هل تعثرت جهود واشنطن في مجموعة الـ20 لعزل موسكو وبكين؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال اجتماع لوزراء خارجية دول "آسيان" في كمبوديا - 5 أغسطس 2022 - REUTERS
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال اجتماع لوزراء خارجية دول "آسيان" في كمبوديا - 5 أغسطس 2022 - REUTERS
دبي - الشرق

شهد اجتماع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في جبال الألب البافارية، في يونيو الماضي، تعهداً بمساندة أوكرانيا على المدى البعيد، خلال تصديها للغزو الروسي، فيما كان نظراؤهم في مجموعة العشرين أقلّ دعماً لكييف، كما أفادت "بلومبرغ".

تمثل مجموعة العشرين نحو 85% من الناتج الاقتصادي العالمي، ويُفترض أن تكون أكثر انعكاساً للوضع في العالم.

ومع ذلك، لم ينضمّ سوى نصف أعضائها إلى العقوبات الدولية المفروضة على زميلتهم روسيا، نتيجة غزوها لأوكرانيا.

وأفادت "بلومبرغ" بأن مسؤولين بارزين من أميركا ومجموعة محدودة من الدول الثرية، يجوبون العالم للدفاع عن فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة على موسكو. لكنهم فوجئوا بعدم تجاوب دول من مجموعة العشرين..

وذكرت أن ثمة واقعاً غير مريح يواجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال جولته الطويلة في جنوب شرقي آسيا وإفريقيا، يتمثّل في أن دولاً كثيرة ليست مستعدة لتبنّي الجهود الأميركية والأوروبية لعزل روسيا.

صعوبات

وهذا الأمر يجعل الاتفاق على مبادرات عالمية، مثل تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، على النحو الذي اقترحته مجموعة السبع، أكثر صعوبة، كما أنه يشجّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأبرز داعميه، الرئيس الصيني شي جين بينج، على متابعة جدول أعمالهما في العالم، بحسب "بلومبرغ".

وتعاون شي جين بينج مع بوتين وأعلن صداقة "بلا حدود" بين بلديهما، قبل أسابيع من غزو روسيا لأوكرانيا. كذلك زادت الصين مشترياتها من النفط الروسي، منذ اندلاع الحرب، إذ أنفقت 72% أكثر على واردات الطاقة الروسية في يونيو، مقارنة بالعام السابق.

يأتي ذلك فيما تفاقم التوتر بين بكين وواشنطن، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان قبل أيام، وفي نزاع الصين مع مجموعة السبع، بعدما أعربت المجموعة عن قلقها بشأن "ممارسات تهديدية" تتخذها بكين بشأن تايوان.

لكن بكين ليست وحدها في رفض دعوات إلى كبح الكرملين، إذ أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحدث هاتفياً مع بوتين، في مطلع يوليو، وناقش معه كيفية تعزيز التبادل التجاري بين بلديهما. كما أن الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، المرشح لتولّي المنصب مجدداً، حمّل أوكرانيا وروسيا مسؤولية متساوية بشأن الحرب.

وانتقد الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، العقوبات المفروضة على روسيا، فيما خلصت أنقرة إلى أن معاقبة موسكو ستمسّ بمصالحها الاقتصادية والسياسية، كما قال مسؤول تركي بارز، أشار إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة والأضرار اللاحقة بالسياحة، كبّدت بلاده خسائر بـ35 مليار دولار.

"الجنوب العالمي"

الضرورات الاقتصادية هي أحد أسباب تحفّظ ما يُسمّى بـ"الجنوب العالمي". لكن ثمة مخاوف أخرى، بما في ذلك الصلات التاريخية مع موسكو، ومؤشرات إلى فك ارتباط من الولايات المتحدة، وانعدام ثقة بقوى استعمارية سابقة، بحسب "بلومبرغ". كما أن هناك أوجه تشابه مع الصين، رغم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتشكيل تحالف من الديمقراطيات ضدها.

وكان وكيل وزارة التجارة الأميركية آلان إستيفيز، أعلن في يوليو الماضي، أن تعاون بلاده مع 37 دولة لفرض قيود على صادرات تمسّ روسيا، كان بمثابة مخطط لنظام جديد لمواجهة تهديدات الصين.

لكن الولايات المتحدة ودولاً ذات تفكير مماثل، لقيت نجاحاً محدوداً في هذا الصدد، إذ أن أعضاء في مجموعة العشرين، بما في ذلك إندونيسيا، التي استضافت قمة التكتل هذا العام، يواصلون إبرام صفقات ضخمة مع شركات صينية مملوكة للدولة، فيما يبقى الميزان التجاري في مصلحة بكين.

وقالت بلومبرغ إنه "على سبيل المثال، لا تزال للمملكة العربية السعودية علاقات جيدة مع روسيا، من خلال مشاركتهما في تحالف أوبك+ للدول المنتجة للنفط. كما أنها صديقة لبكين، إذ قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أخيراً، إن شركات صينية كثيرة منخرطة بأعمال تجارية في نيوم".

ونقلت "بلومبرغ" عن السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر، قولها خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة الشهر الماضي، إن الرياض "ليست مضطرة للاختيار بين التكنولوجيا الأميركية والصينية، بالطريقة ذاتها التي يمكنك بها الحصول على ماكدونالدز وبرجر كنج في الشارع ذاته".

إفريقيا وصراع القوة الناعمة

ووفق "بلومبرغ"، فإن النهج الانتقائي في سياسة واشنطن الخارجية، أثار تنافساً على النفوذ. فالمستشار الألماني أولاف شولتز، دعا الأرجنتين وإندونيسيا والهند وجنوب إفريقيا، وهي دول لم تفرض عقوبات على روسيا، إلى حضور قمة عقدتها مجموعة السبع في أواخر يونيو، ركّزت على حرب أوكرانيا.

كذلك شهدت إفريقيا صراعاً على القوة الناعمة الشهر الماضي، إذ لمس وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إشادة بتكنولوجيا الطاقة النووية التي تصنعها موسكو. وانتهز الفرصة لتأكيد دعم روسيا التاريخي لحركات التحرّر في القارة، محمّلاً العقوبات مسؤولية انعدام الأمن الغذائي، بدلاً من حصار يفرضه الكرملين على موانئ الحبوب الأوكرانية، خفّفه أخيراً.

في المقابل، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال جولة في إفريقيا، روسيا لشنّها "نوعاً جديداً من الحرب العالمية الهجينة" في القارة.

حضور صيني في إفريقيا

الأمر مشابه بالنسبة إلى بكين في إفريقيا، إذ تتناوب دولة في القارة مع الصين على استضافة منتدى يُعقد كل 3 سنوات للتعاون الصيني الإفريقي، بحضور الرئيس الصيني الذي يلتقي شخصياً كل رئيس دولة تقريباً. وعندما يُعقد المنتدى في بكين، تحظى غينيا الاستوائية الصغيرة بأهمية مشابهة لنيجيريا، وهذا مستوى من الاهتمام منعدم في واشنطن، بحسب "بلومبرغ".

تدرك الصين أن لكل دولة إفريقية صوتاً في الأمم المتحدة ومؤسساتها، وكسبت ثمار ذلك دبلوماسياً. ففي هذا العام، طرحت الولايات المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان، رسالة تدين الصين بشأن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانج، وقّعتها 47 دولة، غالبيتها أوروبية. وردّت كوبا بإصدار بيان مضاد بالنيابة عن بكين، مدعوماً من 62 دولة، معظمها في "الجنوب العالمي".

وبحسب "بلومبرغ" فإن قرار بلينكن بالسفر من آسيا إلى جنوب إفريقيا، في 7 أغسطس، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، يبدو كأنه محاولة لاستعادة السردية، ليس فقط ضد الصين، ولكن ضد روسيا أيضاً.

لدى حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم في جنوب إفريقيا علاقات تجارية وثيقة مع روسيا. إذ كان الملياردير الروسي فيكتور فيكسيلبيرج أبرز مانح للحزب، في الكشف ربع السنوي الأخير، كما أن لدى شركة Chancellor House الاستثمارية، التابعة للحزب، حصة في منجم للمنجنيز يمتلكه فيكسيلبيرج في جنوب إفريقيا.

وقال بايدن إنه سيرحّب بالقادة الأفارقة في واشنطن، في ديسمبر المقبل، للمشاركة في قمة "تبني على قيمنا المشتركة لتعزيز مشاركة اقتصادية جديدة بشكل أفضل"، معتبراً أنها "ستعزّز التزام الولايات المتحدة وإفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان".

آسيا وأميركا اللاتينية

ماريا ريبنيكوفا، وهي أستاذة مشاركة في الاتصال العالمي بجامعة ولاية جورجيا، اعتبرت أن لاستخدام الصين القوة الناعمة، التي تركّز على التعليم والوظائف، مع إظهار تطوّر تكنولوجي وتقدّم في الحدّ من الفقر، ​​صدى في "الجنوب العالمي" أكثر من تركيز الولايات المتحدة على القيم.

وقالت ريبنيكوفا التي أعدّت كتاب "القوة الناعمة الصينية"، لـ"بلومبرغ" إن موسكو تستخدم في الوقت ذاته "وسائل مختلفة لجذب الجنوب العالمي والتواصل معه، بوصفها مدافعة عنه".

وأقرّت بأن ذلك لا يرقى إلى مدى انخراط الصين، مشيرة إلى أن الروس "يجهدون كثيراً في السرديات المتنافسة"، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واللغة الدبلوماسية.

ولفتت إلى أن هذا النهج لا ينطبق فقط على إفريقيا، بل على آسيا وأميركا اللاتينية أيضاً، إذ زوّدت موسكو دولاً في القارتين بلقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد، كما أن الصين تستثمر فيها بكثافة.

وكان لافتاً أن تكتل "ميركوسور" التجاري في أميركا اللاتينية، رفض طلباً قدّمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإلقاء كلمة، خلال قمة عقدتها في أواخر يوليو.

وفي إندونيسيا، تمسّك الرئيس جوكو ويدودو بسياسة عدم الانحياز التقليدية، في مواجهة ضغوط لاستبعاد بوتين من قمة لمجموعة العشرين تستضيفها بلاده في نوفمبر المقبل، ودعا الرئيسين الروسي والأوكراني إلى المشاركة فيها، علماً أن "صندوق طريق الحرير" الصيني وقّع اتفاقاً لاستثمار 3 مليارات دولار في صندوق الثروة السيادي الجديد في إندونيسيا.

ورأت ريبنيكوفا أن الأحداث الأخيرة تُظهر كيف بات التنافس على النفوذ أكثر رسوخاً، ممّا يتيح فرصة ضئيلة كي تبدّل الدول مواقفها "إن لم يُقدّم شيء مهم جداً" لها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات