"فيلسوف بوتين".. من هو ألكسندر دوجين الذي استُهدفت ابنته في موسكو؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
الكاتب الروسي المقرب من الكرملين ألكسندر دوجين يتحدث خلال فعالية في موسكو- 18 أكتوبر 2014 - via REUTERS
الكاتب الروسي المقرب من الكرملين ألكسندر دوجين يتحدث خلال فعالية في موسكو- 18 أكتوبر 2014 - via REUTERS
دبي -الشرق

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، برز اسم المفكر الروسي ألكسندر دوجين باعتباره "عقل" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و "ملهمه الفكري" (Putin's Rasputin)، وهو ما جعل وسائل إعلام غربية تقول إن الحرب جاءت نتيجة لأفكاره.

وعاد اسم دوجين مرة أخرى إلى الواجهة السبت، على خلفية سقوط ابنته داريا دوجين إثر انفجار سيارة كانت تقودها في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، في هجوم يُعتقد أنه كان هو المستهدف به.

وكانت داريا الصحافية والمحللة السياسية التي أعربت كذلك علانية عن دعمها للغزو الروسي لأوكرانيا، تقود سيارة من طراز تويوتا لاندكروزر عندما انفجرت قبل أن تشتعل فيها النيران، على طريق سريع بالقرب من قرية بولشي فيازيومي، على مسافة 40 كيلومتراً من موسكو.

وذكر المحققون أن عبوة ناسفة زُرعت في السيارة وأن هناك ما يبعث على الاعتقاد بأن "الجريمة تم التخطيط لها مسبقاً".

ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن مقربين من العائلة أن المفكر والكاتب القومي المتشدد ألكسندر دوجين (60 عاماً) هو من استُهدف بالانفجار، موضحين أن داريا استعارت سيارة والدها في تنقلها هذه المرة.

فما هي قصة ألكسندر دوجين، وما قصة أفكاره التي جعلته مستهدفاً؟

"فيلسوف، سياسي.. ومتصوف"

عند البحث عن اسم  ألكسندر دوجين يصعب العثور على تعريف واحد محدد له، فهو فيلسوف، مفكر سياسي، ومنظر استراتيجي، ومتصوف سلافي. هذا التداخل بين الفكر الإيديولوجي والتنظير الجيوسياسي والمعتقدات الصوفية السلافية انعكس على كتاباته بشأن الهوية الروسية و"حتمية" إحياء تاريخ روسيا.

وقبل أسابيع قليلة من بدء الغزو الروسي في فبراير الماضي، لخص دوجين تلك الأفكار في مقال، اعتبر فيه أنه "بالنسبة إلى المراقبين الأجانب، فإن الصراع بين الشعبين الأرثوذكسيين السلافيين الشرقيين، اللذين لهما أصل مشترك من روس الكييفية، هو شيء غريب وغير مفهوم".

وأوضح أن "المشكلة الأوكرانية توحي بأن قوة ثالثة لها يد في هذا الصراع، أي الأميركيون أنفسهم، الذين حاولوا وضع الشعبين ضد بعضهما البعض، ومن خلال دعم أوكرانيا لتوجيه ضربة لروسيا والتي تعيد إحياء تاريخها بفضل الإصلاحات الوطنية لبوتين".

ويرى دوجين أن السردية المتعلقة بالأزمة الأوكرانية "لا علاقة لها بالواقع على الإطلاق"، لأنها تنطلق من "تقديم الصراع على أنه مواجهة بين دولتين روسيا وأوكرانيا".

وأعاب على الساسة ووسائل الإعلام في الغرب تقديم القضية كما لو أن أوكرانيا دولة منفصلة لها تاريخها الطويل، ضمّها البلاشفة قسراً إلى الاتحاد السوفييتي في عشرينيات القرن الماضي، وأنه عندما انهار النظام الشيوعي، استعادت أوكرانيا استقلالها على الفور.

وقال إنه "قبل الاتحاد السوفييتي، لم تكن أوكرانيا ولا بيلاروس موجودتين كدولتين منفصلتين، إلّا في إطار إمارتيّ جاليسيا- فولينيا وبولوتسك في العصور الوسطى".

واعتبر أن "أراضي الكيان السياسي الجديد أوكرانيا الذي نشأ عام 1991، تتكون من أقاليم وشعوب غير متجانسة كلياً"، ويخلص إلى أنه "لا يمكن أن يكون هناك سوى حل واحد لهذا الوضع: تقسيم أوكرانيا إلى قسمين، مع الاعتراف بالسيادة السياسية لكلا النصفين، الضفة اليمنى الغربية لأوكرانيا، ونوفوروسيا (روسيا الجديدة) مع منح وضع خاص لكييف، عاجلاً أم آجلاً سيحدث هذا التقسيم".

وبحسب "نيوز ويك"، فإنه يعتقد أن أفكار دوجين ألهمت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، ثم الغزو الروسي الشامل لنزع سلاح أوكرانيا في فبراير الماضي.

