفع الجيش باتجاه سحب كل قواته، بحلول بداية يوليو إلى منتصفه، قبل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي جو بايدن في 11 سبتمبر، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وخبراء إقليميين.

قاعدة في باكستان؟

أحد الأماكن التي انصبّ عليها التركيز، كان باكستان حيث استخدمت "سي آي إيه" قاعدة خلال سنوات، لشنّ هجمات بطائرات مسيّرة، ضد مسلحين في الجبال الغربية من البلاد. لكنها طُردت من القاعدة، في عام 2011، بعد توتر العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن.

وعلى أي اتفاق يُبرم الآن، تجاوز حقيقة تأييد الحكومة الباكستانية لـ "طالبان". وأثناء نقاشات بين مسؤولين أميركيين وباكستانيين، طلب الباكستانيون فرض قيود، في مقابل السماح باستخدام الولايات المتحدة قاعدة في البلاد. كذلك طالبوا بنيل موافقة إسلام آباد، قبل أن تستهدف "سي آي إيه"، أو الجيش الأميركي، أهدافاً داخل أفغانستان، وفق "نيويورك تايمز".

ويناقش دبلوماسيون أميركيون أيضاً خيار العودة إلى قواعد في جمهوريات سوفيتية سابقة، استُخدمت خلال حرب أفغانستان، علماً أنهم يرجّحون مواجهة معارضة قوية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وذكرت الصحيفة أن تقارير أعدّتها أخيراً "سي آي إيه" والاستخبارات العسكرية الأميركية، اتسمت بالتشاؤم، إذ أبرزت مكاسب حققتها "طالبان" وجماعات أخرى مسلحة، في جنوب أفغانستان وشرقها، وحذرت من إمكان سقوط كابول في أيدي "طالبان" خلال سنوات، وعودتها مجدداً ملاذاً آمناً لمسلّحين عازمين على استهداف الغرب.

"جمع معلومات ومواجهة تهديدات"

ونتيجة لذلك، يرى مسؤولون أميركيون أن ثمة حاجة إلى وجود بعيد المدى، يستهدف مواصلة جمع المعلومات الاستخباراتية، وتنفيذ الجيش و"سي آي إيه" عمليات لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، بعد الموعد النهائي الذي حدّده بايدن، كي تغادرها القوات الأميركية. 

لكن هذا السعي إلى تأمين قواعد عسكرية، يبرز افتقار المسؤولين الأميركيين إلى خطة بعيدة المدى لتلبية احتياجات الأمن، في بلد أنفقت عليه الولايات المتحدة تريليونات الدولارات، وفقدت على أرضه أكثر من 2400 جندي.

وأقرّ مدير "سي آي إيه"، وليام بيرنز، بالتحدي الذي تواجهه الوكالة، بقوله أمام مجلس الشيوخ في أبريل الماضي: "عندما يحين الوقت لانسحاب القوات الأميركية، ستتضاءل قدرة الحكومة الأميركية على جمع المعلومات ومواجهة التهديدات".

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى قيام بيرنز بزيارة غير معلنة في الأسابيع الأخيرة إلى إسلام أباد، حيث التقى قائد الجيش ورئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الباكستانية.

وأجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، اتصالات هاتفية متكررة بقائد الجيش الباكستاني، بشأن الحصول على مساعدة باكستان، في ما يتعلّق بعمليات أميركية مستقبلية في أفغانستان.

ولم يتطرّق بيرنز إلى ملف القواعد العسكرية، أثناء زيارته باكستان، التي ركّزت على تعاون الجانبين في مكافحة الإرهاب. في المقابل، كانت بعض النقاشات التي أجراها أوستن، مباشرة.

شبكة مخبرين في أفغانستان

وأشارت الصحيفة إلى أن عقدين من الحرب في أفغانستان، أسهما في تحويل "سي آي إيه" إلى منظمة شبه عسكرية، إذ تنفذ مئات الضربات بطائرات مسيّرة، في أفغانستان وباكستان، وتدرّب وحدات كوماندوس أفغانية، وتحافظ على حضور موسّع لها في قواعد على الحدود مع باكستان.

وفي إحدى مراحل الولاية الأولى للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، نشرت الوكالة مئات من عناصرها في أفغانستان، في ما يُعتبر أضخم زيادة في عدد أفرادها في أي بلد، منذ حرب فيتنام.

لكن هذه العمليات لم تكن دون تكلفة، إذ إن غارات ليلية نفذتها وحدات أفغانية، درّبتها "سي آي إيه"، شهدت انتهاكات عزّزت دعم "طالبان" في أجزاء من البلاد. كما أن ضربات خاطئة بطائرات مسيّرة، أسفرت أحياناً عن مقتل مدنيين في باكستان، وفاقمت ضغوطاً على حكومتها، للتراجع عن دعمها لعمليات الاستخبارات الأميركية.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن دوغلاس لندن، الرئيس السابق لعمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان في "سي آي إيه"، ترجيحه أن تعتمد الوكالة على شبكة مخبرين في أفغانستان، سيجمعون معلومات استخباراتية عن "طالبان" و"القاعدة"، وعن استقرار الحكومة في كابول، ومسائل أخرى.

واستدرك أن التحقق من المعلومات الاستخباراتية سيشكّل تحدياً، دون وجود موسّع لـ "سي آي إيه" في أفغانستان. وأضاف: "عندما تجري تعاملات خارج الحدود، فأنت تتعامل مع وسطاء. الأمر يشبه التعامل عبر الهاتف".

حاملة طائرات

وعلى المدى القريب، تستخدم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" حاملة طائرات، لإطلاق مقاتلات في أفغانستان، من أجل دعم انسحاب القوات الأميركية. لكن وجود حاملة الطائرات لن يشكّل على الأرجح حلاً بعيد المدى، ويرجّح مسؤولون عسكريون إعادة نشر حاملة الطائرات، بعد وقت وجيز على مغادرة الوحدات الأميركية أفغانستان، وفق الصحيفة.

وتنشر الولايات المتحدة في الخليج العربي، طائرات مسيّرة من طراز "إم كيوـ9 ريبر"، يمكن أن يستخدمها البنتاغون و"سي آي إيه" لجمع معلومات استخباراتية وتوجيه ضربات.

لكن مسؤولين يخشون ما يُسمّى بخيارات الأفق، التي تتطلّب تحليق مقاتلات، وطائرات مسيّرة، لمدة تبلغ 9 ساعات، ذهاباً وإياباً، لتنفيذ مهمة في أفغانستان. ويجعل ذلك العمليات أكثر تكلفة، إذ تتطلّب مزيداً من الطائرات المسيّرة والوقود، وأيضاً أكثر خطورة، لأن التعزيزات اللازمة لحملات دهم تنفذها وحدات كوماندوز، قد لا تصل بسرعة أثناء أزمات.

خيارات باكستانية

واعتبرت "نيويورك تايمز" أن باكستان تُعدّ راعية قديمة لـ "طالبان"، وترى فيها قوة حاسمة بالوكالة في أفغانستان، ضد جماعات أخرى مرتبطة بالهند. وأضافت أن أجهزة الاستخبارات الباكستانية أمّنت أسلحة وتدريباً لمسلّحي الحركة طيلة سنوات، إضافة إلى حماية لقياديّيها. واستبعدت أن توافق حكومة إسلام آباد على شنّ ضربات أميركية تستهدف "طالبان"، من قاعدة في باكستان.

ورغم أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن باكستان تريد السماح للولايات المتحدة بالحصول على قاعدة عسكرية، ما دامت إسلام آباد تتحكّم في كيفية استخدامها، إلا أن الرأي العام الباكستاني كان معارضاً بقوة لعودة الوجود الأميركي.

وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، أبلغ نواباً الشهر الماضي، أن الحكومة لن تسمح بعودة قوات أميركية إلى قواعد جوية في بلاده. وتابع: "انسوا الماضي، لكنني أريد أن أخبر الباكستانيين أن رئيس الوزراء عمران خان لن يسمح بوجود قاعدة أميركية، ما دام في السلطة".

وقال مسؤولون أميركيون إن المفاوضات مع باكستان بلغت طريقاً مسدوداً حتى الآن. لكن آخرين ذكروا أن هذا الخيار لا يزال مطروحاً، وأن إبرام اتفاق لا يزال ممكناً.

تصفية أسامة بن لادن

واستخدمت "سي آي إيه" قاعدة "شمسي" الجوية، غرب باكستان، لتنفيذ مئات الضربات بطائرات مسيّرة، أثناء زيادة القوات الأميركية، التي بدأت في عام 2008، واستمرّت خلال السنوات الأولى من عهد أوباما. 

وركّزت هذه الضربات على ناشطين مشبوهين من "القاعدة"، في المناطق القبلية بجبال باكستان، كما عبرت الحدود إلى أفغانستان.

ورفضت الحكومة الباكستانية الاعتراف علناً بأنها كانت تسمح لـ "سي آي إيه" بتنفيذ عمليات من أرضها، وقررت أواخر عام 2011 وقف عمليات الطائرات المسيّرة، بعد أحداث بارزة، مسّت علاقاتها بالولايات المتحدة.

وتضمّنت هذه الأحداث اعتقال متعاقد مع "سي آي إيه" في لاهور، لإطلاقه النار على مدنيين عزل، والعملية السرية في باكستان لتصفية زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وضربة جوية نفذها حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، على الحدود الأفغانية، في نوفمبر 2011، أسفرت عن مقتل عشرات الجنود الباكستانيين.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن حسين حقاني، وهو سفير باكستاني سابق لدى الولايات المتحدة، وباحث الآن في "معهد هدسون"، قوله إن الأميركيين والباكستانيين "سيرغبون في المضيّ بحذر" في علاقات جديدة. واستدرك أن إعلان بايدن عن الانسحاب من أفغانستان، بحلول 11 سبتمبر، "جعل سي آي إيه، ووزارة الدفاع الأميركية، وأيضاً الباكستانيين، في حالة تدافع".

آسيا الوسطى

ويبحث دبلوماسيون أميركيون في خيارات متاحة، للوصول مجدداً إلى قواعد في آسيا الوسطى، بما في ذلك منشآت في قرغيزستان وأوزبكستان، استضافت قوات أميركية وعناصر استخبارات، خلال الحرب في أفغانستان. 

وتحدث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، هذا الشهر، مع نظيره الطاجيكي هاتفياً. ولكن ليس واضحاً هل ناقشا إمكان استخدام قواعد عسكرية في طاجيكستان، علماً أن نجاح أي مفاوضات مع هذه الدول سيستغرق على الأرجح وقتاً طويلاً، وفق الصحيفة.

وعارضت روسيا استخدام الولايات المتحدة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى، في خطوة رجّح مسؤول أميركي بارز أن تبطئ أي جهود دبلوماسية لتأمين الوصول إلى قواعد عسكرية، لاستخدامها في تنفيذ ضربات عسكرية.

معضلة القوات الأفغانية

وفي حين أجرى محللون عسكريون واستخباراتيون سابقاً، تقييمات متناقضة، تتفق هذه التقييمات الآن على أن الحكومة الأفغانية ستواجه على الأرجح مشكلات تتعلّق بقدرتها على الاحتفاظ بالسلطة. ويعتقد هؤلاء بأن قوات الأمن الأفغانية استُنفدت، نتيجة معدلات الخسائر المرتفعة التي مُنيت بها في السنوات الأخيرة. ويعتبر هؤلاء أن إعلان الانسحاب الأميركي يشكّل ضربة نفسية أخرى، يمكن أن تضعف هذه القوات.

وأفادت تقييمات استخباراتية بأن قوات الأمن الوطني الأفغانية ستضعف، وربما تنهار، من دون دعم أميركي متواصل. ويعمل مسؤولون لتطوير خيارات لاستمرار هذا الدعم عن بُعد، لكن البنتاغون لم ينجز بعد خطة واقعية، يعتقد المسؤولون بأنها ستنجح.

ويشكّك مسؤولون، حاليون وسابقون، بإمكان نجاح هذه الاستشارات، أو العمليات القتالية، عن بُعد. ونقلت "نيويورك تايمز" عن ميك مولروي، وهو ضابط متقاعد في "سي آي إيه"، عمِل في أفغانستان، قوله إن جمع المعلومات الاستخباراتية يصبح أكثر صعوبة بدرجة كبيرة، دون وجود أميركي موسّع في البلد. وزاد: "لا يهم إذا أمكنك اتخاذ قرارات، ما دمت لا تعرف مكان الهدف".

اقرأ أيضاً: