من قندهار إلى كابول.. كيف بدأت طالبان رحلة الحرب والسلطة؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان الملا عبد الغني بردار (وسط الصورة) - REUTERS
رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان الملا عبد الغني بردار (وسط الصورة) - REUTERS
دبي - الشرق

عادت حركة طالبان إلى مركز السلطة في أفغانستان من جديد، بعد تجربة قصيرة استمرت 5 سنوات خلال الفترة من سبتمبر 1996 وحتى سبتمبر 2001، قبل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان.

وبعد 20 عاماً، نجحت الحركة الأحد، في السيطرة على أفغانستان بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية بشكل كامل من الأراضي الأفغانية؛ ليدخل مقاتلوها العاصمة كابول، ويهرب رئيس الدولة أشرف غني معلناً انتصار طالبان وسط عميات إجلاء محمومة للدبلوماسيين الغربيين. 

هذه النتيجة التي كانت متوقعة، وإن كانت سرعة تحققها خارج التوقعات، تدفع باتجاه مراجعة المقدمات، منذ تأسيس طالبان، وصولاً إلى القصر الرئاسية للمرة الثانية. 

حركة الطلاب

"طالبان" هى جمع كلمة طالب في لغة البشتو التي تتحدث بها "القومية البشتونية"، أكبر قومية في أفغانستان، وتعني طلاب المدارس الدينية، أما لقب "المُلا" فيطلق في اللغة المحلية الأفغانية على من يدرس للأولاد في المدرسة العلوم الدينية والقرآن، ويطلق بشكل عام على عالم الدين، حسبما قال الباحث السياسي الأفغاني نصير أحمد طاهري في تصريحات لـ"الشرق".

أصل التسمية يتوافق مع نشأة الحركة التي بدأت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بين طلاب المدارس الدينية في باكستان وأفغانستان، بعد أن بايعوا الملا محمد عمر أميراً لهم في ولاية قندهار الأفغانية (جنوب غرب)، في أعقاب انسحاب القوات السوفيتية من البلاد.

ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية سامح عيد، في تصريحات لـ"الشرق" عن هذه الفترة: "بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1989 وقع خلاف بين فصائل الجهاد، درجة نشوب معارك طاحنة واقتتال داخي واغتيالات نتج عنها اغتيال زعيمها عبدالله عزام وآخرين، في الوقت الذي ظهرت فيه طالبان داعية إلى تجاوز الخلافات والنزعات العرقية بشكل أعطاها شعبية كبيرة".

"استعادة السلام والأمن وفرض الشريعة الإسلامية بمجرد الوصول إلى السلطة"، كان هذا هو الوعد الذي قطعته طالبان على نفسها في مناطق البشتون أوائل التسعينيات، وهو ما منحها خلال سنوات قليلة نفوذاً كبيراً في جنوب غرب أفغانستان.

وفي سبتمبر 1995 نجحت الحركة في السيطرة على مقاطعة هرات المتاخمة لإيران، وبعد عام واحد سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول، وأطاحوا بنظام الرئيس برهان الدين رباني، أحد الآباء المؤسسين للمجاهدين الأفغان الذين قاوموا الاحتلال السوفيتي.

 وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حققت الحركة "شعبية مبكرة بسبب نجاحها إلى حد كبير في القضاء على الفساد وكبح الفوضى، وجعل الطرق والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم آمنة لازدهار التجارة".

حكم متشدد

لكن طالبان أرست حكماً متشدداً وفرضت إطلاق اللحى على الرجال، وارتداء "البرقع" للنساء، وحظرت التلفزيون والموسيقى والسينما، ومنعت ذهاب الفتيات فوق سن العاشرة إلى المدرسة.

ولم تقتصر انتهاكات طالبان على ملف حقوق الإنسان فقط، بل امتدت إلى الثقافة، وكان أحد أبرز الأمثلة  على ذلك تفجير تمثالي بوذا في منطقة باميان وسط أفغانستان بالديناميت عام 2001، وهما التمثالين اللذين يرجع تاريخهما إلى القرن السادس الميلادي، على الرغم مما صاحب ذلك من غضب دولي.

 الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال إنه "لا يعتقد بوجود تغيير عن الماضي، وأن مفهوم الحركة عن حقوق المرأة والنظام السياسي والدستور لم يشهد أي تغيير".

في المقابل، يختلف ولي الله شاهين، الكاتب الصحافي الأفغاني، مع "فرحات"، قائلاً إن "طالبان الآن ليست كما كانت في زمن الملا محمد عمر، الآن هم منفتحون بشكل كبير، وليسوا متزمتين كما سبق، ومعاملاتهم ليست فجة كما كانت".

وتابع شاهين: "على الأقل سيسمحون للفتيات بالذهاب إلى الجامعة والمدارس، وخروج المرأة للعمل بشرط ألا تكون متبرجة، وأن تلتزم بحدود الملابس المحتشمة".

الحرب الأميركية

انتبه العالم بشكل كبير إلى حركة طالبان في أفغانستان، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، حين اتُهمت طالبان بتوفير ملاذ للمشتبه بهم الرئيسيين، أسامة بن لادن وقيادات تنظيم القاعدة.

في 7 أكتوبر 2001، شن تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة هجمات على أفغانستان، وبحلول الأسبوع الأول من ديسمبر كان نظام طالبان قد انهار، إلا أن زعيم الجماعة آنذاك الملا محمد عمر وشخصيات بارزة أخرى، بما في ذلك بن لادن، نجحوا في الهرب لتبدأ بعد ذلك واحدة من أكبر عمليات المطاردة في التاريخ الحديث.

الباحث في شؤون الحركات الجهادية سامح عيد، أوضح طبيعة تلك المرحلة في رحلة طالبان، قائلاً: "طالبان هى في الأصل قبائل، ومع الحرب عادت إلى الكهوف، ولم تنته بل بالعكس ألحقت خسائر بشرية فادحة في صفوف القوات الأميركية".

 بلغ عدد ضحايا الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على أفغانستان نحو 2300 قتيل، وأكثر من 20 ألفاً و660 مصاباً.

الهيكل التنظيمي

في أغسطس 2015 اعترفت حركة طالبان أنها تسترت على وفاة زعيمها الملا محمد عمر لأكثر من عامين داخل مستشفى في باكستان بسبب مشاكل صحية، قبل أن تعلن بعد شهر واحد الالتفاف حول زعيم جديد هو الملا منصور، الذي كان نائباً للملا عمر.

بعد أقل من عام، وتحديداً في مايو عام 2016، قُتل الملا منصور في غارة أميركية بطائرة مسيرة، وحل محله نائبه المولوي هبة الله أخوندزاده، النائب السابق لجهاز طالبان القضائي، الذي يسيطر على الحركة حتى الآن.

المولوي، هو المرجع الأعلى في كل الأمور السياسية والدينية والعسكرية، وله 3 نواب، هم زعيم "شبكة حقاني سراج الدين حقاني"، والملا محمد يعقوب، آمر العمليات العسكرية، ونجل مؤسس الحركة الملا عمر، ورئيس المكتب السياسي للحركة عبد الغني برادر، رئيس المفاوضين في محادثات الدوحة.

الحركة لها أيضاً مجلس قيادة (شورى رهبري)، وهى سلطة طالبان العليا المعنية بإصدار القرارات وعدد أعضائها 26 عضواً بجانب المفوضيات التي تعد بمثابة مجلس وزراء حركة طالبان، وتتولى الإشراف على كل الفعاليات في مختلف المجالات العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والسياسية، بحسب "بي بي سي".

 من جهته، يرى مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية "توافقاً كبيراً داخل الحركة الآن، لم نسمع عن صراعات أو خلافات". وقال فرحات: "هبة الله أخوند زاده، هو المسيطر على طالبان، والملا عبدالغني برادر، رئيس المكتب السياسي معترف به داخلها ويعتبر مهندس الاتفاق مع واشنطن".

في المقابل يرى الصحافي الأفغاني ولي الله شاهين، أن "هذا الهيكل سيتغير بالتأكيد، ولن تبقى كحركة مقاومة، بل ستتحول إلى حكومة ذات تيار سياسي".

عودة طالبان

الآمال في التوصل إلى اتفاق سلام في الأراضي الأفغانية عن طريق التفاوض، انتعشت عام 2013 حين أعلنت طالبان خططها لفتح مكتب سياسي في قطر، إلا أن انعدام الثقة من جميع الأطراف ظل مرتفعاً واستمر العنف.

وبعد 5 سنوات من تأسيس المكتب السياسي، وعقب تصاعد وتيرة العنف دخلت طالبان محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في عام 2018.

وفي فبراير 2020، أبرم الجانبان اتفاق سلام في الدوحة ألزم الولايات المتحدة بالانسحاب، مع التزام طالبان بمنع الهجمات على القوات الأميركية.

وفي أبريل 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن قوات بلاده ستغادر أفغانستان بحلول 11 سبتمبر بالتزامن مع الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر.

ومع اقتراب اكتمال انسحاب القوات الأميركية، نجحت طالبان الأحد، في السيطرة على جميع المدن الرئيسية في أفغانستان، ودخول العاصمة كابول.

هل تواجه طالبان عزلة دولية؟

وحول مستقبل طالبان في الحكم، وسيناريو انعزال أفغانستان تحت حكمها، أو فرض عزلة إجبارية عليها، قال مدير مركز الأهرام الدكتور محمد فايز فرحات، إن هذا السيناريو مستبعد، لأن هناك قوى كثيرة لها مصالح في أفغانستان، مثل دول آسيا الوسطى وإيران وروسيا والصين.

وتوقع فرحات أن تكسر هذه القوى محاولات فرض العزلة على نظام طالبان. وأضاف: "الصين تبحث عن مشروع الحزام والطريق، والهند وإيران يفكران في محور الشمال- الجنوب الذي يربط بين مومباى الهندية بآسيا الوسطى"، مشيراً إلى أنه "لا أحد يعنيه النظام الحاكم في البلاد، فقط يرغبون بدرجة من الاستقرار تسمح لهم بتنفيذ مشاريعهم".

اقرأ أيضاً: