
رجّح مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، الخميس، أن يكون تأجيل الإعلان عن محاولة عناصر من "الحرس الثوري" الإيراني اغتياله تم بطلب من الإدارة الأميركية، حتى لا تعرقل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.
وكانت وزارة العدل الأميركية وجهت، الأربعاء، اتهاماً لعنصر من "الحرس الثوري" الإيراني بمحاولة اغتيال بولتون والتخطيط لاغتيال أميركي آخر، دون تحديد هويته، فيما شككت إيران في تلك الاتهامات، وقالت إنه "لا أساس لها من الصحة" بدعوى أن الوزارة الأميركية "لم تقدم دلائل".
وعن توقيت الإعلان عن القضية في هذا التوقيت، على الرغم من كونها تعود للعام الماضي، قال بولتون، لـ"الشرق"، إن ذلك قد يعود إلى "خلافات" داخل الإدارة الأميركية. وأضاف: "لا أعلم ما هي النقاشات التي دارت في وزارة العدل ومجلس الأمن القومي قبل تقديم هذه الوثيقة (لائحة الاتهام)، لكن بموجب خبرتي يمكنني أن أقول إن تأخير أوراق هذه القضية كان بناءً على طلب تلقته وزارة العدل بألا يتم الإعلان عن هذا الأمر وسط محاولة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران".
وأوضح مستشار الأمن القومي الأميركي السابق أنه تم إبلاغه بتفاصيل محاولة اغتياله هو فقط، ولم يبلغه أحد بأي محاولات لاستهداف مسؤولين أميركيين آخرين.
وأعرب عن أمله في أن يكون "الإفصاح عن هذه الجريمة" أمراً يساعد الشعب الأميركي على أن يدرك أنه لا يمكن الوثوق بأي شيء تقوله إيران".
وقال إن الإدارة الأميركية ترى أن "الحكومة (الإيرانية)، التي ترتكب تلك الأعمال الإرهابية، هي ذاتها الحكومة التي يعتقدون (في الإدارة الأميركية) أنها ستفي بالتزاماتها، وهذا أمر متناقض ولا أتفق معه".
سلسلة من الأخطاء
وشدد بولتون، في حوار مع "الشرق"، على أن إحياء الاتفاق النووي الإيراني "فكرة سيئة" لأنه، برأيه، لن يثني طهران عن محاولة الحصول على سلاح نووي، مستبعداً في الوقت نفسه أي رد عسكري من الإدارة الأميركية مع عدم التوصل إلى اتفاق.
وأعرب عن اندهاشه من سعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإحياء اتفاق 2015 "كما لو كان التزاماً دينياً"، وقال: "لا أعتقد أن هناك شيئاً "سيثنيهم (الإدارة الأميركية) عن ذلك.. هم غافلون عن الواقع ويحاولون إيجاد أي وسيلة لتحقيق هذا الأمر".
واستغرب بولتون تقديم الإدارة الأميركية "تنازلات متتالية لإيران"، وصفها جميعها بأنها كانت "سلسلة من الأخطاء".
واقتبس بولتون قول رئيس الوزراء البريطاني وقت الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل، حين قال إن "الدول الوحيدة، التي يمكن أن تعتمد عليها في الوفاء باتفاقيات الالتزام بالتسليح، هي الدول والأمم التي لا تحتاج لمثل هذه الاتفاقيات معها منذ البداية".
واعتبر أن اعتقاد الإدارة الأميركية بإمكانية نجاح الاتفاق النووي والتزام إيران به ينبع من "نظرة معيبة للعلاقات الدولية وليست عرضة للمنطق والحسابات"، بحسب تعبيره.
وعن المسودة النهائية، التي عرضها الاتحاد الأوروبي على إيران والولايات المتحدة في محاولة لإحياء الاتفاق، قال: "لا نعلم يقيناً ما هي التنازلات التي سيقدمها بايدن، وفي الولايات المتحدة عدد قليل من الناس يعلمون محتوى وثيقة الاتحاد الأوروبي المعدلة".
وعن البدائل الأميركية إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع إيران، قال بولتون: "لا أعتقد أن إدارة بايدن لديها أي خيارات، فلا توجد لديهم خطة احتياطية، لأن خطتهم الوحيدة هي إحياء الاتفاق النووي".
واستبعد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق أي احتمال لإقدام إدارة بايدن على أي إجراء عسكري"، وقال إن "هذا الضعف (الأميركي) الذي يستشعره النظام الإيراني أمر واضح للغاية".
وأضاف أن الإيرانيين "استفادوا إلى أقصى درجة من الضعف في الإدارة الأميركية، وسيواصلون ذلك".
واعتبر أن المشكلة "ليست في البرنامج النووي، الذي تتبناه إيران، والأعمال الإرهابية التي ترتكبها في مختلف أنحاء المنطقة"، وإنما تكمن المشكلة في أن الحكومة الإيرانية هي "أكبر تهديد للأمن والسلام في الشرق الأوسط"، مستبعداً أن تغير هذه الحكومة من سلوكياتها، وقال: "لهذا على المدى الطويل يكمن الحل الوحيد في أن تكون هناك حكومة جديدة في إيران".
اتهامات أميركية
وقالت وزارة العدل الأميركية، الأربعاء، إن عنصراً من الحرس الثوري الإيراني خطط لمحاولة اغتيال بولتون وأميركي آخر، دون تحديد هويته، فيما قالت مصادر مقربة من وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو لـ"الشرق"، إنه هو الشخص الثاني المستهدف.
وبحسب وزارة العدل الأميركية، بدأ المواطن الإيراني شهرام بورصافي، المعروف أيضاً باسم مهدي رضائي، الترتيب لاغتيال بولتون في أكتوبر 2021، ورجّحت أن يكون التخطيط للاغتيال جاء رداً على اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق في الحرس الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020.
وأوضحت الوزارة، في بيان، أن المتهم (البالغ 45 عاماً) "حاول دفع 300 ألف دولار لأفراد مقابل تنفيذ عملية الاغتيال في العاصمة واشنطن أو (ولاية) ماريلاند".
وقالت لاريسا ناب، مساعدة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن "لدى إيران تاريخ من التآمر لاغتيال أفراد في الولايات المتحدة تعتبرهم تهديداً لها"، مشددة على أن الولايات المتحدة "ستظل يقظة إلى جانب شركائها في مكافحة مثل هذه التهديدات، هنا في الولايات المتحدة وخارجها".
نفي إيراني
في إيران، قال الناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، في بيان، إن بلاده "تحذر من اتخاذ أي إجراءات ضد مواطنين إيرانيين، وتشدد على احتفاظها بحق اتخاذ إجراءات معاكسة في إطار القانون الدولي، بهدف الدفاع عن حقوق الحكومة الإيرانية والمواطنين الإيرانيين".
وجاء في البيان أن "السلطات القضائية الأميركية وجهت اتهامات من دون تقديم الأدلة الصحيحة والوثائق اللازمة".
وأضاف: "مثل هذه المزاعم، التي لا أساس لها من الصحة، تأتي بأهداف سياسية، وهي في الواقع تخلق حملة دعائية، تهدف بشكل خاص إلى التهرب من مسؤولية الرد على العديد من الجرائم، التي تورطت فيها الحكومة الأميركية بشكل مباشر، مثل اغتيال الجنرال قاسم سليماني".