"صهر الظواهري" و"متهم بقتل السادات".. من يحسم قيادة "القاعدة"؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
أيمن الظواهري وأسامة بن لان زعيما تنظيم "القاعدة" . 10 نوفمبر 2001 - REUTERS
أيمن الظواهري وأسامة بن لان زعيما تنظيم "القاعدة" . 10 نوفمبر 2001 - REUTERS
القاهرة - ميّ هشامآلاء عثمانرويترز

بعد إعلان الولايات المتحدة، الثلاثاء، قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة بطائرة مسيرة على منزل في العاصمة الأفغانية كابول، يبرز التساؤل بشأن الشخص الذي سيخلفه في قيادة التنظيم المصنف على لوائح الإرهاب العالمية.

وفيما تبرز أسماء مرشحة من قبل محللين، أبرزها محمد صلاح الدين زيدان المعرف باسم "سيف العدل" أحد المتهمين في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، يرى آخرون أن التكهن بهوية وجه "القاعدة" الجديد، وطبيعة قائده "عملية عسيرة". 

الباحث المصري المتخصص في الجماعات المسلحة أحمد البحيري قال لـ"الشرق"، إن عملية اختيار الزعيم الجديد للتنظيم تعتمد على عوامل عدة، أبرزها "موقف شورى التنظيم من الاسم المطروح، وأولوية انتماء الاسم للرعيل (الجيل) الأول من قادة الجماعة، أو بالأحرى من تبقى منهم". 

ويرى البحيري أن "الاسم نفسه له ثقله في عملية الاختيار، إذ من الممكن أن ترجح إسهامات وأدوار صاحبه داخل بنية التنظيم سواء في عمليات التخطيط أو التسليح أو التدريب، موقفه عند الاختيار".

وأضاف: "تفريغ التنظيم من قادته من خلال قتل العديد من رموز الصف الأول كحمزة بن لادن، وأبو محمد وأبو محسن المصريين، ربما يحصر الاختيارات في أسماء محدودة من العناصر المتبقية ممن يسمون الرعيل الأول، وعلى رأسهم سيف العدل المصري، الذي كان مقرباً من الظواهري، وعضو مجلس شورى التنظيم، ومسؤول التخطيط والتنظيم لعمليات كبرى نفذها التنظيم".

ورداً على سؤال بشأن ظروف انتقال قيادة التنظيم إلى الظواهري في أعقاب قتل بن لادن، قال البحيري إن "العوامل الموضوعية والتاريخية شديدة الاختلاف، إذ كانت الأسماء المؤهلة عديدة، وكان من الصعب الحصول على اسم له رمزية لخلافة بن لادن".

وأشار إلى أن "انتقال القيادة آنذاك تزامن مع فترة ما قبل تراجع الجماعة أي قبل تنافسها مع تنظيم (داعش) على تصدر المشهد".

أولويات التنظيم

ورأى البحيري أن القضايا التي سيهتم بها خليفة الظواهري، هي "حسم المقر المركزي للتنظيم، إما بنقله أو الإبقاء عليه، خاصة بعد اتفاق الدوحة"، وعدم رغبة حركة "طالبان" في التصعيد ضد الولايات المتحدة.

وأضاف لـ"الشرق"، أن التنظيم يواجه تحدياً هو "محاولة السيطرة على ما تبقى من التنظيم الذي لم يتبق منه سوى 3 أفرع فقط، مقابل 12 فرعاً في عام 2009، ومحاولة استعادة مناطق النفوذ، لا سيما في آسيا".

واعتبر البحيري أن التحدي الأبرز للتنظيم هو حسم موقفه من مسألة "إعادة تدويل أو تدوير التنظيم خصوصاً في نطاق القيادة، مقابل حالة التمصير التي كانت سائدة". 

"سيف العدل"

يُعتبر محمد صلاح الدين زيدان الملقب بـ"سيف العدل"، الاسم الأبرز على قائمة المرشحين لقيادة التنظيم، وأحد أعضائه البارزين. وكان ضابطاً في القوات المسلحة المصرية سابقاً، وتكتنف شخصيته الغموض، بعد أن حرص على البقاء بعيداً عن الأضواء.

اتُهم "سيف العدل" بالاشتراك في اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عام 1981، وغادر مصر عام 1988، للانضمام إلى ما أُطلق عليه آنذاك "مقاومة الاحتلال السوفيتي" في أفغانستان.

وأصبح أحد أبرز القادة العسكريين في التنظيم، وغالباً ما يشار إليه باعتباره المسؤول الثالث في التنظيم، وساعد في التخطيط لتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، إضافة إلى إقامته معسكرات تدريب للتنظيم في دول عدة خلال تسعينيات القرن الماضي.

وفي عام 2004، عُثر على مذكرات تخص "سيف العدل" خلال مداهمة في السعودية، كشفت عن أدواره في التنظيم وعلى رأسها تدريب المقاتلين، إضافة إلى كونه قائداً عسكرياً وعضواً في وحدة حراسة أسامة بن لادن.

وقبل انضمامه إلى "القاعدة"، كان عضواً في حركة "الجهاد الإسلامي" في مصر، برفقة أيمن الظواهري.  

وقال محققون أميركيون إن "سيف العدل" على صلة بقتل الصحافي الأميركي دانييل بيرل في باكستان عام 2002، كما كشفت النتائج التي خلص إليها المحققون في ما أطلق عليه "مشروع بيرل"، أن "سيف العدل" ناقش اختطاف بيرل مع خالد شيخ محمد المتهم بأنه العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر 2001.

وتم تعيين سيف العدل قائداً مؤقتاً بعد قتل بن لادن، وتعرض الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى اعتقاله.

"شتات التنظيم"

هاني نسيرة الكاتب بوحدة الدراسات في "مركز الأخبار العربي" بالقاهرة، قال لـ"الشرق"، إن "هناك سيناريوهات تلوح في الأفق، منها وجود زعماء متعددين للتنظيم، أو مجلس شورى للمنطقة، ما قد يمثل حلقة جديدة في مسلسل شتات التنظيم"، على حد تعبيره.

وتوقع الباحث أن تطول مدة اختيار قائد تنظيم "القاعدة" الجديد، نتيجة صعوبة الاتصالات، ورفض ما ذهب إليه محللون آخرون بشأن ترشيح "سيف العدل"، بقوله إن "سمات سيف العدل تفتقر إلى الملامح المفترضة لقيادة التنظيم"، موضحاً أن "القدرات الشخصية والمادية أساسية، إضافة إلى ضرورة أن يحظى أي شخص بقبول أفرع التنظيم المختلفة".

وأضاف: "الظواهري كان وبالاً على التنظيم، فدائرته المقربة كانت مجهولة وضيقة، حتى سيف العدل، الاسم الأكثر ترجيحاً، كان تنظيمياً أكثر منه مُنظّراً". 

واستبعد نسيرة كذلك اختيار أبو عبد الرحمن المغربي حتى لو كان اسمه مطروحاً، لأن "القاعدة في المغرب العربي كان تنظيماً فرعياً وما يزال بعيداً عن بؤر الصراع ومركز التنظيم، والخلافات على القيادة".

"رؤية ضبابية"

أسماء دياب، رئيس برنامج دراسات الإرهاب بمركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، رأت أن نزيف الأفرع وانشقاقها، وفقدان القيادات، كان العنوان العريض ليوميات تنظيم "القاعدة" خلال العامين الماضيين، إذ فقدت خلالهما الأسماء الخمسة الأهم من قادة الصف الأول.

واعتبرت دياب في تصريحاتها لـ"الشرق" أن "سيف العدل"، أو "سيف الثأر"، كما يُكنى في عدد من المواد التي ينشرها الجهاز الإعلامي للقاعدة على مواقعه الإلكترونية، "هو الاسم الأكثر عنفاً وتشدداً، والذي عادةً ما يوصف بأنه من المنتظر أن يعيد أمجاد بن لادن" وفق تعبيرهم.

وأضافت: "إعادة الأمجاد، هي المهمة المصاحبة لغالبية التكهنات المرتبطة بتسمية القيادة الجديدة للتنظيم"، لافتة إلى أن "بعض الأسماء المطروحة قد تكون حُيدت بالسجن أو دخلت ضمن صفقات مقايضة وتسليم غير معلنة، ومن ثم، فإن الرؤية ما تزال ضبابية"، لكنها رجحت كفة "سيف العدل"، مؤكدة أنه كان "أحد المقربين من بن لادن وذراعاً من أذرعه"، كما يمتلك القدرة على التنظير للعمليات العسكرية، و"إسباغ التأسيس الشرعي المقنع عليها، وفقًا للفقه والمرويات الأصولية".

وأعربت دياب عن اعتقادها بأن ردود فعل الولايات المتحدة على خرق "طالبان" اتفاق الدوحة، وسعي الحركة الحثيث للحصول على اعتراف دولي، قد يشكلان عوامل فاعلة إلى حد بعيد في اسم الزعيم الجديد للتنظيم، فضلاً عن مقر القيادة المركزية.

صهر الظواهري

ربما تتم عملية اختيار زعيم "القاعدة" مدفوعة بالرغبة في الإعلان السريع عن اسم خليفة الظواهري لتفادي حدوث اهتزازات ميدانية، خاصة في ضوء العلاقات التنافسية بين القاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى في المنطقة، بحسب أبو الفضل الإسناوي مدير تحرير مجلة "السياسة الدولية" المصرية.

وقال الإسناوي لـ"الشرق"، إن "الإعلان إذا تم بالسرعة المتوقعة، فسيعكس ترتيبات التنظيم المُسبقة لاحتمالية رحيل الظواهري، وعلينا أن نضع مرض الظواهري في الاعتبار، إذ أن مرضه لعب عاملاً مؤثراً في اختيار الموقع الآمن الذي نُقل إليه في كابول كي يُصبح قريباً من المراكز الطبية".

"الانتقال إلى كابول، ربما تزامن مع تصعيد غير رسمي لقيادات جديدة، مع إعادة ترتيب التنظيم من الداخل، وتأمين الوجوه الجديدة تأميناً كاملاً"، وفقاً للإسناوي الذي أشار إلى أن الظواهري ربما كان على علم بترتيبات عمليات التسليم غير الرسمية داخل التنظيم.

وعلى عكس البحيري ودياب ونسيرة، توقع الإسناوي اختيار صهر الظواهري محمد أباطاي الملقب بعبد الرحمن المغربي، لخلافته في ظل حدوث تقارب واضح بينهما تجسد في عدد من المقابلات".

وأوضح: "داخل التنظيمات الإرهابية، الأقرب يكون أولى بالقيادة، وعبد الرحمن المغربي كان له دور عسكري، كما أن لديه علاقات بطالبان ولم يتم استهدافه خلال الفترة الماضية". 

المصريون أقرب

هذه الرؤية يتفق معها جاسم محمد رئيس "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب"، الذي يرى أن القرابة ودرجتها من بين العوامل المؤثرة في اختيار قيادة التنظيم.

وقال لـ"الشرق": "الحظوة في الترشح لزعامة التنظيم كانت للمقربين من أسامة بن لادن في المرحلة الأولى، واليوم نتحدث عن المقربين من الظواهري".

وطرح جاسم، صهر الظواهري كأحد المرشحين البارزين لخلافته بسبب قربه من الأخير، ودوره في رئاسة اللجنة الإعلامية، إلى جانب "سيف العدل" و"أبو إخلاص" المصريين.

وأضاف: "هناك شخصيات أخرى ظهرت من إفريقيا مرشحة للزعامة، لكن ربما تكون الجنسية المصرية الأكثر قرباً لقيادة التنظيم هذه المرة".

عبد الرحمن المغربي

عبد الرحمن المغربي أو محمد أباطاي هو صهر الظواهري وقيادي بارز في التنظيم، وكشفت وثائق عُثر عليها أثناء عملية قتل بن لادن، أن المغربي كان نجماً صاعداً في الجماعة لسنوات عدة، وشغل منصب القائد العام للقاعدة في أفغانستان وباكستان.

وكان المغربي مطلوباً لاستجوابه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بشأن عضويته في القاعدة، وقال مكتب التحقيقات إن المغربي درس البرمجة في ألمانيا، قبل أن يغادر إلى أفغانستان، حيث تم اختياره لإدارة الجناح الإعلامي الرئيسي للتنظيم.

 كمال حبيب، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلاموية، توقع أن يعلن التنظيم اسم زعيمه الجديد، مع الاعتراف بقتل الظواهري رسمياً.

وقال لـ"الشرق": "نلاحظ أنه حتى اللحظة لم يصدر التنظيم بياناً يعلن فيه مقتل الظواهري، الأمر الذي يُذكر بإعلان التنظيم مقتل أسامة بن لادن رسمياً بعد 3 أسابيع في مايو 2011، وإعلان الظواهري وقتها زعيماً بعد أن كان الرجل الثاني والمساعد الرئيسي لبن لادن". 

واعتبر حبيب أن التكهن بمن يخلف الظواهري مسألة صعبة للغاية، خصوصاً في ضوء قتل عدد من وجوه التنظيم البارزين ورجال الصف الأول، ممن كانوا مرشحين للقيادة، مستبعداً اختيار "سيف العدل"، بسبب ما سماه الحساسية بين التنظيم وإيران، دون أن يحدد طبيعتها.

تباين بين فروع التنظيم

أحمد بان، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، يرى أن التنظيم لم تعرف عنه تقاليد راسخة في ما يخص انتقال الزعامة لقيادة جديدة، بخلاف الانتخابات في مجلس شورى التنظيم، وحدوث حالة من التوافق بشأن الاسم المرشح من قبل هيكل "القاعدة" الأساسي.

وفيما تتصدر أسماء "سيف العدل" المصري، وعبد الرحمن المغربي، يعتبر بان أن "أسهمهما قد تتساوى، عاكساً حالة من التباين في المواقف بين فروع التنظيم الذي يجنح إلى مجافاة مفهوم القيادة المركزية".

وأشار بان إلى أن "عهد الظواهري" شهد "خروج فروع عدة عن طاعة القيادة المركزية والتفكك من عدد من الحركات والجماعات الصغيرة التي جرى استيعابها في طيات (داعش)".

وأضاف بان: "التنظيم لديه شبكات سرية وغير معروفة، أقرب إلى الحركة من التنظير والظهور، وربما يطرح من خلالها اسم غير متوقع لزعامة التنظيم".

وأعرب عن اعتقاده بأن أبرز أولويات التنظيم خلال الفترة المقبلة، إعادة ترميم الشبكات المهجورة، ووضع خطة استراتيجية لاستعادة النفوذ المفقود، وربما محاولات حثيثة لرأب الصدع بين الأفرع المختلفة، لا سيما في ظل ارتفاع الأصوات المتذمرة من "تمصير التنظيم".

وتابع: "الزعامة الجديدة سيتحتم عليها أيضاً ألا تجمع شتاتها تنظيمياً فحسب، وإنما أيضاً أن تحظى بقدرة فائقة على بناء سردية جديدة واستحداث خطاب جديد مناسب لتجنيد المزيد من المقاتلين، الملف الذي تواجه فيه القاعدة تأزماً واسعاً، بخلاف حركات أخرى".

أبو عبيدة العنابي

مبارك يزيد الملقب بأبو عبيدة يوسف العنابي، مرشح أيضاً لخلافة الظواهري، وسبق أن بويع "أميراً" لـ"القاعدة في بلاد المغرب" عام 2020، بعد أن قتلت غارة فرنسية سلفه.

أبو عبيدة من الجزائر ويبلغ من العمر 53 عاماً، وشارك في الحرب الأهلية الجزائرية "العشرية السوداء" في التسعينيات، وترقى في صفوف "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وهو تنظيم مسلح نشط خلال تلك الفترة، وظهر في صورة يرتدي عمامة خضراء وتغطي وجهه لحية رمادية بالكامل.

وأدار أبو عبيدة الأنشطة الإعلامية لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، وظهر في مقطع فيديو عام 2013 يدعو فيه إلى شن هجمات ضد المصالح الفرنسية في أنحاء العالم، بعدما أرسلت باريس قوات للمساعدة في قمع التمرد المسلح في مالي.

وكان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، استغل حالة الفوضى التي عمت منطقة الساحل، ليصبح أحد أكثر فروع التنظيم العالمي نشاطاً وقيمة، من خلال تنفيذ عمليات اختطاف لرهائن غربيين وشن هجمات عبر مساحات شاسعة من الأراضي.

ومع ذلك، يرى محللون أن "القاعدة في بلاد المغرب" فقد سيطرته على الجماعات المسلحة الأحدث في منطقة الساحل، وهي واحدة من أهم ساحات النشاط في العالم، بينما تشير تقارير إلى أن أبو عبيدة يعاني من إصابات قديمة ويفتقر إلى كاريزمة القيادة.

اقرأ أيضاً: