حكايات الموكب الملكي.. أسرار 12 مومياء من "الخبيئة المنسية"

time reading iconدقائق القراءة - 8
مومياء ملكية سيتم نقلها من المتحف المصري في التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط - تصوير الألماني إميل بروجش عام 1881 - (الشرق)
مومياء ملكية سيتم نقلها من المتحف المصري في التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط - تصوير الألماني إميل بروجش عام 1881 - (الشرق)
القاهرة -فادي فرنسيس

تتوجه أنظار العالم، مساء السبت، إلى مصر لمتابعة موكب نقل المومياوات الملكية الذي يضم 22 ملكاً وملكة من ملوك مصر القديمة، والذي ينطلق من المتحف المصري في ميدان التحرير، إلى المتحف القومي للحضارة بمنطقة الفسطاط بالعاصمة القاهرة.

وتلقي "الشرق" الضوء على قصة "المقبرة 35 "، أو "خبيئة مقبرة أمنحتب الثاني" التي عرفت بـ" خبيئة الملوك المنسية" بين علماء الآثار، وتضم أكثر من نصف مومياوات الموكب الملكي، إذ خرج منها العديد من ملوك مصر القدماء، أبرزهم أمنحتب الثاني، والثالث، وزوجته الملكة تي، وتحتمس الرابع، وسيتي الثاني، ومرنبتاح، وست نخت، وسابتاح، ورمسيس الرابع، والخامس، والسادس.

بداية الاكتشاف

اشتهرت مقبرة الملك أمنحتب الثاني، باسم "الخبيئة المنسية" بعدما عثر العالم الفرنسي فيكتور لوريه، مدير مصلحة الآثار المصرية، بداخلها على 12 مومياء ملكية عام 1898، لكنها لم تأخذ حظها في الشهرة، مثل خبيئة الدير البحري التي حظيت بشهرة واسعة.

ووفقاً لتقرير نشره لوريه عن الاكتشاف في مجلة "المعهد المصري" عام 1898، وبقيت أوراقه وصوره عن الكشف في أرشيف "جامعة ميلانو"، فإن الكشف جاء بعد أن ترأس لوريه مصلحة الآثار المصرية، والذي أتى إلى مصر عام 1881، وبدأ عمله في ترجمة نصوص مقابر وادي الملوك، وأسس قسم المصريات في جامعة ليون الفرنسية، كما ألّف أيضاً قاموس اللغة الهيروغليفية، وكتباً عن النباتات المصرية، خاصة أنه كان موسوعياً، نظراً لعلمه في الطبيعة، والموسيقى، وتخصصه في اللغة المصرية القديمة.

وأشار التقرير، إلى أنه خلال رئاسة لوريه مصلحة الآثار، انتشرت شائعات بأن المنطقة الواقعة أمام مقبرة رمسيس الثالث في وادي الملوك تضم مقابر أخرى، وهو ما أيده حسين محمد عبد الرسول، مكتشف خبيئة الملوك الأولى، التي كانت بوابة العثور على مقبرة توت عنخ آمون.

وأثناء وجود لوريه في رحلة تفتيش بصعيد مصر، أبلغه مفتش مدينة القرنة في الأقصر، حسن أفندي حسني، ومساعده صبحي عارف، بأهمية الحفر في المكان الذي يقع مقابل وادي الملوك، فوافق لوريه وقرر بدء الحفر يوم 9 مارس 1898.

وأسفر الحفر عن العثور على قطع من تماثيل الأوشبتي (تماثيل تشبه ملامح المتوفى) تحمل اسم الملك تحتمس الثالث، والملك أمنحتب الثاني، واستمر الحفر، حتى عثر على كتل من الأحجار المهشمة تسد مدخلاً غير واضح المعالم.

المركب والمومياء

ومع مواصلة الحفر، وجد العمال بئراً مليئة بفخار محطم وآثار مهشمة، وراءها غرفة أخرى عثروا فيها على قطع أثرية مهشمة وحبال مربوطة، ومنها إلى غرفة قائمة على 4 أعمدة، حيث عثر لوريه على مركب ملونة من الخشب، بداخلها مومياء لشخص مجهول.

عثر لوريه في المقبرة على مراكب أخرى يصل طولها إلى مترين، وأوانٍ من الفخار والألباستر في منتصف الغرفة، كما عثر داخل غرف منحوتة في الصخر على نحو 3 آلاف قطعة أثرية أغلبها مهشم، بالإضافة إلى نباتات وزهور وفاكهة مجففة، منها أول فرع من شجرة زيتون يُعثر عليه داخل مقبرة مصرية، واعتبر رمزاً للسلام  في عصر الدولة الحديثة.

