
عقب أحداث الشغب في مبنى الكابيتول بالعاصمة الأميركية واشنطن، التي وقعت في 6 يناير الماضي، قررت منصات وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة، حظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من النشر، إلاّ أنه لم يبتعد كثيراً عن تلك المنصات.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن أنصار ترمب لا يزالون يواصلون نشر رسائل الرئيس السابق على مواقع التواصل الاجتماعي. ومنذ حظر ترمب وتنصيب جو بايدن، رئيساً للولايات المتحدة، نشر الأول تصريحات على الإنترنت بمعدل أقل بكثير، لكن بعضها حقق أصداء كبيرة.
وقالت الصحيفة، إنها فحصت ما يقرب من 1600 منشور على مواقع التواصل لترمب في الفترة من 1 سبتمبر 2020 إلى 8 يناير 2021، وهو اليوم الذي تم فيه منعه من النشر بشكل رسمي.
وأوضحت أنها تتبعت التفاعل مع عشرات البيانات المكتوبة، التي نشرها ترمب على موقعه الشخصي على الإنترنت، وموقع جمع التبرعات لحملته الانتخابية، وكذلك في رسائل البريد الإلكتروني من 9 يناير حتى 5 مايو، وهو اليوم الذي قال فيه مجلس الإشراف على "فيسبوك"، إن الشركة تصرفت بشكل مناسب في استبعاد ترمب من النشر على منصتها.
من جانبها، أعلنت شركة "فيسبوك"، أنها لن تسمح للرئيس الأميركي السابق بالعودة إلى منصتها للتواصل الاجتماعي حتى يناير 2023 على الأقل، مشيرة إلى وجود خطر على السلامة العامة.
وقبل الحظر، كان المنشور الذي يبثه ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي يُحقق ما متوسطه 272 ألف إعجاب ومشاركة. وبعد الحظر انخفض ذلك إلى 36 ألف إعجاب ومشاركة.
ومع ذلك، قال تقرير "نيويورك تايمز" إن 11 من تصريحات ترمب البالغ عددها 89 بعد قرار الحظر، جذبت العديد من الإعجابات والمشاركات، على غرار منشوراته قبل الحظر، إن لم يكن أكثر.
كيف يحدث ذلك؟
وكشف التحليل الذي أجرته "نيويورك تايمز"، أن الغالبية العظمى من أنصار ترمب على "تويتر" و"فيسبوك"، كانوا يتفاعلون مباشرة مع منشورات الرئيس السابق قبل الحظر، سواء بتسجيل الإعجاب بها أو مشاركتها.
لكن بعد الحظر، غالباً ما تلتقط حسابات أخرى شهيرة على وسائل التواصل الاجتماعي رسائله، وتنشرها بنفسها.
ونشر ترمب تغريدة في 8 أكتوبر الماضي، اتهم فيها المرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن ونائبته كامالا هاريس بالكذب المستمر. وأعاد مستخدمون آخرون نشر التغريدة 501 ألف مرة على عبر فيسبوك وتويتر.
وفي 21 مارس، نشر ترمب بياناً على موقعه الإلكتروني، قال فيه إن إدارته "سلّمت إدارة بايدن أكثر الحدود أماناً في التاريخ". ومضى في انتقاد طريقة تعامل إدارة الرئيس الحالي مع أزمة الحدود. وقال "ولكن إدارة بايدن حوّلت هذا الانتصار الوطني إلى كارثة وطنية خلال أسابيع قليلة من تسلّمها مقاليد السلطة في 20 يناير".
واوحتفى أنصار ترمب بالبيان، وأعادوا نشره 661 ألف مرة. أي أكثر من تسجيلات الإعجاب والمشاركة التي حظي بها منشوره قبل الحظر.
ميول سياسية
صحيفة "نيويورك تايمز"، قالت إن مؤشر المعلومات المضللة العالمي، وهو منظمة غير ربحية وغير حزبية، قام بفحص الميول السياسية للحسابات الكبرى التي تشارك تصريحات ترمب عبر الإنترنت، بعد أن تم منعه من النشر عبر "فيسبوك" و"تويتر".
وصنّفت المنظمة مئات الحسابات على أنها إما ذات ميولات يسارية أو يمينية، أو مزيج من الاثنين، بالاعتماد على المعايير التي وضعتها من خلال عملها على تصنيفات مخاطر المعلومات المضللة للمواقع الإخبارية، ووسائل الإعلام الأخرى على الإنترنت.
واعتبر التقرير أن الأمر الذي بات واضحاً على الفور، هو أن أنصار ترمب المتحمسون يواصلون نشر رسائله والقيام بالعمل الذي لم يكن قادراً على القيام به بنفسه.
حسابات يمينية
وذكرت "نيويورك تايمز"، أن من بين أكبر المشاركين لمنشور ترمب في مارس، والذي تحدث فيه عن أمن الحدود، كان موقع "بريتبارت نيوز" اليميني (159 ألفاً و500 إعجاب ومشاركة)، وصفحة على "فيسبوك" بعنوان "نادي المعجبين بالرئيس دونالد ترمب" (48 ألفاً و200 إعجاب)، وفوكس نيوز (42 ألف إعجاب) ، والمحامية جينا إليس، المعروفة بعملها كعضو في فريق ترمب القانوني، وتروج لمزاعمه بتزوير الانتخابات (36 ألفاً و700 إعجاب).
ويشير التحليل إلى أنه "عندما ينتقد ترمب المحافظين، فإن تصريحاته في بعض الأحيان يتم نشرها من قبل اليسار واليمين، وفي 16 فبراير الماضي، على سبيل المثال، سخر ترمب من السيناتور ميتش مكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، بسبب عدم رغبته في دعم محاولات ترمب لتقويض انتخابات 2020.
وكان من بين كبار المشاركين لذلك المنشور من اليمين، برنامج "فوكس آند فريندز" الإخباري، ومجلة "واشنطن إكزامينر" ذات الميول اليمينية. أما بالنسبة لليسار، فكان من بين كبار المشاركين صفحة شهيرة على "فيسبوك" تسمى "مساندة مولر"، والصحافي جيم أكوستا من شبكة "سي إن إن".
كما ساهم الكثيرون من اليمين في مشاركة المنشور. وفي المجموع بلغت المشاركات والإعجابات به أكثر من 345 ألف مرة على "فيسبوك" و"تويتر".
"تزوير الانتخابات"
من بين كل المواقف والتصريحات التي لاقت انتشاراً واسعاً، هناك موضوعاً واحداً لترمب لم يلق رواجاً كبيراً، ويتمثل في مزاعمه حول تزوير الانتخابات على نطاق واسع.
ونظرت الصحيفة في أكثر 10 منشورات شيوعاً لترمب تتضمن معلومات مضللة عن الانتخابات، وتم الحكم عليها عبر الإعجابات والمشاركات قبل حظره على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم مقارنتها ببياناته المكتوبة الأكثر شيوعاً والتي تحتوي على معلومات مضللة عن الانتخابات بعد الحظر.
وأوضح التقرير أن "جميع المنشورات تضمنت أكاذيب حول الانتخابات، تراوحت ما بين التلاعب بها أو حدوث تزوير كبير لأصوات الناخبين."
وأظهر التحليل أنه قبل الحظر، حصلت مشاركات ترمب على 22.1 مليون إعجاب ومشاركة، أما بعد الحظر، فقد حصلت منشوراته على 1.3 مليون إعجاب ومشاركة فقط عبر "تويتر" و"فيسبوك".
ويقول باحثو "المعلومات المضللة" إن الاختلاف يشير إلى القوة الهائلة التي تتمتع بها شركات التواصل الاجتماعي في كبح التضليل السياسي.
"زعيم في المنفى الرقمي"
وعلق الزميل المقيم في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، إيمرسون بروكينغ بالقول: "كما تُظهر قضية ترمب، فإن المنع من استخدام المنصات لا يحل قضية التضليل المعلوماتي، لكنه يعطل الشبكات الضارة ويحد من تأثير الأفراد الضارين" .
وأضاف: "الآن بعد أن فقد ترمب المكتب البيضاوي وحسابه على تويتر، أصبح نوعاً من القادة الرقميين في المنفى".
ويرى بروكينغ أنه "بينما يمكن لمؤيدي ترمب الرجوع إلى تصريحاته لدعم حججهم، إلّا أن (ترمب) لا يقود الأجندة بشكل مباشر بالطريقة التي كان عليها من قبل".