"إندبندت أستراليا" كذلك كتبت في نفس الاتجاه أن دوجين "ساهم في إقناع بوتين بالغزو"، مشيرةً إلى أن "الملايين يعانون من تبعات الحرب بسبب أفكار دوجين الغريبة".

العلاقة مع بوتين

وعلى الرغم من أن دوجين لا يشغل أي مناصب حكومية، فإنه دائماً ما يوصف بكونه "مقرب من الكرملين" أو "عقل" الرئيس بوتين في وسائل الإعلام الغربية.

ودوجين عضو بحزب "روسيا الموحّدة" الذي يقوده الرئيس بوتين، لكن يصعب العثور على صورة تجمع بينهما.

ومع ذلك تقول "واشنطن بوست"، إن دوجين هو المهندس الفعلي لاستراتيجية بوتين المتعلقة بأوكرانيا وباقي الدول السوفيتية السابقة، وأكثر الأكاديميين قرباً من الرئيس الروسي، لكن علاقتهما بقيت غير معلنة طوال السنوات الماضية.

ودوجين الذي ولد عام 1962 وكان والده جنرالاً في دائرة الاستخبارات العسكرية بهيئة الأركان العامة بالاتحاد السوفياتي، بدأ دراسة الطيران في معهد موسكو عام 1979، قبل أن يغير مساره نحو دراسة الفلسفة فحاز فيها على درجة الدكتوراه، ثم حاز درجة دكتوراه ثانية في العلوم السياسية، بحسب رواية عن سيرته الذاتية للكاتب الروسي يفغيني دياكونوف.

وعلى الرغم من أن دوجين بدأ إصدارته الفكرية عام 1993، فإن نجاحه الباهر الأول تحقق عام 1997 من خلال كتاب "أسس الجغرافيا السياسية". وتزامن ذلك مع صعود بوتين إلى السلطة عام 2000.

ويشرح دوجين في الكتاب كيف يجب على روسيا أن تتحرك وتعمل ضمن فضاء مناهض للزعامة الأميركية، بما يؤدي الى إنهاء القطبية الواحدة للولايات المتحدة. ويعتبر الكتاب أن أي تمدد روسي في البعد الأوراسي يجب أن تكون أوكرانيا عموده الفقري.

وفي 2004، أصبح كتاب "أسس الجغرافيا السياسية" مادة تدريسية لطلبة أكاديمية هيئة أركان القوات المسلحة الروسية.

النظرية السياسية الرابعة

وأصدر دوجين لاحقاً كتاب "النظرية السياسية الرابعة" الذي يدعو فيه لتجاوز النظريات الثلاث القديمة (الليبرالية والشيوعية والفاشية)، وإطلاق نظرية جديدة هي "الأوراسيّة".

وتصور هذه النظرية النظام العالمي المعاصر على أنه صراع بين "قوى حقوق الإنسان" و"الليبرالية المعولمة" التي تمثلها الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة، والثقافة "الأوراسية" المميزة، التي تمثلها روسيا والدول في محيطها الحيوي.

ويطرح دوجين في نظريته بديله المعادي للعولمة مطلقاً عليه تسمية "التعددية الكونية"، التي تقوم على احترام ثقافات الأمم والشعوب من دون عزل أو إبعاد وإقصاء أو فوقية إمبريالية.

وفي الوقت ذاته يدعو دوجين إلى الاستماتة في الحفاظ على "روح الأمة" من خلال بناء قوة عسكرية تواجه التهديد الخارجي، وعدم إخضاع تلك الروح لمقتضيات الرفاه الإنساني التي تتسبب بتحلل الروابط الاجتماعية ونشر القيم الفردية.

وبرزت "النظرية السياسية الرابعة" بشكل واضح في خطاب بوتين العدواني خلال مؤتمر ميونخ للأمن عام 2007 الذي اتهم فيه الولايات المتحدة بالمهيمنة وتجاوز حدودها في أوروبا وخارجها.

وحذر بوتين حينها من أن "عالماً أحادي القطب" تقوده الولايات المتحدة أمر لا يمكن القبول به، وسيؤدي إلى وضع  "أقل أمناً بكثير" من توازن القوى السابق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

وبحسب صحيفة "إندبندنت"، فإن أثر نظرية دوجين عن السياسة الرابعة، كان واضحاً في مطالبات بوتين خلال المؤتمر بعالم متعدد الأقطاب، فيه الحضارات تتحاور وتتجاور، لا تتصارع.

وفي حوار سابق مع "الشرق"، اعتبر دوجين أن روسيا ومن خلال غزوها لأوكرانيا "تحاول تغيير النظام العالمي (..) حيث لا بد من أن تكون هناك أقطاب جديدة مثل روسيا والصين"، مشدداً على ضرورة  أن تكون هناك "مراكز متعددة لاتخاذ القرار في العالم".

غير أنه أقر بأن الغزو الروسي لأوكرانيا هو مجرد "خطوة" في الطريق نحو كسر الهيمنة الأميركية، قائلاً إن "الطريق طويل من أجل عظمة روسيا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات