"عنف الشرطة" يؤجج احتجاجات فرنسا ويضع ماكرون أمام أزمة سياسية جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 11
متظاهرون يحملون لافتات وصور للرئيس الفرنسي ووزير الداخلية احتجاجًا على عنف الشرطة - AFP
متظاهرون يحملون لافتات وصور للرئيس الفرنسي ووزير الداخلية احتجاجًا على عنف الشرطة - AFP
دبي -الشرق

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أزمة سياسية جديدة، بعد تفاقم احتجاجات شعبية منددة بـ"عنف الشرطة"، في ملف يهدد بإضعاف موقع وزير الداخلية الحالي جيرالد دارمانان، ويهدد بإسقاط قانون  "الأمن الشامل".

يأتي ذلك فيما أفادت وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس، بتوجيه اتهامات لأربعة من أفراد الشرطة الفرنسية في واقعة ضرب المنتج الموسيقي من أصل إفريقي ميشال زيكلير، والإساءة إليه عنصرياً، في حادث وثّقه تسجيل مصوّر بثه موقع "لوبسايدر" الخميس الماضي.

وساعد الحادث في تأجيج الجدل بشأن مشروع قانون "الأمن الشامل"، الذي اعتبرت الحكومة أنه يستهدف حماية عناصر الشرطة من اعتداءات تستهدفهم، فيما يتهم معارضو القانون، الشرطة، بممارسة "عنصرية مؤسساتية، وباستهداف الأفارقة والعرب"، وفق الوكالة.

وأشارت فرانس برس إلى أن قاضي التحقيق وجّه لثلاثة من عناصر الشرطة تهمة "العنف المتعمد من شخص يتولّى سلطة عامة"، و"الكذب في وثائق رسمية". جاء ذلك بعد توجيه تهمة "العنف المتعمد" إلى الشرطي الرابع، الذي يُشتبه في إلقائه قنبلة غاز مسيل للدموع داخل استوديو زيكلير.

وطلبت النيابة العامة توقيفاً احترازياً لأفراد الشرطة الثلاثة، ووضع الرابع تحت مراقبة قضائية، لكن القاضي وضع اثنين قيد التوقيف، وأخضع الآخرين لرقابة قضائية.

بين "خوف" و"عنصرية"

وذكر مدعي عام الجمهورية ريمي هيتس أن الشرطيين الثلاثة اعترفوا بأن "الضربات التي وجّهوها لم تكن مبررة، وبأنهم تصرّفوا بشكل أساسي بدافع الخوف". لكنهم نفوا "تفوّههم بعبارات عنصرية"، فيما أكد زيكلير أنهم نعتوه بأنه "زنجي قذر"، حسبما أوردت فرانس برس.

وعزّزت قضية زيكلير رفضاً لمشروع قانون "الأمن الشامل"، لا سيّما المادة الـ24 منه، التي تنصّ على عقوبة بالسجن لمدة عام ودفع غرامة مقدارها 45 ألف يورو، لبث صور لأي من أفراد الشرطة بدافع "سوء النية".

وتؤكد الحكومة أن هذه المادة تستهدف حماية أفراد الشرطة الذين يتعرّضون لحملات كراهية، ودعوات لقتلهم على مواقع للتواصل الاجتماعي، لكن معارضي مشروع القانون يعتبرون أنه "يقوّض حرية الصحافة، وحرية الإعلام والاطلاع على المعلومات"، مشددين على أن ملفات كثيرة لعنف ارتكبته الشرطة، ما كانت لتُكشف لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين، وفق "فرانس برس". 

وشهدت باريس ومدن أخرى فرنسية، السبت، تظاهرات حاشدة احتجاجاً على مشروع القانون، تخلّلها عنف واعتقالات. 

ومن بين الجرحى المصوّر السوري أمير الحلبي، المتعاون مع مجلة "بولكا" و"فرانس برس"، خلال تغطيته التظاهرات، والذي اعتبر أن ما تعرّض له ذكّره بالحرب في بلاده، لا سيّما ما شهدته مدينة حلب.

"تكتيكات متشددة"

وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بمشاركة صحافيين وناشطين يساريين، وجماعات مدافعة عن المهاجرين، ومواطنين من مختلف الأطياف السياسية، في تظاهرات السبت، مضيفة أنهم "أعربوا عن غضبهم ممّا يرون أنها تكتيكات متشددة (استخدمتها) الشرطة في السنوات الأخيرة، لا سيّما منذ ظهور حركة السترات الصفراء في فرنسا، احتجاجاً على مصاعب اقتصادية في عام 2018".

ونقلت الوكالة عن رئيس تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، لوك برونر، قوله: "هناك بالفعل قوانين لحماية موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك قوات الشرطة لدى استهدافها، وهذا أمر شرعي، إذ إن الشرطة تمارس عملاً مهماً جداً. ولكن الأمر لا يتعلّق بذلك، بل بالحدّ من قدرة المواطنين، والصحافيين، على توثيق عنف الشرطة لدى حدوثه".

وشاركت في التظاهرات، السبت، الناشطة آسا تراوري التي توفي شقيقها أداما أثناء احتجازه في مركز للشرطة في عام 2016، في يوم عيد ميلاده الـ 24.

تراوري التي باتت "تجسّد نضال فرنسا ضد العنف التمييزي للشرطة"، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز"، قالت لـ "أسوشيتد برس"إنه "علينا توسيع النقاش، ومن خلال ذلك، نقول إننا لن نُضطر إلى تصوير شرطيين عنيفين، لو لم يكن هناك عنف تمارسه الشرطة".

وتأتي مسألة زيكلير بعدما فكّكت الشرطة بشكل عنيف، الاثنين الماضي، مخيماً لمهاجرين غير شرعيين نُصب في ساحة الجمهورية وسط باريس، مثيرة ردود فعل ساخطة.

وكان الصحافي الفرنسي فالنتان جاندرو أعدّ كتاباً بعنوان "شرطي"، يوثق فيه عامين قضاهما متخفياً في سلك الشرطة. وتحدث جاندرو عن "عنف، عنصرية، ذكورية.. وانتحار شرطيين"، في كتابه الذي أثار ضجة في فرنسا، دفعت قائد الشرطة في باريس ديدييه لالّمان إلى أن يأمر بفتح تحقيق في المزاعم الواردة فيه، كما أحال الأمر إلى مكتب الادعاء العام في العاصمة.

"جدل هستيري"

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أنه سيطلب "إقالة" أفراد الشرطة المتورّطين في العنف، واصفاً إياهم بأنهم "لطّخوا زيّ الجمهورية". لكن "لوموند" أوردت أن وزير الداخلية "لا يزال مؤيّداً قوياً" لمشروع قانون "الأمن الشامل"، مذكّرة بأنه "أعدّه، ويتيح له تقديم نفسه، بوصفه داعماً لأفراد الشرطة المتورطين في العنف".

وأضافت أن الوزير بات في مرمى ماكرون، ونقلت عن النائب الأوروبي باسكال كانفان، المحسوب على الرئيس الفرنسي، قوله إن "مسار دارمانان يثير جدلاً هستيرياً، ويكسر نقطة التوازن لناخبي الغالبية" في فرنسا.

وكتبت "لوموند" في افتتاحية: "جيرالد دارمانان، الذي اختاره رئيس الجمهورية لإغواء الناخبين المحافظين، يهدد بجرّ البلاد إلى دوّامة خطرة من الفوضى، تتفاقم بسبب التوترات المتعددة المرتبطة بالإغلاق" لكبح تفشي فيروس كورونا المستجد.

وأضافت: "يجب عزل الشرطيين الذين يخلّون بشرف الأمن العام. ومن الضروري أيضاً إبدال المفتشية العامة الحالية للشرطة الوطنية، بهيئة تفتيش مستقلة".

ماكرون يطلب "اقتراحات"

من جانبه ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بما وصفه بـ"اعتداء غير مقبول"، في إشارة إلى الاعتداء على زيكلير، وطالب من الحكومة، للمرة الثالثة هذا العام، بأن "تقدم سريعاً اقتراحات لإعادة التأكيد على رابط الثقة التي يجب أن تكون قائمة بشكل طبيعي بين الفرنسيين وحماتهم، ومن أجل مكافحة كل أشكال التمييز بفاعلية أكبر".

وأفادت "أسوشيتد برس" بأن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس أعلن الجمعة الماضي أنه سيعيّن لجنة لإعادة صياغة المادة الـ24 من مشروع قانون "الأمن الشامل"، مشيرة إلى أنه "تراجع" بعد احتجاجات من "مشرّعين غاضبين"، علماً أن البرلمان أقرّ مشروع القانون الأسبوع الماضي.

ونقلت "لوموند" عن مشارك في اجتماع ترأسه كاستكس الأحد، قوله: "هذا البند يثير توترات كثيرة، وشكوكاً وانقسامات، ولكن يجب ألا نعطي الشرطة شعوراً بأننا نتخلّى عنها، أو بأن الغالبية تتبرأ (من مشروع القانون)، لأنها صوّتت عليه".

حلول مقترحة 

وأشارت الصحيفة إلى أن "أحد الحلول" المتداولة يتمثل في الامتناع عن تمرير مشروع القانون، عبر مجلس الشيوخ في مطلع عام 2021، والاكتفاء بالمادة 25 من مشروع قانون مستقبلي" يعاقب على نشر معلومات عن شخص "بهدف تعريضه، هو أو أفراد من أسرته، لخطر مباشر يتمثل في إلحاق الأذى بالحياة، أو السلامة الجسدية أو العقلية". والعقاب يكون مشدداً عندما تُرتكب جريمة ضد موظف في الخدمة المدنية.

واعتبرت "لوموند" أن "عنف الشرطة "يضع ماكرون في مواجهة أزمة سياسية"، مضيفة أن "عليه تهدئة وضع يُعبّئ حتى ناخبيه في عام 2017"، علماً أن انتخابات الرئاسة مرتقبة في عام 2022. وتابعت أن الرئيس "حريص على طمأنة ناخبيه الأصليين، في مواجهة اتهامات بجنوح يهدد الحريات، وفي الوقت ذاته أن يُظهر لأنصاره اليمينيين، حزمه في المسائل السيادية".

وكتبت "لوموند" في افتتاحيتها: "يعتمد سلوك الشرطة إلى حد كبير على الأوامر الموجّهة إليهم، وحزم رسائل التذكير بالإجراءات والقانون، وهل وُعدوا بالإفلات من العقاب أم لا". وذكّرت بتعهد قائد الشرطة في باريس موريس بابون لعناصره بـ "تغطيتهم"، قبل أيام من "مجزرة" استهدفت متظاهرين جزائريين في باريس، في 17 أكتوبر 1961.

واستدركت أن موقف قائد الشرطة في باريس موريس غريمو منع حدوث "دراما" أثناء أحداث مايو 1968. وزادت أنه قال لأفراد الشرطة آنذاك: "ضرب متظاهر سقط أرضاً، يعني أن يضرب المرء نفسه"، في خطوة "تمسّ كل سلك الشرطة".

اقرأ أيضاً: