Open toolbar

الرئيس الأميركي جو بايدن ينظر إلى رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي (الأول من اليسار) وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، خلال اجتماع مع قادة الكونجرس في البيت الأبيض في واشنطن، الولايات المتحدة. 29 نوفمبر 2022. - REUTERS

شارك القصة
Resize text
واشنطن-

على الرغم من الرهانات الكثيرة بشأن انفراجة محتملة لأزمة "سقف الديون" ومعالجة العجز في الميزانية خلال لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، إلا أن الاجتماع سلط الضوء على الخلافات بين الجانبين.

فخلال اللقاء المذكور، هدد الجمهوريون بعدم زيادة حد الدين ما لم يوافق بايدن على خفض حاد في الإنفاق الفيدرالي، بينما يرفض الرئيس الأميركي التفاوض بشأن رفع الحد الأقصى للدين الذي وصلت إليه الحكومة هذا الشهر.

بناء على ما تقدم، لماذا تتكرر أزمة "سقف الدين" مع الحكومات المتعاقبة؟ ومتى يمكن حل الخلافات؟ ولماذا تهدد الأزمة المذكورة بأزمة أخرى مالية قد تؤدي إلى ركود وفقدان مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية، في حال تخلفت عن سداد ديونها؟ 

رهانات سياسية واقتصادية 

ظل السياسيون ينظرون إلى كل من بايدن ومكارثي على أنهما من القادة الودودين المعروفين برغبتهم في إبرام الصفقات، لكن الطرفين وجدا نفسهما يتهافتان على الدخول في تضاريس سياسية غير مريحة، من خلال مفاوضات صعبة بشأن كيفية الحد من ديون الولايات المتحدة التي بلغت السقف المحدد لها في 19 يناير الماضي، بوصولها لـ31.4 تريليون دولار. 

وفي حين أن كلا الرجلين (بادين ومكارثي) أظهر احتراماً تجاه الآخر على مدى سنوات، فإن الرهانات السياسية والاقتصادية بشأن إمكان حل الأزمة العالقة خلال الأسابيع المقبلة، قد تكون حادة بحيث تعرقل مهاراتهما التفاوضية.

مكارثي خرج من الاجتماع من دون بوادر ملموسة على إحراز تقدم، لكنه عبر عن "بصيص من التفاؤل"، قائلاً إن "لا اتفاقات ولا وعود، إلا أننا سنواصل المحادثات". وأوضح البيت الأبيض في بيان أن بايدن كرر أنه لن يتفاوض بشأن سقف الدين، وإن كان يرحب بمناقشة منفصلة مع قادة الكونجرس حول كيفية تقليل العجز في الميزانية والسيطرة عليه (الدين). 

بسبب هذا الخلاف، يفكر بايدن في ترشيح نفسه لدورة رئاسية ثانية في عام 2024. ويسعى مكارثي إلى الاحتفاظ بمنصبه كرئيس لمجلس النواب من دون إثارة غضب الجمهوريين وانقسامهم، خصوصاً الجناح اليميني في مجلس النواب، ما يشير إلى أن الأزمة قد تظل عالقة لفترة أطول مع تأكيد مكارثي أنه يريد طريقة معقولة ومسؤولة يمكن من خلالها رفع سقف الديون، بشرط السيطرة على الإنفاق الحكومي الجامح.

في المقابل، يصر بايدن على رفض التفاوض بشأن سقف الدين، أو المساس بالمزايا الاجتماعية والصحية التي أقرت في الميزانيات التي اعتمدها الديمقراطيون خلال سيطرتهم على الكونجرس بمجلسيه طوال العامين الماضيين، ومحاولة إدارته إلقاء الكرة في ملعب الجمهوريين بمطالبتهم تقديم مقترحات مفصلة للميزانية.

الاتفاق صعب 

ورغم مطالبة نواباً جمهوريين وديمقراطيين بتجاوز الانقسام الحزبي (يكافح الجمهوريون للتوصل لاتفاق في ما بينهم بشأن كيفية خفض الإنفاق) تبدو المسألة مهيأة للتصادم مع حقيقة أن تدابير التقشف تعتبر مزعجة للجميع.

كبير الباحثين في "معهد بروكينجز" ويليام جي جيل، قال إن "أي سياسي يمكن أن يسقط بسبب خفض الإنفاق أو رفع الضرائب التي تستهدف معالجة عجز الميزانية وتقليص الديون". 

تجدر الإشارة إلى أنه بعد فورة إنفاق 5 تريليونات دولار لمكافحة تداعيات جائحة كورونا، أصبح عبء ديون واشنطن ضخماً للغاية، بحيث لا يمكن التخلص منه دون ألم كبير، إذ قدّرت لجنة الموازنة الفيدرالية أخيراً، أنها ستتطلب خفض العجز بـ14.6 تريليون، لإحداث توازن في الميزانية على مدى العقد المقبل، الأمر الذي يحتاج لخفض كل الإنفاق الفيدرالي الأميركي بمقدار الربع تقريباً.

وفي حين حذّر الرئيس السابق دونالد ترمب الجمهوريين من المساس بخفض برنامج الرعاية الصحية لكبار السن "ميديكير"، أو برامج الضمان الاجتماعي، امتنع الجمهوريون عن تقديم خطة واضحة تحدد البرامج الفيدرالية التي يريدون خفض ميزانيتها.

كما أصر الجمهوريون على ضرورة إجراء تغييرات مالية هيكلية مقابل التصويت لرفع سقف الاقتراض، كما ظهرت أخيراً بعض الانقسامات، بشأن كيفية تقليل الإنفاق أمام الرأي العام، مما يبرز التحدي السياسي الذي يواجه الحزب (الجمهوري)، وهم يحاولون التلويح بشبح التخلف عن السداد لانتزاع تنازلات من بايدن والديمقراطيين.

ديون بلا نهاية 

ومع ذلك، يخشى الجمهوريون من استمرار فتح باب الديون بلا حدود، بعدما أنفقت الحكومة الأميركية مبلغاً قياسياً بلغ 213 مليار دولار أميركي مدفوعات الفائدة على ديونها في الربع الرابع من العام الماضي، بزيادة قدرها 63 مليار دولار عن العام السابق. وهو ما يمثل قفزة بنحو 30 مليار دولار عن الربع السابق ما يجعلها أكبر قفزة ربع سنوية على الإطلاق، في الوقت الذي رفع فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنسبة هائلة بلغت 4.25 نقطة مئوية من مارس حتى ديسمبر 2022. 

ويقول جيرالد دواير، أستاذ الاقتصاد في "جامعة كليمسون" إن الدين الأميركي، وهو المبلغ الذي تقترضه الحكومة الفيدرالية لموازنة الميزانية، يزداد عندما يكون الإنفاق أكبر من الإيرادات ويتراكم بمرور الوقت، كما يميل التضخم إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وكذلك العجز في الميزانية، ونتيجة لذلك تزداد قيمة الدين الحكومي بالدولار في أوقات التضخم.  

وبهذه الطريقة، ارتفع إجمالي الدين الحكومي على مر السنين، وأصبح بحلول نهاية عام 2022 أكبر بعشر مرات مما كان عليه في عام 1990، ووصل إلى 31.4 تريليون دولار بما يمثل أكثر من 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ما يشير إلى أن خدمة الديون يمكن أن تكون مشكلة أكثر مما كانت عليه من قبل.

هل تتخلف أميركا عن سداد ديونها؟ 

على مدى نحو قرن من الزمان، أنفقت الولايات المتحدة أموالاً أكثر مما تحصل عليها. لكن وزارة الخزانة ظلت تمول هذا الإنفاق الإضافي عن طريق بيع الأوراق المالية الحكومية. ومع ذلك لم يسمح المشرعون بتسليم الوزارة شيكاً على بياض، إذ حدد الكونجرس منذ عام 1917 المبلغ الذي يمكن لوزارة الخزانة أن تقترضه، حتى تتمكن من دفع تكاليف البرامج الملزمة قانوناً بتمويلها مثل برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ورواتب العسكريين ومدفوعات الفائدة وغيرها، وتم تعريف هذا المبدأ التوجيهي باسم "سقف الدين". 

وعلى مدار التاريخ، لم تتخلف أميركا قط عن سداد ديونها رغم أن الكونجرس رفع سقف الديون 100 مرة لمنع التخلف عن السداد. لكن، مع وصول الدين الأميركي إلى سقف الديون في 19 ديسمبر الماضي، بدأت وزارة الخزانة في اتخاذ إجراءات استثنائية من أجل دفع استحقاقاتها والتي يتوقع أن تصمد فقط حتى يونيو المقبل، لكن إذا لم يرفع الكونجرس أو يعلق سقف الديون حتى ذلك الحين، فقد تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها.  

وللسبب المذكور أعلاه، حذرت جانيت يلين وزيرة الخزانة من أن التخلف عن سداد الديون قد يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأميركي، مع ارتفاع معدلات الاقتراض لأشياء مثل بطاقات الائتمان والرهن العقاري وقروض السيارات. وينتظر أن تضيف هذه العواقب مزيداً ومن التعقيدات إلى التحديات التي كانت تواجه الاقتصاد الأميركي بالفعل من اقتصاد متباطئ، وارتفاع أسعار الفائدة، وتضخم مرتفع، بينما يحذر الخبراء الاقتصاديون من كارثة محدقة تتمثل في ركود  وانهيار في الثقة المالية والائتمانية للولايات المتحدة، وقد يؤدي هذا السيناريو إلى إغراق العالم في أزمة مالية طويلة.

طريقتان للتخلف عن سداد الديون 

وفقاً لموقع التوازن المالي في الولايات المتحدة والذي يضم مجموعة من المهنيين ذوي الخبرة الواسعة في الصناعة المالية من أساتذة الجامعات إلى المخططين الماليين المعتمدين، فإن هناك طريقتان يمكن للولايات المتحدة أن تتخلف بها عن سداد ديونها، تتمثل الأولى في تعليق سقف الدين أو عدم رفعه، بينما تتمثل الثانية في عدم دفع فائدة على أذون وسندات الخزانة الأميركية. 

في الطريقة الأولى، يمكن للولايات المتحدة أن تتخلف عن سداد ديونها إذا لم يرفع الكونجرس سقف الديون بمجرد بلوغه. وعندما يتأخر قرار رفع أو تعليق سقف الديون، غالباً ما تفقد الشركات والمستهلكين الثقة في أميركا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وعدم اليقين في الأسواق المالية، وخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. 

ويُنظر إلى ديون الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم على أنها بمثابة "استثمار آمن". ويعتبر معظم المستثمرين أن سندات الخزانة مضمونة بنسبة 100 في المئة من قبل الحكومة الأميركية. ولهذا، قد يؤدي أي تهديد بالتخلف عن السداد إلى قيام وكالات تصنيف الديون مثل "موديز" و"ستاندرد آند بوورز"، بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. وقد يؤثر ذلك على سوق الأسهم، فعلى سبيل المثال، خفضت ستاندرد آند بوورز في أبريل 2011 نظرتها للديون الأميركية من (قوي للغاية) إلى (قوي جداً)، ومع ذلك انخفض مؤشر داو جونز الصناعي على الفور بمقدار 140 نقطة. 

أما الطريقة الثانية التي يمكن أن تتخلف بها الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فتأتي إذا قررت الحكومة ببساطة أن ديونها مرتفعة للغاية وتوقفت عن دفع الفائدة على أذون وسندات الخزانة. وفي هذه الحالة، ستنخفض قيمة سندات الخزانة في السوق الثانوية، حيث يضطر أي شخص أو جهة تمتلك سندات الخزانة أن يبيعها بخصم كبير، كما لن تكون الحكومة الفيدرالية قادرة على طرح سندات خزانة جديدة أيضاً، وبالتالي لن تتمكن الحكومة من اقتراض الأموال من المستثمرين.

تداعيات الكارثة  

سيؤدي التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة إلى كارثة حتمية على الاقتصاد والشعب في الولايات المتحدة وعلى العالم أجمع. ففي أميركا، قد يؤدي التخلف عن السداد إلى زيادة أسعار الفائدة، مما يؤدي بعد ذلك إلى زيادة الأسعار ومزيد من التضخم. وستعاني سوق الأسهم أيضاً، إذ لن يُنظر إلى الاستثمارات في أميركا على أنها آمنة كما كانت من قبل، خاصةً إذا تم تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. 

وستتأثر كذلك العديد من البرامج الحكومية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وستكون رواتب العسكريين والموظفين الفيدراليين في خطر. كما سيصبح أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يتعاملون مع قروض فيدرالية معرضين للخطر. وسيكون لهذه الآثار المالية تأثير كبير على إنفاق المستهلكين. ويمكن أن تغلق الشركات. وفي النهاية يمكن أن تدخل الولايات المتحدة في ركود طويل يشبه الركود الكبير الذي ضرب الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي وتسبب في ركود اقتصادي عالمي. 

وبالرغم من أن الكثير من السياسيين في واشنطن ورجال المال في وول ستريت يفترضون أن الكونجرس وإدارة بايدن سيجدون طريقة لمواصلة دفع الفوائد لحاملي السندات الأميركية، إلا أن هذا لا يعني أن الاقتصاد سوف يفلت من الأذى، حسبما يقول داليب سينغ المسؤول الاقتصادي السابق في البيت الأبيض، لأنه إذا خفضت وكالات الائتمان تصنيف سندات الخزانة بشكل جماعي، فإن تكلفة الاقتراض والتأمين ضد التخلف عن السداد سترتفع، وبالتالي، فإن أية أصول مالية يتم تسعيرها استناداً إلى عوائد الخزانة ستشعر بالآثار الضارة مثل الرهون العقارية وبطاقات الائتمان وسندات الشركات. وكل شيء يصبح أكثر تكلفة بمجرد أن يبدأ المستثمرون في ربط المزيد من المخاطر باحتمالية وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها، وهذا خطر أكبر بكثير بعد المعارك المتكررة والممتدة حول سقف الديون.  

ومثل العديد من البلدان الأخرى والمستثمرين الأفراد في جميع أنحاء العالم، تمتلك الصين من سندات وزارة الخزانة الأميركية حتى أواخر عام 2022 ما يقارب تريليون دولار، وإذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فقد لا تتلقى الصين أو غيرها من البلدان والمؤسسات والأفراد مدفوعات الفائدة على تلك الأوراق المالية، وقد تفقد هذه الجهات جميعاً استثماراتها بشكل كامل.

انهيار الدولار 

ويقول مايكل همفريز، أستاذ الأعمال والاقتصاد في "جامعة تورو" إن أخطر العواقب تكمن في انهيار الدولار الأميركي الذي يُستخدم على نطاق واسع في التمويل والتجارة العالمية، واستبداله بوحدة حساب أخرى، ذلك أن أكثر من نصف حجم التجارة العالمية بما في ذلك النفط والذهب والسيارات والهواتف الذكية يتم تقييمها بالدولار، بينما يشكل اليورو نحو 30 في المئة من تعاملات التجارة العالمية، وتستحوذ جميع العملات الأخرى على باقي التعامل التجاري العالمي. 

ونتيجة لهذه الهيمنة، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة على هذا الكوكب التي تستطيع سداد ديونها الخارجية بعملتها الخاصة، الأمر الذي يمنح كلاً من حكومة الولايات المتحدة والشركات الأميركية مساحة هائلة في التجارة والتمويل الدوليين. 

وبغض النظر عن مقدار ديون حكومة الولايات المتحدة للمستثمرين الأجانب، فإنه يمكنها ببساطة طباعة الأموال اللازمة لسدادها. رغم أنه لأسباب اقتصادية، قد لا يكون من الحكمة القيام بذلك، في حين يتعين على الدول الأخرى شراء الدولار أو اليورو لتسديد ديونها الخارجية، بحيث تكون الطريقة الوحيدة بالنسبة إلى تلك الدول هي إما تصدير منتجات أكثر مما تستورد، أو اقتراض المزيد من الدولارات أو اليورو من السوق الدولية. 

لكن، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا توجد لديها هذه القيود ويمكن لها أن تكون في عجز تجاري كبير مع استيراد منتجات أكثر مما تصدر على مدى عقود، من دون أن تعاني العواقب ذاتها. كما أنه بالنسبة إلى الشركات الأميركية، فإن هيمنة الدولار تعني أنها لا تخضع لمخاطر تقلب سعر الصرف مثل منافسيها الأجانب، إذ تشير أخطار التغيرات في سعر الصرف إلى كيفية تأثير القيمة النسبية للعملات على ربحية الشركات. 

ونظراً لأن التجارة الدولية بشكل عام مقومة بالدولار، فإنه يمكن لشركات الولايات المتحدة البيع والشراء بعملتها الخاصة، وهو أمر لا يستطيع منافسوها الأجانب القيام به بسهولة، ما يمنح الشركات الأميركية ميزة تنافسية هائلة.

وهكذا، إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، من المحتمل أن يفقد الدولار مكانته كوحدة حساب دولية، مما يجبر الحكومة والشركات على دفع فواتيرها الدولية بعملة أخرى. 

فقدان القوة السياسية  

نظراً لأن معظم التجارة الخارجية مقومة بالدولار، فإن أموال التجارة تتم من خلال بنك أميركي في مرحلة ما، وهذه إحدى الطرق المهمة التي تجعل من هيمنة الدولار قوة سياسية هائلة للولايات المتحدة، وخاصة لمعاقبة المنافسين الاقتصاديين والحكومات غير الصديقة.

وعلى سبيل المثال، عندما فرض الرئيس ترمب عقوبات اقتصادية على إيران، منع طهران من التعامل مع البنوك الأميركية والدولار، كما فرض عقوبات ثانوية، مما يعني فرض عقوبات أيضاً على الشركات غير الأميركية التي تتعامل مع إيران، وكان على معظم اقتصادات العالم الاختيار بين التعامل بالدولار أو التجارة مع إيران، فاختارت الدولار وامتثلت للعقوبات، ونتيجة لذلك دخلت إيران في ركود عميق، وانخفضت عملتها بنحو 30 في المئة. 

وفعل الرئيس جو بايدن شيئاً مشابها ولكن على نطاق أقل مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. ولهذا السبب، لا يمكن لأي بلد آخر اليوم أن يفرض من جانب واحد هذا المستوى من الألم الاقتصادي على بلد آخر، ما يجعل انهيار الدولار مع التخلف عن سداد الديون الأميركية أمراً في غاية الخطورة على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة 

مكافأة المنافسين 

النتيجة الأخرى لانهيار الدولار هي تعزيز مكانة أكبر منافس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي وهي الصين. ففي حين أن اليورو من المرجح أن يحل محل الدولار باعتباره وحدة الحساب الرئيسية في العالم، فإن اليوان الصيني سوف ينتقل إلى المركز الثاني.

وإذا أصبح اليوان وحدة حساب دولية مهمة، فإن ذلك سيعزز مكانة الصين الدولية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، خصوصاً وأن بكين كانت تعمل مع دول مجموعة بريكس الأخرى مثل البرازيل وروسيا والهند لقبول اليوان كوحدة حساب. ومع استياء الثلاثة الآخرين بالفعل من الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، فإن التخلف عن السداد في الولايات المتحدة سيدعم هذا الجهد.

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.