ازدياد الولايات الأميركية المتأرجحة يغير مشهد "التجديد النصفي"

time reading iconدقائق القراءة - 14
طابور من الناخبين المبكرين مع بدء التصويت في انتخابات التجديد النصفي بمدينة كولومبوس بولاية جورجيا الأميركية- 17 أكتوبر 2022 - REUTERS
طابور من الناخبين المبكرين مع بدء التصويت في انتخابات التجديد النصفي بمدينة كولومبوس بولاية جورجيا الأميركية- 17 أكتوبر 2022 - REUTERS
واشنطن - رشا جدة

في انتخابات الرئاسة الأميركية، عام 2020، تفوّق المرشح الديمقراطي جو بايدن، على الجمهوري دونالد ترمب، بفضل انتصارات بايدن الصغيرة في ما يوصف بـ"الولايات المتأرجحة" التي سبق وفاز بها ترمب في عام 2016.

ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي  للكونجرس الأميركي المقرر عقدها في الثامن من نوفمبر المقبل، يبدو عدد الولايات المتأرجحة في ازدياد، إذ يتسرب "الأرجواني" وهو مزيج أزرق (الديمقراطيين) وأحمر (الجمهورين)، يتسرب إلى المزيد من الولايات، ما يعني زيادة عدد ساحات معارك انتخابية غير محسومة بين الحزبين. فكيف يبدو المشهد قبل أقل من 3 أسابيع على الانتخابات؟

زيادة الولايات المتأرجحة

شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، تحولات على مستوى الولايات، إذ عادت بعض الولايات الزرقاء سابقاً إلى وضعها قبل عام 2016، فيما تراجعت بعض الولايات التي كانت حمراء في السابق إلى اليسار، وفي بعض الحالات صوتت للديمقراطيين لأول مرة منذ عقود.

كان الفوز بأصوات ولاية جورجيا حُلم للديمقراطيين، وتحقق ذلك منذ عامين، حين صوتت الولاية لبايدن، في السباق الرئاسي لأول مرة منذ عام 1992، وانتخبت اثنين من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي.

الولاية المذكورة، التي حافظت لسنوات على نظام جمهوري، تحولت إلى ولاية متأرجحة، بفضل الناخبين ذوي البشرة السمراء، وفقاً لبيانات five thirty eight للأدلة والبيانات.

في سبعينات القرن الماضي، تدفق المزيد من الأميركيين ذوي البشرة السمراء إلى جنوب شرقي الولايات، وكانت جورجيا معقلاً لهم. يفسر ذلك ميلها (جورجيا) نحو الديمقراطيين في العقدين الماضيين وتصويتها أخيراً لصالح بايدن.

ورغم أن هناك نظرية تقول إنّ الاستمرار في ذلك الاتجاه ربما يؤدي إلى تحويل ميزان القوى بشكل كبير نحو الديمقراطيين في السباقات التنافسية على مستوى الولاية في انتخابات التجديد النصفي، لكن لا يمكن الجزم بذلك، ذلك أن الخريطة تتغير يومياً.

ومع إعادة ترسيم مناطق مجلس النواب الأميركي وخطوط الدوائر التشريعية للولاية في جميع أنحاء البلاد، يصف أستاذ العلوم السياسية بـ"جامعة ميسوري" بيفريل سكوير، انتخابات 2022 بـ"الانتخابات التنافسية"، متوقعاً أن "تغري الدوائر الجديدة المزيد من المرشحين وتجبر شاغلي المناصب على السعي إلى ناخبين جدد".

سبب آخر لجعل انتخابات التجديد النصفي تنافسية للغاية، يذكره سكوير في حديثه لـ"الشرق" وهو أن السيطرة على كل من مجلسي النواب والشيوخ، بل وبعض الهيئات التشريعية للولايات، تبدو على المحك.

ويوضح سكوير أنه "عندما تكون السيطرة على الهيئة التشريعية على المحك، ستتدفق المزيد من الأموال إلى الحملات لكلا الحزبين، ما يزيد من القدرة التنافسية مرة أخرى ويؤدي إلى تزايد عدد الولايات المتأرجحة".

تجدر الإشارة إلى أن تزايد عدد الولايات المتأرجحة قبل الانتخابات المقبلة، يأتي مدعوماً بقرار المحكمة العليا في قضية "دوبس ضد جاكسون" (يتيح للمرأة الحق في الإجهاض) في تقدير أستاذة العلوم السياسية والإدارة العامة بـ"جامعة شمال كارولينا" مارثا كروبف.

وتوضح "مارثا" لـ"الشرق" أنّ رفع الغطاء القانوني عن الإجهاض كان له تأثير كبير جداً في حشد عدد كبير من النساء للتسجيل للتصويت. وتضيف:  "مع ذلك، لا يبدو فوز الديمقراطيين مؤكداً بسبب التضخم". وتمضي قائلة: "دعونا نواجه الأمر، عادة ما يخسر الحزب الحاكم (الديمقراطي في هذه الحالة) في الانتخابات النصفية".

ميول غير واضحة

تعد ولاية نيفادا الغربية واحدة من أكبر الولايات المتأرجحة، التي تشهد تنافساً كبيراً بين المرشحين.

في عام 1980 حصلت الولاية على 3 أصوات انتخابية، ومع تضاعف عدد سكانها وصل عدد الأصوات الانتخابية فيها إلى 6 أصوات.

كان الجمهوريون يهيمنون على الولاية منذ أواخر الستينات وحتى أواخر الثمانينات. ومع تغير التركيبة السكانية من المهاجرين واللاتينيين، تأرجحت الولاية. وفازت هيلاري كلينتون عام 2016 (مرشحة رئاسية حينها)، على دونالد ترمب بهامش 48 في المئة إلى 46 في المئة. وفي عام 2020، فاز جو بايدن بهامش 2.5 في المئة على ترمب، وهو ما حلله خبراء على أنه مؤشر على إمكانية توفر فرصة للجمهوريين، في الولاية مستقبلاً.

تصنف "الكرة الكريستالية"، وهي نشرة شاملة وغير حزبية للتحليل السياسي يديرها مركز "جامعة فيرجينيا للسياسة"،ن تراقب وتحلل الاتجاهات السياسية في الانتخابات الأميركية، تصنف ولايتي جورجيا ونيفادا بأنهما "الأكثر تنافسية" في انتخابات 2022.

ولا يختلف ذلك التصنيف كثيراً هذا العام، عن الانتخابات الرئاسية لعام 2020، على الأقل بالنسبة إلى منافسات مجلس الشيوخ، إذ صوتت كلا الولايتين بفارق ضئيل لصالح جو بايدن في عام 2020.

ومع ذلك، تعتبر المحرر المشارك في نشرة Sabato’s Crystal Ball الصادرة عن مركز السياسة بـ"جامعة فيرجينيا" والتي تعنى بالحملات الأميركية والانتخابات، ومنسقة العلاقات الإعلامية في المركز المذكور، مايلز كولمان، أن أي ولاية "تميل" فقط نحو طرف أو آخر تعد ساحة معركة.

وتقول مايلز، في تصريحات لـ"الشرق" إنه في مجلس الشيوخ المنقسم حالياً بنسبة 50/50، يمكن لأي ولاية من تلك الولايات أن تمنح السيطرة على الأغلبية. أما في حالة منافسات حكام الولايات، فإن  الميول "تبدو أوضح"، في رأي مايلز، لأن جزءاً من أصوات الناخبين يكون مدفوعاً بشخصية المرشح أكثر من انتمائه الحزبي، ضاربة مثلا بالولاية الجمهورية كانساس التي انتخبت حاكماً ديمقراطياً وقد تعيد ترشيحه.

إلى من تتأرجح؟

سلمت ولاية ويسكونسن بايدن الرئاسة بأقل من نقطة واحدة في الانتخابات الرئاسية الماضية. ورغم أنها عُرفت بتأييدها للديمقراطيين من خلال تصويتها في انتخابات 2012 و2008 للرئيس السابق باراك أوباما، وكذلك لجون كيري أمام جورج دبليو بوش في انتخابات 2004، ما زالت ويسكونسن تُصنّف بأنها أحد أهم الولايات المتأرجحة، إذ صوّتت لترمب عام 2016 الذي جمع 47.2 في المئة من الأصوات مقابل 46.5% لصالح هيلاري كلينتون.

ومع عدم الجزم بانحيازها لحزب بعينه في انتخابات التجديد النصفي، يصف سكوير السياسة الأميركية بأنها ديناميكية للغاية في الوقت الراهن، ومن غير الواضح ما إذا كان أي من الحزبين يتقدم بشكل واضح. ومع ذلك، يتوقع أن سباقات مجلس الشيوخ في نوفمبر القادم يجب أن تكون تنافسية بقوة في ويسكونسن وفي عدد من الولايات التنافسية الأخرى، لا سيما أريزونا وفلوريدا وجورجيا ونيفادا ونورث كارولينا وبنسلفانيا.

مع شدة التنافس في الولايات، لا يمكن التنبؤ بشكل حاسم بشأن ميل أي من تلك الولايات نحو حزب بعينه، كما أن بعض المحللين مثل مارثا، فقدوا رغبتهم في تقديم تنبؤات واثقة بعد فوز ترمب في عام 2016.

تعتقد مارثا أنّ التضخم هو "الخطر الأساس" الذي يواجه محاولة الديمقراطيين الحفاظ على الأغلبية، بينما أمامهم فرصة للاستفادة من قضية الإجهاض لاستقطاب الناخبين في الولايات المتأرجحة.

وفي سباقات التأرجح الرئيسية في مجلس الشيوخ الأميركي، ترى مارثا أنّ الديمقراطيين يتمتعون بمرشحين جيدين، لكن لديهم جميعاً نقاط ضعف، بينما يحظى العديد من الجمهوريين بدعم ترمب، وهو ما يجعلها تتساءل عن مدى تأثير ذلك على الناخبين المستقلين.

في وقت سابق من هذا العام، عندما كانت معدلات تأييد الرئيس بايدن تبدو أسوأ، اعتقدت مايلز أنّ الجمهوريين يمكن أن يكتسحوا معظم الولايات المتأرجحة. كما حدث ذلك في عام 2014، في منتصف المدة السيئة لأوباما، خسر الديمقراطيون مجلس الشيوخ لأن الجمهوريين سيطروا على معظم السباقات الرئيسية في مجلس الشيوخ. لكنها الأن ترى أن الأجواء السياسية تبدو أكثر حيادية، ولذلك تتوقع أن تنقسم الولايات المتأرجحة بشكل متساوٍ بين الأطراف. وتضيف لـ"الشرق": "في الواقع، لأن جورجيا تستضيف واحدة من أقرب المسابقات، فإن سيطرة مجلس الشيوخ قد تنخفض إلى جولة الإعادة هناك للدورة الانتخابية الثانية على التوالي".

قوة حسم

تشكل فلوريدا قوة حاسمة في الانتخابات القادمة، وكذلك، بقية الولايات المتأرجحة.

ورغم تصنيف الولاية (فلوريدا) تاريخياً، بأنها موالية للحزب الجمهوري، إلا أنها صوتت في انتخابات عام 2012 لصالح الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في مواجهة منافسه آنذاك الجمهوري ميت رومني. كما صوتت لصالح أوباما أيضاً في انتخابات 2008 في مواجهة جون ماكين. لكن مع تحسن أداء ترمب بين الناخبين ذوي الأصول الإسبانية وخاصة الأميركيين الكوبيين عادت لتصوت للجمهوريين في انتخابات 2016 و2020.

قوة الولايات المذكورة أعلاه في حسم الانتخابات، يجعلها تحظى بمعظم الاهتمام في حملات الانتخابات الرئاسية ومجلس الشيوخ، خصوصاً في ما يتعلق بالإنفاق على الحملات والإعلان، من أجل استمالتها. في حين لن يقوم أي مرشح ديمقراطي بحملة جادة في كاليفورنيا، لأنها ولاية زرقاء عميقة وآمنة، وبالمثل تقول منسقة العلاقات الإعلامية في مركز السياسة بـ"جامعة فيرجينيا" مايلز كولمان: "لويزيانا التي أعيش فيها جمهورية تتمتع بصلابة على المستوى الفيدرالي، ولم تجتذب سوى القليل من الاهتمام الخارجي".

وبالطبع، ستقرر الولايات المتأرجحة توازن مجلس الشيوخ الذي سيكون له تداعيات سياسية ضخمة في الفترة المقبلة.

على صعيد آخر، تتساءل مايلز عن ترشح بعض "منكري الانتخابات" الذين يرشحون أنفسهم لمنصب الحكام. قائلة: "في ولاية أريزونا، شككت المرشحة الجمهورية لمنصب الحاكم كاري ليك في شرعية انتخابات 2020. كانت أريزونا ولاية متأرجحة رئيسية في عام 2020. إذا تم انتخاب ليك حاكمة، ولم تعجبها نتائج ولايتها في انتخابات 2024 ، فهل سترفض المصادقة على النتائج؟".

لماذا لون بعينه؟

هناك عدد من العناصر التي تجعل ولاية متأرجحة أكثر ميلاً إلى لون بعينه، سواء كان أزرقاً أم أحمر.

ويعد حشد الناخبين من قبل الأحزاب أحد أهم العناصر التي تجدها مارثا "مؤثرة للغاية". فإذا تمكن الديمقراطيون من تعبئة قاعدتهم بشكل أفضل من الجمهوريين، فعندئذ سوف ينتصرون. وإذا فعل الجمهوريون ذلك، فسوف ينتصرون، ولأن الانتخابات على مستوى الولاية، فإن الولايات ستختلف اعتماداً على مدى عمل الأحزاب ومجموعات المصالح المرتبطة بها.

ومع ذلك، لا تعد التعبئة العنصر الوحيد لحسم اتجاه الولاية، إذ تلاحظ مارثا أن "الناخبين يصوتون لمصلحتهم الخاصة، والإجهاض لم يكن يوماً مؤثراً بمثل هذه القوة".

رغم أنه يمكن اعتبار الملفات الانتخابية الساخنة، والانتماء الحزبي والقدرة على التعبئة من أبرز العناصر، يجد سكوير أن المرشح ذاته، يأتي على رأس العناصر الحاسمة في التأثير على تصويت الولايات المتأرجحة. ويقول لـ"الشرق": "يثبت بعض المرشحين أنهم نشطاء جيدون فيميل لهم الناخبون، بينما يثبت آخرون أنهم فاشلون. وبالطبع، يمكن للقضايا أو الفضائح غير المتوقعة أن تغير الموقف".

المتأرجحة.. دائماً أولوية

تنفق الأحزاب الأميركية مبالغ مالية كبرى لاستمالة الولايات المتأرجحة، وتتجه انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، لأن تكون الأغلى تكلفة على الإطلاق، مع ضخ أكثر من 6.4 مليار دولار في الإعلانات التلفزيونية والإذاعية والرقمية لمجلس النواب الأميركي ومجلس الشيوخ وحكام الولايات، والأجناس المحلية، وفقًا لبيانات شركة الإعلانات غير الحزبية AdImpact.

وفي الولايات التي يهيمن فيها أحد الحزبين الرئيسيين، تكون سباقاتهم أقل تنافسية وأقل إثارة للاهتمام، ولن تنفق فيها أموال كثيرة. من هنا، لا أحد يتوقع، أن يقوم الديمقراطيون بعمل جيد في ولاية ألاباما الجمهورية أو أن يفوز الجمهوريون في ولاية ماساتشوستس الديمقراطية.
 
يعرف كلا الحزبين أين توجد فرصة لمرشحيهم للفوز، كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية سكوير مشيراً إلى أنهم يقومون بتوجيه موارد الحملة إلى السباقات المتأرجحة. ويضيف: "وليس دائماً ما يتفق الحزبان على مدى تنافسية السباق الانتخابي في ولاية ما، وهو ما قد يزيد من فرص حدوث مفاجآت غير متوقعة في نتائج الانتخابات".

ومن جانبها ترى أستاذ العلوم السياسية مارثا أنّ إنفاق موارد كبيرة في الولايات المتأرجحة لاستمالتها استراتيجية أحزاب، لافتة إلى أنّه في بعض الأحيان "يمكن أن تكون الاستراتيجية خاطئة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات