
أصدر القضاء الألماني الخميس، حكماً بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في المخابرات السورية لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك في إطار أول محاكمة من نوعها في العالم ضد أفراد انتسبوا لأجهزة الأمن السورية.
وقضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنس (غرب ألمانيا) بأن السوري أنور رسلان البالغ من العمر 58 عاماً، مسؤول عن قتل معتقلين وتعذيب آلاف الآخرين في معتقل سري بدمشق وذلك بين 2011 و2012.
والحكم السابق هو الثاني الذي يصدره القضاء الألماني في هذه المحاكمة بعد حكم على ضابط آخر من المخابرات السورية أدنى رتبة في فبراير الماضي.
وفي الجزء الأوّل من هذه المحاكمة قضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنس بسجن إياد الغريب، العضو السابق في جهاز المخابرات، 4 سنوات ونصف سنة إثر إدانته بتهمة اعتقال متظاهرين في 2011 ونقلهم إلى السجن والمعروف باسم "أمن الدولة - فرع الخطيب" في دمشق، حيث تعرّضوا للتعذيب.
دفاع رسلان
والتزم أنور رسلان الذي كان يرأس شعبة التحقيقات في الفرع 251 من جهاز أمن الدولة الواسع الانتشار الصمت طوال جلسات هذه المحاكمة التي بدأت في 23 أبريل 2020.
وفي مايو 2020، تلا محاموه إفادة خطّية نفى فيها الضابط السابق مشاركته في تعذيب المعتقلين وقتلهم، وما انفكّ وكلاء الدفاع يذكّرون بأن موكّلهم انشق في 2012 وحاول التخفيف من معاناة المعتقلين.
وفي الواقع، فإنّ رسلان لم يحاول إخفاء ماضيه عندما لجأ إلى ألمانيا مع عائلته سنة 2014، لا بل إنّه طلب بنفسه من الشرطة في برلين أن تحميه في فبراير 2015 وأخبرها بأنّه كان ضابطاً في المخابرات السورية.
وافتضح أمر رسلان حين تعرّف عليه في أحد شوارع العاصمة الألمانية مواطن سوري آخر هو أنور البنّي، المحامي والمعارض الذي يقوم الآن بمطاردة المتعاونين السابقين مع النظام اللاجئين في أوروبا.
وأوقف السلطات الألمانية رسلان في فبراير 2019، وهو من ذلك الوقت رهن الحبس الاحتياطي.
"ملف قيصر"
ومنذ بدء المحاكمة، مثل أكثر من 80 شاهداً أمام القضاء، من بينهم 12 منشقاً وعدّة رجال ونساء أتوا من دول مختلفة في أوروبا للإدلاء بشهاداتهم بشأن الفظائع التي تعرّضوا لها في فرع الخطيب.
غير أنّ شهوداً آخرين رفضوا المثول أمام المحكمة، في حين وافق آخرون على الإدلاء بإفاداتهم بشرط ألا يتمّ الكشف عن هوياتهم فقاموا بإخفاء وجوههم أو وضعوا شعراً مستعاراً، وذلك خوفاً من أن يتعرض أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا لأعمالٍ انتقامية.
وفي سابقة من نوعها، عُرضت أمام المحكمة صور من "ملف قيصر"، وهو أمر لم يسبق حدوثه في أي محاكمة حتى اليوم.
وقيصر هو الاسم الذي أُطلق على مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية هرب من بلاده وبحوزته 50 ألف صورة وثّقت 6786 معتقلاً سوريا وقد قتلوا بطرق وحشية بعدما تضوّروا جوعاً وتعرّضوا لشتّى صنوف التعذيب، وقدّم أحد السوريين شهادة عن المقابر الجماعية التي كانت تُطمر فيها جثث المعتقلين.
ومن المرتقب أن تنطلق أيضاً، الخميس، في فرانكفورت محاكمة أخرى تطال طبيباً سورياً لجأ إلى ألمانيا.