وعثر لوريه على تماثيل لفهد من الخشب، وكم كبير من التوابيت والمومياوات، منها مومياء سيدة ملقاة على الأرض، ومغطاة بشريط من الكتان على جبهتها من الناحية اليسرى، وفي غرفة أخرى وجد 9 توابيت على الأرض، و6 توابيت أخرى متكئة على الحائط، ظن وقتها أنها لأقارب الملك المتوفى صاحب المقبرة، كما عثر على درع كبيرة من الخشب مهشمة، ويبدو من أسلوب صنعها أنها آسيوية المصدر، وربما قدمت للملك صاحب المقبرة أثناء حربه في سوريا.

وعثر في المقبرة، على كم كبير من الأواني الزجاجية بألوان مختلفة، وتماثيل آلهة مثل سخمت وأنوبيس وأوزوريس وحورس وبتاح، وكذلك أوانٍ كانوبية مهشمة تحمل اسم الملك "أي" فضلاً عن مئات التمائم وبقايا الحيوانات المحطمة والطيور.

ولم يعثر لوريه، على أي كنوز ذهبية، ما يدل على أن المنطقة تعرضت للسرقة من قبل، وأن اللصوص كشطوا قشور الذهب بعناية شديدة من الآثار التي كانت تزينها.

وسجل لوريه، ملخصاً للمومياوات والتوابيت التي عثر عليها، ومنها تابوت الملك تحتمس الرابع، وهي من أفضل المومياوات الملكية من حيث الحفظ، وكان لافتاً العثور على تابوت الملك رمسيس الثالث على الرغم من العثور على موميائه في الدير البحري والتي كانت مدفونة في تابوت يحمل اسم الملك سيتي الثاني، وبدراسة التابوت تبين وجود اسم أمنحتب الثالث أسفل اسمه، وهو ما عثر عليه بعد ذلك لوريه في المقبرة 35، ما يؤكد أن حالة كبيرة من الفوضى صاحبت عملية إعادة دفن وتجميع ما تبقى من أجساد وآثار الملوك.

كنز الخبيئة

وفي غرفة الدفن، كان هناك تابوت وردي اللون، اقترب منه فيكتور لوريه، وبدأ في قراءة ألقاب الملك فوجد أن التابوت يخص الملك أمنحتب الثاني، فظن للوهلة الأولى أن التابوت خالياً لأنه لم يحدث قبل العثور على مومياء ملك داخل تابوتها الحجري.

وقال لوريه، إنه بدأ يتحسس خطواته حتي لا يدمر الآثار المتناثرة في الغرفة واقترب من التابوت فوجد المومياء بداخله فصرخ بصوت عالٍ:" لقد انتصرنا".

وكانت المفاجأة أيضاً، أنه عثر على باقات زهور جميلة فوق رأس الملك وعند أقدامه، وهي تعتبر عرفاناً من الكهنة المصريين للجميل الذي قدمه الملك باستضافة من سبقوه ومن لحقوه من كبار رجال مصر القديمة.

أوامر وقف الحفر

وقبل أن يفتح لوريه، الغرفة الأخيرة صدرت له الأوامر بأن يوقف الحفر داخل المقبرة وبأن يسد مدخلها، دون ذكر أسباب، فأرسل لوريه بسرعة، أحد مساعديه إلى المقبرة لرسم خريطة لها، كما صنع 9 توابيت خشبية لوضع المومياوات بداخلها ونقلها إلى القاهرة، إلا أن قراراً مفاجئاً صدر من وزير الأشغال العمومية، يأمر لوريه بإغلاق المقبرة والعودة إلى القاهرة.

سرقة المقبرة 

بعد إغلاق المقبرة بـ 4 سنوات، تعرضت للسرقة، وبحسب أقوال حراس المقبرة وقتها، فإن مجهولين أطلقوا عليهم الرصاص لإرهابهم ثم كبلوهم، ودخلوا المقبرة وسرقوا منها المركب والمومياء التي كانت بداخلها.

واستطاع العالم الأثري الشهير، هاورد كارتر، الذي كان يشغل وقتها منصب مدير آثار مصر العليا، التوصل إلى الجناة، بعد إجراء التحقيقات عن طريق تصوير آثار أقدامهم، واستعاد المركب، لكن المومياء الغامضة التي كانت بداخلها فقدت للأبد.