"شرطة الأخلاق" في إيران.. مصير غامض بإعلان القضاء وصمت "الداخلية"

time reading iconدقائق القراءة - 11
إحدى سيارات "شرطة التوجيه" في العاصمة الإيرانية طهران- 23 يوليو 2007 - AFP
إحدى سيارات "شرطة التوجيه" في العاصمة الإيرانية طهران- 23 يوليو 2007 - AFP
دبي- الزبير الأنصاري

سادت حالة من الجدل والغموض بشأن مصير "شرطة الأخلاق" في إيران رغم إعلان حلها من جانب مسؤول قضائي، بينما التزمت وزارة الداخلية الصمت رغم أن هذه الجهة الأمنية تتبعها.

وأدت وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني في سبتمبر، إثر احتجازها على يد شرطة الأخلاق، إلى إثارة احتجاجات واسعة ضد القيود المفروضة على اللباس في البلاد.

وتعرف "شرطة الأخلاق" رسمياً في إيران باسم "گشت إرشاد"، وتعني "دوريات التوجيه"، وتتبع منذ عام 2006 "قوات إنفاذ القانون"، المكلفة بفرض القوانين ضد المخالفات الأخلاقية. 

كان المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، قال السبت، إنه تم حل شرطة الأخلاق، مشيراً إلى أن "السلطة نفسها التي أنشأت هذه الشرطة قامت بحلها"، بحسب وكالة أنباء العمال الإيرانية شبه الرسمية.

وأضاف منتظري خلال مؤتمر صحافي أنَّ شرطة الأخلاق لا تخضع للسلطة القضائية التي "تواصل مراقبة التصرفات السلوكية على مستوى المجتمع".

لكن وسائل إعلام رسمية ألقت بظلال من الشك على تصريحات منتظري، معتبرة أنَّ المدعي العام غير مسؤول عن الإشراف على هذا الجهاز.

وقالت قناة "العالم" التلفزيونية الحكومية إنَّ وسائل إعلام أجنبية تصور تصريحاته على أنها "تراجع من جانب إيران عن موقفها من الحجاب والأخلاق الدينية نتيجة الاحتجاجات"، لكن كل ما يمكن فهمه من تصريحاته هو أن شرطة الأخلاق ليس لها صلة مباشرة بالسلطة القضائية، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

وشددت القناة على أنه "لم يؤكد أي مسؤول في إيران التقارير المتعلقة بإلغاء دوريات التوجيه".

هل تمَّ حلُّ الجهاز؟

جاءت تصريحات منتظري بعد حالة من الغياب النسبي لشرطة الأخلاق في الشوارع منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية، وهو ما عزَّز التكهنات بشأن إلغائها.

وفي نوع من التأكيد للحل، اعتبر عضو مجلس النواب الإيراني جلال رشيدي كوجي أنَّ إلغاء شرطة الأخلاق "عمل يستحق الثناء لكنه متأخر".

وأضاف: "أتمنى لو رأينا هذا الإجراء قبل وقوع كل هذه الأحداث، لأننا نستطيع أن نرى كيف تضر بعض السياسات والسلوكيات باستقرار الأمة وثقة الجمهور في الحكومة"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

لكن في ظل صمت السلطات بعد تصريحات منتظري، وعدم صدور قرار صريح حتى الآن، رأى خبراء أنَّ تصريحات المدعي العام يجب أن تؤخذ بقدر من الشك.

وقالت سانام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "معهد تشاتام هاوس"، وهو مركز أبحاث في لندن، إنَّ "تصريح منتظري لا ينبغي أن يفهم على أنه نهائي"، في ظل عدم صدور أي إعلان رسمي من كبار المسؤولين عن إنفاذ القانون أو القادة من رجال الدين، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وأشارت وكيل إلى أنَّ السلطات الإيرانية تعمد في كثير من الأحيان إلى اختبار بعض الأفكار من خلال طرحها للمناقشة. 

وقال مدير برنامج إيران في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن  أليكس فاتانكا: "ليس من الأكيد 100% أنَّ هذه مسألة منتهية"، مشيراً إلى أنَّ السلطات الإيرانية ربما تختبر ردة الفعل، لترى كيف سيستقبل المتظاهرون القرار، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

وأضاف فاتانكا: "لا يزال النظام الإيراني في مرحلتي التفكير والتخطيط إلى حد كبير، فهو يعرف المشاكل، لكنه لا يعرف ما يجب أن تكون عليه الحلول"، لافتاً إلى أن النظام قلق من أنه إذا قدَّم الأنواع الخاطئة من التنازلات، فإن ذلك سيشجع حركة الاحتجاج.

ما آليات الحل؟

لكن في حال كانت السلطات الإيرانية تنوي فعلاً حلَّ شرطة الأخلاق، فما الآليات لإصدار هذا القرار، وما الجهة المسؤولة عن تنفيذه؟.

أثارت تصريحات المدِّعي العام نوعاً من التضارب لأنَّ شرطة الأخلاق جزء من قوة الشرطة الوطنية، وتخضع لوزارة الداخلية وليس للقضاء.

وحتى الآن، لم توضح وزارة الداخلية موقفها بخصوص حل الجهاز، مكتفية بالإحالة إلى ما ذكره منتظري.

ورداً على سؤال لصحيفة "شرق" المحلية، الاثنين، عن وضع "شرطة الأخلاق"، أحال المتحدث باسم قوة شرطة طهران الإقليمية، الصحيفة إلى النائب العام، مشيراً إلى أنَّ الشرطة ستدلي ببيان "عندما يكون من المناسب القيام بذلك".

لكن على الرغم من أنَّ الجهاز تابع لوزارة الداخلية، إلا أن قرار تفكيكه يرجع من الناحية الفنية إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وهو هيئة شكلها المرشد الإيراني السابق الخميني في أوائل الثمانينيات، ويرأسها حالياً الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.

ووفقاً للشبكة الأميركية، لم يصدر حتى الآن أي تعليق من وزارة الداخلية الإيرانية والمجلس الأعلى للثورة الثقافية بخصوص الحل.

وقالت "واشنطن بوست" إنه على الرغم من تصريحات منتظري عن حل الجهاز، إلا أنَّ اتخاذ قرار في هذا الشأن يتطلب موافقة من مستويات عليا في الحكومة الإيرانية.

واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ التصريحات المتضاربة بشأن شرطة الأخلاق، ومراجعة قوانين الحجاب، تشير إلى وجود خلاف داخل المؤسسة الحاكمة حول مجموعة من القضايا المتعلقة بكيفية معالجة هذه القضايا.

ماذا بعد الحل؟

وفي حال تم حل الجهاز فإنَّ ذلك سيمثل أول تنازل من السلطات الإيرانية في وجه الغضب الشعبي الذي أثارته وفاة مهسا أميني.

وبعد يوم واحد من تصريحات المدعي العام عن إلغاء شرطة الأخلاق، قال النائب الإيراني نظام الدين موسوي، إن الحكومة الإيرانية "تهتم بالمطالب الحقيقية للشعب"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

كما أنَّ تصريحات منتظري عن حل جهاز الشرطة تزامنت أيضاً مع تصريحات أخرى له أعلن فيها توجه السلطات لمراجعة قوانين الحجاب.

ومع ذلك قلَّل خبراء من تأثير الحل في حال حدوثه على مجمل القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة في البلاد.

واعتبرت شادي صدر، وهي محامية ناشطة من أجل حقوق المرأة في إيران، أن إلغاء شرطة الآداب العامة لن يكون خبراً كبيراً لأنَّ "الحجاب لا يزال إلزامياً، ويتم فرضه بوسائل أخرى مثل الطرد من الجامعة أو المدرسة".

واعتبرت سانام وكيل أنَّ قواعد اللباس الإلزامي في إيران لا تزال سارية مع وجود شرطة الأخلاق أو بدونها، لافتة إلى أنَّ السلطات الإيرانية لها "العديد من الطرق الأخرى لقمع الناس وفرض قواعدها"، على حد وصفها.

وأضافت وكيل: "لا نعرف حتى الآن ما إذا كان حل الجهاز يعني إلغاءه تماماً، أو أنَّ عناصره سيخرجون عن إشراف قوات إنفاذ القانون إلى كيان آخر مع منحهم صفة جديدة".

وقالت المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بوروماند لحقوق الإنسان ومقرّه الولايات المتحدة رؤيا بوروماند: "ما لم يرفعوا جميع القيود القانونية على لباس النساء والقوانين التي تتحكم بحياة المواطنين الخاصة، فلا تصب هذه الخطوة إلا في إطار العلاقات العامة"، وفقاً لوكالة "فرانس برس".

واعتبر الزميل الباحث في "معهد دول الخليج العربية بواشنطن" علي آلفونه أنَّ تصريح منتظري بشأن حل شرطة الأخلاق قد يكون مجرد محاولة لتهدئة الاضطرابات الداخلية دون تقديم تنازلات حقيقية للمتظاهرين.

وأشار آلفونه إلى أنَّ الجهاز محل نقمة الطبقة الوسطى في إيران بسبب "تقييده الحريات الشخصية".

واعتبر أستاذ الدراسات الإيرانية في الجامعة الأردنية الدكتور نبيل العتوم، لـ"الشرق"، أنَّ "حلَّ شرطة الأخلاق لا يعني عدم الالتزام بما يسمَّى بالحجاب، بل على العكس من ذلك تماماً، قد يثير الحل لغطاً كبيراً عن المسموح وغير المسموح".

وأشار العتُّوم إلى أنَّ حل الجهاز "قد يسمح لجهات أخرى غير شرطة الأخلاق بتقييم معايير ما يسمى الحجاب الإسلامي ومدى الالتزام بقوانين إيران، لأنَّ التنازل عن قضية الحجاب هو بمثابة التنازل عن إسلامية النظام الإيراني، وهذا ما ذكره عدد من المسؤولين الإيرانيين المحسوبين على الحرس الثوري الإيراني وعلى مؤسسة الولي الفقيه".

والاثنين، قال عضو لجنة الثقافة في مجلس النواب الإيراني حسين جلالي خلال تجمع مؤيد للحجاب في مدينة قم: "لن نتراجع عن سياسة الحجاب، وإلا فسيكون هذا التراجع مساوياً للتنازل عن الجمهورية الإسلامية بأكملها"، مضيفاً: "الحجاب علَمُنا ولن نتركه يسقط"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

ما تأثير الحل على الاحتجاجات؟

لكن إلى أي مدى سيؤثر حل الجهاز في حال تأكيده رسمياً على الاحتجاجات الشعبية التي كانت ممارسات الجهاز سبباً رئيساً في انطلاقها؟.

قالت جيسو نيا، رئيسة مجلس إدارة "مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني" ومقره الولايات المتحدة، إنَّ المظاهرات تطوَّرت منذ الأيام الأولى بعد مقتل أميني، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وأضافت: "خلاصة القول أنَّ الاحتجاجات الآن تدور حول تحدي النظام بأكمله، والقوانين المتطرفة التي تميز بين الجنسين، والتي تفرض الحجاب الإلزامي، والقيود المفروضة على حقوق المرأة"، على حد تعبيرها.

وأكَّد العتوم أنَّ القرار "لن يؤثر على الاحتجاجات، فالشعب الإيراني لا يزال يشكك في مدى جدية القرار، كما أنَّ الموضوع ليس مقتصراً على الحجاب، وإنما هناك معطيات ودوافع كامنة لدى الشعب الإيراني تدفعه للبقاء في الشوارع، وعدم الرجوع عن مطالبه"، مشيراً في هذا الصدد إلى حالة الفقر والبطالة التي يعاني منها كثير من الإيرانيين.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن هادي غيمي، المدير التنفيذي لـ"مركز حقوق الإنسان في إيران"، وهو منظمة مستقلة مقرها نيويورك، قوله إنَّ "إلغاء شرطة الأخلاق كان من الممكن أن يحدث فرقاً بعد وفاة أميني مباشرة، لكن في هذه المرحلة، تضاءلت فعالية القرار، بحيث لم يرق إلا إلى محاولة يائسة للانتقاص من المطالب الأوسع للمحتجين بإنهاء حكم النظام الإيراني".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات